- ThePlus Audio
السلوك وأثره في تربية الأولاد
بسم الله الرحمن الرحيم
مما لا شك فيه أنَّ من الأمور التي نُسأل عنها يوم القيامة، هي عاقبة ذرياتنا لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[١] ولقوله: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)[٢]، فإن قصَّرنا في التربية فنحن مسؤولون، فالإنسان يُسأل عن نفسه، ويُسأل عن الذرية التي رباها خيراً أو شراً.
ومن المعلوم إذا مات الإنسان انقطع عمله عن هذه الدنيا[٣]؛ لأنَّ الدنيا دار عمل ولا جزاء، والآخرة دار جزاء ولا عمل، لكن للمرء أن ينظر في عاقبة أمره ويحسن تجارته مع الله تبارك وتعالى بأن يبقي عمله مستمراً حتى بعد موته من خلال فتح قنوات في حياته كالعلم، والصدقة الجارية مثل المشاركة في بناء المساجد ودور الأيتام، وغير ذلك مما ورد عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام).
ومن تلك الأعمال التي لا تقطع عمل الإنسان عن هذه الدنيا الولد الصالح وينبغي أن نعلم أن الولد مخلوق على الفطرة، فهو طينة طيّعة بيد الوالدين.
ولا ننفي بأنَّ هناك بعض الصفات الذاتية للأولاد فيوجد طفل بريء، وآخر فيه شيء من عدم الطاعة، لكن مع ذلك نحن نعتقد أن التربية الصالحة إما أن تزيل أو تهذب هذه المواد الفاسدة من هذه الطينة غير الصالحة. ويجب أن يُعلم إنَّ الانحرافات الكبرى في حياة الإنسان تبدأ من سنوات صغره، فالأبوان يخطئان عندما يعتقدان أن الطفل لا يفهم ويتركانه يمارس أي عمل كيفما شاء، ويقرران بعد سن البلوغ بمعاملة ولدهما معاملة جدية، فهذا خطأ كبير وشائع في كثير من المجتمعات مع شديد الأسف؛ لأنَّ الطفل يعلم بعض المعاني منذ الأيام الأولى، إلا أنه لا يمكنه أن يعبر.
ونريد أن نبين- ونلفت انتباه الآباء في هذا المختصر من الكلام- أنَّ هناك خارطة باطنية لكل إنسان، فعند التعامل مع الزوجة، ومع الصديق، ومع الأب، ومع الأم، أو مع رحم إلى غير ذلك علينا أن نعلم أنه بموازاة الشكل الظاهري، هنالك وجه باطني والتعامل الناجح والمثمر والبناء إنَّما يكون مع الوجه الباطني، لا مع الوجه الظاهري.
والسؤال المرتبط بسلوك الأولاد وتربيتهم هو؛ هل حاول الآباء أن يكتشفوا ملامح هذا الوجه عند أولادهم؟ فربما يكون جميلاً أو قبيحاً، لكن مع ملاحظة ومراقبة القرائن المختلفة من حركات الجوارح، يمكن أن نفهم إجمالاً التركيبة الجوانحية، بالإضافة إلى النور الإلهي الذي يُعرف به المؤمن، لأن للمؤمن أيضاً فراسة باطنية.. فهنالك نور إلهي، وهنالك دقة بشرية، يجمع بين الملاحظة البشرية الدقيقة وبين الاستمداد من النور الباطني.
إذن الخطوة العملية لما تقدم، هو أنه علينا أن نكتشف الخارطة الباطنية للولد، والعمل على تفعيلها وتطويرها إذا كانت جميلة وإزالتها أو تهذيبها إن كانت قبيحة.
التأديب البدني دون الروحي حائل لتنظيم الخارطة الباطنية
مما تقدم خلصنا إلى ضرورة صقل الجانب الباطني لدى الأولاد، لكن هناك موانع يضعها بعض الآباء بسوء تصرفهم وقلة معرفتهم أحياناً بصقل ذلك الجانب الروحي فما هو شائع في تعامل عامة الناس مع أولادهم هو تعاطيهم مع البدن ويجعلونه هو المحور للتربية وتحديد السلوك، فربما البعض يجعله كاشفاً عن شخصية الولد وسبباً لإحترامه بين الناس، لذا يصبون جلَّ اهتمامهم بتحسين مظهره ويسرفون في ذلك إلى أن يحولوه في الكبر إلى شخص ذائب في الحياة المادية الخالية من كل معنى روحي.
