س١/ في حديث للإمام العسكري (ع) يقول: (علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختّم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرَّحمن الرَّحيم).. نرجو تسليط الضوء على هذا الحديث؟..
إن هذه الرواية على اختصارها فيها معان كثيرة، وتلفت النظر لحركة تاريخية، ولخلاف سابق في حياة الأمة.. إن الإيمان حالة في القلب، له توجهه الروحي والفكري، ولهذا التوجه كواشفه وما يبرزه، فلابد للمؤمن من سمات يُعرف بها.. حيث أن التقية والتخفي خلاف الأصل، الذي يقتضي أن يكون متجاهراً بهويته.. والإمام العسكري (ع) يشير إلى هذه العلامات:
* صلاة إحدى وخمسين: وهي عبارة عن مجموع الفرائض(١٨) والنوافل (٣٤).. فالإمام (ع) يذكر أول علامة، الصلاة بفرائضها ونوافلها، دلالة على أهميتها، وتأكيداً على المحافظة عليها.. ومن المعلوم أن النوافل تجبر ما في الصلاة من خلل ونقص، سواءً في الظاهر: الأجزاء والشرائط، أو الباطن: في الإقبال القلبي.
* زيارة الأربعين: في كتب التاريخ هنالك رأي: بأن أهل البيت (ع) رجعوا بعد عاشوراء من الكوفة إلى كربلاء، قبل أن يذهبوا إلى الشام.. وهنالك رأي آخر: بأنهم رجعوا من الشام، والتقوا بجابر بن عبد الله الأنصاري (رض) ومعه عطية في كربلاء.. ورأي ثالث مستند لزيارة أهل البيت (ع) لكربلاء، في يوم الأربعين للسنوات اللاحقة لقتل الحسين (ع).. ويبدو بأن ذلك أصبح شعاراً لمحبي أهل البيت (ع).. ومن المعلوم أن أول من زار الحسين (ع) هو جابر، من أصحاب النبي (ص) والذي تخرج من مدرسته.. ولا يخفى بأنه يعلم ما للحسين (ع) من منزلة عند النبي (ص).. حيث أُلمس القبر وأخذ يخاطب الحسين (ع) بكلمات مفجعة، نقرأها اليوم ونبكي لوقعها في النفوس.
* التختم باليمين: التختم باليمين من سنة النبي (ص) التي عمل بها ودعا إليها، واقتفى أثره الأئمة (ع).. ولكن البعض من المخالفين، الذين يحملون العداء لأهل البيت (ع)، خالفوا عناداً بالتختم باليسار، والذي مهد لهذا العناد والتوجه المعاكس لأهل البيت (ع)، هم: الجهاز الحاكم، والبلاط، والأمراء، والسلاطين، والمحدثين الذين كذبوا على النبي (ص).
* تعفير الجبين: في روايات الفريقين، ليس هنالك نص إسلامي يدل على أن النبي (ص) سجد على الأرض، أو ما تنبته الأرض كالخمرة والحصيرة.. فلقد كان (ص) يسجد على الطين أو التراب، أو كان يستخف من الحصير شيئاً.. إن المؤمن في سجوده يعفر جبينه، ونحن عندما نسجد على تربة كربلاء؛ لأنها من مصاديق التراب، وإلا ليس الأمر متوقفاً على ذلك.. ومن الملاحظ أن المؤمن يضع الجبهة، وهي أعلى منطقة في الإنسان -المحاذية للمخ، وأساس التفكير الإنساني، وأشرف جزء في وجوده- على أخس وأرخص شيء في هذا الوجود وهو التراب.. فهذا سلمان المحمدي (رض) يصرح بأن هذه الدنيا ليس فيها ما يغري، لولا هذين العنصرين: الجلوس مع الإخوان، والسجود بين يدي الله عز وجل.
* الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم: إن آية البسملة من أعظم آيات القرآن الكريم، والنبي (ص) كان يبسمل ويجهر في بسملته، والشاهد على ذلك الروايات الكثيرة المتعددة في هذا المجال.. ومن المناسب أن نذكر كلمة للفخر الرازي -الذي هو أحد علماء العامة- في تفسيره للقرآن الكريم، هو عندما يصل لآية بسم الله الرحمن الرحيم يذكر بـ (أن علياً (ع) جهر بالبسملة.. ومن اتخذه إماماً لدنياه وآخرته؛ فقد فاز).
س٢/ ما هي الدروس المستفادة من ذكرى سبي حرائر النبوة (ع)؟..
يعز على صاحب الأمر (عج) أن يسمع بكلمة السبي، وقد نقل أنه عندما يسأل في بعض القصص المنقولة في تاريخ زمان الغيبة، عن أعظم المصائب التي تهزه من الأعماق، فإنه يذكر هذه المصيبة.. كم هو ثقيل أن تُرى زينب (ع) -وهي بنت أمير المؤمنين، والخليفة الرابع كما هو متعارف- أسيرة بين يدي الأعداء، يتصفح وجوههن القريب والبعيد، والناس يتصدقون عليهم بالتمر وغيره.
إن الدرس الأساسي في هذه الحركة هو التطبيق العملي لهذه المقولة: (أن للحق دولة وللباطل جولة)، فإذا رأينا انتصار الباطل وعتوه وتجبره، لا يأخذنا اليأس، ولنعلم بأن العاقبة للحركة الحسينية، حيث انتصار الدم على السيف.. وهذا هو ما جرى بعد عاشوراء على الظالمين من تقتيل على يد الثورات التي أبادتهم عن بَكرة أبيهم.. إن رب العالمين أراد أن يعلم الأمة، بأنه لا يمكن أن يُمحي الذكر الإلهي، وهو النور الذي لا يمكن أن يطفأ.
س٣/ من الملاحظ في الروايات المتعددة، التأكيد الشديد على زيارة الأربعين، ما هو السبب في ذلك.. وما هي آداب الزيارة؟..
إن زيارة الأربعين أصبحت شعاراً لمحبي أهل البيت (ع)؛ اقتفاءً بطريقة الأئمة(ع).. إن زيارة المشاهد المشرفة ينبغي ألا تكون زيارة أبدان فحسب!.. بل يُفضل التفاعل الروحي، واستلهام الدروس المعنوية في ذلك المقام الشريف.. وقد قيل بأن الزيارة أن يجد الزائر نفسه بين يدي المزور، فإذا وصل إلى تلك الحقيقة، فقد حقق الزيارة النموذجية.
س٤/ زينب (ع) بطلة كربلاء وشريكة الحسين (ع) في نهضته، اتجهت في مشهد روحي غارق في العرفان إلى جسد أخيها الحسين (ع) سبط الرسول (ص) المضرج بدمائه؛ لتضع يديها تحته وترفع طرفها إلى السماء قائلة: (اللهم تقبل منّا هذا القربان)!.. ما تعليقكم على روحية زينب (ع) وقوتها وجلدها وصبرها؟..
إن زينب (ع) قدمت للمرأة المؤمنة، الصيغة الجامعة بين لزوم العفاف والعفة في مجال التعامل في شؤون الحياة، وبين القيام بالوظيفة الشرعية.. هي كأمها الزهراء (ع)، مع كل خدرها وعفافها وحجابها، قامت بذلك الدور البطولي في مسألة الترويج لثورة الحسين (ع).
س٥/ وُجد على ظهر الحسين بن علي (ع) يوم الطف أثرٌ، فسألوا زين العابدين (ع) عن ذلك، فقال: (هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين).. الجامعية في سلوك الأئمة (ع) من الأمور التي لا تنكر: فمن العبادة في جوف الليل، إلى سد حوائج الفقراء والمحتاجين، إلى تثقيف الأمة، فما هو تعليقكم على هذا المجال؟..
