Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

السعادة من منظور أهل البيت (عليهم السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

السعادة في روايات أهل البيت (عليهم السلام)

إن السعادة والراحة والاطمئنان بغية الجميع. ولكنني أريد أن أتحدث عن السعادة ويكون كلامي مبتنيا على كلام سادتنا وموالينا من أئمة أهل البيت (ع). إن هناك روايات كثيرة تذكر صفات السعداء؛ كأن تقول الرواية: السعيد كذ وكذا وليست هذه الروايات على نحو الحصر وإنما تبين صفة من صفات السعداء ورافد من روافد السعادة.

من السعادة الاستهانة بالمفقود

إن أمير المؤمنين (ع) وهو أمير البيان يقول: (اَلسَّعِيدُ مَنِ اِسْتَهَانَ بِالْمَفْقُودِ)[١]؛ وهذه كلمة قصيرة وجامعة. إن قسما كبيرا من مشاكلنا وقلقنا هو من أجل الحزن على ما مضى. فنقول: ليتني فعلت كذا، وليتني لم أفعل كذا، وليتني اشتريت السلعة الفلانية وهلم جرا. إن البعض يظن أن الفقراء يغبطون التجار على أموالهم والجدير بأن يغبط التاجر الفقير على حاله. فليس للفقير متجر يخاف عليه ولا بضاعة يخشى كسادها وليست له بضاعة في البحر يخاف غرقها. إن الفقير يعيش هم يومه. إنني أجالس بعض التجار فرأى أنه في قلق واضطراب من رأسه الى أخمص قدميه. فهو يخشى من كل شيء؛ يخضى على مستقبله وعلى حاضره وعلى تجارته – وهذا الزمن زمن الانتكاسات الاقتصادية – وإننا لنسمع في كل يوم أن التاجر الفلاني أفلس والمتملك الفلاني فقد ما يملك وهلم جرا.

انتهت صلاحيته ليس إلا..!

بالطبع ليس هذا هو الحل، وإنما الحل في ما قاله أمير المؤمنين (ع)، وهو الاستهانة بالمفقود. فاستهن بجميع ما فقدته. وقد تقول: كيف أستهين بالمفقود؟ كيف أستهين بسيارة اشتريتها واحترقت في حادث سير بعد مدة قليلة حتى أصبحت كقطعة من الحديد؟ والجواب كالآتي: إن ما أقوله لك هو الدواء الذي ينبغي أن تستعمله كلما فقدت شيئا أو شخصاً؛ فالمفقودات إما هي أشياء أو هي أشخاص.

من أو ما، فما لغير العاقل ومن للعاقل. فإذا فقدت من فقدت أو فقدت ما فقدت؛ عليك بهذا العلاج الذي يحتاجه الجميع مؤمناً كان أو غير مؤمن. أولا: لا تقل: بأن هذا الذي حصلت عليه فاتني أو فقدته، فرب العالمين عندما انعقدت نطفة ولدك في رحم زوجتك كتب له عشرين سنة من العمر فاستوفاها فقبض؛ فأنت لم تفقد شيئا. وكلما يصل إليك فهو مؤقت. فالزيجة والدابة مؤقتة منذ البداية، فقد قال سبحانه: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا)[٢]؛ إن ملفاتك من أولها ألى آخرها قد كتب قبل أن تخلق فأنت لم تفقد شيئا وإنما إنتهى أمده وانتهت صلاحيته. فكم هذا المعنى يريحك؟

مبدأ التعويض

وثانيا: التفت إلى مبدأ التعويض. وهذا المبدأ – طبعا – بحاجة إلى يقين، ومن لا يقين له لا يتفاعل مع ما أقول. إن الذي له خربة في مكان استراتيجي أو في مكان مهم يدعو ليلاً ونهاراً خصوصا كبار السن أن يبعث الله لهم من يشتري منهم تلك الخربة ليثمنها ون ثم يهدمها. لماذا هو يتمنى ذلك اليوم الذي يهدم فيه داره؟ أليس لعلمه بأن التعويض عشرة أضعاف أو خمسة أضعاف – في بعض البلدان التي يعطونهم السعر السوقي لا يغريهم ذلك وإنما الحديث عن بعض البلدان التي يكون التثمين بأضعاف مضاعفة – وليقينه بالتعويض؟

