ضرورة البرمجة للتنمية الروحية :
إن حديثنا مرتبط بالزاد الذي نتزود به ومنه يوم القيامة، ألا وهو القلب السليم.. وهذا القلب السليم لا يأتي من فراغ؛ وإنما لابد للإنسان أن يبرمج نفسه للحياة الأبدية.. إن الوجود الإنساني أضعف حلقة فيه هو البدن، قياساً للروح.. ونلاحظ أن البدن عندما يراد تنميته رياضياً -أي تنمية العضلات، وهي عبارة عن قطعة من اللحم-، فإنه يحتاج إلى تمرين متواصل.. ومن المعلوم أن الرياضيين أكثر الناس بذلاً للجهد والوقت، وأن تنمية العضلات يحتاج إلى عناصر، وهي:
أولاً: النادي.. أي إلى مكان فيه من يلعب مثله، وأحدهم يشجع الآخر.
ثانياً: استمرارية في العمل.. والمعروف أن الرياضي عندما يترك الرياضة، يصاب ببعض الآلام، لأنه تعود جسمه على نمط معين.
ثالثاً: المربي للفريق.. كما هو معلوم أن مدرب الفريق أيضاً له دور حاسم.
إذن، هنالك جو مشجع، وهنالك تمارين وبرامج متواصلة، وهنالك مدرب قدير.. وبعد كل ذلك، هنالك جوائز قيمة، وهذه الجوائز القيمة المتمثلة: بالكأس، أو بالمال، أو بالوجاهة -كل ذلك-، من المشجعات في هذا الطريق.
فإذا كانت تنمية البدن تحتاج إلى برمجة، فكيف بالتنمية الباطنية والروحية؟.. إن التنمية الروحية ليست بأقل من تربية العضلات، فإنها أيضاً تحتاج إلى تلك العناصر:
أولاً: برنامج طويل المدى.. إن مشكلة البعض أن الشيطان يلقنه فكرة باطلة، وهي: أنه يعمل هذا العمل، لأجل أن يكتسب الثمار.. فإذا لم يكتسب الثمار، يترك العمل.. والحل: أنه من اليوم الأول نعرف أن الخطة تحتاج إلى أمد بعيد، وإلى مواصلة.
ثانياً: بيئة مشجعة.. إن المساجد بمثابة النوادي.. وإن رب العالمين منذ اليوم الأول من الإسلام، فكر في هذا النادي.. ونحن عندما نرى هذا التركيز في الحث على الذهاب إلى المسجد، أو ملازمة المسجد، كما ورد في الرواية عن النبي (ص): (سبعة يظلهم الله عزّوجلّ في ظله يوم لا ظلّ إلا ظلّه: ـ إلى أن قال: ورجلٌ قلبه متعلّقٌ بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه)؛ فإن القضية قضية إثبات أو إظهار وجود.. فالذي يحضر إلى المسجد، فقد عرّض نفسه للطف الإلهي.
ولكن مع الأسف نلاحظ أن البعض لا يذهب للمسجد بدعوى أن الخطيب أو العالم أو الإمام، لا يعطي بالمستوى المطلوب!.. إن هذا أمر آخر.. أنت عندما تذهب للمسجد، فإنك تقول بلسان الحال والمقال: يا ربي!.. أنا جئت متعلماً، جئت مستفيداً، جئت مستضيئاً.. ولتقريب المعنى:
يمكن تشبيه المساجد بهذا الجهاز الحديث الذي في المستشفيات الراقية، حيث نلاحظ إنساناً يدخل في الجهاز، ويتعرض لشيء غير مرئي من دون لمس، ليس هنالك شيء يلمسه، ولكن هنالك أشعة مقطعية يتعرض لها، ويخرج وهو معافى، وهو في برنامج طبي معين.
