- ThePlus Audio
الصبر طريق النجاة
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ مفهوم الصبر من المفاهيم والمفردات الرائجة في الدين الإسلامي الحنيف، وقد أكد عليه القرآن الكريم وروايات أهل البيت (عليهم السلام)، وإذا لم يتصف المؤمن بهذه الصفة فليعلم أنّ مصيره سيؤول إلى الفشل.
إذا أردنا أن نشبه الصبر بمثال حسي نستطيع القول؛ إنّه بمثابة الهيكل الحديدي الذي يحمي أغراض السيارة الداخلية من الصدمات والآفات الخارجية، والسيارة كما هو معروف كلما فاقت سرعتها كلما حاول المصممون تقوية الهيكل الخارجي لها؛ لأن الصَّدَمات ستكون أكبر وأقوى، وهكذا الإنسان المؤمن كلما زاد نشاطه زادت فعالياته وتوفيقاته، وبتعبير جامع كلما زادت سرعته في الحياة احتاج إلى دعامة قوية تحميه من التقلبات والموانع الخارجية، الصبر ليس قضية خارجية، فالإنسان الصابر؛ إنسانٌ له باطن ويتمتع بملكة راسخة في نفسه نطلق عليها ملكة الصبر.
وعلى هذا فلا ينبغي أن نُفسّر الصبر كما يعتقده عوام الناس- بأن يُبتلى بفقد عزيز له أو يُصاب بنكبة مالية أو أزمة في بلاده -فيصبر بمعنى أنه لا يعمل شيئاً خلاف ما يرضي الله (عزّ وجلّ)- ليس هذا هو الصبر الذي نرمي إليه، فالصبر عبارة عن حالة باطنية؛ لأنّ حقيقة الصبر هو حالةٌ في القلب، حالة من حالات الرضا بقضاء الله وقدره من أثر ذلك الهدوء والسكينة وتفويض الأمر إلى الله (عزّ وجلّ)، والثقة بتدبير الله (عزّ وجلّ) لمصير البشر، كما ورد في حديثٍ طريف وهو: (إنّ الله تعالى أوحى إلى داوود (عليه السلام) أن بشّر خُلادة بنت أوس بالجنة، وأعلمها أنّها قرينتُك في الجنة)[١]، فأيُ بشارة هذه، امرأة من عامة النّاس يأتيها من الله، أنها من أهل الجنة، كما أنها زوجة نبي من أنبياء الله (عزّ وجلّ)، البنت المؤمنة هذه الأيام تبشر بقدوم خطيب مؤمن صالح متمكن، تطير فرحاً، فكيف إذا بُشّرت بالنبي وبعاقبتها في الجنة (فانطلق إليها داوود (عليه السلام)، فقرع الباب فخرجت وقالت: هل نزل فيّ شيء) [٢]، من المؤكد أنّ مجيء نبي على باب امرأةً مثير لمثل هذا السؤال (قال: نعم قالت ما هو قال إنّ الله أوحى إليّ وأخبرني أنّك قريتني في الجنة وأن أبشرك بالجنة) [٣]، لم يرد في الرواية أنّ هذه المرأة هل كانت متزوجة أو غير متزوجة، لأن الروايات تقول من تزوج امرأة ثم مات وتزوجها رجل ثانٍ، فإنّ هذه المرأة تُعطى يوم القيامة لأحسنهم خلقاً، فمن كان أحسنهما خلقاً يفوز بالمرأة المؤمنة، ولعل هذه المرأة من هذا القبيل، وإن كانت الرواية ساكتة عن الخصوصيات -قالت أوَ يكون اسم وافق اسمي-تقول خلادة: لعل هناك امرأة أخرى غيري بهذا الاسم -فقال إنّك لأنت هي أنت زوجتي في الجنة قالت يا نبي الله ما أُكذبُك ولا والله ما أعرف من نفسي ما وصفتني به لماذا أنا قرينتك في الجنة ليست عندي من الأعمال ما يخولني ذلك- هذه المرأة لا ترى قيمة لأعمالها فلا تُعجب بنفسها بل تحتقرها وتحتقر عملها ولا ترى أنّه يوصلها إلى هذه الرتبة-قال داوود (عليه السلام)، أخبريني عن ضميرك وسريرتك) داوود (عليه السلام) ما قال لها هل تصلين الليل؟! ما سألها عن صيامها وقيامها وسهرها؟! هكذا هم أطبّاء النفوس يعرفون الأعمال التي يُريدها الله (تعالى) حقيقةً وما يرفع المؤمن عنده (سبحانه) (فقال: أخبريني عن باطنك الذي جعله الله أهلاً لهذه المنزلة، قالت: أمّا هذا أخبرك به، أخبرك أنه لم يصبني وجع قط نزل بي كائناً ما كان ولا نزل ضر بي وحاجة وجوع كائناً ما كان إلا صبرت عليه ولم أسأل الله كشفه عني حتى يحوله الله عني إلى العافية والسعة ولم أطلب بها بدلاً وشكرت الله عليها وحمدته، فقال داوود (عليه السلام: فبهذا بلغتِ ما بلغتِ).
