- ThePlus Audio
الحلم الحسنی؛ ضالتنا التي ننشدها
بسم الله الرحمن الرحيم
اختيار تاريخ ولادات الأئمة (عليهم السلام) من قبل العرش
لا يخفى على المؤمن أن مواليد الأئمة (ع) وتواريخ ولاداتهم لم تكن عشوائية وإنما قد تمت بحساب دقيق، وقد قال سبحانه: (فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ)[١]. عندما يريد رب العالمين أن يولد حجته ووليه؛ فسيكون لهذه الولادة حساب دقيق في العرش. إن الأيام البيض من شهر رجب هي زمان ولادة أمير المؤمنين (ع) والأيام البيض من شهر شعبان هي زمان ولادة إمام زماننا (عج)، والأيام البيض من أفضل الشهور هي أيام ولادة الإمام المجتبى (ع).
وينبغي للمؤمن أن يربط بين ولادة الإمام المجتبى (ع) في النصف من هذا الشهر، وبين ليالي القدر. فالمؤمن يخاطب إمامه (ع) في ليلة مولده الشريف قائلا: يا مولاي يا أبا محمد، إن جائزتي التي أريدها منك الليلة، أن تعينني على ليالي القدر. حاول أن تأخذ من الإمام المجتبى (ع) بطاقة القبول والإقبال في ليالي القدر المباركة. فمن الخامسة عشر إلى التاسعة عشر زمان مناسب لأن نطلب منهم الهبات.
طلب المقامات بدل الماديات
إن الزائر عادة ما يتذكر الآلام والأمراض البدنيية والجيب الخالي، والدين الضاغط، والزوجة غير المريحة تحت القبة الشريفة. وعين الإنسان تكون دائما على عالم المادة؛ لأنه عالم مليئ بالآلام التي نريد أن نتخلص منها. ولكن يجدر بالمؤمن في تلك اللحظات عند أهل البيت (ع) أن يطلب المقامات المعنوية. إن الإحساس القلبي بالبعد عن الله عز وجل إحساس مؤلم أي ألم. إن قلبك الصنوبري أو القلب اللحمي؛ لو أصابته جلطة أو تصلب في الشرايين فإن آخر ذلك الموت. ولكن موت القلب الباطني يستمر إلى يوم القيامة. فسل الله عز وجل في حال الإقبال؛ المقامات المعنوية.
لقد ذكر لي أحدهم أنه كان مبتلى بشهوة مفرطة، وكان ذات يوم في الحرم، فوقعت عينه على امرأة في الحرم عند الضريح في أحد المشاهد، فبدأ ينظر إليها بريبة وهو في الحرم في الطواف. إن هذا الإنسان بلغ القمة في السوء، ولكنه قال: ركضت إلى الإمام – لا الضريح، لأنك لا تزر قبرا أو ضريحا وإنما تزور إماما حيا يرى مقامك – وقلت له: يا مولاي، أنا أسوء السيئين حيث لم أتورع عن النظر حتى في حرمك، فخلصني مما أنا فيه. يقول: غادرت الضريح المبارك وقد عالج لي الإمام موضوع الشهوة. لقد أراد الخلاص من الشهوة بصدق، فأكرمه الإمام وهو كريم الكرماء، وأعطاه القدرة للتحكم في كل عناصر وجوده. وجاء أحدهم ذات يوم عند أبي عبدالله (ع)، وقال: يا مولاي، أريد صلاة خاشعة، وأعطاه الإمام (ع) ما أراد. يقول الرجل: والآن أريد أن لا أخشع في الصلا فلا يُمكنني ذلك، وكأن قلبي مشى على سكة الصلاة الخاشعة.