إن بيوت الله تعالى ليست بأقل من هذه الأجهزة الحديثة.. أنت عندما تدخل المسجد وتخرج، فقد تعرضت لإشعاع مركز.. ويزداد التركيز في المسجد الحرام، وعند الحطيم.. عند الحطيم هنالك رزمة ضوئية لا تُرى، متصلة بالعرش.. والإنسان الذي يقف عند الحطيم، فإنه يتكهرب شاء أم أبى.. فهذا المقام مقام عظيم.. وكما أن قبة الحسين (ع) من مراكز الإشعاع الإلهي المركّز، فكذلك روضة النبي (ص)، وكذلك بيته.. إن معنى هذه الرواية التي تقول: (قبر النبي روضة من رياض الجنة) ليس بمعنى الأجر فقط.. أنت عندما تدخل روضة النبي (ص)، فإنك تدخل الجنة.. والذي يدخل الجنة ماذا سيستفيد؟.. إنه يستفيد الهبات الإلهية.. بل إن دخول الروضة أولى من دخول الجنة.. كما يقول علي (ع): (جلوسي في المسجد أفضل من جلوسي في الجنة، لأن جلوسي في المسجد فيه رضا ربي.. أما جلوسي في الجنة فيه رضا نفسي).. فإذن، روضة النبي (ص) أرقى من الجنة بمعنى من المعاني.
ثالثاً: مشرف تربوي.. هنالك نزاع بين القوم في بحث التربية الروحية: البعض يصر على وجود الأستاذ والمربي، وأنه لا يمكن من دون ذلك.. والبعض الآخر يقول: إن وجود المربي عنصر مساعد مسرع، لا أنه يتوقف عليه الأمر.. لا خلاف في أن تعلّم اللغة يتوقف على أستاذ، وتعلّم بعض التخصصات يحتاج إلى أستاذ.. ولكن الطريق إلى الله عزوجل أمر آخر.. إن رب العالمين هو الذي دعانا إلى نفسه، حيث يقول تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}، ولم يشترط وجود المعلم.. وجعل الأمر منوطاً بالرسالات، كما يقول تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}.. فالرسول هو المعلم، ورسالته، ودينه هو المنهج.. وعليه، فإننا لا نرى مشكلة في البين لمن أراد أن يسير في هذا الطريق.. نعم، الأسوة الحسنة، والقدوة الحسنة، هي أن نرى أمامنا إنساناً تجسدت فيه المعاني الإلهية؛ فإن هذا بلا شك عنصر مشجع في هذا المجال، ولكن ليس بحاسم.. والفرق بين المشجع وبين الحاسم واضح.. وتبعاً لذلك، نحن لابد أن نسير في هذا الاتجاه.. ولابد من المسارعة، فكل يوم تتباطأ في هذا المجال، خسرت يوماً من عمرك!..
والمشكلة الأخرى في هذا المجال: أن البعض يرى أن هذه المقامات العالية منوطة بسن معينة: كسن الأربعين، أو بعد الزواج، أو سن الاكتمال والنضج.. بينما أهل الاختصاص وأهل الفهم يقولون: إن القضية بالعكس، إن الشاب أقرب إلى هذه المعاني، لأسباب، منها:
أولاً: الشاب حديث عهد بالبلوغ.. لأن هذا ملفه ليس بذلك الثقل.. ملف الإنسان في سن الأربعين فيه خمس وعشرون سنة؛ صحيح، فيها طاعات، ولكن أيضاً فيها معاصي.. بينما ملف الشاب في سن العشرين، فيه ست سنوات أو خمس سنوات من المعصية، أي لازال خفيفاً.
ثانياً: الشاب له همة.. نشاطه، وبدنه يساعده في ذلك.. ولهذا نلاحظ أن المادة الدراسية التي تعطى للشاب في الثانوية، لو تعطى لإنسان في سن الأربعين، قد لا يفهمها إلا بأضعاف هذه الفترة.. فإذن، هنالك نشاط ذهني، ونشاط بدني، من أجل القيام بذلك.. وهذا أيضاً عنصر مساعد في هذا المجال.
وثالثاً: الشاب مبتلى بموانع غريزية وشهوية.. هو في قمة الاشتعال الغريزي، فعندما يقدم على الله عزوجل بالمعنى الخاص، زيادة عن أوليات الدين، فهذا الإنسان يباهي الله تعالى به الملائكة.. ولهذا نرى في بعض الروايات أنها تعلق بعض الدرجات والهبات على الشاب المجاهد لنفسه.. كما في هذا الحديث عن النبي (ص): (سبعة يظلهم الله عزّ وجلّ في ظله يوم لا ظلّ إلا ظلّه: ـ إلى أن قال: ورجلٌ دعته امرأة ذات حسب وجمال، فقال: إني أخاف الله).. فهذا الموقف موقف خاص بالشباب.. وإلا فالشيخ الكبير في سنه، لا قيمة كبرى لمجاهدته، لانتفاء الموضوع من رأسه، إذ لا معاناة في البين.. نعم، قد يكون إنساناً شاذاً.. ولهذا بعض الروايات تشير إلى أن العقوبة مغلظة للشيخ الزاني: أي إنسان كبير السن وهو يزني، فهذا قد لا يغتفر أصلاً، أو يغتفر بعد عذاب أليم.. فهذا يختلف مع شاب مراهق يرتكب نفس الخطيئة.. قال رسول الله (ص): (ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك جبار، ومقلّ مختال).
