- ThePlus Audio
الدعوة إلى الله عز وجل
بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوة إلى الله عز وجل من أهم أهداف الحياة
لا يستطيع الكثير من الناس أن يجيب عن هدفه في الحياة بصورة واضحة، وإنما يكتفي بذكر مسائل عامة لا تكفي لأن تضع النقاط على الحروف. وباختصار يمكن القول: أننا في الحياة لا نخرج من علاقتين؛ علاقتنا بالله عز وجل وعلاقتنا بالخلق. فأما علاقتنا بالله عز وجل فهي علاقة العبودية وأما علاقتنا بخلق الله فهي علاقة الدعوة إلى الله عز وجل؛ فكما ندعوا أنفسنا إلى الله عز وجل ينبغي أن ندعوا الآخرين كذلك إلى الله سبحانه، وهذه هي فلسفة الخلقة. وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في كثير من آياته الكريمة منها قوله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[١]، وقوله عز من قائل: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[٢].
ضرورة تعلم قواعد الدعوة إلى الله عز وجل
والدعوة إلى الله عز وجل مسألة ظريفة وحساسة ولها أصولها وقواعدها، وهي بحاجة إلى خبرة ومهارة وفن. وينبغي لجميع المؤمنين أن يتعلموا قواعد وأصول الدعوة إلى الله عز وجل. قد يقضي الإنسان سنوات طويلة في الدراسة والتخطيط والبرمجة لفتح مجلة أو جريدة ينقل فيها الأخبار والقضايا المختلفة إلى الناس بمهنية ودقة؛ وهذا ما يجب على المؤمنين أن يتوخوه في دعوتهم إلى الله عز وجل؛ أن تكون دعوتهم دعوة مبنية على القواعد والأصول الصحيحة في التأثير على الآخرين وجذبهم إلى الدين. ولكل واجباته ووظائفه؛ فالمرجع والقائد والخطيب لهم وظائفهم المستقلة، والإنسان العادي له وظائفه في دعوة من حوله إلى الله عز وجل؛ فالجميع يعيش في كنف أسرة سواء كان متزوجا أو كان أعزبا وهو مسئول عن دعوتهم إلى الله عز وجل وحتى طالب المدرسة الذي قد بلغ الحلم له واجباته تجاه زملائه وطلاب مدرسته.
قواعد الدعوة إلى الله عز وجل
ولابد لنا من التعرف على القواعد الأساسية التي تمنحنا الوعي الكافي في دعوة الناس إلى الله عز وجل وممارسة هذا الدور الذي كان يقوم به الأنبياء والمرسلون والشهداء والصديقون في كل دهر وزمان. والقاعدة الأولى هي عمومية التكليف؛ فكما قال النبي (ص): (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَاَلْأَمِيرُ اَلَّذِي عَلَى اَلنَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَاَلرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَاَلمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ بَعْلِهَا وَوُلْدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَاَلْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)[٣]؛ فأفراد الأسرة مسئولون عن بعضهم البعض ورئيس الشركة أو المشرف على العمال مسئول كذلك عن عماله وموظفيه ولا ينبغي له أن يقول: ما علي إلا أن تسير أمور العمل على ما يرام ولا شأن لي في ما يصدر عن عمالي من خطأ أو ما يقومون به من الأمور المنكرة بل ينبغي أن يكون كما قال سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[٤]، وليس له أن يدعوهم بالعصي والهراوة؛ بل أن يدعوهم إلى الخير بكلمة طيبة؛ فكم هم رواد المساجد الذين أصبحوا من روادها بكلمة طيبة من أخ مؤمن؛ كلمة لم تأخذ من وقته بضعة ثوان إلا أنها غيرت مجرى حياة أحدهم، وقد يستغرب البعض عظيم الثواب على كلمة تدعو إلى الخير وهو لا يدري أن النبي (ص) قال: (مَن سَنَّ سُنَّةً حَسَنةً عُمِلَ بهامِن بَعدِهِ كانَ لَهُ أجرُهُ ومِثلُ اُجُورِهِم مِن غَيرِ أن يَنقُصَ مِن اُجُورِهم شيئا)[٥].
