- ThePlus Audio
السياسة العامة في مواجهة الازمات
بسم الله الرحمن الرحيم
تمر في الإنسان الكثير من الأزمات في حياته ولعله يوميا تتجدد له أزمات ولذلك عليه أن يعرف كيف يواجه هذه الأزمات، ربما يكون المعيار في مواجهة الأزمات هو دراسة نقاط ضعفها وقوتها، فيفتح لكل أزمة ملف من الملفات المستقلة، لكن هذه العملية متعبة للإنسان قد ينجح في فتح ملف وإغلاقه بشكل سليم وقد يفشل في بعضها وهذه هي سياسة المد والجزر ولكن هناك سياسة أخرى هي السياسة العامة في مواجهة الأزمات، فهنالك بعض الناس له خطة ثابتة في كل أزمة سواء كانت مالية أو بدنية أو نفسية أو روحية واجتماعية وما شابه ذلك في هذه الأسطر المختصرة نحاول أن نأتي بهذه القواعد بإذن الله تعالى:
التفكر في قدرة الله تعالى يورث صغر الأزمات
استصغار الأزمة والمشكلة في جنب قدرة الله عز وجل وأعطي مثالاً لذلك وأرجو أنْ يوضع في البال دائمًا مثالٌ حسيٌ جميل؛ إذا كان أحدنا في الطائرة والنوافذ مغلقة ويسمع صوت هدير المحركات ولكنه لا يعلم هل على الأرض وعلى مدرج الطيران أم في السماء، شكٌ من جهة أنّه في الطائرة وبحسب الظاهر المحركات تعمل وهنالك هزات أيضاً شبيهة بالتحليق، أم هو على المدرج، فماذا يعمل لكي يقطع الشك باليقين؟
الجواب هو: أمرٌ بسيط يفتح النافذة ويطل على الخارج أن رأى أبنية المطار والسيارات وما شاكل ذلك يعلم أنه قد راوح مكانه يظن أنه قد كان يطير وهو على الأرض أما إذا رأى أن الأمور صغيرة على الأرض بيته الذي كان يهتم فيه ويزينه ويشتري له المتاع بدى على وجه الارض كرأس دبوس، عند إذن يعلم أنّه قد حلق ولو أقسم خمسين إنساناً أنّه على الأرض لا يصدق المراد.
من هذا المثال الإنسان إذا رأى عناصر الدنيا وأنّها كبيرة في باله بيته أو ماله أو ثروته أو ذريته وما في البنوك وما له من رصيد حتى المشاكل رآها كبيرة، مثل هذا الإنسان مثله كالذي لا زال باقياً على مدرج المطار وهو يظن انه في الطائرة ويحلق، ربما تأتيه حالة الإقبال يخشع في صلاة ليله ويذهب إلى العمرة يذهب إلى المشاهد ولكنه ما زال على أرض المطار لم يسافر! نعم هو تشبه بالمسافرين.
أما إذا هو في حالة عادية ولكن ينظر إلى الدنيا وهي صغيرة في عينه، فهذا إنسان محلق وإن لم تكن له أية حالة خشوعية بحسب الظاهر هذا الكلام نستفيده من كلام الإمام علي (عليه السلام) حيث يقول: (عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم)[١] فهو في حال تحليق وحال صعود في الطبقات العليا من الجو وصغر ما دونه تحت أرجلهم في مثالنا.
إذن الدرس الأول في تجاوز الأزمات هو أن نحتقر كل شيء جنب الله عز وجل وكل شريف دون شرفك حقير خاب الوافدون على غيرك وخسر المتعرضون إلا لك وضاع الملمون إلا بك وأجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك بابك مفتوح للراغبين وجودك مباح للسائلين.