وعليه، فإنه لابد من السعي لتحقق القلب السليم في الوجود.. والمشكلة أن القلب إذا تلوث، وأردت أن تجعله سليماً، لابد أن تجتاز مرحلتين -هذا الذي ذكر في كتب الأخلاق: كجامع السعادات وغيره-: التخلية، ثم التحلية.. وكلما زادت القاذورات، زادت الأوساخ؛ وبذلك تحتاج عملية التخلية إلى جهد مضاعف.. ولهذا كلما نبادر في هذا المجال، كان الأمر أفضل.
إن من أهم سمات القلب السليم: أنه قلب ذاكر لله عزوجل، وكثيراً.. أولاً: ذاكر لله تعالى، وثانياً: ذكره لله تعالى كثير.. ولكل سمة من هاتين السمتين قيد.. ومن هنا من المناسب أن نفصل في هذا البحث المهم:
أولاً: دواعي ذكر الله:
إن ذكر الله عزوجل يختلف عن ذكر جزائه وثوابه.. ولهذا نلاحظ أن بعض الناس الذين يعشقون نعيم الجنة: حورها، وقصورها، وغلمانها، وأشجارها، وطيورها؛ ليست فيهم نزعة كمالية.. لأن همه زوجته، ولكن يريد زوجة كحور العين.. وهمه بطنه، ولكن يريد بدلاً من كباب الدنيا، يريد كما في قوله تعالى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ}.. وبدلاً من فاكهة الدنيا، يريد فاكهة الجنة.. هو إنسان لازال أرضياً، ولكن له طموح، وإنسان غير قنوع بزوجته، وبما يأكله، وما يشربه، ويريد أنهار العسل والخمر وما شابه.. ولكن هذا الإنسان لا يعد لله ذاكراً، وإنما ذاكر لنعيمه.
هناك بعض الناس -من الممكن أن يكون أرقى من ذلك الإنسان- لا يهمه المقام المحسوس، وإنما يريد مقاما معنويا؛ مقام القرب من الله عزوجل، والزلفة إليه.. ولكن أيضاً هذا لا يعد ذاكراً لله عزوجل، هذا الإنسان يذكر نفسه، هذا الإنسان لازال عبد الذات؛ ولكنه إنسان له فهم أرقى في الوجود.. يرى أن تحقيق الذات ليس بالحور، وإنما بالرضوان: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ}.. وفي كتب الأخلاق أيضاً يذكرون هذه المرتبة، ويعبرون عنها بحظوظ النفس.
مثلاً: إنسان يذهب إلى مشهد الرضا (ع)، ويرجع كئيباً حزيناً، وعندما يُسأل ما الذي جرى؟.. وإذا به يقول: إن زيارته ليست مقبولة.. وعندما يسأل عن سبب ذلك: هل أنه -مثلاً- عصى في الحرم؟.. أو أنه ذهب لغرض دنيوي: لأجل زواج، أو لأجل مطعم، أو لأجل أكلة؟.. وإذا بالجواب: لا.. أي أن أركان الزيارة مكتملة، ولكن المشكلة أنه -على حسب قوله-: عندما وقفت أمام الضريح ما بكيت، وما تفاعلت، وما أحسست بروحانية!..
ومن قال بأن هذه الأمور مطلوبة أصلاً؟!.. من قال بأن الهدف من الزيارة أن نعيش البكاء، وأن نعيش الخشوع؟!.. إن الهدف أن تذهب لزيارة المعصوم.. وبتعبير أحد العلماء يقول: عندما تجلس على مائدة، لا تنظرْ إلى ما يأكله الغير.. فهذا بالنسبة إلى الطعام المادي.. وهكذا بالنسبة إلى الطعام المعنوي؛ لا تنظرْ إلى ذلك الزائر الذي يبكي ويصيح.. فلكل إنسان أسلوبه.. ثم أنه ليس كل بكاء مقدسا!.. إذ أن البعض عندما تراه يبكي في المشاهد وعند الكعبة، قد تغبطه على ما هو فيه؛ ولكن لو تقترب منه وتسمع صوته، تراه يتفاوض مع الله عزوجل ورسوله حول قضية ما: إما أداء دين، أو زواج من امرأة يهواها، أو مشكلة نفسية.. فإذن هذا البكاء ليس مقدسا.