التوسل بالأئمة (عليهم السلام) لنيل المقامات
ونحن ندخر الأئمة (ع) لنيل هذه المقامات ومنهم الإمام الحسن المجتبى (ع). لقد كان (ع) مظلوما في حياته وفي مماته وفي تشييعه وفي قبره. إنك تجد أنواع الزينة عند قبر أخيه الحسين (ع) ولكن لا لا شيء على قبره. والمؤمن يسأل الحوائج العظام من الإمام المجتبى (ع). لقد كانت عندي حاجة ذات يوم وكنت في مجلس، فقلت: لنتوسل بالإمام أبي محمد (ع). وكان هاتفي مقفلا، وبمجرد أن فتحت الهاتف أتتني بشارة بقضاء تلك الحاجة. إن الإمام المجتبى (ع) هو كريم أهل البيت (ع) وهو كريم في كل شيء؛ سواء في الحوائج المادية أو المعنوية.
كم من الجميل أن تقف عند قبر الحسين (ع) وتقول: يا أبا عبدالله، أبلغ سلامي لأخيك وسله حاجتي. لقد كان الإمام المجتبى (ع) يصلي في مسجد جده (ص) ويصلي خلفه الحسين (ع)، وكان يجلس الحسين (ع) تحت منبر أخيه الحسن (ع) وكان أحد المستمعين. لو سُئل الحسين (ع) من إمامك في زمانه لقال: أخي المجتبى (ع). وكل إمام في زمانه هو الإمام المطاع. ما أعظم هذا المقام…! ومقامات الإمام المجتبى (ع) كثيرة، وهو السبط الأكبر، وسمه فيه من معاني الحُسن ما فيه.
حلم الإمام الحسن (عليه السلام) والتأسي به
لقد كان الإمام (ع) معروفا بالحلم. وهذه الصفة وأمثالها من كظم الغيظ والسيطرة على الغضب هي صفات يجدر بالمؤمن أن يكتسبها. إننا أصبحنا في زمان قلما نرى إنساناً له حلم متميز. فأغلب الناس سريعو الغضب، وكأن الواحد قنبلة موقوته أو لغم يكاد ينفجر في أي لحظة. هذا والحياة رغيدة سهلة قياساً إلى القرن الماضي. فالجو صيفاً مكيف، وشتاءً دافئ، ودوابنا سريعة، وحياتنا لطيفة، فلم هذا التبرم وسرعة الغضب؟
إن الإنسان سريع الغضب، والذي يتبرم كثيرا ولا يحلم؛ لا يصل إلى مقام أبداً. نعم، قد يُعطى نفحة في ليلة القدر مثلا، ولكنه بعد شهر رمضان في حالة غضب واحدة يسقط إلى القاع. إن الإناء المثقوب لا يحتفظ بالماء. ومهما تعب الإنسان في الزيارة والحج والعمرة؛ فإنه سيفقد كل تلك المكاسب ما لم يسيطر على غضبه. ولا أعني بالغضب هنا الغضب الباطني. فتارة يغلي الإنسان باطنه فيكظم الغيظ، وهذا جيد، لأنه لا يدع لهذا الغليان أن يجري على لسانه. إن المصيبة هي أن يتحول هذا الغليان إلى فحش في القول وضرب باليد وإلى آخره. لو نظر إليه إمام زمانه (عج) ماذا يقول عنه؟ ما هذا المؤمن بذيئ اللسان؟ كيف تكون في الحرم وتخاطب الإمام (ع) قائلا: بأبي أنت وأمي ثم تأتي بكلام لا يليق بك؟
ومن أراد المقامات يُكثر من المقتضيات ويقف كذلك أمام الموانع. قد تُعطى سيارة من ذهب فيُقال لك: فيها عيب واحد، وهو أن النظام المكابح أو الفرامل تالف. هل ستركبها؟ بل تقول: إنها تابوت متحرك، وتزهد فيها. والذي لا فرامل له؛ ليكن باطنه من الذهب؛ فهو كهذه الدابة التي لا يُمكن إيقافها.
