- ThePlus Audio
السعادة في القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
طريق السعادة الموهوم
إن الكثير من العصاة وأتباع الأهواء والشهوات؛ يقومون بما يقومون به من أجل أن يكونوا سعداء ولو لسويعات؛ كشرب المسكر وقضاء ليلة ماجنة وسفرة محرمة وهم يعلمون أنها تضرهم في الدنيا قبل الآخرة. وحتى المدخنون الذين يضرون أنفسهم بإدخال الدخان إلى الرئات لا يفعلون ذلك إلا ليشعروا بالراحة والسعادة في تلك الدقائق.
ولا بد أن يسأل كل واحد منا نفسه: هل هو سعيد أم لا؟ وما هي نسبة السعادة في وجوده. فإن كان سعيدا فليسأل نفسه: هل أدخل السعادة على غيره؟ إن الرجل ليكون في قمة الارتياح والانبساط ولكن الزوجة في وضع يرثى لها والأولاد كذلك. كن سعيدا ومُسْعِدا، وكن مرتاحاً ومريحاً لغيرك هذه هي القاعدة.
السعادة في القرآن الكريم
لا بأس بل من الحسن أن نفتتح الحديث بآية من القرآن الكريم ذكر فيها كلمة السعيد، يقول سبحانه: (يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ)[١]؛ أولا: في الآية إشارة عاطفية. إن رب العالمين يحببك إلى نفسه ويدعوك إليه من خلال آياته، فتارة يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله)[٢]، وتارة يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)[٣]، وهناك آية آخرى عندما أصل إليها يرق لها قلبي. تخيل رجلا أنفق على زوجته الملايين ثم يأتي في يوم من الأيام ليستقرضها دينارا؛ أما كانت لتقول له والدموع تجري على مآقيها: البيت بيتك والحرة أمتك؟ وكذلك الأمر بالنسبة للأولاد المؤدبين حيث يقول لوالده: الولد وما ملك لأبيه وإن كان الوالد بحاجة إلى إذن الولد للتصرف في أمواله ولكنها جملة تكشف عن أدب الولد تجاه أبيه.
إن رب العالمين وهو مالك الوجود يقول: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا)[٤]؛ إن الذي يستقرضك هو جبار السماوات والأرض أفتظن أنه لا يرجعه لك؟ أليس من المستحب إن أردت أن ترجع القرض؛ أن تدفع له المبلغ بالإضافة إلى زيادة فيه ضعفه أو ثلاثة أضعافه، وتقول للمقرض: هذه هديتي لك؟ إن الكريم يرجع القرض بأضعافه فكيف برب العالمين؟
اغتنم فرصة الحديث مع الرب سبحانه
ولكن ما ذكرناه يقتصر على هذه الدنيا؛ فبمجرد أن يموت الإنسان تنقلب هذه العلاقة. يقول لك الله سبحانه في الدنيا: حدثني وناجني واسجد بين يدي، ولكن إذا قامت القيامة سوف يختلف الحال حيث تتجلى عزة الله. عند ذلك قد يقول العبد: يا رب سامحني وأدخلني الجنة ولا تدخلني النار؛ فيأتيه الجواب: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)[٥]؛ وهذه كلمة تقال عادة للحيوان نجس العين، وللإنسان الذليل. لقد كنت في أحد المحاكم وأنظر إلى الوضع، فقام المتهم بحركة بسيطة مغتفرة، وإذا بالقاضي يهدده، ويزجره عن التكلم في محضره ولو بكلمة صغيرة، وهكذا هم القضاة.
رأيتم في الصف أن الطالب قبل أن يتكلم يرفع يده، والكل يرفع يده، ولكن الأستاذ يأذ للبعض منهم بالتكلم، ولو تكلم الطالب من دون إذن لطرده الأستاذ من الصف. إن يوم القيامة يرفع الجميع أيديهم. فيريد الإنسان أن يشتكي حاله، ويريد أن يتظلم وأن يستعطف، ولكن رب العالمين يقول: أنت تكلم وأنت اسكت: (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ).
الأمور بخواتيمها
يقول الناس عنك في الدنيا: هنيئاً لفلان ما أسعده، وإن له ثروة خيالية وله أولاد كثيرون وله قصر كذائي، ولكن هذه المصطلاحات لا تنفع يوم القيامة. إن السعيد من جاء يوم القيامة سعيداً، والأمور بخواتيمها. لقد رأيت شاباً مبتلى شاب في حداثة سنه وقد نزل عليه من البلاء ما يهد الجبال، وكنت عالم بمشكلته؛ فذهبت إليه أطيب قلبه، فقال لي كلمة أخجلتني، فقد قال لي: الأمور بخواتيمها. أي أنا أريد خاتمة سعيدة.هب أني مبتلى الآن ولكن هذا لا يضرني وإنما الذي يهمني حسن العاقبة.
قل: يا رب ابتلني بما تشاء؛ فالمهم أن آتيك يوم القيامة سعيداً، وهو قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[٦]. إن البعض قد لا يتحمل ما سأذكره ولكنه أمر واقع: لقد ذهب إلى الحج ذات يوم رجل أعرفه؛ فقال وهو في حالة انقطاع في طواف أو في عرفة: يا رب أريد أن أبيع وأشتري. أنا البائع وأنت المشتري. فيا رب أعطني قربك – هو قال كلمة غير القرب – وخذ مني ما تشاء. إنني أمتلك مجموعة من الأموال والبضائع؛ فخذ منها ما تشاء وأعطني قربك. فرجع من الحج وإذا به يتفاجئ بأن ولده الشاب قد مات في غيابه، إنه لم يخبر بما في قلبه، ولكن يبدو أنه قال: تمت الصفقة، فقد بعت واشتريت. وهذا المؤمن لم يكن من أهل العلم، ولكن صدر منه إلى آخر عمره ما صدر، وقد أعطي ما أعطي.
خلاصة المحاضرة
- لا بد أن يسأل كل واحد منا نفسه: هل هو سعيد أم لا؟ وما هي نسبة السعادة في وجوده. فإن كان سعيدا فليسأل نفسه: هل أدخل السعادة على غيره؟ إن الرجل ليكون في قمة الارتياح والانبساط ولكن الزوجة في وضع يرثى لها والأولاد كذلك. كن سعيدا ومُسْعِدا، وكن مرتاحاً ومريحاً لغيرك.
- إن الله سبحانه يدعو عبده للحديث معه فبمجرد أن يموت تنقلب هذه العلاقة. يقول لك الرب في الدنيا: حدثني وناجني واسجد بين يدي، ولكن إذا قامت القيامة، يقول العبد: يا رب سامحني وأدخلني الجنة ولا تدخلني النار؛ فيأتيه الجواب: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ).