- ThePlus Audio
الحواريون والمائدة السماوية
بسم الله الرحمن الرحیم
المائدة السماوية
من الآيات الملفتة في القرآن الكريم هي الآيات التي تضمنت الحوار الذي دار بين الحواريين وبين النبي عيسى (ع) حيث قالوا له: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[١]؛ فمن العجب أن يطلب الحواريون ذلك من عيسى وهم أقرب الناس إليه ومن تلامذته المخلصين له. وقد نهاهم عيسى (ع) عن ذلك واستغرب من فعلهم وقال: (اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
وليس من الضروري أن يرى المؤمن آثار الغيب دائما ليزداد إيمانا بذلك العالم، وقد قام الحواريون ببعض التبريرات فقالوا: (قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ)[٢]، وقد قال بعض العلماء وهي التفاتة جميلة: أن سر الضعف والوهن في هذه الكلمة أنهم جعلوا الأكل من المائدة السماوية وسيلة لاطمئنان القلب وكأن الأيام التي عاشروا فيها النبي العظيم لم تكن كافية لهذا الاطمئنان، ولذلك هددهم الله بعذاب فريد لم يعذب به أحدا قبلهم وهو قوله تعالى: (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ)[٣] وقد كفر البعض منهم واستحق ذلك العذاب.
دروس القصة
من الدروس التي نتعلمها من هذه القصة: أنه مهما ازدادت نعم الله عز وجل على البشر ازدادت حجته عليهم؛ فهؤلاء الحواريون كانوا ممن يؤمنون بالغيب بسواد في بياض ولكن قد تمت عليهم الحجة بعد نزول المائدة السماوية بغض النظر عما كانت تحتويه هذه المائدة من صنوف الطعام والشراب.
والذي أغدق الله عليه من أصناف النعم وجعله آمنه في وطنه يغدو ويروح في سبيل كسب معيشته وقضاء حوائجه فهو كما يقول النبي (ص): (مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِناً فِي سَرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ اَلدُّنْيَا)[٤]، وحق له أن يشكر الله عز وجل وأن يعبده مخلصا.
علة تسمية العيد
وإنما سمي العيد عيدا إما: لأنه يعود على الإنسان بالسرور والفرح أو لأنه يوم اجتماع الناس. ولا بأس بالفرح والسرور ولبس الجديد من الثياب في هذا اليوم ولكن ينبغي أن نعلم أن العيد لمن لبس الجديد وإنما العيد لمن أمن الوعيد، وكما قال أمير المؤمنين (ع): (إِنَّمَا هَذَا عِيدُ مَنْ غُفِرَ لَهُ)[٥]، ولو صام المؤمن شهر رمضان ودعا ربه في ليالي القدر يرجى له المغفرة ويحق له السرور بذلك.
العيد الحقيقي
ولا ينبغي حصر العيد ببعض المظاهر الشكلية من الثياب الجديدة والأطعمة والأشربة المتنوعة اللذيذة وهي وإن كانت أمور لا بأس بها إلا أنه ينبغي الالتفات إلى المكاسب التي حصلها في شهر رمضان المبارك من صوم الشهر وقراءة القرآن الكريم والصيام والتهجد والنوافل التي أقامها والمجالس التي حضرها واشترك فيها ويعتبر ذلك المكسب العظيم وما يستحق أن يسر به ويحتفل من أجله. فكأن الإنسان بعد شهر رمضان كمن خرج من الحمام وهو نقي الثوب طيب الرائحة ولم يبقى عليه من الدرن شيء. ولا بد أن يسأل الله عز وجل أن ينيله العافية وأن يبعد عنه الشيطان في سنته المقبلة وأن لا يقع في فخاخه التي نصبها للمؤمنين والذي يتربص بهم في شهر شوال ليجردهم من كل مكتسباتهم.
ومن أصعب الصلوات علينا هي صلاة العيد حيث نعيش فيها فقد إمام العصر والزمان (ع) والذي كان ينبغي له هو أن يأم جموع المسلمين وما ندعوه في قنوت هذه الصلاة من الكلمات العظيمة والألفاظ الفخمة هي بحق كلمات تليق بمقامه الشريف أن ينطق بها فهو صاحب الأمة وصاحب الزمان الذي بيمنه رزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء.
صلاة الإمام الرضا (عليه السلام) في يوم العيد
ولقد قدر لإمامنا الرضا (ع) في يوم مجيد من أيام التاريخ أن يؤم المسلمين في صلاة العيد طلب من الإمام أن ينوب عنه. ويا لهوان الدنيا أن ينوب الرضا (ع) ذلك الخليفة الغاصب الفاسق، فيروى: (أَنَّ اَلْخَلِيفَةَ اَلْمَأْمُونَ وَجَدَ فِي يَوْمِ عِيدٍ اِنْحِرَافَ مِزَاجٍ أَحْدَثَ عِنْدَهُ ثِقْلاً عَنِ اَلْخُرُوجِ إِلَى اَلصَّلاَةِ بِالنَّاسِ فَقَالَ لِأَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ قُمْ وَ صَلِّ بِالنَّاسِ فَخَرَجَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ قَصِيرٌ أَبْيَضُ وَ عِمَامَةٌ بَيْضَاءُ نَظِيفَةٌ وَ هُمَا مِنْ قُطْنٍ وَ فِي يَدِهِ قَضِيبٌ فَأَقْبَلَ مَاشِياً يَؤُمُّ اَلْمُصَلَّى وَ هُوَ يَقُولُ اَلسَّلاَمُ عَلَى أَبَوَيَّ آدَمَ وَ نُوحٍ اَلسَّلاَمُ عَلَى أَبَوَيَّ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ اَلسَّلاَمُ عَلَى أَبَوَيَّ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ اَلسَّلاَمُ عَلَى عِبَادِ اَللَّهِ اَلصَّالِحِينَ فَلَمَّا رَآهُ اَلنَّاسُ أُهْرِعُوا إِلَيْهِ وَ اِنْثَالُوا عَلَيْهِ لِتَقْبِيلِ يَدَيْهِ فَأَسْرَعَ بَعْضُ اَلْحَاشِيَةِ إِلَى اَلْخَلِيفَةِ اَلْمَأْمُونِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ تَدَارَكِ اَلنَّاسَ وَ اُخْرُجْ صَلِّ بِهِمْ وَ إِلاَّ خَرَجَتِ اَلْخِلاَفَةُ مِنْكَ اَلْآنَ فَحَمَلَهُ عَلَى أَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَ جَاءَ مُسْرِعاً وَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدُ مِنْ كَثْرَةِ اَلزِّحَامِ عَلَيْهِ لَمْ يَخْلُصْ إِلَى اَلْمُ. صَلَّى فَتَقَدَّمَ اَلْمَأْمُونُ وَ صَلَّى بِالنَّاسِ)[٦].
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن الذي أغدق الله عليه من أصناف النعم وجعله آمنه في وطنه يغدو ويروح في سبيل كسب معيشته وقضاء حوائجه فهو كما يقول النبي (ص): (مَن أَصبَحَ مُعَافى في جَسدِهِ آمِناً فِي سَربِهِ عِندَهُ قوتُ يَومهِ فَكَأَنَّما حِيزَت لَهُ اَلدُّنيَا)، وحق له أن يشكر الله عز وجل وأن يعبده مخلصا.