– ذكرنا بأن الإنسان -شاء أم أبى- في سفرة إجبارية على طريقٍ إلى لقاء ربه: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}.
وما دام هنالك لقاء إجباري، لماذا لا يحول اللقاء الإجباري إلى لقاء اختياري، وهذا معنى: موتوا قبل أن تموتوا.
– إن منطق التمثيل منطق جيد لتقريب المعقولات، ومن هنا فإن علماء الأخلاق يشبهون المعقولات بالمحسوسات، كما في تشبيههم للحركة إلى الله -تعالى- بالسفر الآفاقي.. وهذا المنطق استعمله القرآن الكريم حتى في أدق المعاني التوحيدية، حيث يقول تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ}.. وفي آية أخرى نلاحظ بأنه شبه الحياة الدنيا بماء المطر: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}..
فالإنسان الذي يريد أن يسافر ماذا يعمل؟..
– قلنا بأن أول خطوة يتخذها المسافر، هو تصور المتعة والأنس الذي يكمن في الجهة التي يريد الذهاب إليها، إما بنقل الآخرين لمعالم السفر، أو بسفراته السابقة.. ليحاول أن يوجد في نفسه دواعي الإثارة في هذا السفر.
والمسافر لابد له من الزاد، وقد كان المسافر في السفرات القديمة يحمل معه زاده الذي يكفيه، إن السفر إلى الله ليس بأقل من سفرة الحج، أو سفرة السياحة، أو ما شابه ذلك.. فما هو زادنا في هذا السفر؟..
إن الزاد الأول الذي لابد أن يتزود به المسافر إلى الله تعالى، هو الزاد العلمي.. من المعلوم أن في السيارات الحديثة جهاز مرتبط بالأقمار الصناعية، يمكن أن يوصل الإنسان إلى مقصده، بمجرد أن يضغط على زر تعيين الجهة التي يقصدها، ثم إن هذا الجهاز يسدده في مسيره، ولولا ذلك لتاه في الطريق.
ونحن رأينا كم هم الذين أمضوا شطراً من عمرهم، ثم اكتشفوا أنهم لم يكونوا على الطريق الصحيح، وإن ما كانوا عليه كان يقودهم إلى طريقٍ معاكس لطريق النجاة والسعادة.
فالذي يريد أن يصل إلى لقاء ربه، لابد أن تكون له خارطة ودليل، تبين له منعطفات الطريق وموانعه، والأعداء والأصدقاء.
– إن البعض قد يقول: هل معنى هذا أن يترك الناس وظائفهم وأعمالهم، ويهاجروا جميعاً إلى الحوزات العلمية، وتبقى المستشفيات بلا أطباء، والشركات بلا مدراء، والمشاريع الهندسية بلا مهندسين؟..
الجواب: هو أن الكمال كل الكمال، والفخر كل الفخر، أن يجمع الإنسان بين نشاطه الدنيوي -بأفضل ما يكون- وبين تكامله الروحي.. نحن لم نرَ بأن أصحاب الأئمة (ع) كانوا من المتفرغين لطلب العلم، أي كانت لهم حوزة علمية في زوايا المدينة أو الكوفة من أجل طلب العلم، فقد كانوا من أصحاب المهن: كميثم التمار، الذي كان يبيع تمراته، ثم يجلس على مائدة أمير المؤمنين (ع)، ويتعلم ذلك العلم الذي قاده إلى محل الصلب، وقد كان يلهج بذكر فضائل أمير المؤمنين (ع) إلى لحظاته الأخيرة.. ومنهم الزيات، والصراف.. فكلهم من أصحاب المهن، ومع ذلك فقد وصلوا إلى درجات عليا من القرب الإلهي.