لكن قد يرد إلى الأذهان موضوع مهم وهو في حالات البلاء هل يطلب المؤمن من الله الفرج ويدعوه لرفعه، أو أنّ المطلوب منه أن يُفوّض الأمر إلى الله (عزّ وجلّ)، ولا يدعو لرفعه؟
يقول علماء الأخلاق هذا الأمر يعود إلى مستوى الإنسان وحسب الحلات التي تمر به، فإبراهيم الخليل (عليه السلام)، مثلاً يطلب من الله حوائجه كما في بعض الآيات المباركة، ولكن عندما يُلقى في تلك النار الكبيرة يوكل أمره إلى الله (عزّ وجلّ)، بهذه السريرة والباطن وحالة الهدوء الباطني والاستقرار الداخلي، فكذلك المؤمن يمر بحالات متفاوتة ولكل حالة لوازمها.
الصبر حالة من سعة أفق النفس طولاً وعمقاً
إذا أردنا أن نلخّص الصبر بعبارة جامعة نقول: إنّه حالة من سعة أفق النفس طولاً وعمقاً، الإنسان بطبيعته ضيّق الأفق، لأنّ الذي لا يرى إلا يومه فمن الطبيعي عندما يبتلى ببليةٍ في جسمه أو في ماله فإنّه يضطرب وينقلب رأساً على عقب، أُفق الإنسان قصير المدى لا يفكّر في عواقب الأمور، عندما تُفتح أمامي مسألة من البلايا والنكبات والأزمات من بعض المؤمنين أقول لصاحب المصيبة أو البليّة: تذكر أنّ حياتك في الدنيا عبارة عن خط صغير غير مرئي في خط الحياة الأبدية، تعيش في هذه الدنيا على أحسن التقادير سبعين أو ثمانين أو مئة سنة ثم تذهب إلى البرزخ، ثم عرصات القيامة، ثم الانتظار ثم الجواز على الصراط، ثم الحياة الأبدية، بالله عليك في القانون الرياضي عند ما تضع خطاً صغيراً مداه تسعون سنة في قبال خط لا نهائي هل لهذا الخط وزن؟! هل لهذا الخط تعريف؟!، أصلاً ليست هنالك نسبة بين المحدود وبين اللامحدود؟! إذن ما يمر عليك في هذه الدنيا من البلاء في هذا الخط الذي لا يُرى في هذه المساحة التي لا تلحظ بالعين المجردة، فدع رب العالمين يعمل ما فيه مصلحة الأبد.
المؤمن عندما يرى التعويض يوم القيامة يقول: يا ربِ لما قضيت حوائجي ليتك لم تقض لي حاجة، فالإنسان الذي لا يؤمن بسياسة التعويض الإلهي لا يمكنه تقديم العاجل بثمنٍ آجل وحتماً سيبيع الأبدي بالفاني، فمن الطبيعي هذا الإنسان عندما تمر به أزمة اجتماعية سيضطرب إذا لم يصل إلى هذا اليقين ويؤمن بهذه الحقيقة فلا تنفع فيه موعظة ولا تفيده نصيحة، لذا نرى بعض النّاس -مع شديد الأسف- لا يستوعبون هذه الحقيقة، يحبون المُتع الحاضرة يحبون الجوائز المعجلة والعافية والصحة والمال والأمان، وبعد ذلك لا يهمه ماذا يحصل، إذن الإنسان الذي لا يصبر إنسان مبتلى بضيق الأفق يقول الإمام علي (عليه السلام): صبراً على دنيا تمر بلوائها ثم يقول كأن الدنيا حلم وينسلخ…[٤]، هكذا يعبر علي (صلوات الله وسلامه عليه).