هذه الجامعية في حياة كل أئمة الهدى (ع)، ولكن مع الأسف نجد أن البعض قطع الشريعة قطعاً، فمنهم من أخذ جانب الورد والذكر، أو جانب الجهاد، أو جانب مواساة الفقراء والمساكين، أو الجانب العلمي.. نعتقد أن هذا كله انحراف عن السلوك الذي كان عليه أئمة الهدى (ع).. فإذن، إن هنالك في يوم عاشوراء على بدن الحسين (ع) آثار الجراح، وهنالك آثار حمل الجراب للفقراء والمساكين، وهذه هي الجامعية المطلوبة في كل عصر.
س٦/ في قول للإمام الصادق (ع): (اقرؤا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم، فإنها سورة الحسين، وارغبوا فيها رحمكم الله).. فقال له أبو أسامة -وكان حاضر المجلس-: كيف صارت هذه السورة للحسين (ع) خاصة؟.. فقال: (ألا تسمعْ إلى قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}، إنما يعني الحسين بن علي صلوات الله عليهما، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية، وأصحابه من آل محمد صلوات الله عليهم هم الراضون عن الله يوم القيامة وهو راضٍ عنهم).. ما هي الدروس المستفادة من سورة الفجر؟..
إن هذه السورة معروفة بأنها سورة الحسين (ع)، وإن من مصاديق النفس المطمئنة الراضية هي نفس الحسين (ع).. تأملوا في هذه العبارة (رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) كأن رضا العبد عن ربه أرضية ومقدمة لرضا الله تعالى عنه، هي راضية في الدرجة الأولى، ومرضية في الدرجة الثانية.. ومن الملاحظ في هذه السورة أن فيها ذكر وتقريع لطواغيت العصور فرعون وثمود و…، معنى ذلك أن عاقبة هذه الحضارات المتفرعنة، هي عاقبة أولئك الجبابرة وكل من وقف أمام الحق في طوال التأريخ.
س٧/ ما هي طريقة التفاعل مع مصائب الإمام الحسين (ع) خارج مجالس العزاء؟..
هنالك أساليب عدة عملية للتفاعل مع ذكر الإمام (ع) خارج مجالس العزاء الحسيني منها: استغلال الساعات الضائعة في السيارة، في الاستماع إلى شيء من عبرهم (ع).. وأيضاً التدبر في كلماتهم الجميلة، فمثلاً هذه الكلمة للإمام (ع): (إني لا أرى الموت إلا سعادة)، إن الموت في نظر الناس عبارة عن فناء وحرمان من متع الحياة الدنيا، ولكن هنا الإمام (ع) لماذا جعل السعادة مرتبطة بالموت في سبيل الله؟!.. فهذا مفهوم جديد للسعادة.. وكذلك التدبر في المضامين التوحيدية لدعاء الحسين (ع) يوم عرفة.. وقراءة كل ما كتب عن الحسين (ع) في هذا المجال.
س٨/ نريد أن ترشحوا لنا كتاباً في سيرة الإمام الحسين (ع)؟..
إن الكتب المؤلفة على سيد الشهداء (ع) على نحوين: الأول: كتب المصادر أو التراث، وفي هذه الكتب نلاحظ بأن هناك مجموعة روائية ثرية، تحتاج إلى من يترجمها إلى شعر، أو نثر، أو إلى فلم … الثاني: الكتب التحليلية، ومن الممكن الاستفادة من كتابات الشيخ باقر شريف القرشي، فهو يعتمد في تحليله على النصوص الروائية كثيراً، وهوكتاب مؤلف من جزأين.
س٩/ ما ردكم على من يستشكلون علينا إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) دون غيره من الشهداء؟..
