Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

الصبر على البلاء من لوازم الحصول على الكمال

بسم الله الرحمن الرحيم

السنن الإلهية في المجتمعات البشرية

لبعض الباحثين في علوم القرآن الكريم بحث طريف في كتاب الله عز وجل تحت عنوان: اكتشاف السنن الكونية في القرآن الكريم. فكما أن هناك سنن ثابتة في عالم المادة والطبيعة كغليان الماء عند الوصول إلى درجة معينة وهي خواص للأشياء والمواد لا تتخلف إلا بالإعجاز؛ فهناك سنن ثابتة عالم البشرية والحضارات. إن رب العالمين قد بنى أمره أن إذا وصل الطغيان إلى درجة معينة أو بلغ التطفيف في الكيل إلى درجة معينة كما ذم ذلك سبحانه في سورة المطففين في قوله سبحانه: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)[١] وفي سورة الفجر عند ذكره سبب هلاك فرعون الذي وصل إلى درجة من التكبر حتى قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[٢] أن يهلك الطغاة ويعجل لهم العذاب.

إن طيور الأبابيل لم تهجم على المشركين في أيام الجاهلية حيث كانوا عاكفين على عبادة الأوثان بل تركهم الله في غيهم ولكنها هجمت عندما هم أبرهة بهدم الكعبة؛ حيث لا يتحمل سبحانه أن تتعرض رموز التوحيد إلى الهتك ولذلك من السنن الإلهية تعجيل العقوبة وإنزالها بهؤلاء. ولا أريد التفصيل أكثر من ذلك ولكن أقول: كما أن الباحث عليه أن يبحث عن السنن في القرآن الكريم على الباحث أيضا في عالم السيرة أن يبحث عن السنن في سيرة الحسين عليه السلام وخصوصا في قضية عاشوراء وما بعد هذه الواقعه.

لا مفر من الابتلاء والتمحيص في الطريق إلى الكمال

إن من السنن التي نعلمها وندرسها ونتدارسها؛ أن الطريق إلى الكمال يمر من خلال الابتلاء والتمحيص والغربلة والاختبار. لقد قال سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ)[٣] إلى آخر الآية الشريفة التي تبين لنا أن الذي يجعل الإنسان في الدرجات العليا من الفضيلة مروره بهذه المحن والصبر عليها. لماذا خص الله سبحانه سيد الشهداء (ع) بالمزايا الثلاث المعروفة: (أَنَّ اَلْإِمَامَةَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَاَلشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ وَإِجَابَةَ اَلدُّعَاءِ عِنْدَ قَبْرِهِ)[٤]؟ والحال أن الإمام المجتبى (ع) له كل مزايا الحسين (ع) فهما كما روي عن النبي (ص): (إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا)[٥] وأنهما: (سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ)[٦] ولكن الفجيعة مختصة به حتى قال له أخوه المجتبى (ع): (لاَ يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ)[٧].

إن الحسين (ع) مر بمحنة في من أعظم المحن؛ فقد كانت طريقة القتل غير معهودة في تاريخ البشرية وقد سبي حرمه وقد أعطاه سبحانه هذه المزية لما وقع عليه. وقد قاسى إمامنا السجاد كذلك (ع) من صنوف المحن ما لم يتعرض له أحد من أئمة أهل البيت (ع). إن إمامنا موسى بن جعفر (ع) أودع في السجن ونفي الرضا (ع) من المدينة والعسكريان (ع) كانا تحت الإقامة الجبرية ولكن أن يسير الإمام (ع) في طريق الأسر مصفدا في الأغلال والجامعة في عنقه والأعظم من ذلك شماتة الأعداء وأمامه رأس والده هي من المحن التي ميزته (ع) عن غيره من الأئمة (ع)، ولذلك شاء الرب تعالى بحكمته البالغة أن تنتشر أدعيته البليغة التي ترقق القلب حتى إننا نقرأ الكثير من الأدعية في شهر رمضان من قبيل دعاء الجوشن الكبير وغيره ولكن إذا أردنا أن نبكي بكاء سخيا قرأنا مناجاة الإمام (ع) في أسحار شهر رمضان المبارك. ومن أعظ التراث المناجَيات الخمسَ عشرةَ. وهي بحق صيدلية الأرواح حيث لكل داء مناجاته الخاصة به كالشك والإرادة والحب والشكوى على النفس وما شابه ذلك.

ولكن ما هو الدرس العملي من كل ما ذكرنا؟ إن المؤمن الذي يبحث عن حياة هادئة مخملية ويريد أن يسكن برجا عاجيا ويركب دابة فارهعة ولا يتحمل في حياته وجعا لا يتوقع الحصول على الكمال. بل أقول لهؤلاء: إن ما تتوقعونه لا يكون شئتم أم أبيتم، فستحاصرون في يوم الأيام إذا بلغ بكم العمر مبلغه من قبل الأسقام والأمراض التي تتمنون معها الموت، وإن طال انتقالكم من بلد إلى بلد معافين من كل سوء في حياة رغيدة.