والقاعدة الثانية في الدعوة إلى الله عز وجل أن يكون الداعي على مستوى مقبول من التدين والالتزام، ويختلف الدعاة إلى الله عز وجل حتى الأنبياء منهم كانوا على تفاوت فيما بينهم واختلاف في درجاتهم؛ فقد كان منهم النبي يوسف (ع) الذي صدر منه ما صدر في استقباله لأبيه يعقوب حتى سحبت منه نور النبوة، ومنهم يونس الذي ظن أن لن يقدر الله عليه فترك قومه، ومنهم آدم (ع) الذي أكل من الشجرة المنهية حتى أخرج من الجنة. وعلى جميع أطياف المجتمع أطبائهم ومهندسيهم ومثقيفهم وكبيرهم وصغيرهم وبالغهم وغير بالغهم الذين يملكون وعيا دينيا لا بأس به أن يدعو من حولهم إلى الله عز وجل؛ فالعامل الذي يدعو الناس بما سبقهم بالعمل به يكون تأثيره أكبر من الداعي الذي يدعو الناس إلى ما لم يلتزم به هو؛ كصاحب الليل الذي يحيي ليله بالصلاة والعبادة يكون أكثر تأثيرا من غيره إذا دعا الناس لإحياء الليل.
وفرق الذي يعمل ثم يدعو الناس إلى الله عز وجل عن الذي لا يعمل كفرق السائح الذي زار عاصمة ذات حدائق جميلة وجبال شامخة مخضرة ثم يدعو الناس إلى زيارتها ويصف لهم بلهفة وشوق ما رأى فيها من الجمال وروائع البنيان وشوامخ الجبال، عن الذي يدعو الناس لزيارة عاصمة جميلة لم يرها هو بنفسه وإنما قرأ عنها في طيات الكتب؛ فبالتأكيد تكون لهفة الأول وحماسه أكثر من الذي لم ير تلك العاصمة بعينه، وبالتالي تكون قدرته على سوق الناس نحو تلك العاصمة أكبر بكثير!
ولذلك قال سبحانه في كتابه الكريم: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[٦]، وقد ورد في الأثر عن المصطفى (ص) أنه قال: (تجد الرجل لا يخطئ بلام ولا واو خطيبا مصقعا ولقلبه أشد ظلمة من الليل المظلم، وتجد الرجل لا يستطيع يعبر عما في قلبه بلسانه وقلبه يزهر كما يزهر المصباح)[٧]؛ أي تراه فصيحا ولكن لا تنفذ كلماته إلى القلب وتراه لا يتمكن من أن يفصح عما في نفسه ولكنه بإشارة واحدة يأتمر بأمره أهله وأولاده.
من صفات النبي (ص) في إنكار المنكر
وكان النبي (ص) يعرض بوجهه الكريم إذا لم يعجبه شيء وكان ذلك يغني عن إلقاء خطبة طويلة، ولقد كانت خطب النبي (ص) قصيرة وغزيرة المعنى على قصرها وذلك واضح فيما دون من خطبه الشريفة حتى في الأحداث المهمة التي كانت تقتضي بحسب الظاهر خطبة طويلة كيوم دخوله المدينة المنورة فلم تكن خطبته تتجاوز الصفحة أو الصفحتين. وكان يعلم أصحاب النبي (ص) غضبه من احمرار وجهه الشريف. والذي يتكلم كثيرا ولا يكون لكلامه تأثير على الآخرين فهناك خلل في رصيده الباطني الذي من المفروض أن يدعم كلامه.
ومن القواعد اللين والرفق، فلو دعا المؤمن الناس إلى التوحيد وإلى قول لا إله إلا الله بغلظة وفضاضة وقسوة فليعلم أنه محكوم بالفشل مسبقا، وقد ذكر القرآن الكريم آية هي من غرائب الآيات وهو قوله سبحانه: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[٨]؛ فالنبي (ص) بالرغم من وصفه بأنه على خلق عظيم وبالرغم من اتصاله بالغيب وما يملكه من ملكات وصفات وبالرغم من معجزاته العظيمة من قبيل شق القمر وغيرها؛ لانفض الناس من حوله ولما استمع له أحد من الناس.
