دراسة حياة الأئمة..
إن هناك أسلوبين لدراسة حياةِ أئمة أهل البيت (عليهم السلام):
الأسلوب الأول: الأسلوب التجزيئي.. وهو أن يدرس الإنسان حياة كُلِّ إمام على حدة، وكلمة “الإمام” تعني “المعصوم” وعلى رأس المعصومين النَبي الأكرم مُحمدِ المصطفى (صلی الله عليه)، وبما أن زيارة المشاهد المشرفة، أصبحت أمراً سهلا بفضلِ هذهِ التقنيات الجديدة التي هي من نعم اللهِ عَزَّ وجل على عباده، فإنه من المُناسِب أن نَطلِع على: سيرتهم العَطِرة، وكلماتهم الطيبة، وأخلاقهم قبل زيارتهم، حيث إنه بإمكان الإنسان من خلال الأجهزة الحَديثة القيام بهذا العمل وهو في الطريق لزيارة مراقدهم الشريفة.. فمن يزور المعصوم مَعَ اطلاعةٍ سابقة على حياته الشريفة؛ يكون أقرب للتفاعل ممن يزورُ شخصية مجهولة!.. فشتان بين مَنْ لا يَعلم عن المزور إلا إنّهُ إمامٌ مفترض الطاعة ومعصوم، وبينَ منْ يعلم جزئياتِ حياةِ ذلكَ المعصوم!..
الأسلوب الثاني: النَظرة الشمولية لحياتهم.. إن حياة أئمةِ أهل البيت (عليهم السلام) التي تمتد حوالي قرنينِ ونصف مِن الزَمن فيها صِفاتٌ مُشتركة، هذهِ الصِفات تتكرر من إمامٍ إلى إمام، فمثلاً: صفة “نكران الذات” التي يتصف بها أمير المؤمنين (عليه السلام) هي سارية أيضاً في كُلِّ أئمة الهُدى (عليهم السلام)، ومن الصفات المشتركة أيضاً صفة “الصَبر”.
الصبر..
إن الصَبر هو سِمة النبي الأكرم (صلی الله عليه)، وسمة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعلى رأس الصابرين في هذا العَصر الإمام الحُجّة (عليه السلام)، فصَبرُ إمامنا لا يرقى إليهِ صَبر!.. هذا الإمام مِن بينِ آبائه الكِرام لَهُ مزيّتانِ مُهمتان، ألا وهما:
١. طول العبادة: فهو يعبدُ رَبه منذ أكثر من ألفِ عام.
٢. عَظمةُ الصَبر: الإمام صابر رغم ما يراه من ظلم يجري على المسلمين.
ولهذا فإن الجَنّة فيها سيدان وهُما: الحَسنُ والحُسين (عليهما السلام)، وفيها طاووس!.. وطاووس أهل الجَنّة؛ هو الإمام المَهدي (عليه السلام).
فإذن، إن من يريد أن يكون موالياً ومُشايعاً لهم، لا يكون ذلك فقط من خلال: زيارتهم، وقراءة المديح لهم، وتسمية الأولاد بأسمائِهم، وانتظار شفاعتهم؛ إنما عليه التأسي بِهم في صفاتِهم!.. فنَحنُ مأمورون بالتأسي لا بصفات النَبي (صلی الله عليه)، ولا بآلِ بيت النَبي (عليهم السلام)، بل مطلوبٌ منّا وفق ما ورد في الحديث: (تخلَقوا بأخلاقِ اللهِ عَزَّ وجل)!.. فالخالقية أمر غَير مُمكن، ولكن: الرأفة، والعَطف، والحَنان، والرحمة، والكَرم؛ هذهِ صفات نتعلمها من رَب العالمين.. وعلى رأس الصابرين من أئمة أهل البَيت (عليهم السلام) الإمام موسى بنِ جَعفر (عليه السلام) الذي كَظَمَ غَيظه، وصبرَ على أذى الأعداء، فالإمامُ موسى بنِ جَعفر لَهُ بَلية لا يُشاركهُ في هذهِ البَلية أحدٌ من آبائهِ وأبنائه؛ آلا وهيَّ بَلية “الحَبس”، ما حُبِسَ أحدٌ من أئمةِ أهل البيت (عليهم السلام) كَحبسِ الإمام موسى بنِ جعفر، ولعلَهُ من هُنا صارَ باباً للحوائِج!..