وعليه، لو أن الإنسان الذي ذهب عند الضريح وهو في قمة البكاء والخشوع، لأجل أمر مالي، وأتاه إنسان وقال في أذنه بهمس: يا فلان، اخرج من الحرم، أنا أعطيك هذا المبلغ!.. فإن هذا البكاء ينطفئ، ويتحول إلى ضحكة وابتسامة وفرح؛ لأن غرضه المال، وقد حصل على ذلك!..
وعليه، فإن هذا الذي همه الأمور المعنوية، -كما يقال في عرف علماء الأخلاق- ما هو إلا عبد لذاته، إنسان يحب نفسه.. أي يرى أن هذه الهبات المعنوية هذه حظه.. ولا شك أن هذا الإنسان جداً ممتاز، ولا يقاس بالأول.. فالأول كان همه النعيم المادي في هذا الوجود، وهذا الإنسان همه النعيم المعنوي في الوجود.. فإذا كان الذي يهمه النعيم المادي لا يعد ذاكراً لله تعالى، وكذلك الذي يهمه النعيم المعنوي؛ فإذن، من هو الذي يعد ذاكراً لله تعالى؟.. إن الذي نريده هو الثالث: أن يكون الإنسان ذاكراً لله عزوجل، بداعي المنعمية.
إن البعض يقول: أنت من خلال بعض الكلمات، كأنك تريد منا شيئاً لا يمكن!.. إن هذه الأمور ليست في مستوى عامة الناس!.. نحن قلنا: إن كلامنا كدرس المناسك للفقير.. إن الإنسان الفقير غير المستطيع، لا نية له أن يذهب إلى الحج لا هذه السنة ولا بعد عشر سنوات -في بعض الدول ينتظرون الدور عشر سنوات-، ولكن هل حرام أن يتعلم أحكام الحج؟.. إن تعلم الأحكام أمر جيد في حد نفسه، لعل الله عزوجل يحدث بعد ذلك أمراً.
إنه لمن اللازم أن نلقن أنفسنا بأننا نذكر الله عزوجل، لأنه المنعم والمتفضل علينا.. لأن هذه النفس تحتاج إلى تلقين، ولابد أن نتفاوض معها.. فإن ترك النفس كما هي، يجعلها لا تنمو.. وإنما الأمر يحتاج إلى إنماء، وهذا الإنماء يكون بالتفكر والتدبر.. ومن المعلوم أن الطريق الطبيعي للتأثير على النفس: العبادة والتفكر.. فالتفكر يعطيك قوة من داخل النفس.. والعبادة من أجل جلب القوة من خارج النفس.. أي نبع في الباطن، ومطر من السماء.. فإذن، لابد من تفجير الباطن بينابيع الحكمة، ثم رب العالمين يضيف إلى هذا الماء، الماء السماوي.
فلو أعمل الإنسان فكره، في أن طبيعة الإنسان أنه أسير للإحسان.. قال علي (ع): (امنن على من شئت تكون أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمّن شئت تكن نظيره).. ومن هنا نقول لهذه النفس: أنت عندما يعطيك أحداً طعاماً، وأنت على وشك الموت من الجوع كم تشكره؟.. لا شك، أنك تشكره شكراً لا حد له.. هنالك قصة قديمة أسطورية: إن ملكاً أثناء الصيد ذهب إلى صحراء، وضيّع الطريق، وما كان عنده شيئاً من الماء.. وبينا هو يوشك على الهلاك، إذ رآه رجل وأعطاه الماء.. ولما جاء هذا الرجل -الذي أنقذه من هلاك مؤكد- إلى مملكته، قال الوزراء للملك: إن هذا الإنسان يستحق أغلى ما عندك -أي المملكة-، لأنه أعطاك ما كان به حياتك.
