Search
Close this search box.
  • الشخصية الثانية بعد الحسين (عليه السلام) في كربلاء
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

الشخصية الثانية بعد الحسين (عليه السلام) في كربلاء

بسم الله الرحمن الرحيم

أعظم شخصية كربلائية من بني هاشم

لقد كان علي الأكبر (ع) من أعظم الشخصيات الكربلائية وكان من كبار الأبطال الذين سجل لهم التأريخ موقفاً مشرفاً. لقد ورد في حقه تعبير لم يرد في وصف أحد غير المعصومين (ع)؛ فقد قال عنه والده (ع): (أَشْبَهُ اَلنَّاسِ خَلْقاً وَخُلُقاً وَمَنْطِقاً بِرَسُولِكَ)[١]. فأولا: المشبه هو خاتم الأنبياء (ص) والمشبه به هو خير شخصية على وجه الأرض. ثانيا: ليس الشبه في الجانب المادي فحسب؛ وإلا قد تكون هناك شباهة خَلقاً من دون الشباهة الباطنية الخُلقية. ما يبين أهمية هذه العبارة أنها صدرت في غير المعصوم، وفي رجل لم يكن من الأئمة (ع). فقد كان المجتبى (ع) كذلك شبيهاً لرسول الله خَلقاً وخُلقاً؛ ولكن هذا الشاب الذي يترواح عمره بين الثامنة عشر والخامسة والعشرين – باختلاف الرويات. كان من أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً برسول الله (ص) من غير الأئمة (ع).

حال الحسين (عليه السلام) عندما برز علي الأكبر (عليه السلام)

ولهذا عندما برز إلى الميدان قام الحسين (ع) بحركة نادرة وهي أنه أطلق لعينيه الدموع. هذه الدموع التي كان يحتبسها ليكون متجلداً أمام القوم. فهو لم يرد أن يُظهر حزنه في ساحة القتال. وكذلك هو القائد العسكري؛  يتجلد ويتصبر. فهو عندما برز ولده للميدان جرت دموعه على وجنتي، ثم اتخذ الله عز وجل شاهداً، وقال: (اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمِ فَقَدْ بَرَزَ إِلَيْهِمْ غُلاَمٌ أَشْبَهُ اَلنَّاسِ خَلْقاً وَخُلُقاً وَمَنْطِقاً بِرَسُولِكَ)[٢]. وهذه العبارة من سيد الشهداء (ع) تكفي لنزول الغضب الإلهي على هؤلاء، وقد نزل عليهم هذا العضب حيث لم تبقى لحكومة آل أمية باقية. لقد جاء بعدهم قوم – وإن كانوا ظلمة – تتبعوهم تحت كل حجر ومدر.

تشبه برسول الله (صلى الله عليه وآله) كما تشبه به علي الأكبر (عليه السلام)

أما الدرس العملي فهو أن نتشبه برسول الله (ص) كما يؤكد على ذلك القرآن الكريم: (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ)[٣] مما يعني أن ميدان السباق مفتوح لنا جميعا. لا يقولن أحد: أين أنا ورسول الله؟ تشبه برسول الله بقدر طاقتك، وبحسب وسعك. بل القضية أعظم من ذلك؛ فقد أمرنا أن نتخلق بأخلاق الله. فربك كريم؛ فكن كريماً، وربك حليم؛ فكن حليماً، وربك عفو؛ فكن عفواً، وإلى آخره. وهذه الصفات هي التي كان يحملها علي الأكبر (ع)، وقد تشبه برسول الله (ص) حتى أصبح من أشبه الناس بالنبي (ص).

الشخصية الثالثة في كربلاء

فقد أصبح بعد الحسين (ع) وبعد أخيه الإمام زين العابدين (ع) الشخصية الثالثة في كربلاء. بغض النظر عن عمه العباس ومنزلته التي يغبطه عليها جميع الشهداء؛ وجناحيه الذي يطير بهما في الجنة. إن لكلٍ ميزته؛ ولكن نفهم أن علياً تشبه بالنبي (ص) وهذا التشبه لم يكن من دون معاناة. بل حتى الخمسة الطيبة أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس؛ لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا لقابلية فيهم. فأنت إذا اكتسبت القابلية؛ ألقي عليك رب العالمين من هذه المقامات ما يلقي. إن كل مؤمن مأمور أن يكون الأقرب فالأقرب إلى مقام النبي (ص). إن النبي (ص) هو في القمة العليا، ولا يرقى إليه أحد؛ ولكن بإمكان الواحد منا أن يكون على تلة، أو على مرتفع أقرب ما يكون إلى القمة.

الجمع بين العِبرة والعَبرة

ومن الدروس الجمع بين العِبرة والعَبرة. إن هدفنا من إقامة عزاء أهل بيت (ع)؛ هو أن تبكي عيوننا، ونستوعب الدروس وندركها، وتتألم قلوبنا؛ ثم تعمل جوارحنا، وهذه هي المعادلة الكاملة. فأن تبكي وتنتحب، وتلطم على صدرك هي أمور أمور كلها خانة المشاعر. وهناك خانة الأفكار، وخانة الفهم والإدراك، ومن ثم خانة العمل.

ألسنا على الحق…!