أسلوب الأنبياء في التعامل مع الطغاة
ولقد كان فرعون من أسوأ الشخصيات التي عرفها التاريخ حتى ليضرب المثل بعنجهيته وطغيانه؛ فيقال: فلان صاحب مزاج فرعوني، وهو الذي قد ادعى الربوبية وبالرغم من ذلك أمر الله عز وجل نبيه موسى (ع) بأن يتخذ معه أسلوبا لينا في القول وذلك قوله سبحانه: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ)[٩] وقد روي أن الله عز وجل أمره أن يكنيه وألا يناديه باسمه؛ فيقول له: أبو مصعب وهي كنيته بحسب الروايات ولا يقول له: يا فرعون.
وكان فرعون قد حبس أتباع موسى (ع) فقد كان من الطبيعي أن يلتف الناس حوله باعتباره نبيا صاحب رسالة وكان أتباعه من الخاصة والعامة، ولم يعبأ فرعون بطلب موسى الإفراج عن هؤلاء المستضعفين حتى ابتلاهم الله عز وجل بعدة ابتلاءات كانت منها نزول الضفادع من السماء حتى كانت تدخل في أفواههم ومنها تحول النيل إلى دم فلم يكن بإمكانهم شرب الماء، وكان أتباع موسى (ع) يشربون الماء فإذا جاء الفرعوني ليشرب استحال الماء دما، فأراد الاحتيال وذلك بأن يطلبوا من أصحاب موسى (ع) أن يشربوا الماء ثم يسكبوه في أفواه هؤلاء الفرعونيين فكان بمجرد أن ينتقل الماء من فمهم إلى أفواه الفرعونين يتحول إلى دم، ومنها نزول الثلج المؤذي لهم ولهذا قد عبر عن الرزء بالثلج المؤذي، وغيرها من الابتلاءات التي ذكرها القرآن الكريم: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ)[١٠]، ولم يؤمنوا حتى غرقوا في بحر نيل ومع طغيانهم هذا كان النبي موسى (ع) مأمورا باللين والرفق. ولقد عاتب الله عز وجل النبي موسى (ع) عندما أمر موسى (ع) الأرض بأن تخسف بقارون وداره ولم يكترث لاستغاثة قارون وتوسله بالرحم الذي كان بينهما.
كيف نتعامل مع أطفالنا المشاغبين والمراهقين؟
وعلى الآباء والأمهات أن يتعاملوا برفق مع أطفالهم المشاغبين الفوضويين ولا يعنفونهم لأجل إناء يكسرونه أو ما شابه ذلك وهذا النشاط والتحرك أمر طبيعي للطفل بل قد يكون الطفل الهادئ مريضا لأن الهدوء هذا بخلاف طبيعة الطفل التي تتسم بالحيوية والنشاط وقد يفرح الوالد بهدوء طفله وهو لا يعلم أن طفله مريض بحاجة إلى طبيب! فلو رزق الإنسان بطفل نشيط مرح يبدي رأيه في مواضع الرأي فليحمد الله عز وجل على ذلك وليعامله برفق ولين في الغفلات والشهوات.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشاب المراهق الذي قد تزل قدمه فينظر إلى ما يحرم النظر إليه أو يأتي من صغائر الذنوب ما لا ينبغي له فيتوب إلى الله عز وجل نادما من فعله، فينبغي أن يُحتضن ويعامل برفق ولين ولا يحمل ما لا طاقة له به ولا يعامل معاملة من يتحدى الله عز وجل وهم الأقل القليل من الناس، فكم هم الذين تنطبق عليهم هذه الآية: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ)[١١] والذين يعيشون حالة العنجهية والطغيان مع رب العالمين؟
ومن قواعد الدعوة إلى الله عز وجل الإصرار والمثابرة. ولا ينبغي للمؤمن أن يترك الدعوة بعد مرة أو مرتين أو ثلاث من محاولاته الإصلاحية؛ فقد رأينا بعض الآباء والأمهات يأسوا من محاولات الإصلاح في الأسرة ويقولون: أنهم قد أدوا ما عليهم وأن التكليف قد سقط عنهم، وهذا خطأ كبير. لقد كان النبي (ص) يدعو الكفار والمشركين في مكة وفي غيرها من المدن ولم يكن يستجيب له إلا القليل بل كان بوجاه بالعنف ويتعرض لأنواع الأذى وعندما أتاه جبرئيل وطلب منه أن ينزل عليهم العذاب قال: (اَللَّهُمَّ اِهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)[١٢]، وكان يقول: (صَبْراً آلَ يَاسِرٍ مَوْعِدُكُمُ اَلْجَنَّةَ)[١٣]، والقرآن الكريم يشير إلى ذلك في قوله: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)[١٤] وقد ذكر قوله سبحانه في سورة الرحمن: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) أكثر من مرة وذلك لأجل أن يتذكر الإنسان دائما هذه النعم الإلهية ويستحب أن يقال بعد هذه الآية الشريفة: (لا بشيء من آلائك رب أكذب).