فطبيعة الإنسان أنه يشكر صاحب النعمة، فكيف إذا كانت النعمة ليست فرعاً من فروع الوجود: كالطعام والشراب والغذاء والعلاج.. لو أن طبيبا جراحاً رآك في حالة الموت، وقام بعملية جراحية مجانية لوجه الله، وأنقذك من الموت، كم تكون أسيراً لهذا الإنسان؟.. فأنت بالنسبة إلى رب العالمين لست أسيراً لإحسان فرعي، بل أسيراً لفروع كثيرة، وفوق كل ذلك، أصل الوجود -أن تعلقت مشيئته بوجودك- هذا من أكبر النعم.. ولهذا علماؤنا يقولون: إن المؤمن بعض الأوقات يذكر أن الله عزوجل ذكره، فمنّ عليه بالوجود، فلا يكاد يستقر في مكانه.. يقول: يا ربي، أنت أردتني أن أكون!.. هذه التفاتة ممن؟!.. من رب العالمين!.. ثم بعد ذلك دلّلتني، وقلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}!.. جعلتني أهلاً لأن تكلفني!..
ويتفق في أوائل ما يسمى بشهر العسل، أن المرأة تقول لزوجها من باب التودد: يا فلان أأمرني بشيء؟.. ماذا أعمل لك اليوم؟.. إذا أمرتني بشيء، فإن هذا الأمر يسعدني، بل أنا ألتذ بامتثال أمرك!..
إن رب العالمين عندما يأمرك وتمتثل، فالإنسان من المفروض أن يفرح بأنه كلف.. ومن هنا نلاحظ في مناجاة إمامنا زين العابدين (ع) أنه يشكر الله عزوجل، على أنه أذن لنا بمناجاته، ولو شاء لما أذن لنا بذلك.. ولهذا يوم القيامة البعض لا يؤذن له في الخطاب، هو يتمنى أن يحدث رب العالمين، فيأتيه الجواب كما في قوله تعالى: {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}.. ويريد أن يسجد، ولكن لا يستطيع السجود: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}.. طبعاً، عدم الاستطاعة من باب الغضب الإلهي.. لأنهم كانوا يدعون إلى السجود في الدنيا وهم سالمون، ولكن ما امتثلوا الأوامر، فالآن يتمنون ولو كلمة واحدة في التهليل!.. فإذن، إن المطلوب هو ذكر الله عزوجل بهذا المعنى: بأنه هو المنعم، وهو أساس كل نعمة في الوجود.
إن البعض قد يقول: إن الإنسان بطبيعته مادي.. أي عندما يقدم على أمر، فإنه لابد أن يتوقع الجميل والجزاء.. أقول: كلنا في هذا المجال غير منصفين!.. لماذا؟.. لأنه في علاقاتنا مع البشر نعيش هذا الصفاء.. والمثال: مع الأمهات والآباء.. أرأيت إنساناً يزور أمه، وكلما ذهب يقول: أماه أعطيني ديناراً مقابل ذلك؟!.. بالطبع لا، لأن سبب الزيارة هو حبه لها.. وبعض الأوقات تكون الأم على فراش الموت أو الاحتضار، لمدة سنوات وهي لا تتكلم، ولا أنس في زيارتها، ولا أي فائدة؛ ولكن يذهب لمجرد الحب الذي يحمله لهذه الأم.
بل إن الإنسان يتعجب من هذا الإخلاص الذي عند بعض الأمهات!.. أم تربي طفلاً معوقاً، وهي تعلم أن هذا الطفل -حسب كلام الطبيب- سوف يعيش هذه الفترة الزمنية، وبالفعل يموت بعد ذلك!.. فلماذا تربي الأم ولداً معوقاً، سيموت بعد سنوات، من دون طلب أي مقابل؛ وعندما يصل الأمر إلى رب الأرباب، فإن المعاملة تختلف: اعمل كذا؛ لأجل أن تعطيني كذا؟!..
ولهذا نحن عندما نقول: يستحب في ليلة النصف من شعبان هذه الصلاة، فإن أول سؤال يُسال: ما هو ثواب هذا العمل؟.. فإذا كان الأجر أجراً مغرياً، مثلاً: خمسين حورية؛ يقول: نعم، إن شاء الله سنعمل به!.. وإذا قلت: لم يذكر في مفاتيح الجنان أجر على هذا العمل، فقط الذي ذكر أنه يستحب صلاة خمسين ركعة في ليلة النصف؛ فإنك ترى الكثيرين يتقاعسون عن ذلك!..
