- ThePlus Audio
السنن الإلهية
بسم الله الرحمن الرحيم
السنن الإلهية الثابتة
كما أن الإنسان يحاول اكتشاف السنن الثابتة في الطبيعة؛ لابد له من السعي لاكتشاف السنن الإلهية الثابتة في الحياة البشرية، ثم الالتزام بها بعد كشفها؛ لأن نتائج هذه السنن ثابتة على مر الدهور. وكما أن السنن لا تتغير في الطبيعة إلا بمعجزة وكذلك هي السنن الإلهية في التعامل مع البشر لا تتغير إلا بالمعجزة.
من السنن الإلهية؛ إغراء النبي (ص) بقتال المشركين
إن المراد بالسنة الإلهية: هي الطريقة الواحدة في تعامل الله تعالى مع جميع الخلق. وقد ذكر القرآن الكريم نماذج من هذه السنن؛ منها: إن عاقبة المرجفين والمنافقين في المدينة، هو إغراء النبي (ص) بقتالهم وطردهم من المدينة، واعتبر القرآن ذلك؛ سنة من السنن الإلهية التي تقتضي الانتقام من أعداء الدين في كل زمان. ومن الملفت أن الآية أشارت إلى أن قلب النبي (ص) بيد الله تعالى، فهو الذي يغريه بقتال المنافقين، كما يدعوه إلى الرأفة بالمؤمنين.
من السنن الإلهية؛ إعراض الرب عن من أعرض عنه
ومن السنن الإلهية أن الذي يعرض عن ربه لا يجد وليا ولا نصيرا، ويعيش وحيدا في عزلة قاتلة، قال سبحانه: (ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)[١]، فالله خير ذاكر وخير جليس، وبحسب تعبير الإمام الحسين (ع): (مَا ذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَمَا الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَك)[٢]، وما أروع هذا القول: (يَا خَيْرَ مَنْ خَلَا بِهِ وَحِيدٌ، وَيَا أَعْطَفَ مَنْ أَوَىٰ إِلَيْهِ طَرِيدٌ)[٣].
ومن السنن الإلهية : أن الدعاء من دون سعي مناسب لا أثر له.. إذ لم يجعل الدعاء عوضا عن عالم الأسباب ، بل هو إما : لتسبيب سبب مناسب ، ( إذ الحاجة إلى لئام الناس أمر مذموم ) أو لتأثير السبب المناسب ( إذ لا مؤثر في الوجود الا الله تعالى ) أو لانتخاب السبب الأفضل ( إذ المطلوب هو جريان الخير عن يد كرام خلقه) أو لجعل النتيجة الحاصلة مما فيه الخير والصلاح واقعا( إذ لعل الذي أبطأ عن العبد هو خير له).
هل السنن الإلهية لا تقبل التغيير؟
وليس أمام المؤمن طريق مسدود في الحياة. فهو يعلم أن واضع القوانين والسنن هو الذي يستطيع عند الحاجة أن يخرقها أو يرفعها كما فعل ذلك مع الأنبياء والأولياء من قبل. ألم يجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم؟ ألم ينقذ موسى بفلق البحر له وبتحويل جماد إلى حية تسعى ثم تلقف سائر الحبال؟
من السنن الإلهية؛ ضيق المعيشة نتيجة طبيعية للتبذير والتكاسل
ومن السنن الإلهية؛ أن الرزق لا يأتي إلا بقدر وحساب وهو نتيجة لسعي العبد. فالمتكاسل والمقصر في اكتساب مهارات الحياة أو الذي يبذر ما رزقه الله عز وجل؛ عليه أن يتحمل الضيق الذي سيبتلى به نتيجة عمله، فالله سبحانه يأبى إلا أن يجري الأمور بأسبابها.
من السنن الإلهية؛ المرض نتيجة عدم الاهتمام بالصحة
ومن السنن الإلهية في عالم الأبدان؛ أن الأمراض والعاهات هي نتيجة طبيعية لعدم الاهتمام بصحة الجسد الذي هو دابة هذه الروح. وما يحل بالعبد من أمراض وعلل لا يؤجر عليها؛ إذا كان هو المسبب لها. فالذي لا يراعي القواعد الطبية والحمية الغذائية، يعرّض نفسه للآفة، وبالتالي سيفوت عليه الكثير من الطاعات التي تحتاج إلى سلامة البدن.
الإعراض عن ذكر الله عز وجل
ومن السنن الإلهية في عالم الأرواح؛ أن الذي يعرض عن ذكر الله عز وجل فإنه سيبتلى بضيق العيش، فقد قال سبحانه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[٤]؛ فتراه متبرما كئيبا لا أمل له في الحياة، ولذائذ الحياة عنده أشبه شيء بالمخدر الذي ينسيه ما هو فيه من الانقطاع عن مصدر السعادة الحقيقية في الحياة. وتشتد المصيبة عنده، عندما يتقدم به العمر، إذ لا تشغله لذائذ الدنيا، ولم يتعرف على لذة الآخرة. وكما أن الإعراض عن الذكر يتحقق بالعناد والعصيان وتحدي الرب؛ فإنه يتحقق أيضا بالإدبار الاختياري بعد الإقبال عليه من قبل الله عز وجل. ومن المعروف عند أهل السلوك: أن الذي يستهين بالإقبال الممنوح له – سواء حصل عليه بالمجاهدة أو من دونه – فإنه يحرم ذلك فترة من الزمن كعقوبة له على تهاونه واستخفافه.
من السنن الإلهية؛ تقليب القلوب..!
ومن السنن الإلهية تقليب القلوب بحسب ما يراه مقلب المقلوب من المصالح. فهو الذي حول واد موحش إلى أكبر تجمع لصالحي البشر طوال التاريخ وأدام نزول الرزق والخير على تلك البلدة، ببركة دعاء الخليل (ع) وذلك قوله سبحانه عن لسان إبراهيم (ع): (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)[٥].
من السنن الإلهية؛ المباركة في وجود الإنسان ونسله
ومن السنن الإلهية؛ المباركة في وجود الإنسان ونسله، بحيث لا يندثر ذكره بموته. ومن مفاتيح هذه المباركة الإلهية هي الشعور برقابة الله تعالى في السر والعلن. فهذا إبراهيم (ع) بعدما دعا لذريته بأن تهوى إليهم القلوب، واستمرار الثمرات، ختم ذلك بقوله: (رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ)[٦] مما يستفاد أن الإحساس بالمراقبة الإلهية مفتاح البركات في حياة الإنسان ، سواء في حياته وبعد موته ،ويكفي في مباركة الله تعالى في حياة إبراهيم (ع) : أن جعل النبي الخاتم (ص) من نسله ، وأمره باتباع ملته.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- كما أن الإنسان يحاول اكتشاف السنن الثابتة في الطبيعة؛ لابد له من السعي لاكتشاف السنن الإلهية الثابتة في الحياة البشرية، ثم الالتزام بها بعد كشفها؛ لأنها سنن ثابتة على مر الدهور. وكما أن السنن لا تتغير في الطبيعة إلا بمعجزة وكذلك هي السنن الإلهية في التعامل مع البشر لا تتغير إلا بالمعجزة.
- من السنن الإلهية؛ أن الرزق لا يأتي إلا بقدر وحساب وهو نتيجة لسعي العبد. فالمتكاسل والمقصر في اكتساب مهارات الحياة أو الذي يبذر ما رزقه الله عز وجل؛ عليه أن يتحمل الضيق الذي سيبتلى به نتيجة عمله، فالله سبحانه يأبى إلا أن يجري الأمور بأسبابها.