ولذلك من كان يؤمن بهذا المبدأ – حقيقة – سيعيش في ارتياح. أو تعلم أن حمى ليلة هي كفارة لذنوب كثيرة وخاصة إذا كان الإنسان في المشاهد؟ فكم سيرفع من البلاء عن ضيف الرحمن لو أصابته الحمى في موسم الحج؟ أو كنت في زيارة الحسين (ع) وفي الطريق وأصابك مكروه؟  إن الامام (ع) يدعو لمن أصابته حرارة الشمس في طريق زيارة الحسين (ع) وتقشر وجهه من حرارتها، وهذا الذي يحجبه عن نار جهنم.

قد يمتلك الكثير من الأشخاص ما يعتزون به لا لأجل قيمته المادية فحسب؛ بل لقيمته المعنوية عندهم. فقد يتعلق الرجل بخاتم أو بسبحة أو ما شابه ذلك وهو بالطبع خلاف القواعد؛ فالمؤمن لا تعلق له بشيء أبدا، ولو تعلق قلبه بشيء كالقلم أوغيره، ينفقه في سبيل الله لئلا يبقى قلبه متعلقاً به. وقد ضاع من أحدهم شيء كان متعلقاً به لا لأجل قيمته المادية فحسب، فقال له أحد الظرفاء: يا فلان، إن رب العالمين أخذه منك لئلا يبقي في حياتك شيء تتعلق به؛ لطفاً ورأفةً بك. وقد لاحظت بعض كبار المؤمنين له من الأولاد الثلاثة والأربعة وفيهم ولد مميز ومطيع له؛ وهو الذي يقضي حوائجه ويرفع أثقاله المادية والمعنوية؛ فإذا برب العالمين لا يسلب منه إلا هذا الولد. لئن قلبه كان متعلقاً به. وفي مثل هذه الحالات؛ مبدأ التعويض يجعلك مرتاحاً والتعويض يكون في الدنيا قبل الآخرة.

لقد سمعت أحد العلماء من مراجعنا الماضين أنه قال: كان لنا أستاذ في ما مضى في أيام عز حوزة النجف. فأصابه مرض كاد أن يقتله ولكنه شفي بعد المعاناة شفي من ذلك المرض، وإذا به يقول: يا فلان، إن رب العالمين قد زادني علماً بعد ما شفيت. ولكن ما هو ذلك العمل؟ لا ندري. وقد جرب أحدكم – عافاكم الله جميعا – أنه يذهب للمستشفى فترة من الزمان لمرض أو حادث ثم يرجع إلى المنزل وكأنه قد نزل من العرش. فهو يشهر براحة باطنية وهدوء وكأنه قد خرج من حمام باطني، فمن أين يأتي ذلك؟ هذا هو التعويض من قبل رب العالمين.

هذه المصيبة هدية من رب العالمين في يوم الغدير..!

لقد نقل عن أحد علمائنا: أنه في يوم الغدير كان يضيف الناس وإذا بصبي له ووقع في حوض مائي في المنزل فاختنق ومات. فسمع صراخ النساء، وبكاء أم الولد، فقال: ما الخبر وما علة هذا البكاء في يوم الغدير وهو يوم فرح لا يوم حزن وبكاء؟ قالوا له: أن الصبي وقع في الحوض واختنق ومات. وإذا به يقول بكل برودة أعصاب: إن لرب العالمين هدايا وعطايا في يوم الغدير ولكن النساء لا يعرفن قدر الهدايا. إن هذا تحفتنا في هذا اليوم حيث ابتلانا رب العالمين بهذا الفقد.

فإذا فقدت شيئا بغير تقصير منك قل: يا رب لك الحمد أن ابتليتني بفقد هذا الأمر، لتعطيني بعض الدرجات العليا. والعبد قد يصل إلى درجة لا يستهين بالمفقود فحسب؛ بل يفرح بالمفقود. لقد كان لي صديقا يشكر الله عزوجل على زوجة كانت له تؤذيه. وكان يقول: يا رب، لك الحمد على هذه الزوجة التي تؤذيني؛ فأصبر على أذاها فأرتفع درجة عندك. وهذا هو المنطق والسبيل الذي لابد أن نسلكه.