عالم الخلقة والتدرج في الإيجاد درسٌ لتعلم الصبر
إذا أردنا أن نأخذ درساً من عالم الخلقة فالله (تعالى)، قد علّمنا الصبر حتى بمراحل خلق الكون، فقد كان بإمكانه وهو الذي يقول: (كُنْ فَيَكُونُ)[٥]، وخزائنه بين الكاف والنون أن يخلق الكون دفعة واحدة، لكنّه عندما خلق السماوات والأرض أمهل البشرية والكون ستة أيام ونحن لا نعلم هذه الأيام هل هي من الأيام المعهودة عندنا بالساعات التي هي أربع وعشرون أم غير ذلك، لكنّ هذه الساعات المعهودة عندنا مربوطة بحركة الشمس والقمر، والله عز وجل خلق الكون وليس من المعلوم أنه خلق الشمس والقمر حينذاك، فلا نعلم ما معنى هذه الأيام الست.
مثال آخر ألم يكن بإمكان رب العالمين أنْ يجعل الرجل بعد زواجه بأسبوع أن تأتي امرأته بطفل متكامل، ما المانع لماذا جعله تسعة أشهر في بطن أُمه حملته كرهاً ووضعته كرها[٦]. وأيضاً مراحل القيامة؛ البرزخ، البعث، النشور، الحساب، تطاير الكتب، الميزان، الصراط، لماذا هذه المراحل، فالله (سبحانه وتعالى) حتى في عالم التكوين، علمنا درس التدريج والصبر وانتظار النتائج بعد فترة، فمن موجبات الصبر في الحياة؛ اليقين.
مطالعة تاريخ الأنبياء والصالحين من أسباب الصبر والثبات
يجب علينا أن نؤمن بأنّ الله (تعالى) سيعوضنا عن هذه الحياة بحياة أرقى وأفضل، لكن للأسف القليل في زماننا يتقرب إلى الله (عزّ وجلّ) بعمله فما الجهاد التي نعيشه مع رب العالمين وما هي الصعوبات التي نمر بها، علينا مراجعة تاريخ الإسلام منذ أن بُعث النبي (صلى الله عليه وآله)، إلى أن توفاه الله (عزّ وجلّ) ما البلاء الذي عاش فيه المسلمون جوعاً تقتيلاً نفياً تعذيباً، الإمام علي (عليه السلام)، ما الذي عاشه مع أهل الكوفة وغيرهم، بلاء وراء بلاء، حرب بعد حرب، مقتلة بعد مقتلة، هذه سُنة الله في أوليائه، ونحن اليوم ما الذي نقدمه لله (عزّ وجلّ) برنامج صباحي رتيب من الصباح إلى المساء؛ أكل وشرب واستمتاع محلل وغير محلل ثم استرخاء في البيوت ننتقل من قناة إلى قناة ثم يأتي الليل لننام بهدوء وراحة وسكينة لنعيش دورة رتيبة، فعلى هذا ما الذي نتقرب به إلى الله (عزّ وجلّ)، بعض الناس يجلس في المجالس يمن على الله بأنه يقيم الليل، نعم الجهاد الوحيد في يومه أنه يستيقظ لنصف ساعة ويصلي بين يدي ربه حارماً نفسه لذة النوم لعل هذا الجهاد الوحيد في حياتنا هذه الأيام وأين هذا من ابتلاء الأولياء يتحدث عنهم القرآن ويقول: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ)[٧]، فالإنسان المؤمن لا بدّ أنْ تقع عليه بعض الابتلاءات، كما في الحديث: إذا أراد الله بعبد خيراً ابتلاه[٨]، لأن الابتلاء من موجبات التفوق في الآخرة، ولهذا فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله) في غزوة بدر كان يتعجب من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل، نعم هؤلاء أسرى بدر، عندما وقعت عليهم الدائرة، ولكن يا لها من دائرة حميدة استوجبت الجنة، والبلاء للمؤمن الصابر المبتلى تحفة من التحفات