- ThePlus Audio
الذكر المتواصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الذكر المتواصل والخروج من عالم الغفلة
من المسائل الخطيرة التي شغلت بال العلماء كثيرا هي مسألة الخروج من عالم الغفلة إلى عالم الذكر المتواصل، وهي من أهم الأهداف التي يرجوها المربي الصالح في أن يوصل العباد إلى هذه الدرجة من الذكر.
وهناك فرق بين المعية التكوينية والمعية الاختيارية، فالمعية التكوينية هي حركة من الله عز وجل إلى العبد ولا كرامة للعبد فيها وهي المعية التي يشترك فيها حتى الفراعنة والقياصرة والأكاسرة والفسقة في كل عصر؛ فهؤلاء ذرات وجودهم تسبح بحمد ربهم أرادوا ذلك أم لم يريدوا؛ بل إن السيف الذي هوى على رأس أمير المؤمنين (ع) في محراب مسجد الكوفة كان يسبح بحمد الله عز وجل تكوينا لأنه من مصاديق عناصر هذا الوجود المسبحة، فليست المعية هذه التي قال عنها سبحانه: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)[١]تثبت مزية للإنسان ولا يؤجر عليها لأنها ارتباط قهري بينه وبين خالقه.
الحركة التكوينية والحركة الاختيارية
والكمال كل الكمال والفخر كل الفخر أن يحول الإنسان هذه الحركة الطبيعية التكوينية إلى حركة اختيارية ويصل إلى نوع آخر من المعية التي قال عنها سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[٢] والمعية التي تشمل المجاهدين فيه والسائرين إليه والمعية التي شملت الأنبياء والأوصياء والتي تمثلت لهم بالنصر والتأييد.
ومن المناسب ألا يغفل الذي يريد الوصول إلى المعية الاختيارية عن المعية التكوينية ويحاول أن يوجد حالة من التنافس بينه وبين بدنه الذي تسبح كل خلية من خلاياه بحمد ربها! وينبغي للمؤمن أن يفكر ويتدبر في شأن هذا الوجود؛ فكما ورد عن الإمام الصادق (ع): (تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ)[٣]، ويرى أن كل هذا الوجود يسبح ولكنه لا يفقه تسبيحه فلماذا لا يحافظ على تجانس بين عالم الأبدان وعالم الأرواح ويرتقي بروحه إلى صفوف المسبحين ويدخل البدن في سباق مع عالم المادة؟ ولا ريب أن التقدم في هذا السباق هي للروح التي هي أشرف أنواع الوجود، وهي اللطيفة الربانية التي قال عنها ابن سينا:
هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز و تمنع
هذه الروح التي حولت طينة آدم إلى نبي من أنبياء الله عز وجل، ولم يستحق آدم السجود له إلا بعدما نفخت هذه اللطيفة الربانية فيه، أفهل كان يأمر الله عز وجل ملائكته بالسجود لهيكل ترابي على شكل تمثال طيني وفيهم الكروبيون والمقربون؟
فهناك سباق بين المادة والروح مفروض على الروح أن تخوضه وهي متقدمة في هذا السباق عن المادة بكثير، ولكن الإنسان الظلوم الجهول ينسحب من هذا السباق ويترك الروح في غفلتها؛ فيصبح الجسم مسبحا والروح لاهية غافلة، كما قال الصادق (ع): (أَ مَا يَسْتَحْيِي أَحَدُكُمْ أَنْ يُغَنِّيَ عَلَى دَابَّتِهِ وَهِيَ تُسَبِّحُ)[٤]، وهذا يعني أن الإنسان قد يتحول إلى موجود أضل من هذه الدواب.
وهذه نقطة مهمة جدا أن يثير الإنسان غيرة في نفسه وأن يفهم طبيعة هذا الوجود وفلسفة هذا الخلق، وينبغي أن يجلس مع نفسه جلسات تأملية ليبعث فيها حالة اليقظة والانتباه؛ فطبيعة الأرواح كطبيعة المواد تميل إلى السكون وعدم الحركة، فالحجارة على قمة الجبل لا تتحرك لملايين السنين ما لم تواجه زلزالا أو إعصارا وما شابه ذلك.