معاشرة الغافلين

إن بعض مشاكلنا وبعض موجبات شقائنا سببها الجلوس مع الغافلين. فقد تكون عبدا قانعا ولك منزل متواضع ووضع ثابت، فتزور مترفاً من مترفي الدنيا؛ فتعيش في قلبك الحسرة، وترجع للمنزل وكأنه سجن من السجون بمعاشرتك لهؤلاء. أو تخرج من المسجد وقد دعيت إلى مأدبة بعد الصلاة أو بعد الجمعة، وأنت تعيش عالماً إيجابياً وجواً سبحانياً كما يقال. فتذهب إليها فتستمع إلى الأباطيل وإلى القيل والقال، والغيبة والنميمة وما شابه ذلك فيصبح قلبك كالخرقة البالية. فما أخذته في المسجد فقدته في هذه الزيارة.

حاول أن تجعل دائرة المعاشرة؛ دائرة منقحة وعاشر الصالحين. قد تقول: إن لي رحما لا بد من زيارته. أفأترك زيارة أخي وأختي وعمتي وخالتي وغيرهم؟ لا بأس في زيارة من ذكرت ولكن إن وجدت الجو لا يلائمك؛ اقتصر بالزيارة على ما يسقط عنك التكليف أو انشغل بالذكر الخفي، فبذلك قد وصلت الرحم ولم تقع في سلبيات الخوض في أباطيلهم. فالبعض عندما يذهب لهذه البيوت؛ ينسى نفسه، فيضحك مع الضاحكين، ويلهو مع اللاهين؛ فإذا خرج وأراد أن يصلي الفرض اللاحق اشتكى من الإدبار. ألست أنت المقصر؟  تريد أن تعيش عوالم البطالين؛ ثم تريد أن تقبل على رب العالمين؟ هيهات…! ألسنا نقرأ في دعاء أبي حمزة موجبات القسوة الباطنية التي ذكرها لنا الإمام زين العابدين (ع): (أَوْ لَعَلَّكَ فَقَدْتَنِي مِنْ مَجَالِسِ اَلْعُلَمَاءِ فَخَذَلْتَنِي … أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي آلِفَ مَجَالِسِ اَلْبَطَّالِينَ فَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ خَلَّيْتَنِي)[٣].

[١] غرر الحکم  ج١ ص٨٤.
[٢] سورة الحديد: ٢٢.
[٣] مصباح المتهجد  ج٢ ص٥٨٢.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • يظن البعض أن الفقراء يغبطون التجار على أموالهم والجدير بأن يغبط التاجر الفقير على حاله. فليس للفقير متجر يخاف عليه ولا بضاعة يخشى كسادها أو يخاف غرقها. إن الفقير يعيش هم يومه. إن بعض التجار إن جالسته رأيته في قلق واضطراب من رأسه الى أخمص قدميه. فهو يخشى على مستقبله وعلى تجارته.
  • إن بعض مشاكلنا وبعض موجبات شقائنا سببها الجلوس مع الغافلين. فقد تكون عبدا قانعا ولك منزل متواضع ووضع ثابت، فتزور مترفاً من مترفي الدنيا؛ فتعيش في قلبك الحسرة، وترجع للمنزل وكأنه سجن من السجون بمعاشرتك لهؤلاء.
  • حاول مهما أمكنك أن تعاشر الصالحين. قد تقول: إن لي رحما لا بد من زيارته. أفأترك زيارة أخي وأختي وغيرهم؟ لا بأس في زيارة من ذكرت ولكن إن وجدت الجو لا يلائمك؛ اقتصر بالزيارة على ما يسقط عنك التكليف أو انشغل بالذكر الخفي، فبذلك قد وصلت الرحم ولم تقع في سلبيات الخوض في أباطيلهم.
Layer-5.png