- ThePlus Audio
الذرية الصالحة؛ نصائح ووصايا.
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
أهم مشكلة يعاني منها الآباء في الأسرة
من المشاكل الكبرى في حياة الآباء اليوم أو آباء المستقبل هي مسألة المراهقين والأحداث، ولابد لهم أن يتحملوا مسئولياتهم تجاه الأسرة، وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الكثير من التعابير التي تعتبر الآباء معنيين بشأن الأسرة وصلاحها، وقد اعتبرت بعض الروايات الشريفة أن الأسرة رعية يتولى أمرها الراعي المتمثل بالأب، وكأنه هو الملك والسلطان والزوجة والأولاد هم رعيته والمرء مسؤول عن رعيته أسرة كانت أو مجتمعا.
قبضة الوالدان
والأولاد إلى فترة زمنية معينة هم تحت قبضة الوالدين نظرا لحاجتهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والعقلية وإن كانوا سيخرجون من هذه القبضة في يوم من الأيام. وكم أساء الوالدان الاستفادة من هذه القبضة؛ حتى إذا انسل الولد من هذه القبضة – إما بالزواج وإما بالهجرة – تجرع الوالدان الغصص وشعرا بالندامة والحسرة على تفريطهم وقلة مبالاتهم.
استثمار الذرية
وانظر إلى جمال التعبير وبلاغته عندما تذكر الروايات الشريفة الأولاد إلى جانب الصدقة الجارية، فقد ورد في الأثر عن المصطفى (ص): (إِذَا مَاتَ اَلْمُؤْمِنُ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)[١]، فالولد الصالح امتداد للإنسان بعد موته، وهو خير ما يستثمر فيه الإنسان لما بعد موته، فمن منا لا يحب أن تأتيه الأعمال الصالحة وتبلغه الدعوات المستجابة بعد رحيله عن الدنيا وانقطاع أثره؟
ونحن نصلي على النبي (ص) ونصلي على أبيه إبراهيم (ع) في بعض الحالات، وذرية النبي (ص) إلى يومنا هذا هم من نسل النبي إبراهيم (ع) وكم كان وجيها عند الله عز وجل حتى خلد ذكره إلى يومنا هذا من قبل ذريته.
وللقرآن الكريم تعبير جميل عن الذرية؛ فهو يحث المؤمنين على أن يطلبوا من الله عز وجل ذرية تقر أعينهم، فقد قال سبحانه في كتابه عن لسان المؤمنين: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[٢]، وفي عرف العرب – وإن لم يكل لها رصيد علمي يدعمها – دمعة الحزن ساخنة بخلاف دمعة الفرح، وقرة العين هو الولد الذي يثلج صدر الإنسان ويدخل عليه السرور وذلك أن يكون مطيعا لله عز وجل وإلا فإن الأب لا تقر عينه بثروة الولد أو جاهه أو زوجته الجميلة مثلا وإنما يقر عينه انقياده لله سبحانه وإثقاله الأرض بلا إله إلا الله، فإذا كان النبي (ص) يباهي الأمم بالسقط فكيف مباهاته بالذين يرفعون لواء لا إله إلا الله من أمته؟ وقد ورد في أدعية أهل البيت (ع): (وتَجعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ إلى طاعَتِكَ وَالقادَةِ إلى سَبيلِكَ)[٣]
وحري بالمرء أن يبذل جهده ووقته على من يشكلون له رصيدا كبيرا في الحياة الأخرى حيث يمدونه بالخير والنعيم، فهو يعمل في اليوم ثمان ساعات، ويقضي ما يقضي من الوقت على وسائل الإعلام وزيارة الأصدقاء والجلوس في الدواوين والمطاعم وما شابه ذلك، فليخصص جزءا من ذلك لأولاده.
الأنبياء والذرية الصالحة
وفي حياة بعض الأنبياء لعب الولد دورا مهما في تقرب النبي إلى الله عز وجل والحظوة التي نالها، وكمثال على ذلك محاولة النبي إبراهيم (ع) قتل ولده إسماعيل (ع)، وهي من أهم المسائل التي أكسبت إبراهيم الخلود عبر الزمن، ولو لم تكن لإبراهيم ذرية لما وقعت هذه الحادثة في الأصل.