وقد كان أمير المؤمنين (ع) من أكبر المزارعين!.. إذ كان صاحب آبار ارتوازية، يزرع ويكدح ويتعب، مع العلم أن لحظات من عمر علي (ع) تساوي عمر الخلق، ولكنه كان يصرف هذه اللحظات في عمارة الأرض، وما زالت أبيار علي (ع) -في ميقات مسجد الشجرة- تشهد على ذلك.. ومن المعلوم موقف الإمام الباقر (ع) من ذلك الرجل الذي تهكم عليه، عندما رأى الإمام (ع) وهو يعمل في المزرعة، وجسمه يتصبب بالعرق، وكأنه مشغول بالدنيا، إذ بيّن له الإمام (ع) بأنه في حال عبادة.. رأى محمد بن المكندر أبا جعفر الباقر -عليه السلام- خارجا إلى بعض نواحي المدينة في وقت حار وهو يتصبب عرقا، فقال له: إنك من أشياخ المدينة تخرج على مثل هذا الحال لطلب الدنيا، أرأيت لو جاءك أجلك وأنت على هذا الحال؟.. فقال -عليه السلام-: « إني لا أخاف أن يجيئني أجلي على هذا الحال وأنا في طاعة الله، أكف بها لنفسي وعيالي عنك وعن الناس.. وإنما كنت أخاف لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله». فمع استغراق الإمام في المعاني الإلهية فإنه كان يباشر تلك الأمور.
فإذن، ليس المطلوب الاعتكاف في المسجد، أو الرهبانية، أو أن يكون الجميع من رجال الحوزة.. وإنما أن يحاول -وهو في حركته في الحياة- أن يكون قلبه مع رب العالمين.. لي صديق هو كبير المهندسين وصاحب مشاريع كبرى، وقد كان يسر لي بعض أسراره، ويقول بأنه وصل -بحمد الله- إلى درجة أنه من خلال عمله الهندسي وانشغاله بتخطيط الخرائط الدقيقة، إلى أن يجعل قلبه مع رب العالمين طوال ساعات الدوام.. ومن الطريف أنه كان -بعض الأوقات- أثناء تنقله بين المواقع، تنتابه حالة معنوية، فيوقف سيارته في قارعة الطريق، ويحول الجو إلى جو مناجاة مع رب العالمين، ويشفي غليله ثم يكمل المشوار.. إن غاية سعي المؤمن أن يصل إلى درجة من التكامل، بحيث يتحول الذكر بالنسبة له إلى هواء يستنشقه.. ولو أنه نسي ذكر لله –عز وجل- فإنه يعيش حالة الاختناق، والذي يجعله يبادر إلى ذكر الله عزوجل، ليعيد الحيوية إلى قلبه وفؤاده.. فمثل هذا الإنسان لا يخاف عليه من الغفلة؛ لأنه كلما أراد أن يغفل، فان هذا الاختناق الباطني يدعوه إلى الذكر، مصداقًا لقوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}.
– والذين هم في سن مبكرة فليغتنموا الفرصة للحركة إلى الله كلٌ بحسبه.. وقد رأيت عيّنات من هذا القبيل، وممن هم دون البلوغ، ويعيشون في بيئ بعيدة عن الإسلام والمسلمين، وهم -مع ذلك- يحملون إصراراً بليغا ليكونوا من المتقربين إليه تعالى.. وقد ورد عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّه، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْه، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».
كان أحدهم شاب مراهق ملتزم بصلاة الصبح خلفنا جماعة، ومن المعلوم أن صلاة الصبح فيها ضريبة القيام من النوم، والذي يواظب على صلاة الفجر بشكل عام وجماعة يعطى شيئاً من الهبات، وعادةً نوم المراهق يكون أثقل من نوم كبير السن، هذا الشباب كان ملتزماً إلى درجة أنه يوقظ نفسه للصلاة معنا حتى لو نام قبل الآذان بفترة قصيرة.. وفي يوم قال: لي بأنه غلب عليه النوم في الصلاة لدرجة أنه رأى في المنام تفاصيل ما عمل في الصلاة!.. نعم، كل هذا الإصرار لأجل أن يكون من المستيقظين.. ومثال آخر: كنا في مؤتمر في إحدى الدول الغربية، رأيت بعض الشباب المراهقين نائمين بغير غطاء في قاعة المؤتمر، أمهم قالت لي: أنهم ناموا بلا فراش حتى لا يغلب عليهم النوم، وتفوتهم صلاة الفجر معنا.
ولا يخفى مسؤولية الآباء، ودورهم في توجيه الأبناء وتربيتهم.. وهنيئاً لمن أوصل براءة الطفولة ببراءة التقوى: حرصاً، وعنايةً، ومراقبةً، ودعاءً.. فإن جزاءه -كما في مضمون بعض الروايات- بأن يحشر مع الأئمة العدول.. ومن المعلوم أن الذي يقدم قرباناً لله عزوجل، فإن الله –عز وجل- يحفظ له ذلك في ذريته، بأن يبارك له فيهم، ويجعلهم من أهل التميز والصلاح.