البلاء لا ينفك عن أهل الدنيا

وطبيعة الدنيا أن البلاء لا ينفك عن أهلها حتى إن زعماء الدول الكبرى لا راحة لهم وقد لا ينامون ليلتهم خوفا من الرقباء والخصماء وخوفا من زوال الملك على أيديهم. وكلما اتسع ملك الإنسان وامتد زاد قلق الإنسان. فقلق صاحب المتجر الصغير على قدره وقلق أصحاب الشركات الكبرى على قدرهم، وكلما اتسعت الدنيا انشغال البال واللب. ولذلك لأئمتنا (ع) وصية جميلة ينبغي أن يعيها أصحاب رئوس الأموال ويستوعبوها وهي: (مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى)[٨].

بلاء الدنيا سرور الآخرة

إن الذي يبحث عن التكامل في هذه الدنيا عليه أن يحتمل البلاء. والبلاء العابر ينعكس في أبد الآبدين حيث أن السرور في ليلة الزفاف على سريرك أو ما تقاسيه من آلام على سرير المستشفى كلها آيلة إلى زوال ولكن الذي يبقى لك ما تكفره عنك ليالي البلاء من الذنوب والآثام وهي استثمارك الأبدي. إن أوجاعك في ليلة واحدة هي كفارة لذنوبك حتى روي عن أئمة أهل البيت (ع) أن الخدشة التي تصيب الإنسان أ,و الأبرة تدخل في بدنه سهوا في كفارة لذنوبه فكيف إذا لازمت الإنسان عاهة مستديمة؟

الرضا مقام فوق الصبر

إن الذي ابتلاه الله سبحانه منذ صغره بالعمى أو بالشلل أو بما شابه ذلك من الآلام والأوجاع المختلفة عليه أن يكون راضيا بقضاء الله بدل التبرم وأن يكون كما ورد في زيارة أمين الله التي نزور بها أمير المؤمنين (ع): (اِجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ رَاضِيَةً بِقَضَائِكَ مُولَعَةً بِذِكْرِكَ وَدُعَائِكَ … صَابِرَةً عِنْدَ نُزُولِ بَلاَئِكَ)[٩]. فمن أراد التميز فليتوقع نزول البلاء أولا وليوطن نفسه على ذلك ثانيا واليرضى بذلك ويحب ما قسم الله له ثالثا؛ فالصبر شيء يحتمله عامة الناس ولكن الرضا ليس بمقدور الجميع، وقد قال سبحانه: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)[١٠]. وقد ذكرنا في محله أن العمل بالشق الأول من الآية قد يكون ممكنا للعامة من الناس ولكن أين نجد الذي يأتيه المال الوفير فلا يفرح به؟ لأنه يخشى المسائلة غداً كلما زاد ماله زاد ثقله وعظمت محاسبته وطال وقوفه بين يدي ربه على الصراط فحق له أن لا يفرح بما آتاه الله.

[١] سورة المطففين:١.
[٢] سورة النازعات: ٢٤.
[٣] سورة البقرة: ١٥٥.
[٤] وسائل الشیعة  ج١٤ ص٤٢٣.
[٥] الإرشاد  ج٢ ص٣٠.
[٦] الإرشاد  ج٢ ص٣٠.
[٧] اثبات الهداة  ج٤ ص٢٠.
[٨] تفسير نور الثقلين  ج٤ ص٢٠٨.
[٩] بحار الأنوار  ج٩٧ ص٢٦٦.
[١٠] سورة الحديد:٢٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • من أراد التميز فليتوقع نزول البلاء أولا وليوطن نفسه على ذلك ثانيا واليرضى بذلك ويحب ما قسم الله له ثالثا؛ فالصبر شيء يحتمله عامة الناس ولكن الرضا ليس بمقدور الجميع، وقد قال سبحانه: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) .
  • قال سبحانه: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلَا تَفرَحُوا بِمَا آتَاكُم)؛ أن العمل بالشق الأول من الآية قد يكون ممكنا للعامة من الناس ولكن أين نجد الذي يأتيه المال الوفير فلا يفرح به؟ لأنه يخشى المسائلة غداً كلما زاد ماله زاد ثقله وعظمت محاسبته وطال وقوفه بين يدي ربه.
  • إن من السنن التي نعلمها وندرسها ونتدارسها؛ أن الطريق إلى الكمال يمر من خلال التمحيص والغربلة والاختبار. لقد قال سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) إلى آخر الآية التي تبين لنا أن الذي يجعل الإنسان في الدرجات العليا من الفضيلة مروره بهذه المحن والصبر عليها.
Layer-5.png