ما هو علاج الغضب؟
أولاً: إن الإنسان الذي يحمل هما يشغل باطنه، كالطالب الذي يكون مشغولا بالامتحان النهائي؛ إذا أزعجه أحدهم في قاعة الامتحان أو تكلم عليه بكلام غير لائق، لم يرد عليه ولا يعبأ به لأنه مشغول بورقة الامتحان التي وُضعت أمامه. إنه امتحان مصيري، ولذلك قل ما شئت لن يكترث. ولكنه عندما يخرج من القاعة يأخذ الطرف المقابل فيضربه مثلا. فإذا كان الامتحان يشغلك عن الغضب؛ فكيف إذا كنت في محضر الربوبية الذي كله امتحان؟ أنت في كل ساعة في امتحان بين يدي الله عز وجل، وينبغي أن يكون مشغولا ذهنه وقلبه ولن يكون له وقت للغضب. إن أفضل طريق للسيطرة على الغضب؛ هو الانشغال بالهموم العالية، فكما روي عن الأمير (ع) في صفة الشيعي: (وَ تَخَلَّى مِنَ اَلْهُمُومِ إِلاَّ هَماً وَاحِداً اِنْفَرَدَ بِهِ)[٢]؛ فهمه الوحيد القرب إلى الله عز وجل، وهذا من الحلول الأساسية.
إلا أن هناك حلول جزئية، منها: ألا تبادر بالكلام عند الغضب. فإذا ما رأيت في نفسك غضباً؛ فاعلم أن الشيطان خلفك يريد أن يستثيرك؛ فلا تستجب له. لو جائتك زوجتك أو أخوك أو ولدك وعلى كتفه عقربا، رافعا ذيله لكي يلدغ؛ ماذا تصنع؟ هل تسبه؟ هل تغضب عليه، وتقول: لماذا حملت العقرب معك؟ بل تستلطفه وتقربه إليك شيئا فشيئا لتتلقي العقرب من على كتفه إلى الأرض وتدوسها برجلك. إن زوجتك عندما تغضب، يكون الشيطان على كتفها، وهي مبتلاة بعقرب شيطاني؛ فبدلاً من الغضب؛ ارحمها حتى تسكن فورتها ثم عاتبها عتابا جميلا. وهذا الأمر يجري لكل من الزوجة والزوج والأولاد والآباء والجيران وما شابه ذلك؟
خلصني يا رب من عقارب وجودي
كلما رأيت إنساناً غضب عليك، قل: اللهم أعني على شيطانه، وعلى عقربه. ثم تحايل لتخلصه من الغضب؛ فلو فعلت ذلك ارتفع مقامك عند الله عز وجل. عندما يهدأ قلبه قل: يا رب، اشهد علي، فقد كظمت غيظه وخلصته مما هو فيه، فخلصني مما أنا فيه، فأنا أيضا أحمل عقارب لا عقربا واحدا على رأسي وعلى كتفي وعلى صدري.
جائزة كظم الغيظ في الدنيا
ومن الأمور التي تساعدك على التحكم في غضبك أن تستعشر المحضر الإلهي. إذا اتصلت بك زوجتك أمام رئيس الدائرة وتكلمت عليك وأفحشت في القول لا ترد عليها أمامه ولا ترفع صوتك لأنك تخشى أن تسقط من عينه، وقد يطردك من العمل إن فعلت. وتقول في نفسك: عندما أرجع من العمل؛ أعلم كيف أتصرف معهما. فلا تجعل الله سبحانه أهون الناظرين وقل عند الغضب: يا رب، إنني أخشى من أن أسقط من عينيك. إذا رأيت في قلبك غلياناً موجباً للغضب ثم كظمت غيظك ولم تقل إلا خيرا. سترى بعد عدة دقائق نوراً في الباطن، وجائزة معجلة في الدنيا قبل الآخرة. قل: يا رب احتراماً لمحضرك أكظم غيظي، وسترى ذلك النور الذي سيغريك. فكلما وقعت في موقف غضبي؛ ستكظم غيظك طمعاً في هذا النور.
خلاصة المحاضرة
- ومن الأمور التي تساعدك على التحكم في غضبك أن تستعشر المحضر الإلهي. إذا اتصلت بك زوجتك أمام رئيس الدائرة وتكلمت عليك وأفحشت في القول لا ترد عليها أمامه ولا ترفع صوتك لأنك تخشى أن تسقط من عينه، وقد يطردك من العمل إن فعلت؛ فلا تجعل الله أهون الناظرين إليك.