قبل فترة التقيت بوالد الطفل المعجزة، سألته: كيف أعطاه الله هذا الولد الذي أذهل العقول، وقد أعطي الدكتوراه من بريطانيا لما هو فيه من هذه السيطرة المذهلة على كتاب الله تعالى.. قال: بأنه كان هو وزوجته يعلمون أولاد المسلمين القرآن الكريم، وطلب من الله –عزوجل- أن يعوضه خيراً ويمنحه ذرية متميزة في المقابل.
– إن المسافر لابد له من الزاد، وقسم من هذا الزاد يأتي من خلال المطالعة والتثقف والإلمام الجيد بهذا المجال، ولهذا فمن المناسب قراءة الكتب الأخلاقية، وهي على نوعين:
النوع الأول: ما كتب في الرذائل والفضائل، مثل: كتاب: (جامع السعادات) للشيخ النراقي، وكتاب: (الطريق إلى الله) للشيخ البحراني، وهما من أفضل ما كتب في الأخلاق.
والنوع الثاني: ما كتب في سيِّر العلماء والأولياء، ومنه كتاب: (كيمياء المحبة)، الذي راج في الأسواق العربية وغير العربية بشكل ملفت.. ومن اللطيف في هذا الكتاب أنه يتناول سيرة رجل لم يكن من رجال العلم، بل كان يعمل خياطاً.. إن رب العالمين له طريقته في تربية عباده، وإذا رأى مادة قابلة في عبده فإنه يوصله إلى ذلك العلم الذي لا نفاذ له، وهذا هو القسم الآخر من الزاد العلمي، والذي يسمى بالعلم اللدني، أو العلم الإلهي، أو العلم الإلقائي..
– إن البعض قد يستنكر على أولياء الله انشغالهم بأمور الدنيا، والحال بأن الرسول الأكرم (ص) يحث على ذلك: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا..)، (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)..
فليس المهم أن يكون الرأس مشغولاً، وإنما المهم أن لا يكون القلب مشغولاً.. إن الذي يصل إلى هذه الدرجة من فراغ القلب، فقد حاز باللذة العظمى، وكان مصداقاً لوصف علي (ع) للمتقين: (وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى…).
ومن المعلوم أن من ألذ لذائذ العيش عند أهله، هو السجود بين يدي الله، ومن هنا فإن سلمان المحمدي -التلميذ الأول لرسول الله (ص)، وأفضل صحابي للنبي (ص) ، وأفضل راو للأئمة (ع)، والذي حاز على الدرجة الأولى، ويأتي في المرتبة بعد الأئمة الاثني عشر (ع)، وقد أعطي الاسم الأعظم- يقول: لولا السجود لله، ومجالسة قوم يتلفّظون طيب الكلام كما يتلفّظ طيب التمر؛ لتمنيّت الموت.. الأول في جانب الخالق، والثاني في جانب المخلوق.. إن السجود أيضاً من زاد الطريق، وليس المقصود به هذه الحركة الجسمانية: أن يضع الإنسان جبهته وركبته وإبهاميه على الأرض.. السجود له ملك وملكوت، وملكوت السجود سياحة في عالم الأنفس، والتي يشير إليها قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ}.
– إن الإنسان بطبعه يحب الجمال، والوصول إلى القمة وإن كان محالاً، إلا أن التمني ليس حراماً، فلعل الله –عز وجل- يفتح عليه يوماً ويصل إلى مراده، وإن لم يصل إلى القمة، ولكن في الحركة بركة، وخير له من الجلوس في الحضيض، وفي الوديان السحيقة.. ولهذا نحن نلاحظ في المناجاة الشعبانية، أن الإنسان يطلب أمنية الأماني، ويا له من طلب غالٍ نفيس، حيث يقول: (إلهي!.. هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك..).. ولو أن هذه من أسرار أهل البيت (ع) ووقف عليهم لما وصلت إلينا بهذه السهولة.