وما يضير المؤمن أن يتعلم من النملة في مثابرتها وإصرارها على نقل حبة حنطة إلى جحرها تفوقها في الوزن أضعافها، والنبي نوح (ع) قد دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فلم يؤمنن معه بحسب القرآن الكريم إلا قليل ويقال أنهم كانوا أقل من مائة شخص وكان كما يقول القرآن الكريم: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا)[١٥] فلم ييأس إلا بعد طول مدة دعا فيها بقوله سبحانه: (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)[١٦].
الهادفية في الدعوة إلى الله عز وجل
ومن قواعد الدعوة أن يكون الداعي هادفا في دعوته فلا يدعو الناس لكسب الجماهير والإكثار من المريدين، وما قيمة عمل من يدعو الناس إلى الله عز وجل وهو لا يريد بذلك إلا أن يستكثر من الأتباع والأعوان؟ إن الأنبياء كانوا يدعون الناس كمقدمة للمغفرة لا للتسلط على الجمهور وكسب الأعوان وذلك قوله سبحانه عن أهداف نوح الدعوية: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ)[١٧]، وكان أمير المؤمنين (ع) يقول: (لاَ يَزِيدُنِي كَثْرَةُ اَلنَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً وَلاَ تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً)[١٨] ومن مثل علي (ع) لا يفرح بالمدح بل يتأذى منه وعن النبي (ص) أنه قال: (اُحْثُوا فِي وُجُوهِ اَلْمَدَّاحِينَ اَلتُّرَابَ)[١٩]، ويستحب للإنسان إذا مُدح أن يقول: (أنا أعلَمُ بنَفسي مِن غَيري، ورَبّي أعلَمُ بي مِنّي بنَفسي! اللّهُمّ لا تُؤاخِذْني بما يَقولونَ، واجعَلْني أفضَلَ مِمّا يَظُنّونَ، واغفِرْ لي ما لا يَعلمونَ)[٢٠]
التأسي برسول الله (ص) في الدعوة إلى الله عز وجل
ومن قواعد الدعوة إلى الله عز وجل الوضوح في الفكر والسلوك وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)[٢١]، فالداعي إلى الله عز وجل مفاهيمه واضحة ولا غموض في ما يدعو إليه من أصول الدين وفروعه وواثق من نفسه، فيدعو بكل ثقة واطمئنان ويكون في ذلك كنبيه (ص) الذي قال حينما طلب منه المشركون أن يتنازل عن الدعوة في مقابل الدنيا: (يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك)[٢٢] فهو يسير في طريق الدعوة ولا يكترث لما يعترض له من عقبات ولا ما يقابل به من العداء والمعاندة وما شابه ذلك.
الاستعانة بالله عز وجل في الدعوة إليه
ومن القواعد الاستعانة بالله عز وجل فقد قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا)[٢٣]، والمحبة في قلوب الناس هبة من الله عز وجل كما قال فعل ذلك بموسى (ع) حيث قال سبحانه: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)[٢٤]، فما الذي جعل فرعون الذي كان يذبح الأبناء ويستحيي النساء لئلا يولد منهم موسى (ع) أن يقوم هو بنفسه برعايته حتى اتخذه ولدا؟ ولقد كان النبي (ص) في ليلة معركة بدر، والتي كانت معركة فاصلة بين الكفر والإيمان وهي التي قال فيها النبي (ص) عن أصحابه: (اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض)، ولو انتصر المشركون في هذه المعركة لدخلوا المدينة وأبادوا المسلمين وانتهى الإسلام، ولكن النبي (ص) كان في ليلتها قائما يصلي ويبكي ويستعبر ويخشع ويخضع كاستطعام المسكين ويقول: (اللهم انجز لي ما وعدتني) حتى أوحى إليه الله عز وجل أن قد أنجزنا وعدك وأيدناك بابن عمك أمير المؤمنين (ع).