عدم القطع بكون الأزمة أمرٌ مبغوض وسلبي
عدم امتلاك حالة القطع بمرجوحية الأزمات، فنحن عندنا نظرية ثابتة أنَّ الفقر شيء سلبي والمرض يعني عذاباُ والحرمان يعني شيء يُتنفر منه، من قال هذا؟! المؤمن له نظرة واسعة للأمور فهو لا يعلم أنّ هذا المرض شر أم خير؛ لأنَّه يعيش حالة الشك وما دام هو شاك إذن لا يضطرب، فرُبّما تواجه الإنسان بعض الأمور المقلقة فقد تأتي لأحدهم رسالة من أهله مغلقة لا يعلم ما بداخل الرسالة، هل خبر عرس أم وفاة؟ فهل يبكي الإنسان بمجرد أن تأتيه الرسالة أم يقول لا أدري؟! الجواب: عليه أن يفتح الرسالة يقرأ أولاً ويرى ما هو محتواها ثم يحكم، وهذه الرسائل التي تأتي بأزمات على الإنسان لا يعلم مضمونها ومحتواها فهذه لا تفتح إلا يوم القيامة، نعم الإنسان لا يدري بالمضمون أو هذا المرض، فظاهره كظاهر الظرف الذي لا نعرف ما في داخله، كذلك المرض لا نعلم هل هو رفع درجة أم هو كفارة عن سيئة؟ لا نعلم هل هو عقوبة أم شيء آخر؟ فإذن لا داعي للاضطراب أبداً، إذن المؤمن لا يقطع أن ما أصابه فيه ضرر ولا يقطع أن ما نزل عليه من الخير فيه نفع لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم القواعد كثيرة لكن نختصرها.
المؤمن لا بد أن يعيش حالة السعي وليس عليه ترقب النتائج
المؤمن في تناوله للأزمات يعيش ويتناول الأزمة بروحية باردة، فهو يسعى سعيه في تجاوزها فإذا مرض مثلاً فهو مأمور بأن يذهب إلى الطبيب، وإن لم يذهب ومات بمرضه فليس بماجور؛ لذلك شعار المؤمن مكتسبٌ من القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلإنسان إلاَّ مَا سَعَى)[٢]
لا ما أنتج ولا ما حقق ولا ما أحرز في الخارج وليس للإنسان إلاّ ما سعى، القرآن الكريم يقول إن الإنسان مؤاخذٌ على سعيه لا على نتائج الأمر وإلا إذا جعلنا الملاك في الفوز والنجاح هي النتائج فالأنبياء (عليهم السلام) أكثر الناس خذلاناً وأكثر الناس خسراناً، نوح (عليه السلام) من الأنبياء العظام لبث مع قومه ألف إلاّ خمسين عاماُ ومع ذلك نرى أنّ الذين آمنوا معه قليلاُ جداً، بعض أئمة المساجد في سنوات قليلة يكتسب هذا الجمهور ولكن نبي الله نوح (عليه السلام)، بجهده وجهاده لم يؤمن معه إلاّ قليل والدليل على ذلك أنَّ جمهوره من ركب السفينة، لم تكن أسطولاً كبيراً فهي مجرد سفينة في هذه السفينة المؤمنين معاً، إذن على المؤمن أنْ لا يهتم بالنتائج؛ ولهذا في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف يعمل بواجبه ولا يترجى التأثير في الطرف المقابل وتغيره بشكل تام هذه أيضاُ من قواعد التعامل مع الأزمات.
خلاصة المحاضرة
- تمر في الانسان الكثير من الازمات في حياته ولذلك عليه ان يعرف كيف يواجها، ربما يكون المعيار في مواجهة الازمات هو دراسة نقاط ضعفها وقوتها، ولكن هناك سياسة أخرى هي السياسة العامة في مواجهة الازمات، ونحاول ان نأتي بهذه القواعد باذن الله تعالى:
- استصغار الازمة والمشكلة في جنب قدرة الله عز وجل
- الانسان اذا رأى عناصر الدنيا كبيرة في باله بيته أو ماله أو المشاكل، فمثل هذا الانسان كالذي لا زال باقياً على مدرج المطار وهو يظن انه في الطائرة و يحلق.
- اما اذا هو في حالة عادية و لكن ينظر الى الدنيا صغيرة في عينه، فهذا انسان محلق، اذن الدرس الاول في تجاوز الازمات هو ان نحتقر كل شيء جنب الله عز و جل.
- عدم القطع بكون الأزمة أمرٌ مبغوض وسلبي.
- ينبغي للمؤمن أن يعيش حالة السعي وليس عليه ترقب النتائج وشعار المؤمن (وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى) لا ما انتج ولا ما حقق ولا ما احرز في الخارج .