ونرى في حياة سائر الأنبياء حرصا منهم على الذرية الصالحة ويبدو ذلك جليا من خلال ما نقله القرآن الكريم من أدعية على لسان الأنبياء (ع)، وكمثال على ذلك النبي زكريا (ع) الذي كفل السيدة مريم (س) في بيت المقدس ولم يكن قد رزق بذرية بعد، وينقل القرآن الكريم كيفية دعاء زكريا (ع) لطلب الذرية بعدما رأى صلاح مريم (ع) وكأن ذلك حثه على هذا الطلب، فيقول القرآن الكريم: (..وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)[٤]، ولنعم ما استجاب الله له طلبه هذا فرزقه يحيى (ع) شبيها بالحسين (ع) في كيفية شهادته.
ولم يكن خلود مريم (س) إلا لأجل ما عانته في سبيل النبي عيسى (ع)، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأئمة (ع)، وأنا أعتقد أن الله سبحانه قد عوض أمير المؤمنين (ع) عن فقد فاطمة (س) في ريعان شبابها بالحسن والحسين (ع) الذين أقرا عينه في حياته وبعد شهادته، ولابد أن يقتدي المؤمن بالأنبياء في طلب الذرية الصالحة وأن يجعل هذه المسألة من باله.
هل تهتم بروح الطفل كما تهتم بجسده؟
وبعد هذه المقدمة عن الذرية الصالحة وحرص الأنبياء (ع) عليها، نذكر بعض التوصيات المهمة في التعامل مع الذرية عسى أن يجد الإنسان مبتغاه في ما يبذل من جهد ووقت بالنسبة لأولاده وأحفاده.
ينبغي للوالد أن يهتم بالنمو الروحي للولد كما يهتم بنموه الجسمي، وعادة ما يكون اهتمام الوالدين بالنمو الجسمي أكثر منه بالنمو الروحي، هذه الروح التي تنمو جنبا إلى جنب الجسم وهي بحاجة إلى المراقبة والعناية؛ كما يعتني الوالدان بالطفل عندما يتعرض لعارض صحي يعيقه عن النمو والتكامل، وتتأكد العناية الروحية بالطفل في سن المراهقة والبلوغ.
العناصر الذاتية المؤثرة في تربية الولد
هناك ثمان عناصر مؤثرة في تربية الطفل: ثلاثة منها ذاتية، وخمسة منها عناصر تتعلق بمحيط الطفل وبيئته.
العنصر الأول هو العنصر الوراثي أو الصفات المكتسبة من الوالدين، فقد ورد في الأثر عن المصطفى (ص): (اَلنَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ اَلذَّهَبِ وَاَلْفِضَّةِ)[٥]، ونلاحظ وجود اختلاف كبير بين أفراد الأسرة الواحدة وحتى التوأمين الذين ترعرعا في أسرة واحدة وتلقيا تربية واحدة ودرسا في مدرسة واحدة نرى لهذا سلوكه وللآخر سلوك يغايره، هذا سريع الاستجابة وذاك بطيئ الاستجابة، هذا مندفع إلى الله عز وجل ويهتم بالشئون الدينية وذاك في واد آخر، وقد ورد أن شارب الخمر يؤثر على الأجيال التي تليه من ذريته حتى الجيل السادس والسابع، وفي الطب يربطون بين الحالات الانفعالية والسلوكية والجينات، وليست جينات الولد إلا مجموعة متساوية من جينات الأبوين، ولذلك هنالك الكثير من الروايات التي تؤكد على مسألة الاختيار الصحيح للمرأة الصالحة باعتبارها منبت الولد الصالح، فقد ورد عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (اُنْظُرْ فِي أَيِّ نِصَابٍ تَضَعُ وَلَدَكَ فَإِنَّ اَلْعِرْقَ دَسَّاسٌ)[٦]، أو قوله (ص): (اِخْتَارُوا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ اَلْخَالَ أَحَدُ اَلضَّجِيعَيْنِ)[٧].
والعنصر الثاني هو التركيبة النفسية، وهي من أسرار عالم الخليقة، وكما أن الإنسان يخلق بلون وشكل محدد، يخلق بنفسية ذات تركيبة محددة وهي تركيبة لا تؤدي إلى الجبر في حال من الأحوال، ولكنها لها تأثير بالغ على سلوك الإنسان، فقد يكون كثير الخجل أو جريئا أو لديه زيادة في الميول الجنسية، وهلم جرا.
والعنصر الثالث هي تركيبته العقلية، فلا تكاد تجد ولدين في مستوى عقلي واحد حتى في الأسرة الواحدة.
العناصر الخارجية المؤثرة في تربية الولد
العنصر الرابع هو الوالدان، فلسلوكهما أكبر التأثير على شخصية الطفل، وهناك الكثير من الأولاد الذين انحرفوا بسبب نزاع الوالدين وعدم التزامهما بالدين أو إهمالها أمر الأسرة أو انشغالهما بالأعمال الخاصة وإن كانت أعمالا مفيدة كالمطالعة والعبادة وما شابه ذلك، وعدم سؤالهما عن الأولاد وأحوالهم وعدم التعامل معهم برقة وحنان، بالرغم من سلامة الأولاد جينيا ونفسيا وعقليا.
والعنصر الخامس هو عنصر الأقارب والأرحام، وإن كنا قد أمرنا أن نصل أرحامنا ولكن هذه الصلة يجب أن لا تؤثر على سلوك أولادنا، فنبعد الأولاد مثلا عن أبناء عمومتهم أو أبناء أخوالهم المنحرفين، فليس الإنسان ملمزما بذلك مادام أنه يستشعر الخطر على أن تؤثر هذه العشرة وهذا الاقتران على سلوكهم وأخلاقهم، بل يصبح من الواجب عليه باعتباره المسئول عن رعايتهم أن يبعدهم عن أجواء الفساد مهما أمكنه ذلك، ويستطيع أن يكتفي من صلة الرحم بأقله، من خلال مراسلة أو اتصال هاتفي، فهناك الكثير من الانحرافات التي كان منشؤوها الزيارات العائلية التي كانت تجمع الجنسين، فلابد من أن يقف كل واحد منا على ما يناسبه من تلك العلاقات الرحمية.
والعنصر السادس هو عنصر الأقران، وللأسف الشديد هناك الكثير من الآباء والأمهات لا يعرفون عن أصدقاء أولادهم شيئا، هؤلاء الأصدقاء الذين يؤثرون في سلوك ولدهم من حيث لا يشعر، وقد يتعب الإنسان على تربية ولده حتى السابعة عشر أو الثامنة عشر من عمره ويفني زهرة حياته في الاهتمام به ومتابعته وإرشاده؛ لتأتي ليلة واحدة تجمعه بأصدقاء السوء في سفرة إلى بعض مكامن الفساد، لتقضي على دين هذا الشاب وتقلب حياته رأسا على عقب، وتخيل الحسرة التي يعيشها الإنسان وهو يرى ما حل بفلذة كبده من الانحراف والفساد في لسلة أو بضع ليال! ولذلك قد جوز بعض الفقهاء التجسس على الأولاد والتنصت ومراقبة الفخاخ التي قد تعترضه في مسيره.