ماذا فعل أهل الطائف برسول الله (ص) عندما دعاهم إلى الله عز وجل
وعندما يقرأ الإنسان سيرة النبي (ص) من مكة إلى المدينة ينتابه الخجل من كثرة الدماء التي أريقت لأجل الدين والتضحيات الكبيرة التي قام بها الرجال والنساء في ذلك الحين، وقد خرج من مكة إلى الطائف لدعوة الناس إلى الله عز وجل وقد مكث فيها عشرة أيام إلى شهر باختلاف الروايات؛ ولكنهم آذوه ورموه بالحجارة: (ولما انصرف من الطائف عمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه وقال: ” اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لكن لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)[٢٥] ولابد من أن يلتزم الذي يدعو الناس إلى ما دعاهم إليه النبي (ص) بدعاء النبي (ص) هذا.
سر خلود كتاب مفاتيح الجنان
ولابد أن يكون الداعي إلى الله عز وجل مخلصا في جميع مراحل دعوته؛ فلولا الإخلاص لما نجحت دعوة النبي (ص) بحسب القواعد المادية وكذلك ثورة الحسين (ع) الذي قتل هو وجميع أصحابه ولكنهم أصبحوا من الخالدين! وقد ورد في الحديث القدسي أنه: (أوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية)[٢٦]، وكم ألفت في مجال الأدعية والأذكار كتب وكتب إلا أن مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي أصبح في كل منزل ومسجد وهو إلى جانب القرآن الكريم.
[٢] سورة الملك: ٢.
[٣] إرشاد القلوب ج١ ص١٨٤.
[٤] سورة آل عمران: ١٠٤.
[٥] الکافي ج٥ ص٩
[٦] سورة فصلت: ٣٣.
[٧] الكافي ج ٢ ص ٤٢٢.
[٨] سورة آل عمران: ١٥٩.
[٩] سورة طه: ٤٤.
[١٠] سورة الأعراف: ١٣٣.
[١١] سورة البقرة: ٢٠٦.
[١٢] بحار الأنوار ج٢٠ ص١١٦.
[١٣] رجال الکشی ج١ ص٣٠.
[١٤] سورة الذاريات: ٥٥.
[١٥] سورة نوح: ٥.
[١٦] سورة القمر: ١٠.
[١٧] سورة نوح: ٧.
[١٨] نهج البلاغة ج١ ص٤٠٩.
[١٩] من لا یحضره الفقیه ج٤ ص٣٨١.
[٢٠] خطبة المتقين.
[٢١] سورة يوسف: ١٠٨.
[٢٢] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد ج ١٤ ص ٥٤.
[٢٣] سورة مريم: ٩٦.
[٢٤] سورة طه: ٣٩.
[٢٥] بحار الأنوار ج ١٩ ص ٢٢.
[٢٦] وسائل الشيعة ج ١٥ ص ٣٠٧.
خلاصة المحاضرة
- لا يجيب الكثيرون عن هدفهم في الحياة بصورة واضحة، ويكتفون بذكر مسائل عامة. وباختصار يمكن القول: أننا في الحياة لا نخرج من علاقتين؛ علاقتنا بالله عز وجل وعلاقتنا بالخلق. فأما علاقتنا بالله عز وجل فهي علاقة العبودية وأما علاقتنا بخلق الله فهي علاقة الدعوة إلى الله عز وجل.
- الدعوة إلى الله عز وجل مسألة ظريفة وحساسة ولها أصولها وقواعدها، وهي بحاجة إلى خبرة ومهارة وفن. وينبغي لجميع المؤمنين أن يتعلموا قواعد وأصول الدعوة إلى الله عز وجل.
- كان النبي (ص) يعرض بوجهه الكريم إذا لم يعجبه شيء وكان ذلك يغني عن إلقاء خطبة طويلة، ولقد كانت خطب النبي (ص) قصيرة وغزيرة المعنى على قصرها وذلك واضح فيما دون من خطبه الشريفة حتى في الأحداث المهمة التي كانت تقتضي بحسب الظاهر خطبة طويلة.
- قد تزل قدم المراهق فينظر إلى ما يحرم النظر إليه أو يأتي من صغائر الذنوب ما لا ينبغي له فيتوب إلى الله عز وجل نادما من فعله، فينبغي أن يُحتضن ويعامل برفق ولين ولا يحمل ما لا طاقة له به ولا يعامل معاملة من يتحدى الله عز وجل.