إن أمر بني آدم أمر عجيب!.. قال الإمام الحسن (ع): (ما أعرف أحداً إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه).. الأحمق هو الذي لا يحسن التصرف.. إنسان لديه عقل -أي ليس مجنون-، ولكنه يفوّت الفرص الذهبية في الحياة.. إنسان لا يعرف قدر ما هو فيه.. مثلاً: إنسان تعطيه شيكاً بمليون دينار، ويمزقه، أليس هذا أحمق الحمقى؟!.. كلنا لا نحسن التعامل في علاقتنا مع الله عزوجل.. والقرآن الكريم يقول كلمة أشد من كلمة: (أحمق)!.. قال تعالى: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}: أي الموت لك يا بني آدم!.. والخطاب للإنسان بصفة عامة، أي كل الناس إلا من خرج بالدليل، كقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}.
فإذن، إن الحقيقة هي أننا في علاقتنا مع رب الأرباب، نعيش حالة من حالات قلة الإنصاف، أو عدم الإنصاف؛ فهلا تنبهنا لذلك؟!..
ثانياً: معنى الذكر الكثير:
لا نعني بالذكر الكثير، الذكر اللساني الكثير.. ولنلتفت جيداً:
أولاً: الذكر اللساني الكثير قد لا يكون ممكناً دائماً.. فمثلاً: إنسان له نشاط حديثي، كأستاذ في الجامعة، أو مدرس، وهو من الصباح إلى الظهر، وشغله الكلام؛ وإن اللسان إذا اشتغل بكلام، لا يمكنه الاشتغال بكلام آخر.. أضف إلى أن الذكر اللساني يتوقف على الفكين، وعلى الشفتين، وعلى اللسان، وعلى عناصر مادية في البدن؛ وهذه تتعب وتكلّ.. لو أن إنساناً مثلاً يريد أن يقول ألف مرة: (لا إله إلا الله)؛ فهذه حركة بدنية، فيها عضلات، وفيها أعصاب، وقد لا يتحمل دائماً الذكر اللفظي.. ومن هنا نقول: بأنه مادام الإنسان ليس له الفراغ دائماً لأن يذكر ذكراً لفظياً، أضف إلى أن الذكر اللفظي بعض الأوقات يأخذ طاقة من الإنسان -والإنسان له طاقة محدودة-؛ فتبعاً لذلك نستنتج: إن الإنسان لا يمكنه أن يكون ذاكراً كثيراً باللسان.
وعليه، فإننا عندما نقول: الذكر الكثير؛ فليس المعني بالذكر الكثير، هذا الذي يكون في اللسان.. إن هذا الذي في اللسان يعكس ما في القلب.. فإذا كان ما في القلب موجوداً، حتى لو وقف اللسان؛ فإنه يعد ذاكراً لله وكثيراً.. وللتوضيح نذكر هذا المثال: لو أن إنساناًً جاءه ضيف عزيز -مثلاًً مرجع من مراجع التقليد-؛ فلك أن ترى أنه كم يسر بقدومه!.. تراه جالساً ساعة في محضره، وهو يعيش حالة من السرور القلبي المتصل، سرور لا يذهب من قلبه.. ولهذا كلما سمحت له الفرصة يقبل يده، ويقول له من الكلام المعبر عن حبه وتقديره له.. إن هذا الإنسان المحب لو أنه ما قال شيئاً، فإن الطرف المقابل لا يراه منتقصاً من حقه، لأنه يرى بأن قلبه ممتلئ سروراً وذكراً له.
ولهذا اللسان إذا وجد، ودعم ما في القلب، فهذا أمر جيد.. ولكن إذا كان ما في القلب معدوماً؛ فإنك ذكرت أو ما ذكرت، تقريباً يمكن أن يقال أن الأمر سيان بالنسبة لك.. إن رب العالمين يطلع عليك، وأنت في قمة الانشغال بالحياة الدنيا بعملك، وبوظيفتك، وتعيش قلباً ذاكراً.
ومن المعلوم أن الذكر القلبي واللساني يجتمعان، لأن لكل منهما عالما مغايرا للآخر.. مثلاً: إنسان بيده سبحة يفرها، وله نظر ينظر به، وله لسان يتكلم.. لأن حركة السبحة في اليد، والكلام من الفم، والنظر من العين.. هذه عوالم مختلفة.. وأثناء قيادة السيارة كم جهدا تعمل؟.. سياقة، واتصالاً هاتفياً، وتنظر إلى الطريق، وتتكلم مع من معك، وتنظر إلى خلفك.. إن الإنسان موجود معقد، وبإمكانه في آن واحد يقوم بعدة حركات.. وعليه، بإمكانك أن تعيش في الناس، وتقوم بنشاطك كاملاً، والقلب له عالم.. وأقرب مثال: ما يرى في حالة الحزن الشديد.. من فقد عزيزاً تراه في المقبرة، وفي الفاتحة -خاصة إذا كان عزيزاً يعتنى به-، والهم والغم يحيط وجوده.. وهو يزاول كل النشاطات، ويستقبل الناس، ويعزي الناس، ويستقبل المعزيين، والقلب منشغل بمعنى من المعاني.. وكذلك الإنسان في حالة الفرح الشديد، مثل أيام الخطوبة: تراه أينما ذهب، وهو يعيش هذه الحالة من الانشغال القلبي.