– إن رب العالمين له طريقته في تسديد عباده وتوجيههم إلى ما فيه الصلاح والنجاة، وقد يصل إلى درجة التكليم الباطني، لا بمعنى التكليم الذي خُص به الكليم موسى (ع)، أو الوحي الذي كان ينزل به جبرائيل على الأنبياء (ع)، وإنما عن طريق الإلقاء في الروع.. فهنا رب العالمين يستعمل لفظة الوحي لامرأة عادية لم تكن بنبي ولا بوصي وهي أم موسى (ع)، وينسب الفعل إلى نفسه تعالى وليس بوسيط: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}.. وفي آية أخرى نلاحظ أنه يستعمل كلمة الوحي حتى للحشرات: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}.. والإنسان شأنه أرفع من كل المخلوقات إذ أنه خليفة الله في الأرض، ألا يستحق أن يكون محلاً لألطاف الرب –تعالى- وتسديداته؟.. فعلى المؤمن أن يحاول أن يعرض نفسه لهذه المنحة الإلهية..
يتفق للإنسان بعض الأوقات وهو جالس، وكأن هناك من يقول له: قم من مكانك، واذهب إلى المجلس الفلاني!.. وهو ناسٍ لهذا المجلس.. فيذهب ويستمع من الخطيب كلمة تغير مجرى حياته.. من الذي أقامه من مكانه؟!.. ومن الذي ذكره بهذا المجلس؟!..
نقل لي أحدهم هذه الحادثة وهى أنه كان يمشي في شوارع أمريكا، وإذا به يرى أشرطة مرمية على الطريق، فدفعه الفضول ليرى ما فيها، وإذا بها محاضرة للخطيب الفلاني، إلى الآن هو لا يعرف تفسير هذا الأمر، ومن الذي جاء بها في هذا المكان.. فرب العالمين له أسراره، وله شؤونه في الخلق، أوصله بشكل ما إليه، وسمعه وتأثر به.
وقد ورد أن من يلتزم بهذا الاستغفار شهرين متتابعين أربعمئة مرة في اليوم، فإنه يعطى العلم الكثير أو المال الكثير، وأيهما حصل فهو غنيمة، وهو استغفار مجرب، فالذي يعمل به يفتح له فتحة من عالم الغيب: (استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، الرحمن الرحيم، بديع السماوات والأرض، من جميع ظلمي وجرمي وإسرافي على نفسي وأتوب إليه)..
جاءني أحدهم يقول: بأنه يسمع كأن صوتاً يحدثه في قلبه يرشده ويعلمه، وقال: أتحب أن ترى نموذجاً من أفكاري، اذهب إلى المنتدى الفلاني.. وفعلاً كانت له قرابة الألف مشاركة.. قلت له: ما السر؟.. قال: بأنه التزم بهذا الاستغفار ليس فقط شهرين بل سنتين، وإذا به يسمع ما يسمع، ورأيت أن ما يفهمه قد لا أفهمه أنا أيضاً، لأنه وجد له سبيل إلى ذلك العالم..
– ونقول أخيرا: إننا نلاحظ -مع الأسف- أن غالب الأفراد يمضون حياتهم في الغفلة والرضا بالواقع ، ولكن ما الذي هيأه الانسان لحياته الباقية؟.. وهل هو مستعد للموت لو جاءه الملك المقدس عزرائيل لينقله إلى ذلك العالم؟.. إن القرآن الكريم يتحدى اليهود بتمني الموت، ويقول بأنهم لن يتمنوه أبدا لما قدمت أيديهم: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.. نحن لم نقدم شيئاً يعتد به لآخرتنا، لم نقدم قرباناً.. إن من يريد أن يخطو أول الخطوات لابد أن يثبت شهادة حسن نية، إبراهيم (ع) قدم إسماعيل الذبيح، واسماعيل هيأ نفسه للذبح، الأنبياء والأولياء كل واحد قدم شيئاً يعتد به، ولو يملك الإنسان في حياته فقط موقف من مواقف المجاهدة مع رب العالمين كفاه هذا الموقف..
إن شاء الله سنذكر نقطة الانفجار، بأن يصل الإنسان إلى درجة ينقلب على واقعه، كالذي كان يسرق البيوت في الليل وينتقل من سطح إلى سطح، وإذا به يسمع تالي القرآن الكريم وهو يقرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}.. وإذا به يصيح: بلى قد آن!.. فتحول من سارق إلى عابد.. إنه بشر الحافي الذي تحول من مترف لا يعرف إلا المجون، إلى ولي من أولياء الله، ومن أصحاب إمامنا موسى بن جعفر (ع) فهل نحن متأسون بهم؟
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.