جامعة الصلاة..!
قد يصلي المؤمن الصلاة الواجبة منذ أول يوم من بلوغه سن التكليف ويستمر في ذلك ثلاثين أو أربعين أو خمسين سنة ولا يوجد أي تغيير في تجويده ومراعاته لأجزاء الصلاة وإقباله وخشوعه في أول صلاة له وآخر صلاة؛ لا في الفقه الظاهري ولا في الفقه الباطني، والحال أن الإنسان يتخصص في التجارة بعد مدة من ممارستها والجامعي يتخرج من الجامعة بعد سنوات من الدراسة متخصصا في مجاله العلمي، وهناك فرق مشهود بين أول يوم يدخل فيه الجامعة واليوم الذي يتخرج منها وهذه السنوات جعلته يخرج بحصيلة يعتد بها من تخصص أو شهادة دكتوراه، فما بالنا لا نتخصص في هذه الصلاة التي نقيمها عشرات السنوات وهي الجامعة التي لا ترقى إليها أية جامعة في هذا الوجود؟!
إن عقولنا تلامس الحجر والنبات والحيوان والأجساد، فعلوم الطب والبيطرة والهندسة وغيرها تلامس قواعد الأرض والأبدان؛ أما في صلواتنا فالأرواح تنطلق لتلامس الملأ الأعلى ولتقف بين يدي الله عز وجل وتقول له: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[٥]، والإنسان في جامعة الصلاة يجعل أرقى وجود مادي وهو المخ مساو لأرخص عناصر هذا الوجود وهو التراب وذلك في سجوده وهو يقول: (سبحان ربي الأعلى وبحمده)، وهي جامعة وتخصص من أرقى تخصصات هذا الوجود، وهي التي جعلت نبيا عظيما كإبراهيم خليل الله (ع) باني الكعبة الشريفة ومقدم ولده إسماعيل (ع) للذبح أن يدعو ربه فيقول: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)[٦].
الانشغال بالأهم عن المهم
إن العاقل يلتف دائما إلى هدف الوجود ويربط بين المقدمات والنتائج، وهو كذلك حتى في حياته الدنيوية؛ فتراه يغض النظر عن كثير من اللذائذ – مع شدة حبه لها – لأجل أهداف أعلى، فقد يتغرب ويتحمل جشوبة العيش وخشونة الحياة ويتعرض للمشاكل الأمنية والاجتماعية وينفصل عن قرة عينه وعن زوجة جميلة يخلفها في الغربة لأجل أهداف يعتبرها أهدافا سامية فهو يوازن دائما بين الأهم والمهم، وإنك لترى في أيام الامتحانات يعكف على الدراسة والقراءة حتى ذلك المولع باللهو واللعب الذي لا يمسكه البيت في سائر الأيام لأنه يرى أمامه هدفا أسمى وهو النجاح.
ومن موجبات رفع الغفلة زيارة القبور، وليست زيارة القبور لأجل الترحم على الموتى واستحصال الأجر فحسب؛ بل هي لتفقد المنزل الذي عن قريب يصير الإنسان إليه، وقد كان بعض العلماء الماضين يحفرون في منازلهم قبورا ينامون فيها ليذكروا أنفسهم بذلك اليوم الذي لا مفر منه، وليمثلوا لأنفسهم بخروجهم من القبر أنهم قد منحوا فرصة أخرى وأن الكلا تحولت إلى نعم كما قال سبحانه: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا)[٧].
الأغلبية في القرآن الكريم
وقد ينساق الإنسان خلف الأغلبية الغافلة غير العاقلة بحسب تعبير القرآن الكريم: (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)[٨] وقوله جل شأنه: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)[٩] وهناك الكثير من الروايات التي تحذر الإنجرار خلف الأغلبية والكثرة من دون تعقل وتدبر؛ فقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) وهو صاحب الأبواب الألف من العلم التي تفتح لها ألف باب أنه قال: (أَيُّهَا اَلنَّاسُ لاَ تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ اَلْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ)[١٠]، فلا مسوغ للإنسان أن يعرض عن ذكر ربه تحت ذريعة أن الأغلبية في هذا الاتجاه!
