- ThePlus Audio
السلام والتسليم في الإسلام؛ وموقع التسليم من الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
من علم نظرياً أسرار الصلاة وباطنها؛ فقد وضع قدمه على أول الطريق. فمن عرف علة مرضه لا ينتفع بهذه المعرفة ما لم يجد الدواء ويبدأ بالاستعمال. وكذلك هي كل الأبحاث النظرية المتعلقة بالصلاة هي بمثابة وصفة الدواء التي إذا لم تبادر إلى جلب الدواء واستعاله؛ فلن تُشفي سقيماً.
إن كل ما نبذله من جهد في طريق الطاعة؛ إنما هي محاولات ليس إلا. حالنا في ذلك حال من يمد يده في البحر إلى المنقذ. فإن الغريق إن لم يرفع يده، أصبح من الغارقين. فإذا كنت يوما على وشك الهلاك والغرق ورأيت سفينة نجاة؛ تستغيث برجال الإنقاذ وترفع لهم يدك لينتشلوك. وما صياحك وتضرعك ورفع اليد، ومحاولاتك اليائسة؛ إلا للفت الانتباه. إن حجنا وصومنا وصلاتنا ودعائنا هي لكي نقول: يا رب، أنقذنا من ورطاتنا، ومن بحر معاصينا. فاحذر من أن تغتر بنفسك أو تتكل عليها، وإنما عليك اللجوء دائما وأبدا إلى الله عز وجل.
لا طريق إلى الله إلا عبر أوليائه
لقد قال لي أحدهم ذات يوم: ما الفائدة من الدعاء والتوسل ما دمنا نسعى ونبذل قصارى جهدنا، والنتيجة حاصلة؟ فقلت له: أنت متوهم…! إن البعض يريد أن يصل من غير الباب الذي أمر به. إنه يدعي وصلاً بالله عز وجل لا عن طريق أوليائه، وهو يريد أن يدخل المنزل لا من أبوابه، والله عز وجل أمرنا بدخول البيوت من أبوابها. لو دخلت المنزل من غير بابه كنت سارقا. لو فرضنا جدلاً أنك وصلت إلى الله من غير الطريق الذي أمر الله به ولم تدخل من باب النبي وآله (ص)؛ فأنت متوهم في وصولك هذا.
الإسلام دين السلام
إن بحث السلام، من الأبحاث الشائقة في الإسلام. والإسلام هو السلام ومن هو من أسماء رب العالمين والجنة هي دار السلام. وعندما يلتقي أحدنا بالآخر، يقول له: السلام عليك، وليلة القدر هي سلام هي حتى مطلع الفجر، وقد قال سبحانه عن حال أهل الجنة: (سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ)[١]. وقد سلم الله على الأنبياء جميعهم في القرآن الكريم، فقال مثلا: (سَلَٰمٌ عَلَىٰ نُوحٖ فِي ٱلۡعَٰلَمِينَ)[٢]، وإلى آخر ذلك. ولو بحثنا في القرآن لوجدنا فيه قرابة مئة وأربعين آية فيها مشتقات السلام، وختام الصلاة السلام.
ما هو معنى السلام؟
عندما تقول لأحد: السلام عليك؛ فماذا تعني بذلك؟ طالما حيينا ولم نعلم ما معنى هذه التحية. ولو فتشت في شرق الأرض وغربها ما وجدت تحية أرقى من السلام، وهي تحية أهل الجنة. فلا يجدر بالمؤمن أن يستبدل سلام المسلمين بسلام الكفار وغيرهم. هذه أرقى صيغة من صيغ التحية.