جزاء الصابرين..
أولاً: القرآن الكريم..
١. الجزاء بغير حساب: إن القُرآن الكريم عندما يَصلُ إلى الصَبرِ والصابرين يقولُ: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾؛ أي الصابِر في الحياة الدُنيا عندما يواجه الجزاء يَومَ القيامة فإن العَداد لا يَعمل، هو صَبر أياماً قَصيرة، ولكن يَومَ القيامة في الجَنّة يرى الجزاء المُذهِل أبدَ الآبدين!.. إذن، ليس هُنالك مُناسبة بينَ الجَزاء وبينَ العَمل!..
٢. المعية الإلهية: إن الصابِر ليسَ لَهُ الحور والقصور في الآخرة، بل وهو في الدُنيا يعيش المَعية الإلهية، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، رَب العالمين مع كُلِّ مخلوق، ولكن في هذه الآية يؤكد أنه مَعَ الصابِر، وهذا من باب المزية الإضافية، وتُسمى معية التأييدِ والنَصر.. فالإنسان الذي يفقدُ –مثلاً- ثلاثة أو أربعة من أعزته في حادث سَير، كأن يفقد زوجتهُ وأولادهُ دفعةً واحدة؛ ويكون مُتجلِداً وكأنّهُ ما فَقدَ شيئاً عَظيماً، البَعضُ قَد يتهمُه بقساوة القلب؛ لأنه لا يبكي كَثيراً، ولا يُغمى عليه!.. ولكنَ رَب العالمين يُفرغُ عليهِ الصَبر، كما يُستفاد من مضمون بَعض الروايات: أنَّ رب العالمين يبعَث مَلَكاً إلى المبتلى، هذا المَلَك كأنهُ يمسَحُ على صَدره، وهذا يشبه ما يحدث للإنسان في موسم الحَج، حيث يرى في بدنه قوة إضافية.. لذا أهلَ المصائب يرونَ في أنفسهم قُوةً زائدة، ولهذا إذا أُصيب الإنسان بمُصيبة عَظيمة -من المؤكد أن فَقد الأعزة هو أعظَم المصائب، بَعدَ ذلك الأمراض البَدنية، ثم بَعدَ ذلك الفَقر والفاقة- فليغتنم الفُرصة؛ لأن الرحمة تنزل عليه أيام المصيبة، فليسأل اللهَ تعالى الدرجات، والمقامات، وقضاء الحوائج.. أوَتعلم أنَ من آداب زيارة المريض، أن يُطلب منه الدعاء، فهو قريبٌ إلى اللهِ عَزَّ وجل؛ لأنه طوال الليل يئن من الألم، فلو قالَ: يا الله!.. لجاءهُ الجواب: لَبيكَ عَبدي، ماذا تُريدُ مني؟.. ولكن هذهِ الفترة -معَ الأسف- تَمرُ سريعاً، عندما يخرج المريض من المستشفى ويُعافى، تُسلب منه هذهِ المزية.. وعليه، ينبغي للمؤمن أن يغتنم هذه الفرص التي منها أيام المَرض، وأيام المصيبة والعزاء، فهذا العزيز حتى لو كانَ ولَداً سيُنسى بَعدَ فترة، وبَعدَ سَنة أو سنتين كأنّهُ لم تَقع المُصيبة، من هنا يتوجه الإنسان إلى اللهِ عَزَّ وجل في تلك الأيام مستغلاً هذه الفرصة.
٣. الرحمة الإلهية: يقول تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.
ثانياً: الأحاديث الشريفة..