وللأسف الشديد أن الكثير منا يقرأ القرآن من دون الالتفات إلى مدلول الآيات، ألم يذكر لنا القرآن الكريم في سورة الجمعة كيف انفض المسلمون من حول النبي (ص) وهو قائم يصلي بهم صلاة الجمعة في مسجده؛ لمجرد أن سمعوا بخبر قدوم قافلة تجارية فقد قال سبحانه: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا)[١١] وواضح من كلمة انفضوا في اللغة العربية أنه لم يبقى حول النبي (ص) إلا القليل، والحال أن النبي (ص) لم يأل جهدا في تربيتهم وتعليهم سواء قبل هجرته إلى المدينة في السنوات الثلاث عشر التي قضاها في مكة أو السنوات التي قضاها في المدينة، هذا بالإضافة إلى الحروب التي مرت عليهم ومشاهدتهم النصر والمدد الإلهي لهم من خلال الملائكة وغيرها، ولقد قال النبي (ص) في إحدى هذه المعارك الحاسمة بين الكفر والإيمان: (اَللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ اَلْعِصَابَةَ اَلْيَوْمَ لاَ تُعْبَدُ بَعْدَ اَلْيَوْمِ)[١٢] ومع ذلك تركوا النبي (ص) قائما في الصلاة وحده وهو النبي الذي كانت الأنبياء تبشر به وتشتاق إلى رؤيته؛ فينقل في ما دار من حوار بين يوسف (ع) وزليخا أنه قال لها: كيف بك لو رأيت جمال النبي المصطفى (ص)؟ ولقد كان النبي (ص) صاحب ذلك الوجه المشرق يقلب الموازين بنظرات وجهه وبإشراقاته المباركة.
لقد انفضوا من حوله ولم يقدروه؛ ثم يأتي من يدعي أن من عاشره يوما أو يومين وشهرا أو شهرين اكتسب العصمة وأصبح من العادلين، ولو أن هذه الحادثة وقعت لإمام من أئمة الجمعة في عصرنا هذا لترك المسجد ولم يعد إليه أو لامتلأ قلبه قيحا من فعلهم، فكيف بالنبي الحريص على المؤمنين الشفيق عليهم. هذا ونحن نتحدث عن أكثرية عاصرت النبي (ص) وسمعت حديثه وهي مع ذلك لا تأمن من الوقوع في هذه الأخطاء الفاحشة وقد في الرويات الشريفة عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ عَلَى اَلْحَوْضِ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ هَلُمَّ قُلْتُ إِلَى أَيْنَ قَالَ إِلَى اَلنَّارِ وَاَللَّهِ فَقُلْتُ وَمَا شَأْنُهُمْ قَالَ إِنَّهُمْ قَدِ اِرْتَدُّوا عَلىٰ أَدْبٰارِهِمْ اَلْقَهْقَرَى.. فَلاَ أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلاَّ مِثْلُ هَمَلِ اَلنَّعَمِ)[١٣].
الاختلاط أو الاعتزال؟
وينبغي للذي يعيش في المجتمع أن يكون واقعيا؛ فليس الحل في الفرار والرهبانية أو العزوبية، وما الذي جعل البعض يتجه إلى الصوامع غير حلاوة الخلوة وجمال الطبيعة وزقزقة العصافير والعبادة في هدوء الليل وسكونه؟ ولكن هل هذا هو المطلوب منا؟ إن إبليس اقترح على اله عز وجل أن يعفيه عن السجود لآدم في مقابل عبادة أخرى ولكن الله عز وجل أجابه برد صارم قاطع فقال: (إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ أُعْبَدَ مِنْ حَيْثُ أُرِيدُ لاَ مِنْ حَيْثُ تُرِيدُ)[١٤].