قلنا: إن الذكر الكثير هو ما كان في القلب، وإن لم تكن هنالك حركة لفظية باللسان.. ولكن ليس معنى هذا الكلام، أن نكتفي بالحركة القلبية، ونترك التلفظ باللسان.. إن هذا أيضاً خطأ!..
أولاً: الذكر اللساني يثير القلب أيضاً.. فالإنسان عندما يقول: (لا إله إلا الله) باللسان، يكون هنالك حركة متكاملة: الفم تحرك، والأمواج الصوتية تحركت في طبلة الأذن، وتحولت إلى أمواج عصبية وصلت إلى المخ، وبالتالي إلى القلب.. هنالك حركة، وهذه الحركة لها دور في تعميق الذكر.
وثانياً: إن الذكر إذا اشتد في القلب، فإنه يرتد على اللسان.. ولهذا نرى بعض المؤمنين إذا لا يذكر الله بلسانه، فإنه يكاد ينفجر في جوفه.. وفي حديث عن الإمام الصادق (ع): (أنا من حبك جائع لا أشبع، وظمآن لا أروى، واشوقاه إلى من يراني ولا أراه)!.. وفي بعض الروايات تصف الذكر بالنسبة للمؤمن، بأنه كالهواء الذي يتنفسه.. إذا لا يذكر الله عزوجل ذكراً لسانياً، فإنه يكاد صدره يضيق من عدم الذكر.
فإذن، إن الذكر أساسه ذكر قلبي، ولكن يجري على اللسان، واللسان يعود إلى القلب، وهكذا في عملية مساندة بعضها لبعض.
ثالثاً: آثار الذكر الكثير:
إن من آثار الذكر هو هذا الأثر الذي نفهمه، لو ربطنا بين هاتين الآيتين: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }، {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.
أولاً: نلاحظ أن القرآن الكريم لم يخصص الخطاب لفئة معينة، حيث قال: {يا أيها الذين أمنوا}.. القرآن ما قال: (يا أيها الذين اجتهدوا)، أو (يا أيها الذين قلدوا)، أو (يا أيها الذين أصبحتم من أئمة المسلمين).. كما أن الخطاب عام في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، في فرض الصيام على المؤمنين، كذلك الأمر في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ}.. أي معنى ذلك: كما أن كل واحد منا مرشح للصيام، بل يجب عليه الصيام، أيضاً هو مرشح لهذه المقامات العالية.
لماذا جعلنا هذا الخطاب الإلهي: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} لعلماء الحوزات؟!.. وهذا الخطاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} للبعض؟!.. أليس هذا الخطاب خطابا قرآنيا؟.. {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} هذا الخطاب لمن؟.. لماذا جعلنا هذا الخطاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} موجها للبنت بعد اليوم الأول من السن التاسعة.. على فتوى علمائنا: لو بلغت البنت أي أكملت التاسعة في التاسع والعشرين من شعبان، فثاني يوم تصبح مكلفة بهذا الخطاب الإلهي وتصوم.. لو قلت: هذه صغيرة، ولا تفهم؛ فإنه لا فرار من هذا الإلزام بالصيام، فالحكم جاء لها.. لماذا إنسان وهو في سن الأربعين، ويرى نفسه أنه ما عاد مصداقاً لـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}؟!.. ويرى أن هذا للأنبياء، وللمرسلين، وللسيد بحر العلوم، وللمقدس الأردبيلي…؛ أما نحن فيكفينا العمل بما فرضه الله تعالى علينا، في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}؛ وكفى!.. لماذا عندما يصل الأمر للآيات الأنفسية، نقول: هذا ليس خطاباً لنا جميعاً؛ وأما الآيات الفقهية، فإنها خطاب للجميع؟!.. لا أدري هذه الباء تجر، وهذه الباء لا تجر؟!.. هذا خطاب من الله، وهذا من الله!.. هذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}، وهذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}.. لا أدري ما الفارق بين العالمين؟!..