وأما العنصر السابع فهو الجو المدرسي؛ فالمدرسة هذه الأيام تحتل مساحة كبيرة من حياة الطفل أو الشاب المراهق نفسيا وتربويا، وقد يتساهل الآباء في اختيار المدرسة المناسبة، فقد يختار المدرسة لقربها من المنزل أو لقلة متطلباتها المادية أو لوجود المعارف والأصدقاء فيها على الرغم من المخاطر التي قد تشكلها على سلوك أولاده إن كانت المدرسة مختلطة أو يكثر فيها المنحرفون أو تفتقر إلى التربية الدينية الصحيحة، والحال أن الإنفاق المالي في هذا المجال من أهم المجالات التي يستثمر فيها الإنسان وإن كلفه ذلك ثمنا باهظا، وكما يحرص على اختيار الشقة المناسبة التي يأنس فيها؛ عليه أن يختار المنبت الصالح لذريته. وللأسف الشديد إن البلاد الإسلامية تفتقر إلى وجود مدارس نموذجية في الأخلاق والتربية الإسلامية، بالإضافة إلى نموذجيتها في اللغة الإنجليزية والفرنسية والمختبرات الحديثة وفي المدرسين والمدرسات الأكفاء، فهل فكر أولياء الأمور أو أهل الحل والعقد في إنشاء مدارس نموذجية من حيث التربية الدينية؟ ولا أعني بذلك تدريس الكتب الدينية فيها وإنما إيجاد جو صالح لتنشئة جيل صالح.
والعنصر الثامن هو عنصر وسائل الإعلام، وهي بحق في كثير من الأوقات وسائل شيطانية، يوحي الشيطان من خلالها زخرف القول غرورا، وقد ينظر الولد إلى عشرات المحطات الفضائية وعشرات المسلسلات والأفلام من دون رقابة من الوالدين، وقد يأتي بالأشرطة من أصدقائه في المدرسة ويشاهدها بعيدا عن نظر والديه، وما جلب هذه الأجهزة إلا الوالدان، وإن كانوا قد أتو بها لأغراضهم ومنافعهم إلا أنهم بإهمالهم يتجرعون من الغصص في المستقبل ما لم يعلمه إلا الله، وما يقع فيه الولد من الحرام فهما شريكاه ويتحملان تبعات ذلك.
خطوات عملية للتعامل مع المراهقين
وهنا لابد من الإشارة إلى بعض الخطوات التي قد تساعدنا في التأثير على المراهقين والتعامل معهم بصورة صحيحة. الخطوة الأولى هي اتخاذ الولد في سن المراهقة صديقا كما نشاهد ذلك في الغرب إلى سن معينة طبعا، وأما في الشرق فنرى الأب هو الحاكم المطلق في المنزل ومن يخالفه فمصيره العصا والخيزرانة التي أصبحت وكأنها معلما من معالم المنازل الشرقية، وهذا أسلوب فاشل في التربية. إن على الأم أن تصادق ابنتها وتكون لها أذن واعية تعي همومها وأحزانها وتستمع إلى شكواها وتحفظ لها أسرارها، بدل أن يفعل ذلك النساء الأجنبيات أو الصديقات في المدارس، وكذلك الأمر بالنسبة للوالد؛ فينبغي له أن يكون الصديق الحميم لولده ولا يرى الولد حرجا من أن يفضي إليه بدخيلة نفسه ويكشف له أسراره.
الخطوة الثانية أن يختار الوالد لولده المجموعة المناسبة من الأصدقاء الذين ينضم إليهم ويصاحبهم في أكثر أوقاته، والشاب المراهق بطبيعته يحب الانتماء إلى مجموعات معينة أو فرق رياضية أو ما شابه ذلك، والمراهق الذي يميل إلى أن ينفرد ويخلو بنفسه في هذا العمر قد يكون مصابا بمرض نفسي أو يعيش حالة الشلل الاجتماعي إن صح التعبير، وهي حالة غير صحية، وإن لم يبادر الوالد إلى اختيار المجموعة المناسبة فسيقوم الولد باختيارها وهذا أمر خطير؛ فلو كان الصديق الواحد له من التأثير ما له فكيف بالمجموعة المتكاملة أو الفريق الرياضي المتحد والذي قد تكون له بعض الميول المنحرفة، فكم سيكون هذا التأثير كبيرا على نفسية المراهق؟ وإن عجز عن اختيار ما يناسب ولده من المجموعات فليلجأ إلى المجموعات المسجدية أو شباب الدورات الدينية الصيفية وغير الصيفية وهم إن لم يكونوا في المستوى المناسب إلا أنهم أهون الشرور، فتعبر المساجد والمآتم والحسينيات نسبيا أفضل من غيرها من البيئات.