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام): إنّ خلادة بنت أوس بشّرها بالجنة، وأعلمْها أنها قرينتك في الجنة، فانطلق إليها فقرع الباب عليها، فخرجت وقالت: هل نزل فيّ شيءٌ؟.. قال: نعم، قالت: وما هو؟.. قال :إنّ الله تعالى أوحى إليّ وأخبرني أنك قرينتي في الجنة وأن أبشّركِ بالجنة، قالت: أو يكون اسمٌ وافق اسمي؟.. قال: إنك لأنت هي، قالت : يا نبي الله!.. ما أكذبك، ولا والله ما أعرف من نفسي ما وصفتني به. قال داود (عليه السلام): أخبريني عن ضميركِ وسريرتكِ ما هو؟.. قالت: أما هذا فسأخبرك به، أخبرك أنه لم يصبني وجعٌ قطّ نزل بي كائنا ما كان، وما نزل ضرٌّ بي وحاجة وجوع كائنا ما كان؛ إلا صبرت عليه، ولم أسأل الله كشفه عني حتى يحوّله الله عني إلى العافية والسعة، ولم أطلب بها بدلاً، وشكرت الله عليها وحمدته، فقال داود (عليه السلام): فبهذا بلغتِ ما بلغتِ، ثم قال الصادق (عليه السلام): وهذا دين الله الذي ارتضاه للصالحين).
-(أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام)).. هذا النَبي الذي كانَت لَهُ علاقة خاصة مَعَ رَب العالمين، حيث يقول تعالى عنه: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ قيلَ لهُ:
-(إنّ خلادة بنت أوس بشّرها بالجنة).. هنيئاً لإنسان يعرفُ في دارِ الدُنيا إنّهُ من أهل الجَنّة!..
-(وأعلمْها).. الخَبرُ الثاني يا لَهُ مِن خَبر!.. هذا خَبرٌ يستحقُ الفَرح، لا الأرباح التي في المصاريفِ وغيرها!..
-(أنها قرينتك في الجنة).. أي زوجتك، هيَّ في دار الدُنيا ليست بزوجة، ولكن في الآخرة زوجةُ داوود النَبي (عليه السلام).. إذا ذَهبت المؤمنة من دار الدُنيا غَير متزوجة، لا يُستبعد أنَّ يزوجها اللهَ عَزَّ وجل من كِبارِ أوليائه في الآخرة، وما ذلك على اللهِ بعزيز!.. ما المانع أن يجمع الله عز وجل بين مؤمن ذَهبَ من الدُنيا ولم يتزوج، وبين مؤمنة ذَهبت من الدنيا ولم تتزوج؛ فرَبُ العالمين كما يَجمع بينَ النفوسِ في الدُنيا، يجمعُ بينَ الأزواج في الآخرةِ أيضاً، علمًا أن الأمر في الجنّةِ يختلف عَن الدُنيا: فقد تُعطى امرأة متزوجة في الدُنيا زَوجاً آخر يَوم القيامة لكمالِ ذلكَ الزَوج، تقول الرواية: (قالت أمّ سلمة (رضي الله عنها) لرسول (صلی الله عليه): بأبي أنت وأمي!.. المرأة يكون لها زوجان فيموتون ويدخلون الجنّة لأيهما تكون؟..فقال (صلی الله عليه): يا أمّ سلمة!.. تخيّر أحسنهما خلقا وخيرهما لأهله، يا أم سلمة!.. إنّ حُسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة).
-(فانطلقَ إليها فقرعَ الباب عليها، فخرجت وقالت: هَل نَزَلَ فيَّ شيءٌ)؟.. هل هُناكَ وحيٌ بالنسبةِ لي؟..
-( قال: نعم، قالت: وما هو؟.. قال :إنّ الله تعالى أوحى إليّ وأخبرني أنك قرينتي في الجنة، وأن أبشّركِ بالجنة).. هذا الخَبر وقع عليها كالصاعقة، كيف تكون زوجة النَبي، وهيَّ في الدُنيا امرأة عادية؟!..
-(قالت: أو يكون اسمٌ وافق اسمي)؟.. أي لعلها امرأة أُخرى!..
-(قال: إنك لأنت هي).. أنتِ خلادة بنتِ أوس زوجتي في الجنّة.
-( قالت: يا نبي الله!.. ما أكذبك، ولا والله ما أعرف من نفسي ما وصفتني به).. أي بأي مسوغ أكونُ زَوجتكَ في الجَنّة، فهذا خِلافُ التوقع!..
