- ThePlus Audio
السجود على التراب؛ سنة نبوية
بسم الله الرحمن الرحيم
السجود على الأرض عموماً، وعلى تربة الحسين (عليه السلام) خصوصاً
إن ستة من صحاح المسلمين – صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والترمذي، والنسائي، وأبي داود، ومسند أحمد بن حنبل – يروون قول النبي (ص): (جُعِلَت لي الأرض مسجداً وطهوراً. والطهور يعني؛ أن الأرض يُستفاد منها في الطهور، سواء في التيممِ أو التطهير فيما يطهر بالأرض. وأما المسجد: أي جعلت لي الأرض محلاً للسجود، فإذا أردتَ أن تسجد فاتخذ من الأرض موضعاً للسجود. والأرض عبارة عامة تنطبق على كل ما سمي أرضاً، سواء في ذلك التراب والرمل والصخر، فكلها من مصاديق الأرض.
السجود على التراب في كتب المسلمين
وأما في كتب الخاصة كالكافي ومن لا يحضره الفقيه روايات بهذا المضمون كثيرة وهي لا تنحصر في حديث أو اثنين. ومن الحوادث الطريفة حول السجود على الأرض ما روي في كنز العمال عن رسول الله (ص): (رأى النبي (ص) صهيبا يسجد كأنه يتقي التراب. فقال له النبي (ص): ترب وجهك يا صهيب)[١]. ولا يلصق التراب بجبهة الإنسان ووجهه إذا سجد على الصخر كما يحدث ذلك عند سجوده مباشرة على التراب. وقد أمر النبي (ص) صهيبا أن يلطخ وجهه بالتراب؛ وهي حالة من حالات التذلل بين يدي الله عز وجل.
وقد جاء في كتاب إرشاد الساري أن النبي (ص) أوصى معاذاً قائلا: (عفّر وجهك في التراب)[٢] وجاء في سنن النسائي أيضاً، أن النبي (ص) يقول لأبي ذر: (حيثُما أدركتْكَ الصلاةُ فصلِّ، فهو مسجدٌ). وفي أحكام القرآن، يقول النبي (ص): (إذا سجدتَ فمكّن جبهتكَ وأنفكَ من الأرض)[٣]. وبعبارةٍ أخرى: في سنن النسائي، ومسند أحمد بن حنبل، وسنن أبي داود: يقول جابر بن عبد الله الأنصاري: (كنتُ أصلِّي الظُّهرَ معَ رسولِ اللَّهِ (ص) فآخذُ قبضةً منَ الحصَى لتَبردَ في كفِّي أضعُها لجَبهتي، أسجُدُ عليها لشدَّةِ الحرِّ). فيبدو من خلال النصوص والروايات المتقدمة أن السجود على التراب – في مسجد الرسول وخارجه – هي الحالة الطبيعية التي كان يمارسها النبي (ص) مع أصحابه.
كيف كان يسجد النبي (صلى الله عليه وآله)؟
ونحن مأمورون بهذا الأمر، وهذه مسألة واضحة. وحتى أن كلمة الخُمْرة قد وردت فيما يُنقَل عن النبي (ص) أنه كان يسجد على الخُمْرة، وهي: حصير صغير ونحوه، بقدر ما يسجد عليه المصلي. أما السجود على الفرش، أو السجاد كما يفعل ذلك العامة في عصرنا، فهذا أولاً: خلاف ما روي عن النبي (ص). وثانيا: أن السجود على الأرض، أو الرخام، وما شابه ذلك أقرب للتذلل والخضوع بين يدي الله عز وجل من السجود على غيرها.
علة السجود على التراب في ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام)
وقد روي عن هشام بن الحكم قال: (قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَخْبِرْنِي عَمَّا يَجُوزُ اَلسُّجُودُ عَلَيْهِ وَعَمَّا لاَ يَجُوزُ قَالَ اَلسُّجُودُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ عَلَى اَلْأَرْضِ أَوْ مَا أَنْبَتَتِ اَلْأَرْضُ إِلاَّ مَا أُكِلَ أَوْ لُبِسَ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا اَلْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ اَلسُّجُودَ هُوَ اَلْخُضُوعُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا يُؤْكَلُ وَ يُلْبَسُ لِأَنَّ أَبْنَاءَ اَلدُّنْيَا عَبِيدُ مَا يَأْكُلُونَ وَيَلْبَسُونَ وَاَلسَّاجِدُ فِي سُجُودِهِ فِي عِبَادَةِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ فِي سُجُودِهِ عَلَى مَعْبُودِ أَبْنَاءِ اَلدُّنْيَا اَلَّذِينَ اِغْتَرُّوا بِغُرُورِهَا وَاَلسُّجُودُ عَلَى اَلْأَرْضِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اَلتَّوَاضُعِ وَاَلْخُضُوعِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[٤].
كيفية السجود على الأرض في عصرنا
أما بالنسبة للخلاف الثاني: فبعد ثبوت جواز السجود على التراب – عقلاً ونقلاً – فما هي كيفية الصلاة في مساجدنا؛ حيث أن السجاد يغطي الأرض تماماً؟ فليس من المعقول رش التراب في المصلى مكان وضع الجباه. فالحل إذن هو أخذ قطعة من الأرض نحملها معنا؛ إما قطعة من الرخام، أوقطعة من الحصى، أو قطعة من تراب والأفضل أن تكون منتسبة إلى أرض الشهادة، حيث ضمها الحسين (ع) بدمه، وقد كان آخر عهده بالصلاة في يوم عاشوراء.
لماذا تربة الحسين (عليه السلام)؟
فالتربة الحسينية، هي مظهر للشهادة، ومظهر لإقامة حكم الله عز وجل وفروع دينه، وعلى رأسها الصلاة. فقد خرج الحسين (ع) لطلب الإصلاح في أمة جده، فهل في ذلك غضاضة أن يأخذ الإنسان من تلك التربة، ويصلي عليها من دون إلزام بذلك؟ فليس هناك فقيه ينتسب إلى مدرسة أهل البيت (ع) يفتي بوجوب السجود على التربة الحسينية. وإنما المكلف مخير بين السجود على التربة الحسينية، أو السجود على الرخام، أو الصخر ونحو ذلك. فبدلاً من أن يأخذ قطعة من تراب بيته، يُجلب له قطعة من تربة الحسين (ع) ليسجد عليها. ونحن لا نسجد للتراب وإنما نسجد على التراب وذلك التزاما منا بسيرة رسول الله (ص).
ولو تخلص الإنسان من كل الشوائب ورجع إلى الصحيح من سيرة النبي (ص) وسنته الشريفة وجلس جلسة المتأدب المتعلم بين يدي ذلك؛ لما بقي خلاف في أمة النبي (ص).
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- لقد ثبت بالروايات الواردة في كتب الفريقين من السنة والشيعة أن النبي (ص) كان يسجد على التراب ويأمر أصحابه ويحثهم على ذلك. وهو أقرب للخضوع والتذلل من السجود على الفرش أو السجاد وإنما اختار الشيعة تربة الحسين (ع) للسجود لأنها ترمز إلى الحسين (ع) الذي لولا دمه الطاهر لما بقيت صلاة.