الخطوة الثالثة هي تقديم النموذج المناسب للتأسي والتقليد، فالشاب المراهق والإنسان بصورة عامة يحب التأسي بالشخصيات الكبيرة، ويميل المراهق لذلك إلى الفنانين والرياضين وأمثالهم من المشهورين، وهنا إن لم تبادره بتقديم القدوة الصالحة له سبقتك إليه الشخصيات المنحرفة، ومن الأفضل أن يكون الأب هو الشخصية التي يرغب الشاب بالتأسي بها ومتابعتها فإن لم يكن بالمستوى المطلوب فليعرض عليه العظماء من الأمة ويحبب إليه التأسي بهم، ولقد سأل أحد العلماء ولده: أي رجل من عظماء الرجال تحب أن تكون؟ فأجابه: أحب أن أكون مثلك. فقال: لقد قدرت لنفسي أن أكون كأمير المؤمنين (ع) فما زلت أجتهد حتى بلغت المنزلة التي تراها وبيني وبين أمير المؤمنين (ع) ما تعلم من المدى المستحيل. وكلما كان النموذج أعلى وأكمل كان الترقي والتكامل أعظم، ولذلك جعل القرآن الكريم النبي الأكرم (ص) أسوة للمؤمنين جميعا فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[٨]، ولو كان ثم مانع من التأسي برسول الله (ص) لما طلب الله سبحانه ذلك منا، ورحم الله العلامة الطباطبائي الذي ألف كتابا في سنن النبي (ص)، وهي تتضمن أسلوب حياة النبي (ص) وطريقة أكله وشربه وقيامه وقعوده وغير ذلك.
والخطوة الرابعة هي الثقة المتبادلة بين الوالد وولده، فلو شعر الولد أن والده لا يسيء به الظن وهو متهم عنده يفقد الثقة بنفسه، ولابد للوالد أن يظهر الثقة لولده ويشجعه على ما يبدر منه من الأفعال الحسنة كتطوعه للصلاة والصيام المستحب وتلاوة القرآن وحضور الجمعة والجماعة والمجالس الدينية، وهو أمر راجح عقلا وشرعا؛ فقد حثت الشريعة المؤمنين على كثير من الأعمال الحسنة من خلال عرض النعم الإلهية في الجنة والحور العين عليهم، فلماذا لا نتبع السياسة ذاتها مع أولادنا؟ ويقال أن التبشير في سن المراهقة خير من الإنذار بالنار والعقارب والعذاب وما شابه ذلك؛ فهو شاب طموح يحب الحياة وهذه الأمور قد لا تؤثر فيه تأثيرها في كبار السن.
والخطوة الخامسة إبراز المودة والمحبة، ووقع كلمات الحب على الإنسان لا تنكر حتى روي أن قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يخرج من قلبها أبدا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأولاد عندما يعبر لهم الوالدان عن حبهما ورضاهما لهما؛ فلهذا التعبير أثر بليغ في نفسية الأولاد وصلاحهم.
والخطوة السادسة هي التأني في الإجابة على أسئلتهم واستفساراتهم الدينية والسياسية وغيرها، خصوصا ونحن نعيش في عصر تطورت فيه القدرات الثقافية للأولاد في السياسية والاقتصاد والدين وفي سائر الأمور، فلا يمكن التعامل معهم معاملة الأب القروي ابنه؛ بل على الوالد أن يحتضن ولده ويزيح عن ذهنه ما علق به من الشبهات والانحرافات الفكرية كتعارض التعبد بالشرع مع الديمقراطية على سبيل المثال، أو حول حرية المرأة وكرامتها وغيرها من المسائل، ولا يرمى الولد بالانحراف والكفر بمجرد طرح هذه الأسئلة على الوالدين؛ إذ أن عدم استيعابهم يدفعهم إلى الانحراف دفعا. وحري بالوالدين أن يراجعوا ذوي الاختصاص من رجال الدين أو المثقفين في هذا المجال ليرشدوهم إلى الطريقة المثلى في الإجابة على أسئلة الأولاد وشبهاتهم.
