- ThePlus Audio
السعي في طلب الرزق بدل الطلب والمسألة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
قد يترك بعض المؤمنين عالم الأسباب؛ أي أنه لا يسعى لتأمين قوته ورزقه، ويتصور بأن هذا من أنواع التوكل على الله عز وجل، والحال أن العالم هو عالم الأسباب ومن لا يسعى لا يحصل على قوته.
وهنالك استثناءات؛ كالمائدة السماوية التي كانت نزل على السيدة مريم (س) من دون سعي منها وهي في المحراب، وهذه مسألة شاذة وليست بقاعدة يعول عليها.
عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (اِشْتَدَّتْ حَالُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَتْ لَهُ اِمْرَأَتُهُ لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَسَأَلْتَهُ فَجَاءَ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَمَّا رَآهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ – من دون أن يتكلم الرجل شيئا – مَنْ سَأَلَنَا أَعْطَيْنَاهُ – مساعدة في سبيل الله – وَمَنِ اِسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اَللَّهُ)[١]
ومعنى كلام النبي (ص) بحسب الظاهر: أنه بإمكاننا أن ندعمك دعماً خفيفاً ولكن المهم هو الاستغناء بالله عز وجل والتوكل الحقيقي على الله سبحانه، (فَقَالَ اَلرَّجُلُ مَا يَعْنِي غَيْرِي – والنبي (ص) لم يتكلم معه مباشرتاً ولكنه فهم أنه هو المقصود – فَرَجَعَ إِلَى اِمْرَأَتِهِ فَأَعْلَمَهَا فَقَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَشَرٌ فَأَعْلِمْهُ – فلا تكتفي بالعموميات، اذهب وصارحه بأنك تريد مالاً – فَأَتَاهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ مَنْ سَأَلَنَا أَعْطَيْنَاهُ وَ مَنِ اِسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اَللَّهُ حَتَّى فَعَلَ اَلرَّجُلُ ذَلِكَ ثَلاَثاً ثُمَّ ذَهَبَ اَلرَّجُلُ فَاسْتَعَارَ مِعْوَلاً ثُمَّ أَتَى اَلْجَبَلَ فَصَعِدَهُ فَقَطَعَ حَطَباً ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَبَاعَهُ بِنِصْفِ مُدٍّ مِنْ دَقِيقٍ فَرَجَعَ بِهِ فَأَكَلَهُ ثُمَّ ذَهَبَ مِنَ اَلْغَدِ فَجَاءَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَبَاعَهُ فَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ وَ يَجْمَعُ حَتَّى اِشْتَرَى مِعْوَلاً)[٢]
(وانظروا إلى التخطيط الاقتصادي لهذا الإنسان، ولا شك أنه قد وفر في طعامه، فهو يأكل الدقيق ولكنه يفكر أيضا في رأس المال المستقبلي وفي عملية اقتصادية مربحة تأمن له الدخل بشكل رتيب – ثُمَّ جَمَعَ حَتَّى اِشْتَرَى بَكْرَيْنِ وَ غُلاَماً ثُمَّ أَثْرَى حَتَّى أَيْسَرَ – وأصبح من ذوي اليسار في المدينة – فَجَاءَ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَعْلَمَهُ كَيْفَ جَاءَ يَسْأَلُهُ وَكَيْفَ سَمِعَ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ – وهنا ردد النبي (ص) شعاره للمرة الرابعة – قُلْتُ لَكَ مَنْ سَأَلَنَا أَعْطَيْنَاهُ وَ مَنِ اِسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اَللَّهُ.)[٣]
والدرس الذي نستفيده من هذه الرواية الشريفة هو كيفية الجمع بين عالم السعي والأسباب وتفويض الأمر إلى الله عز وجل، فإذا سعى العبد وقدر عليه رزقه؛ فليعلم أن هذه مشيئة الله عز وجل، أما مع عدم السعي فالفقر والفاقة من شئونه، واعلموا أن الذي يصيبه مرض أو ذلة أو هوان مما كسبت يده قد لا يؤجر عليه.