ومن جانب آخر يركز بعض الآباء في تربية أولادهم وتنظيم سلوكهم في السيطرة على أبدانهم، ضرباً، وحبساً، وإجهاداً الخ…
وحقيقة الحال أن هذه الحركات لا ترتبط بالخارطة الباطنية، حيث إن الخارطة لا تتغير عندما تصفع طفلاً على خده، فما ارتباط ذلك بترتيب تغيير جوهره؟
وعليه، فإننا نعتقد أن الحركات التأديبية البدنية في كثير من الأوقات -في العنوان الأولي- تزيد الخارطة الباطنية تعقيداً، وتعمل حائلاً، وتبني جداراً سميكاً بين المربي وبين المربى.. فلا يملك الإنسان أدوات التحكم في الباطن، وخاصة أن هذا الولد سيكبر، وسيبلغ، وسيخرج من المنزل.. وعندئذٍ لا سلطان على جسمه، ولا سلطان على روحه.. فالأبوان يفقدان السيطرة كاملة، كما هو الملاحظ هذه الأيام من صور الاستقلالية الكاملة، وحتى بالنسبة إلى البنات بالنسبة للوالدين.
عاملان مؤثران في تنظيم الخارطة الباطنية في التربية
ونعتقد أنَّ البديل عن مسألة السيطرة البدنية على الولد وتنمية الخارطة الباطنية عنده وتنظيمها ضمن سلوك سوي وفق ما يقتضيه الشرع المقدس والعقل السليم عاملان:
التربية النفسية للولد
التربية النفسية للولد فإذا كان الأب حكيماً، وقد فرض احترامه في بواطن من يتعامل معهم فإعراض مثل هكذا أب عن أولاده المخالفين للسلوكيات والأدبيات العامة يكون سبيلاً مؤثراً لتربيتهم وإصلاح ما فسد من بواطنهم، فمن المعروف أن الإعراض -إعراض الحبيب عمن يحبه- قاتل، فالزوج الصالح مثلاً عندما يُفهم زوجته بزاوية عينيه أنه معرض، وأنه مشمئز، فإن هذا يؤثر في أعماقها وفي خريطتها الباطنية، بما لا يُقاس برفع صوته ومد يده.. ولهذا عندما كان المسلمون يراقبون حركات وجه النبي (صلى الله عليه وآله)، كانوا يعرفون كراهته للشيء من خلال إعراض وجهه، وحركات وسيماء وجهه المبارك.
عنصر التشجيع
من الواضح عند الجميع بغض النظر عن دينه وملته وطريقة تفكيره أن هنالك فرقا بين الحسن والشر، وبين الصالح والطالح.. فالطالح فيه إعراض، والصالح فيه تشجيع وتقريب، وليس بالضرورة أن يكون التشجيع مادياً – وإن كان مقبولاً في نفسه- فعلى سبيل المثال في بعض الأوقات قبلة المربي لمن يربيه، قد تفوق كثير من الجوائز المادية القيمة.. ومن هنا جعلت الشريعة قبلة الولد من صور العبادة التي يؤجر عليها الإنسان، رغم أنها حركة فطرية.
خلاصة المحاضرة
- مما لاشك فيه إنَّ من الأمور التي نُسأل عنها يوم القيامة، هي عاقبة ذرياتنا، ومن المعلوم إذا مات الإنسان انقطع عمله عن هذه الدنيا، ومن الأعمال التي لاتنقطع هي الولد الصالح.
- ولاننفي بأنَّ هناك بعض الصفات الذاتية للأولاد فيوجد طفل بريء، وآخرفيه شيء من عدم الطاعة، لكن مع ذلك نعتقد بأن التربية الصالحة إما أن تزيل أو تهذب من المواد الفاسدة.
- ونلفت إنتباه الأباء أنَّ هناك خارطة باطنية لكل إنسان، ويجب أن نعلم أنه بموازة الشكل الظاهري، هنالك وجه باطني والتعامل المثمرإنَّما يكون مع الوجه الباطني.
- فمثلاً التأديب البدني دون الروحي يكون حائلاً لتنظيم الخارطة الباطنية والبديل عنها هو:
- التربية النفسية للولد فإذا كان الأب حكيماً وقد فرض احترامه في بواطن من يتعامل معهم فإعراضه عنهم يكون سبيلاً مؤثراً للتربية.
- عنصر التشجيع وليس بالضرورة أن يكون التشجيع مادياً فقبلة المربي لمن يربيه، قد تفوق كثير من الجوائز المادية القيمة.