حذار من الانحراف الفكري لدى الأولاد..!
ولا يقتصر الانحراف على المسائل الأخلاقية فقط؛ بل قد يكون الانحراف الفكري والعقدي أخطر منه، وينبغي لنا أن نعلم أن الوالدان شاءا أم أبيا يمثلان الشريعة والدين في الأسرة، فإن أعطى الوالدان صورة مشهوة للدين من خلال سوء تصرفهما وسوء أخلاقهما مع أولادهما، اجترأ الأولاد على مخالفة الشريعة نكاية بهما وإغضابا لهما، فترى الولد لا يصلي متحديا بذلك أباه ومنتقما منه في شيء يحبه، وترى البنت تتهاون في الحجاب لأن ذلك يغيظ أمها فتحاول التشفي منها بذلك، وهي مرحلة خطيرة أن يصل الأمر إلى التهاون بالشريعة، وهناك الكثير من أولاد المؤمنين وحتى العلماء انحرفوا انحرافا بليغا عن الدين، ومنهم من انقلب على الدين تماما.
ضرورة اتباع الأسلوب المناسب في دعوة الأولاد إلى الله عز وجل
ولذلك القرآن الكريم يؤكد في قوله: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)[٩]، على اختيار الإطار المناسب والطريقة المثلى في الدعوة إلى الفرائض والنوافل، وقد أمر الله عز وجل موسى (ع) أن يقول لفرعون قولا لينا وهو الذي ادعى الربوبية وسفك من الدماء ما سفك، أفلا أكون مأمورا أنا بالرفق واللين مع أولادي وذريتي؟ ولم تثمر في يوم من الأيام سياسة العنف والشدة إلا في بعض المجالات الضيقة جدا.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن الأولاد إلى فترة معينة هم تحت قبضة الوالدين نظرا لحاجتهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية وإن كانوا سيخرجون من هذه القبضة يوما ما. وكم أساء الوالدان الاستفادة من هذه القبضة؛ حتى إذا انسل الولد منها – بالزواج أو الهجرة – تجرعا الغصص وشعرا بالندامة على تفريطهم وقلة مبالاتهم.
- حري بالمرء أن يبذل جهده ووقته على أولاده الذين يشكلون له رصيدا كبيرا في الحياة الأخرى حيث يمدونه بالخير والنعيم، فهو يعمل في اليوم ثمان ساعات، ويقضي ما يقضي من الوقت على وسائل الإعلام وزيارة الأصدقاء والجلوس في الدواوين والمطاعم وما شابه ذلك، فليخصص جزءا من ذلك لأولاده.
- كما يحرص الأبوان على تنمية الطفل تنمية جسدية صحية؛ حتى إذا عرض له عارض صحي أعاق نموه فزعا إلى الأطباء في ذلك، عليهما أن يحرصا على نموه الروحي وتهنئته تنشئة سليمة، فالروح بحاجة إلى الغذاء وتكامل كما الجسد، وتتأكد هذه العناية في سني المراهقة.
- هناك ثلاثة عناصر ذاتية مؤثرة على سلوك الطفل وشخصيته وخمسة عناصر خارجية، أما العناصر الذاتية فهي: الصفات الوراثية، التركيبة النفسية والتركيبة العقلية، وأما العناصر الخارجية فهي: الوالدان والأقارب والأقران والمدرسة ووسائل الإعلام.
- من الخطوات العملية المهمة في تربية المراهقين هي: مصادقتهم وتقديم الأسوة الصالحة لهم، واختيار الأصدقاء الذين يحيطون بهم، والثقة بهم وتشجيعهم، وإبراز المودة والمحبة لهم، وتحمل استفساراتهم والإجابة على شبهاتهم.