لقد روي عن إمامنا الصادق (ع) أنه قال في معنى التسليم: (كَانَ اَلنَّاسُ فِيمَا مَضَى إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَارِدٌ أَمِنُوا شَرَّهُ)[٣]؛ أي أنا إنسان مسالم، ولم آت إليكم لأنقل أخباركم أو لاغتيال أحدكم. ثم يقول (ع): (وَ كَانُوا إِذَا رَدُّوا عَلَيْهِ أَمِنَ شَرَّهُمْ وَ إِنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَمْ يَأْمَنُوهُ وَ إِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَى اَلْمُسَلِّمِ لَمْ يَأْمَنْهُمْ وَ ذَلِكَ خُلُقٌ فِي اَلْعَرَبِ)[٤]. إن الإمام الصادق (ع) يذكرنا بهذا الخلق الذي كان حتى في الجاهليين؛ فلا تكن أقل من الجاهلي. فلا يسلمن عليك المؤمن، ثم عندما يغيب عنك، تغتابه؛ فإن فعلت ذلك كنت كاذباً في مقالتك، وخنت الأمانة والعهد. وفي تحية السلام تبادل المحبة والأمان بين المتسالمين.
من معاني السلام؛ السلامة من الآفات
ومن معاني السلام؛ السلامة من كل نقص. كأنك تدعو له بالسلامة من الآفات ومن المرض وغير ذلك. السلام عليك، يعني: إنني أدعو الله أن يُبعد عنك النقص. ومن هنا قال المفسرون أصحاب اللغة: إن رب العالمين وُصف بالسلام في سورة الحشر؛ لأنه مبرئ من كل نقص، والجنة دار السلام، لأنها خِلوٌ من اللغو والتأثيم ومبرأة من كل نقص. وكذلك هي ليلة القدر، سالمة من تدخلات الشياطين. وقوله سبحانه: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا)[٥]؛ أي أنني مبرئ من النقص في مواجهتك وفي الجدال معك. فيُمكن القول: أن في كل جذور السلام؛ معنى السلامة من الآفات.
يا لهذه النهاية السعيدة…!
والسلام والتسليم هو ما ننهي به صلاتنا. إن الصلاة كالقرآن نزلت من الله عز وجل؛ فكل جملة وكل حركة في الصلاة لها دلالة. إن رب العالمين خلق المجرات والأفلاك وأنزل علينا القرآن والصلاة؛ فالقرآن كتابه النازل والصلاة كتابه الصاعد. فإذا ما تحدثت مع الرب بقرآنية الصلاة، يُحدثك الرب بقرآنية القرآن. وليس في الوجود صورة أجمل من الصلاة كما ورد ذلك عن إمامنا الرضا (ع). ويا لها من حبكة – كما يقال – حيث تبدأ الصلاة بالتكبير وبالتهليل وبسورة الحمد التي هي خطاب مع الله عز وجل وتنزيهه، وفي الختام تقول: السلام عليك أيها النبي، وتقول: السلام علينا؛ أي جماعة المصلين، وتقول: السلام عليكم للملائكة الحافة بنا.
وتسلم كذلك على عباد الله الصالحين طوال البشرية من خلقة آدم إلى يومنا هذا. فأنت في ختام الصلاة توزع السلام على المصلين في المسجد، وعلى الملائكة الحافين بك، وعلى الأنبياء والمرسلين، وعلى كل صالح كان على هذه الأرض، وعلى النبي الأكرم (ص) ويا له من ختام…!
خلاصة المحاضرة
- إن كل ما نبذله من جهد في طريق الطاعة؛ إنما هي محاولات للفت الانتباه حالنا في ذلك حال من يمد يده في البحر إلى المنقذ. فإن الغريق إن لم يرفع يده، أصبح من الغارقين. فإذا كنت يوما على وشك الغرق تستغيث برجال الإنقاذ وترفع لهم يدك ليتقذوك وما صياحك وتضرعك ورفع اليد إلا للفت الانتباه.
- الإسلام هو السلام ومن هو من أسماء رب العالمين والجنة هي دار السلام. وعندما يلتقي أحدنا بالآخر، يقول له: السلام عليك، وليلة القدر هي سلام هي حتى مطلع الفجر، وقد قال سبحانه عن حال أهل الجنة: (سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ) وقد سلم الله على الأنبياء جميعهم في القرآن الكريم.