إن البعض يرى بأن مقام الدعوة إلى الله عز وجل، مقام خاص بصنف من الناس، وعلى رأسهم الأنبياء والمرسلين، وبعد ذلك العلماء والدعاة إلى الله -عز وجل- في كل عصر.. والحال أن مقام الدعوة إلى الله -عز وجل- مقام مفتوح!.. كل منا له دائرة معلومات ومجهولات، حتى أعلم المراجع له دائرة مجهولات.. ووظيفة المؤمن أن ينقل معلوماته إلى من يجهل هذه المعلومات.. وبالتالي، فإنه يصبح من الدعاة إلى الله -عز وجل- بقدر ما يمكن.. مثلا: إنسان يعرف الصلاة بآدابها الظاهرية، ويرى مسلما لا يعرف كيف يصلي، وكما نعلم (الصلاة عمود الدين)؛ هل من المانع أن ينقل هذه المعلومة إلى ذلك الجاهل؟..
فإذن، إن كل واحد منا بحسب دائرة علمه، من الممكن أن يكون من الدعاة إلى الله -عز وجل-.. وهنا بشارة للذين لهم ميل لرقي هذا المنصب: إن الذي يحاول أن ينقل الهدى الإلهي إلى القلوب، على حسب طاقته وعلى حسب قدرته؛ رب العالمين سوف يعينه على مسؤوليته: يشرح صدره للموعظة الباطنية، ولموعظة الغير، ويجري ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.. في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: (تجد الرجل لا يخطئ بلام ولا واو، خطيبا مصعقا؛ ولقلبه أشد ظلمة من الليل المظلم.. وتجد الرجل لا يستطيع أن يعبر عما في قلبه بلسانه؛ وقلبه يزهر كما يزهر المصباح).. من الممكن أن يصل العبد إلى هذه الدرجة، فرب العالمين يعطيه نورا يمشي فيه بين الناس، ويجعل الأثر في كلامه.. نجد من هم من غير ذوي الاختصاص، عندما يتكلم ينفذ كلامه في القلوب؛ وهذا نوع من أنواع المباركة الإلهية.
إن الذي يعمل بما يقول، والذي يحمل هم الأمة، والذي يتألم لحالات المنكر والجهل في الأمة؛ رب العالمين يأخذ في يده في هذا المجال، وهذا أمر مجرب!.. وقبل أن يقوم المؤمن بهذا الدور، لا بأس أن يستغيث بالله –عز وجل- فيقرأ: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي}.. وإذا أراد أن ينصح أحدا بما يخشى معه عدم التأثير، ما المانع أن يصلي ركعتين، ويطلب من الله -عز وجل- أن يلين فؤاد الخلق له؟.. في زيارة أمين الله نقرأ: (فاجعل نفسي: مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك، مولعة بذكرك ودعائك، محبة لصفوة أوليائك، محبوبة في أرضك وسمائك)، فطوبى لمن كان محبوبا في الأرض عند الناس، ومحبوبا في السماء عند رب الناس!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.