الإلهية، يقول جلّ وعلا: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)[٩]، هذه الابتلاءات في قبالها جزاء عظيم ومنزلة رفيعة حيث يقول سبحانه بعد ذلك في أجر الصابرين: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[١٠]، فهناك تبشيرٌ أو بشارة بالهداية الباطنية بالتسديد الفكري يقول (سبحانه): (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[١١]، الله (عزّ وجلّ)، يربط على قلوبهم وعلى عقولهم ثم ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)[١٢]، هذه الصلوات من الله (عزّ وجلّ) من سنخ الصلوات على النبي وآله، (إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)[١٣]، نعم ويصلون أيضاً على أهل البلاء، الإنسان المبتلى حقيقة تغمره الرحمة الإلهية، في الحديث القدسي قال الله (عزّ وجلّ): (إني أعطيت الدنيا بين عبادي فيضاً ثم يقول من لم يُقرضني منها قرضاً فأخذت منه قسراً أعطيته ثلاث خصال أو أعطيت إحداهن، الصلاة والهداية والرحمة إن الله (عزّ وجلّ) يقول الذين إذا أصابتهم مصيبة إلى آخر الآية)[١٤].
إذن من موجبات نزول الرحمة الإلهية الغامرة مسألة الصبر كذلك الصبر في حياة الأمة، إنَّ رب العالمين وعد النصر والفرج للأمة الصابرة قال (تعالى) في قصة طالوت وجالوت على لسان أهل الإيمان من أصحاب طالوت: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[١٥]، هذا مرتبط بالصبر في ساحة الحياة وفي آية أخرى تقول (وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ)[١٦]، إذن لا بدّ من أنْ نصل إلى هذه الحقيقة إما في الواقع أو بالتصبر، فمن سبل الوصول إلى هذه الملكة الحميدة التصبر في هذه المصائب، يقول الحديث الشريف أفضل الصبر التصبر، بعض الأوقات تصيب الإنسان شحنة كهربائية -إن صح التعبير- من المصيبة أقوى من تحمل الإنسان، لإنّ الإنسان موجود ضعيف قد تنزل عليه البلية وبسببها يُصاب بالانهيار، كما يقال في العرف فلان انهارت أعصابه، فلان فقد استقامته، فلان جن جنونه، ففي بعض الأوقات تكون البلية أعظم من مستوى تحمل العبد، وفي هذه الحالة بالتصبر وطلب المدد من الله (عزّ وجلّ) تمر المصيبة بسلام، وتقول الرواية من يتصبر يصبره الله، هذا قانون إلهي قانون لا ينخرم إذا تصبّرت وطلبت المدد من الله (سبحانه وتعالى)، فإنّ الله يُفرغ عليك صبرا برحمته ومن هذا القبيل مسائل أخرى وردت عندنا مثلاً من يستعفف يعفه الله أيضاً، إشارة للشاب الذي يحاول أن يكون عفيفاً في نظره وفي قوله وفعله فإنّ الله (سبحانه وتعالى) يقوي قلب مَن أقبل إليه، وكذلك من موجبات الصبر قراءة التاريخ ومراجعة سير الحضارات والأمم فإنّ هذه الأرض شهدت صراعات كثيرة، حضارات قامت وزالت كما أنّها شهِدت أنواع من البلاء وقع على الناس ونقله التاريخ، لكن رغم ذلك لم يستقر البلاء على حالة واحدة، تقول الرواية إنّ لكل مصيبةٍ نهاية الإنسان الذي يقرأ سِيَر التاريخ يعلم أنّ الله عز وجل في خلقه شؤون يُقلّب الأرض ويُقلّب حياة الأمم لغاية هو يريدها.