تقول الرواية: إن الحسين (ع) خفق خفقةً على ظهر الفرس. وعادة لا ينام الإنسان إلا على فراش وثير مثلا؛ ولكن ماذا فعل الإعياء والتعب بأبي عبد الله (ع) حتى غلب عليه النوم؟ ثم رأى في تلك الحالة مناماً؛ فاستفاق من منامه وهو يسترجع[٤] فسأله ولده علي الأكبر (ع) عن علة الاسترجاع هذا فقال (ع): (القوم يسيرون و المنايا تسير إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا)[٥]، ثم قال لأبيه: (يا أبت لا أراك اللّه سوءا، أ لسنا على الحقّ؟ قال: بلى و اللّه الذي إليه مرجع العباد، فقال: فإننا إذا ما نبالي أن نموت محقّين، فقال له الحسين عليه السّلام: (جزاك اللّه من ولد خير ما جزى ولدا عن والده)[٦]. إن الحسين (ع) يعلم هذا الأمر وزيادة؛ فهو إمام الزمان؛ ولكن المأموم أراد أن يُفهم الإمام أنني أنا خير مأموم لك، فيُقر عين والده، ويُدخل على قلبه سروراً لا يوصف.

لقد سأل علي الأكبر (ع) أباه سؤالاً واحداً: ألسنا محقين؟ وقال: ما دمنا على الحق لا نبالي. والدرس من هذه القصة هو، أولا: أن يبحث الإنسان عن الحق مطلقا في جيمع جوانبه. فالذي تربى في بيئة بعيدة عن معتقدات أهل بيت (ع) ينبغي أن يبحث عن الحق الاعتقادي. فأول ما يأتيك الملكان السائلان؛ سيسئلانك عن عقيدتك، وعن نبيك وعن كتابك وعن قبلتك. ثم ستسئل عن إمامك؛ فكما روي: (مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)[٧]. قد لا يسألك في دار الدنيا، وقد تتنكر للحقيقة، وتُغمض عينيك، وقد تكون هذه الحقيقة مكلفة لك، وقد تعيش في بيئة لا تشجعك على اتباع الحق؛ ولكن ماذا تصنع في خلوة القبر؟ أعد جواباً لذلك اليوم.

العمل بالحق سيرة الأولياء

ثانيا: ابحث عن الحق في كل ما تريد أن تقوم به. إن كنت تريد أن تقدم أو تريد أن تحجم أو تريد أن تعمل أي عمل، أو تريد أن تتزوج أو تشارك أحدهم تجارياً، أو تريد أن تقوم بأي نشاط في الحياة؛ اجعله مطابقاً للحق. وسل الله عز وجل أن يريك الحق في جميع جزئيات حياتك. فقد تكون عقيدتك حقة؛ ويكون سلوكك العملي باطل. وذلك ادع بهذا الدعاء دائما؛ فلو استجيب بحقك كنت من أسعد السعداء، وهو: اللهم أرنا الأشياء كما هي، ولا تجعل على بصيرتي غبشاً ما، يمنع الرؤية. إن علي الأكبر (ع) قد وصل إلى هذه الدرجة من انكاشف الحقائق؛ فقد كان نافذ البصير كعمه العباس (ع)، ونفوذ البصيرة هو مشاهدة الأشياء كما هي.

كيف وصل إبراهيم خليل الرحمن (ع) إلى مقام الإمامة؟

يقول سبحانه: (وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗا)[٨]. لقد سُجلت الكعبة باسم إبراهيم (ع) بانيها، ومعالم الحج كلها تذكرنا بإبراهيم (ع) وهو مع ذلك جد النبي الخاتم (ص) وجد ذريته (ع). وما حصل على كل ما ذكرناه؛ إلا بعد أن أتم الكلمات واجتاز الاختبارات. إن أهم اختبارين مر بهما إبراهيم (ع) هما: تحطيمه للأصنام ثم رميه في النار، وذبح إسماعيل (ع) لمنام رآه، وإن كان الله عز وجل قد اكتفى منه بالحركة الظاهرية، وقال: (وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ)[٩].

إلا أن الحسين (ع) كان اختباره أتم من اختبار جده إبراهيم (ع). لقد حاول إبراهيم (ع) الذبح ولكنه ما ذبح. وبحسب ما يُنقل أن الله أنطق السكين فقالت: الخليل يأمرني والجليل ينهاني؛ ولكن الحسين (ع) أتم الاختبار وقدم فلذة كبده شبيه الرسول حتى قطعوه بالسيوف إربا إربا؛ فامتلأ هما وغما حتى لم يستطع أن يحمله كما حمل سائر الفتية وطلب من بني هاشم والأصحاب أن يحملوه هم.

[١] بحار الأنوار  ج٤٥ ص١٣.
[٢] بحار الأنوار  ج٤٥ ص١٣.
[٣] سورة الأحزاب: ٢١.
[٤] يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
[٥] عوالم العلوم  ج١٧ ص٢٢٩.
[٦] عوالم العلوم  ج١٧ ص٢٢٩.
[٧] المناقب  ج١ ص٢٤٦.
[٨] سورة البقرة: ١٢٤.
[٩] الصافات: ١٠٧.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لا يقولن أحد: أين أنا ورسول الله؟ تشبه برسول الله بقدر طاقتك، وبحسب وسعك. بل القضية أعظم من ذلك؛ فقد أمرنا أن نتخلق بأخلاق الله. فربك كريم؛ فكن كريماً، وربك حليم؛ فكن حليماً، وربك عفو؛ فكن عفواً، وإلى آخره. وهذه الصفات هي التي كان يحملها علي الأكبر (ع).
Layer-5.png