وكيف ينعزل الإنسان عن مجتمعه وفيهم أبويه الذين أوصى الله عز وجل ببرهما في حتى أسوأ الظروف المتصورة وهو قوله سبحانه: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)[١٥]، وهل هناك أسوء من والدان ملحدان ومجاهدان في دعوة ولدهما إلى الشرك وجعله ضحية كفرهما؟ ولكن الله سبحانه أمر بمصاحبتهما بالمعروف ولم يحدد لنا المصاديق بل تركها لنا وللعرف أن يحددها ولو سألنا العرف عن المصاحبة بالمعروف لأدخلوا كل أبواب البر في هذه الكلمة من قبيل الزيارة وتقديم الهدايا والاهتمام بهم وهلم جرا. وفي المجتمع الزوجة التي أفضى بعضكم إلى بعض وقد سهرت على خدمتك وخدمة أولادك وحملت لك ذرية صالحة ينسبون إليك وهي تعاني من أشهر الحمل ما تعانيه في مقابل شهوة عابرة منك في ليلة من الليالي.
ولكن ينبغي في الوقت نفسه ألا يختلط الإنسان بالمجتمع اختلاطا اندماجيا انفعاليا، فهل ينبغي لي عندما أرى أبوي يخوضان في الباطل أن أخوض معهما؟ وهل ينبغي لي أن أسكت عن الزوجة عندما تأتي منكرا أو تخوض في ما لا يعنيها؟ بل علينا أن نلتفت إلى أن خلائق السفهاء تعدي، وقد يكون السبب وراء تحريم التعرب بعد الهجرة والتي تعد من الكبائر خوف وقوعه هو وعياله في المعصية لغلبة الأجواء المنكرة ولعدم إنكار المنكر بل العكس لأجل من يحرض على المعاصي ونزع الحجاب وما شابه ذلك، وإنك لترى انقلاب الموازين والقيم في هذه البلاد الغربية أو الشرقية؛ إذ يعتبرون المرأة العفيفة التي تحافظ على عفتها وحيائها امرأة معقدة لا جاذبية لها ولا رغبة للرجال فيها.
كيف نتعامل قرآنيا مع الغافلين؟
وقد بين لنا القرآن الكريم كيفية التعامل مع الغافلين ومجالسهم فقال: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[١٦]، وإن كنت مجبرا للبقاء في مكان لا ترغب في البقاء فيه؛ فالقاعدة أن تعيش فيهم وليس معهم وأن تعيش مستقلا عنهم، وقد ورد في الروايات الشريفة عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (أَقَلُّ مَا يَكُونُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ أَخٌ يُوثَقُ بِهِ أَوْ دِرْهَمٌ مِنْ حَلاَلٍ)[١٧]، وقد يسأل سائل كيف لا نأنس بالناس والإنسان مدني بالطبع؟ وأقول: إن الذي يعيش الخواء الباطني يتشبث بكل حشيش؛ فالبطال الذي لا هم له ولا شغل يجلس الساعات أمام التلفاز من دون أية فائدة تذكر لدينه ولا لدنياه، ولو لم يكن فارغا من الداخل لما احتاج إلى أن يملأ فراغه بهذه الأباطيل والترهات.
والمؤمن من أبخل الناس لا بماله فليس للمال قيمة عند المؤمن وإنما المؤمن بخيل بعمره ووقته وعندما يزور أحدا من الناس يكون صاحب منة عليه إذ يقتطع قطعة من وجوده وهو وقته الثمين ويقدمها له؛ خصوصا إذا كان هذا الوقت في ليالي الجمعة أو ليالي القدر أو أوقات نشاطه للعبادة، وهو حريص على اختيار من يزورهم والمدة التي يقضيها معهم تماما كالوزراء والرؤساء الذين قد لا تتجاوز بعض زيارتهم الساعة والساعتين ضنا على أوقاتهم وانشغالا بالأمور المهمة في حياتهم، ويتبين من بعض الروايات أن ساعات العمر هي بمثابة صندوق يفتح للإنسان يوم القيامة، فما حال الإنسان لو وجد في إحدى صناديقه النتن؟ ألا يصيح من الألم والحسرة؟ وكيف سيكون حاله لو وجد أن أكثر هذه الصناديق فارغة فليس ثمة نتن ولا طيب؟ ألا تنتابه الحسرة على ما فرط في جنب الله؟ وقد قال سبحانه: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[١٨].