المعرفة بالأهداف الإلهية طريق للاتصاف بالصبر
الله (عزّ وجلّ) عندما يصل إلى كلمة الذين قالوا: يد الله مغلولة، مباشرة يُبدي موقفاً صارماً من هذا التعبير ويقول: غُلّت أيديهم ولُعِنوا بما قالوا، لأنّ الله (تعالى) يُصرّف الأُمور كما يشاء هو الله (عزّ وجلّ) يُرتب بعض المقدمات التي ربما تكون غير مستساغة وقد تكون مقدمات مكروهة ولكنّ الله عزّ وجل هو الذي يَعلم ما هي الثمار الجميلة لهذه المقدمات المكروهة، فمثلاً الإمام الحسين (عليه السلام) يُقتل بهذه الطريقة الرهيبة ولكن لم يظن أحد من أولئك القوم الفسقة الفجرة أنّ يقوم له ذكر في التاريخ بل كانوا يعتقدون أنّ القضية ستنتهي بمقتله، لكن الحركة التي قام بها التوابون والمختار وغيرهم تسببت بانقراض الدولة الأموية، وإذا بيومنا هذا الإسلام يعش بذكر الحسين (عليه السلام)، كان بإمكان الله (عزّ وجلّ) أن يُجري الأمور بما لا يؤدي إلى مقتل الحسين (عليه السلام) وأصحابه (رضوان الله عليهم)، ولكن هذه حلقة لا بد منها في تكامل التاريخ، وكذلك نجد في قصة موسى (عليه السلام) فإنَّ الله (سبحانه وتعالى) متى أذن لموسى (عليه السلام) أن يعبر النيل مع بني إسرائيل؟ عندما بلغ الأمر مداه يُذبّحون أبنائكم ويستحيون نساءهم، وبعد ذلك يأتي القرار الإلهي بالفرج فبعض الأوقات لا يجري الله (تعالى) الفرج إلا بعد الشدة وبعد ارتفاع الأصوات إلى الله (سبحانه وتعالى).
تقسيم الصبر في الروايات
الصبر له تقسيم في روايات أهل البيت (عليهم السلام). من ذلك:
الأول: الصبر على المصيبة.
الثاني: الصبر على الطاعة.
الثالث: الصبر على المعصية.
تقول الرواية في هذا المجال بأن الصبر على المعصية أعلى درجة من القسمين الأولين، نعم الشاب في هذه الأيام في خلوة من الخلوات سواء مع بشر أو مع جهاز فاسد يُثير ويغرى بالحرام، ومنذ أن خلق الله (تعالى) الأرض وإلى يوم الناس هذا (لم يصبح الفساد في درجة من اليسر والسهولة والتنوع والإثارة والإغراء كيومنا هذا) هذا ما أعتقده، ففي كل يوم وأنتم تعلمون كيف أن المنكر تنفتح سبله وتتسهل طُرقه، والغريب أنه تأتينا بعض الرسائل من شباب في السادسة وفي السابعة وإذا هم مبتلون بمحرمات كان يمارسها الكبار قبل ثلاثين أو أربعين سنة، نعم في سن قبل المراهقة بكثير وإذا به يدخل عوالم غريبة وعجيبة، نعم هذا اعتقادي بأنه لم تمر على البشرية أسوأ ظرف كما نعيشه اليوم من حيث انتشار الفساد؛ ولهذا الشاب المؤمن هذه الأيام له قيمة لا تُقاس بقيمة الشباب قبل عشرات السنين، فالصبر على المعصية من أهم أنواع الصبر، عندما يرى الإنسان أمواج الشهوات- ونحن نحذّر الشباب من أنّ الشهوات بمثابة الأفيون، نحن رأينا بعض المدمنين على المخدرات عندما تصل ساعة الحاجة إلى المخدّر يتململ يميناً وشمالاً يريد أن يحطم الأبواب ويذهب إلى المكان الذي يباع فيه ذلك المخدر على حساب دينه وشرفه وكرامته، المهم يريد أن يصل إلى المخدر يصبح فاقداً للاختيار، عندما تأتيه الموجة موجة التخدير أو طلب المخدر تراه إنسان مسلوب الإرادة.
وهكذا بعض الناس في بعض الحالات يجعلون أنفسهم في جو وفي بيئة أرسل أحدهم رسالة وقال أجلس على الجهاز استعمل الأشرطة المحرمة الأفلام الإباحية وبعد أن أقع في الحرام أكسر ما عندي من الأجهزة وألزم نفسي بالنذر أسبوعين مثلاً، وإذا بعد قليل أرجع واشتري الأجهزة وأُخالف النذر وقد صارت أكثر من مئة سنة تقريباً، كما يقول قد تراكمت عليه نذور الصيام، ماذا نعمل مع هذه الحالة علينا إخواني أن نعيش حالة من حالات الصبر في مواجهة المعصية فالمعصية موجة تأتي إذا قاومها الإنسان تذهب وألا تقع في قبضة ذلك الحرام الذي يسلب الإنسان سعادته في الدنيا وسعادته في الآخرة.