ينبغي أن لا ننظر إلى قضية الحسين (ع) على أنها مأساة إنسانية، وعبارة عن مقتل صحابي يقاتل غيره من الصحابة.. فالإمام الحسين (ع) يشكل منعطفا تاريخيا ، حيث أنه عاش في مواجهة رجل فاسق كيزيد، كان دون مستوى الإنسانية بمراحل، وإذا بيده مقاليد المسلمين: الجيش الإسلامي، والخزائن، والعلماء، وأراد أن يمسخ الإسلام ويقلبه إلى الجاهلية الأولى.. إن ما بأيدينا اليوم من الإسلام على اختلاف الجهات، هو من بركات دماء سيد الشهداء (ع)، وهو جد الإمام الصادق (ع) الذي يفتخر به بعض أئمة المذاهب عندما قال: (لولا السنتان لهلك النعمان).. الحسين(ع) على رأس سلسلة في التأريخ، شأنه شأن إبراهيم الخليل (ع)، الذي اكتسب الخلود على مر العصور، الكثيرون حطموا الأصنام، لماذا الله تعالى يخلد حركة إبراهيم (ع) دون يحيى(ع) الذي قتل تلك القتلة الفجيعة؟!.. لماذا رب العالمين يخلد هرولة هاجر ورميها للجمرات؟! .. ثم أن النبي (ص) هو أول الباكين على الحسين (ع).. فإذن، نحن نبكي الحسين (ع)؛ لأنه منعطف تاريخي في حياة الأمة، وكذلك تأسياً بالنبي (ص).. وخير شاهد على ذلك، البركات التاريخية لإقامة عزاء الحسين (ع).
س١٠/ هل لديكم تعليق على أشرطة العزاء هذه الأيام؟..
توجد ملاحظتان: الأولى: عدم الانجرار للإلحان الغنائية، إذ أنه ينبغي أن نحتفظ بالجانب العزائي والفرحي، مع الابتعاد عن الألحان المناسبة لمجالس اللهو.. ومن المعلوم أن فقهاءنا لا يجيزون هذا الأمر، ويقولون بأن صحة المضامين لا تشفع للحلية.. الثانية: الإكثار من الشعر الفصيح؛ لأنها لغة مشتركة بين الجميع، حيث أن التركيز على اللهجة الشعبية، قد يفيد الناطقين بها فقط.
س١١/ كيف نتصدى للعدوان البغيض على الأمة، الذي يستهدف نهب ثرواتها وسحق شعوبها.. مستلهمين ذلك من ثورة الحسين(ع)؟..
الجواب يكمن في أن ننظر إلى عناصر القوة والانتصار في ثورة الحسين (ع)، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ}.. أي علينا أن نعمل بما يوجب استنزال النصر الإلهي، الذي هو حليف كل من يسير على درب الشهادة والانتصار في دين الله عز وجل، {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.. وهنا دعوة لكل فرد منّا أن يعمل بتكليفه، سواءً مع أسرته أو مجتمعه، وأن ينظر إلى رضا الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة.. ولهذا نلاحظ بأن المدد الإلهي -ملائكة النصر- أنزلها الله تعالى في معركة بدر، بينما في أحد هنالك انتكاسة؛ بسبب إقبال الناس الدنيا.. فإذن، يجب علينا أن نعمل بتكليفنا أولاً، ونستلهم النصر من الله، ونمشي على درب الحسين (ع)، حيث أنه كان مستعداً لبذل كل شيء في سبيل نصرة هذا الدين، وشعاره كما نعلم: (إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي؛ فيا سيوف خذيني).. نسأل الله عز وجل أن ينصر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
س١٢/ نرجو شرح هذه المقتطفات من خطبة السيدة زينب (ع) (ولأن جرت علي الدواهي مخاطبتك، إني لاستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر توبيخك.. لكن العيون عبرى والصدور حرى)..
إن زينب (ع) قامت بعملية إعلامية ضخمة، وهي بهذه العبارات تريد أن تقول بأنها ليست في مقام المواجهة مع الملعون يزيد، إذ ليس هنالك سنخية بين المتكلم وبين المستمع.. ولكن إحساسها بالتكليف، هو الذي دفعها لأن تقف هذا الموقف الصارم أمام طاغية زمانها (لع).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.