اختيار الأصدقاء الصالحين
وينبغي لنا أن نختار البطانة الصالحة الذين تذكرنا بالله رؤيتهم كما قال عيسى بن مريم (ع)، وينبغي لنا كذلك أن نكون مؤثرين لا متأثرين وأن نأخذ زمام المبادرة في المجالس التي يغلب اللهو عليها ويخاض فيها بالباطل وإن كان في المجلس كبار القوم وأن نذكرهم بالله سبحانه؛ فنذكر آية أو موعظة نافعة ونغير مجرى الحديث بدل الاستماع إلى باطلهم ولهوهم، فليس الصمت أمرا مطلوبا في جميع الأوقات؛ وينبغي للمؤمن أن يرتقي بنفسه إلى إدارة المجالس واستيعاب الأجواء التي يكثر فيها الغافلون.
والمؤمن له عالمه الباطني وهو مشغول الذهن بالآيات الروايات والحكم ولذلك من صفاته الصمت، ولا يشعر بضيق عندما يكون وحيدا بل يكون منشرحا الصدر مستمتعا بما أتيح له من أجواء للتدبر والتحليق في عالم الباطن، ولقد قال أمير المؤمنين (ع) في صفات بعض أولياء الله عز وجل: (وَمَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلاَؤُهُ فِي اَلْبُرْهَةِ بَعْدَ اَلْبُرْهَةِ وَفِي أَزْمَانِ اَلْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي اَلْأَبْصَارِ واَلْأَسْمَاعِ وَاَلْأَفْئِدَةِ يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اَللَّهِ وَيُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ اَلْأَدِلَّةِ فِي اَلْفَلَوَاتِ)[١٩]، فيراهم الرائي ويحسبهم أنهم في غفلة سارحون ولا يعلمون أنهم في لذة الحديث مع الرب لا على نحو الوحي وتلقي الأحكام وإنما إلقاء في الروع، وأدع للقارئ التأمل في كيفية تجلي النور في أسماعهم وأبصارهم، ونسأل الله عز وجل أن يمن علينا بهذه المقامات العالية التي أشار إليها أمير المؤمنين (ع).
[٢] سورة النحل: ١٢٨.
[٣] تفسیر العیاشی ج٢ ص٢٠٨.
[٤] وسائل الشیعة ج١١ ص٤١٩.
[٥] سورة الفاتحة: ٥.
[٦] سورة إبراهيم: ٤٠.
[٧] سورة المؤمنون: ٩٩-١٠٠.
[٨] سورة العنكبوت: ٦٣
[٩] سورة المائدة: ٤٩.
[١٠] بحار الأنوار ج٦٤ ص١٥٨.
[١١] سورة الجمعة ١١.
[١٢] بحار الأنوار ج١٩ ص٣٢٤.
[١٣] بحار الأنوار ج٢٨ ص٢٧.
[١٤] بحار الأنوار ج١١ ص١٤١.
[١٥] سورة لقمان: ١٥.
[١٦] سورة الأنعام: ٦٨.
[١٧] بحار الأنوار ج٧٤ ص١٥٧.
[١٨] سورة مريم: ٣٩.
[١٩] نهج البلاغة ج١ ص٣٤٢.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- من موجبات رفع الغفلة زيارة القبور، وليست زيارة القبور لأجل الترحم على الموتى واستحصال الأجر فحسب؛ بل هي لتفقد المنزل الذي عن قريب يصير الإنسان إليه.
- المؤمن من أبخل الناس لا بماله فليس للمال قيمة عند المؤمن وإنما المؤمن بخيل بعمره ووقته وعندما يزور أحدا من الناس يكون صاحب منة عليه إذ يقتطع قطعة من وجوده وهو وقته الثمين ويقدمها له؛ خصوصا إذا كان هذا الوقت في ليالي الجمعة أو ليالي القدر أو أوقات نشاطه للعبادة.
- والمؤمن له عالمه الباطني وهو مشغول الذهن بالآيات الروايات والحكم ولذلك من صفاته الصمت، ولا يشعر بضيق عندما يكون وحيدا بل يكون منشرح الصدر مستمتعا بما أتيح له من أجواء للتدبر والتحليق في عالم الباطن.