-(قال داود (عليه السلام): أخبريني عن ضميركِ وسريرتكِ ما هو)؟.. أي قولي ما هو التميز في شخصيتكِ؟.. بعض الناس قَد يكون مؤمناً مُتعارفاً، يُصلي ويصوم، ولكن فيهِ مزية من المزايا، هذهِ المزية تُعطيه الامتياز في درجات الخُلد!.. أحد المؤمنين لَهُ صفةُ الكَرم المُتميز، صادف رجلاً في الطريق لا يعرفه، ومع ذلك طلب منه الركوب في سيارته، وفي الطريق علم أنّهُ محتاج، وهو من كبار التجار، فأخرج كُل ما في جيبه من الأموال، وقدمها له كهدية أيضاً، انظروا إلى الكرم:
أولاً: عابر سَبيل أركبهُ سيارته ثُمَّ أنزلَهُ، بينما البعض يستنكف عن نقل الناس.
ثانياً: أعطاه الأموال.
ثالثاً: لم يعدها؛ لئلا يُبتلى بالعُجب.
بَعدَ هذهِ الحادثة فُتِحَ لَهُ بابٌ من أبواب التوفيق، فرَب العالمين يُفاجأ البَعض ببركات لم يَكُن يحتسبها!..
وعليه، فإن الإنسان الذي فيهِ كرمٌ مُتميز، حتى لو كانت صلاتهُ وصَومهُ لا تميز فيهما؛ ولكن مَعَ الكَرم المتميز يُعطى بعض الدرجات.. وكذلك بالنسبة إلى الإنسان المتميز بحلمه، وغيرها من الصفات!..
-(قالت: أما هذا فسأخبرك به، أخبرك إنّهُ لم يصبني وَجعٌ قَط نزلَ بي كائناً ما كان).. نَحنُ بحمد الله في عافية، بعض المؤمنين عندما يأتيه الوجع يبكي بُكاءَ الطفل الصغير، هكذا أوجاع من مُقدمات الصَبر، أو من موجبات الفَوزِ بالصَبر عليها.
-(وما نَزلَ بي ضُرٌ وحاجةٌ وجوع كائناً ما كان؛ إلا صبرتُ عليه).. الصَبرُ على الأوجاع، والصَبرُ على الفَقرِ والفاقة.
-(ولم أسأل الله كَشفهُ حتى يحولهُ اللهُ عني إلى العافية والسِعة).. روايات أهل البيت (عليهم السلام) دقيقةٌ جِداً، إلى هُنا يمكن أن يُقال: خَلادة ما ميزتها؟.. تقريباً كَثيرٌ من الناس هكذا: يتحمل الأوجاع، ويتحمل الفَقر، ويتحمل الأذى؛ أينَ التميُز في خلادة؟.. التميز في قولها:
-(ولم أطلب بَدلاً، وشكرتُ الله عليها وحمدته).. بعض الناس له حالة التجار، أي يقول: يا رَب، أصبرُ على هذا البَلاء، بشرطِ أن تُعطيني كذا وكذا؛ إذن هذا يطلب الجائزة.. ولكن هذهِ المرأة الصابرة، تقول: ولم أطلُب بَدلاً، يا رَب صَبري لوجهكَ الكَريم!..
-(فقال داود (عليه السلام): فبهذا بلغتِ ما بلغتِ).. نَعم، أنتَ زوجتي في الجنّة بهذا المَقام.
-(ثم قال الصادق (عليه السلام)).. علّقَ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهِ السلام) على مُجمَلِ هذهِ القضية قائلاً:
-(وهذا دين الله الذي ارتضاه للصالحين).. خَلادة ليست بِـنَبية، ولكنها صَبرت؛ من يُريد المقامات العُليا عليه أن يوطن نَفسَه على الصَبر!..
فإذن، إن الصابِر هو ذَلكَ الإنسان الذي ينظر إلى الحادثة نَظرة إيجابية، فالصابر ليس الذي لا يجزع فقط، ولكن هناك معنىًّ أعظم من هذا المعنى!..
أهمية الصبر..
إن أهمية الصَبر وردَت في القُرآن الكريم في قرابة سبعينَ موضعا، منها:
أولاً: الفَوز في مجال النَفس.