لذلك فإنَّ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) في وصيته لأبي ذر: (إن استطعت أن تعمل لله (عزّ وجلّ) بالرضا في اليقين فافعل وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً)[١٧].
طريق الوصول إلى الكمال
إذا أراد الإنسان أن يصل إلى مرتبة من مراتب الكمال النفسي والخلقي عليه أن يتكلم مع نفسه يا نفسي إذا كان البناء أن أعطيك ما تريدين فأين الجنة وأين السعادة، النفس في بعض الأوقات تتنزل إلى مستوى الطفل الصغير، هذه النفس لإنسانٍ كبير السن وقد يكون أخصائي في مستوى من مستويات التخصص العلمي، لكن للأسف بعض الأوقات شهوة بطنه وفرجه تجُرُه إلى عوالم عجيبة غريبة من الانحطاط والتسافل، إذا كان الإنسان يريد أن يسمع نداء غريزته ونفسه فعليه أن يبحث مربطاً مع البهائم والدواب، وهذا التشبيه بالدواب والبهائم جاء في القرآن الكريم: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)[١٨]، على الإنسان الذي يريد أن يصل إلى درجة من درجات الكمال والكرامة عليه أن يجلس مع نفسه جلسة صراحة وصرامة وكما يقال في المثل يأخذ عزمة من عزمات الملوك ليعطي لنفسه حدودها من الحلال والحرام. وأخيراً الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.
[٢] بحار الأنوار ج١٤ ص٣٨.
[٣] بحار الأنوار ج١٤ ص٣٨.
[٤] الأمالی (للصدوق) ج١ ص٦٢٠.
[٥] سورة يس ٨٢.
[٦] الأحقاف ١٥ (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا).
[٧] سورة البقرة ٢١٤.
[٨] المصدر من أبناء العامة.
[٩] سورة البقرة ١٥٥.
[١٠] سورة البقرة ١٥٧.
[١١] سورة البقرة ١٥٧.
[١٢] سورة البقرة ١٥٧.
[١٣] سورة الأحزاب ٥٦.
[١٤] الخصال للصدوق ج١ ص١٣٠.
[١٥] سورة البقرة ٢٥٠.
[١٦] سورة الأعراف ١٢٦.
[١٧] الأمالي للطوسي ج١ ص٥٣٦.
[١٨] سورة الحجر ٣.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إنّ مفهوم الصبر من المفاهيم والمفردات الرائجة في الدين الإسلامي الحنيف، وقد أكد عليه القرآن والروايات وإذا لم يتصف المؤمن بهذه الصفة فليعلم أنّ مصيره سيؤول إلى الفشل والخسران.
- الصبر ليس قضية خارجية فالإنسان الصابر إنسانٌ له باطن ويتمتع بملكة راسخة في نفسه نطلق عليها ملكة الصبر. وعلى هذا فحقيقة الصبر هو حالة من سعة أفق النفس طولاً وعمقاً، فالذي يكون ضيّق النفس ولا يرى إلا يومه فمن الطبيعي عندما يبتلى ببليةٍ في جسمه أو في ماله فإنّه يضطرب وينقلب رأساً على عقب.
- والصبر له تقسيم في روايات أهل البيت(عليهم السلام) وهي ثلاثة: الصبر على المصيبة. وعلى الطاعة. وعلى المعصية.
- وتذكر الروايات إنّ الصبر على المعصية أعلى درجة من القسمين الأولين، لأن الشاب المؤمن وما يحيط به من الحرام هذه الأيام له قيمة لا تُقاس بقيمة الشباب قبل عشرات السنين فإذا اجتنب الحرام أصبح في مصاف الملائكة. فعلى المؤمن أن يأخذ كما يقال عزمة من عزمات الملوك ليعطي لنفسه حدودها من الحلال والحرام. وأخيراً الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.