فإذن، إن هنالك ارتباطا بين الآيتين: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، وما النتيجة؟.. {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.. وفي آية أخرى يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.. ومعنى ذلك: أنه كما أن رب العالمين يصلي على النبي (ص)، أيضاً نحن يصلي علينا في بعض الحالات.. أهنالك مزية في العالم أكبر من هذه المزية: أن تصبح شريكاً لرسول الله (ص) في عالم المزايا؟!.. ولك أن تتصور: إذا رب العالمين صلى عليك، أنت ماذا ستصبح؟!..
كان أحدهم على شاطئ البحر، وكان يرمي بفتات اللبن في البحر، فسئل: لماذا ترمي اللبن في البحر؟.. فقال: حتى تصبح لبناً.. الماء من البحر، وهذا مني!.. فقال: هذا لا يمكن!.. البحر لا يصير لبناً بهذا الفتات!.. فقال: أدري لا يصير، ولكن لو صار، سيصبح شيئاً عظيماً، وأصبح ثري الوجود، أن البحار تصبح كلها لبناً!..
وعليه، فإننا نقول: لو استجيبت الآية في حقنا، ماذا سيصبح؟.. سيصبح ما لا يخطر على بال بشر!.. والقضية بسيطة.. إن القرآن الكريم أعطاك مفتاحا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}.. وهو سهل، ولا أعتقد أنه تكليف بما لا يطاق.. هو ما قال: كل يوم –مثلاً- طر في الهواء، لتقول: ما أقدر أطير في الهواء!.. ولا قال: صم الدهر نهاراً، وأقم الدهر ليلاً.. قال: اذكر الله ذكراً كثيرا.. وعلى الخصوص بالمعنى الذي فسرناه: اجعل قلبك مشغولاً بذكر الله، وبعض الأوقات اجعله على لسانك، زائداً ترك الحرام، زائداً أداء الواجب.. أهذه معادلة صعبة في الحياة؟!.. طلبنا منكم الاعتكاف؟!.. طلبنا منكم ترك الأزواج؟!.. طلبنا منكم ترك البيوت؟!.. اجعلوا كل شيء على ما هو عليه، ولكن أضيفوا عنصراً جديداً في الحياة.. إذن، أين الاستحالة؟!.. وأين الصعوبة؟!.. وأين العسر والحرج؟!.. ولكن الكلام في ضعف الهمة، وفي ضعف المعرفة، وفي الشياطين المحيطة بقلوبنا.
إن الشيطان بمجرد أن تعزم على حركة إصلاحية في النفس، فإنه يأتيك من خمسين زاوية.. كما نلاحظ في الصدقة.. ما قيمة الصدقة؟.. صدقة دينار ما وزنها؟.. ولكن نلاحظ أن الإنسان إذا همّ أن يخرج صدقة، إذا بالشيطان اللعين يوسوس له: لا تتصدق!.. هذا المال ينقص من مالك!.. ولهذا ورد في الروايات الحث على التعجيل بإخراج الصدقة.. فإذا كانت الصدقة -وهي أمر بسيط- يغيظه، فكيف بإنسان يريد أن يغير مجمل حركة حياته في هذه الدنيا؟!..
إن البعض قد يقول: صلوات الله أليست كافية؟.. فما قيمة صلوات الملائكة، بالإضافة إلى صلوات الله عزوجل؟.. الأمير إذا أكرمني، فما قيمة الخادم عند الأمير؟!.. ولكن أيضاً له معنى.. وما معنى: {لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}؟.. إن الإنسان الذي ذكر الله كثيراً، هو قد خرج من الظلمات إلى النور.. إذ لو كان في الظلمات، ما ذكر الله كثيراً.. إذن، ما هو الشيء الجديد؟.. أليس هذا تحصيل حاصل؟.. أنا خرجت من الظلمات، فما هذه الظلمة الأخرى؟.. أهناك ارتباط بين هذه الظلمة، وبين قول الإمام علي (ع) في مناجاة الشعبانية: (لتخرق أبصار القلوب حجب النور)؟.. هل النور حجاب؟.. ولكن -مع الأسف- نحن هذه الآيات الكريمة قرأناها في شهر رمضان، وفي غير شهر رمضان، وما جعلناها أساساً لعملية التغيير في هذه الحياة!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.