ثانياً: الفَوز الخارجي، فالنصر لا يأتي إلا مِن خلال الصَبر.
والقصة القرآنية التي تتحدث عن طالوت وجالوت، هي درس من دروس الصبر والاستقامة.. فطالوت كانَ إنساناً طويل القامة، ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾، وهو المؤمن، بينما جالوت هو الكافر، قادَ طالوت جيشاً، وكان داوود (عليه السلام) ضمن جيشه، أرادَ طالوت أن يختبرَ أصحابه من خلال هذين الشرطين:
أولاً: اشترطَ عليهم أن لا يكون في جيشه لمقارعة جالوت مشغولٌ بعمارة؛ لأن هذا القَلب المشغول لا َيَصلُ إلى اللهِ عَزَّ وجل.
ثانياً: قال لهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾.
فإذن، إن طالوت أرادَ الصابر الصبور، لذا صاروا فئة قليلة: لأن أصحاب العمران تركوه، ومن شَرِبَ الماء لم يَكُن من أصحابه.. ولكن أنظروا إلى النَصر الإلهي، فرَبُ العالمين ينصرُ أولياءه بأسبابٍ بسيطة: في بَدر نزلت الملائكة، وفي معركة جالوت أخذ داوود حجرا كأنّهُ يصطادُ طَيراً ورمى بهِ جالوت، وقعَ الحجر على جبهتهِ فخرَّ قتيلاً، رأسُ الكُفر قُتلَ بهذا الحَجر، وإذا بالله عَزَّ وجل يُنزل نَصرهُ عليهم، وصارَ داوود ملكاً وقائداً عليهِم، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (… فلما أن أصبحوا ورجعوا إلى طالوت والتقى الناس قال داود: أروني جالوت، فلما رآه أخذ الحجر فجعله في مقذافه، فرماه فصك به بين عينيه فدمغه، ونكس عن دابته، وقال الناس: قتل داود جالوت، وملكه الناس حتى لم يكن يسمع لطالوت ذكر، واجتمعت بنو إسرائيل على داود، وأنزل الله عليه الزبور، وعلمه صنعة الحديد فلينه له، وأمر الجبال و الطير يسبحن معه، قال: ولم يعط أحد مثل صوته، فأقام داود في بني إسرائيل مستخفيا، وأعطي قوة في عبادة).
أنواع الصبر:
إن الصبر مسألة مهمة في حياتنا، وهو أنواع:
١. الصَبرُ على الطاعة: كصيام شهر رمضان، حيث أنه في بعض الأوقات يكون الصيام مرهقاً.
٢. الصَبرُ عن المعصية: إن الشاب الذي يكون في قمة الشهوة، وعنفوان الشباب إذا صبر؛ فإن النصر والفوز يكون حليفه، وسيرى ما يقرُ عينيه.
٣. الصَبرُ على المَرض: هذهِ المرأة “خلادة بنتِ أوس” قالت: ما كُنتُ في مرضٍ إلا صبرتُ عليه.
٤. الصَبرُ على الفَقر والفاقة: ورد في الحديث الشريف: (الفقر هو الموت الأكبر).
٥. الصَبرُ على أذى الغَير: بعض الناس عندما يرتفع في الإيمانِ درجة، الشيطان ييأسُ منه لذا يؤذيهِ من خلال من حوله، فيُثير عليه: زوجتهُ، أو زَميلَ العَملِ، أو جاره، أو ولده.. وفي بعض الحالات يثير كل من حوله عليه دَفعةً واحدة: الولد والزوجة والوالدين ..الخ. المؤمن عليه أن يصبر على أذى الغَير، كما صَبرَ أولي العَزمِ مِنَ الرُسل.
فإذن، إن الصبر يكون على: الفَقر، والمَرض، والطاعة، والمعصية، وأذى الغَير.. إنْ صبر على هذهِ الأمور، رشحه اللهُ عز وجل لمقام المقربين، فعن علي (عليه السلام): (أَلا إِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ بَادَ الْجَسَدُ… أَلا إِنَّهُ لا إِيمَانَ لِمَنْ لا صَبْرَ لَهُ)؛ أي مَن لا صَبرَ له، لا رأس على جسده، وهذا هو الموت.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.