إن الصلوات على النبي وآله، من المعالم الثابتة والمتكررة في حياة الإنسان المؤمن، سواء في خارج الصلاة أو في داخل الصلاة.. وكما هو معلوم أن تكبيرة الإحرام واجبة في الصلاة مرة واحدة، وهي التكبيرة الافتتاحية.. بينما الصلاة على النبي وآله واجبة في محطتين: أثناء الصلاة في التشهد، وفي التسليم، يتوجه المصلي إلى النبي صل الله عليه وآله في هاتين المحطتين.. فعلى المؤمن أن يستوعب حقيقة الصلاة على النبي وآله.. وكما هو معلوم أن أصل الصلاة على النبي وآله قد ورد في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
إن هذه الآية فيها نقاط للتأمل: كلمة {إِنَّ} من أدوات التأكيد، والقرآن الكريم عندما يريد أن يكرر فكرة، إما أن يقسم بشيء {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا}، أو يستعمل أدوات التنبيه {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.. وتقديم ما حقه التأخير، أيضا يفيد شيئا من التأكيد والحصر: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ} التقديم {بِذِكْرِ} يفيد الحصر.. ومن أدوات التأكيد المعروفة في اللغة العربية كلمة “إن” {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} أي بشكل مستمر.. والملائكة في العرش رغم انشغالها بالتسبيح، فإنها تستغفر لمن في الأرض.. فليس من العجب أن تصلي على النبي وآله بشكل مستمر.. والله عز وجل بعد ذلك يطلب منا التأسي به وبأنبيائه.
تخلقوا بأخلاق الله عز وجل!.. طبعا إن صلوات الله عز وجل على نبيه من حيث الآثار ومن حيث الماهية، تغاير صلاتنا نحن على النبي صل الله عليه وآله.. فمجمل معنى الصلاة على النبي وآله من جهتنا: هو أن نطلب من الله عز وجل، أن يبارك الله بالنبي (ص) بما يعلمه الله عز وجل.. والله تعالى يطلب من العبد أن يدعوه ولا يعلمه، فهو أدرى بعبده.. أما كيف يبارك في النبي صلى الله عليه وآله؟.. أوحى الله عزّ وجلّ إلى نبي من الأنبياء: (إذا أُطعت رضيت، وإذا رضيت باركت.. وليس لبركتي نهاية).. وقال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}.. إن الله عز وجل يبارك لنبيه كيفما يشاء.
وأما الدرس العملي من هذه الصلوات: أن من مصاديق البركة، أن يبارك الله تعالى في أمة النبي.. فإذا أراد الله تعالى ذلك، فعلى المصلي -ما دام من أمة النبي (ص)- أن يكون أداة لهذه البركة، وأن يكون أهلا لجريان الخير والبركة من الله عز وجل على يده، وأن يتحول إلى جزء من هذه الأمة التي قال عنها القرآن الكريم: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ}.. ما هي مواصفات هذه الأمة؟.. إنها تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر.. فالذي يرتكب الخطيئة، ويرتكب المعصية، لا يعتبر أداة لمباركة الله عز وجل.. إنه في مقام العمل، يسير في اتجاه معاكس تماما لمعنى الصلوات.. فهل يا ترى الله عز وجل يبارك في صلوات هكذا إنسان؟..
إن هذه النقطة ينبغي الالتفات إليها في مقام الدعاء، وهي: أننا أُمرنا أن نبدأ بالصلاة على النبي، ونختم بالصلاة على النبي، ونجعل الحاجة فيما بينهما.. ورب العزة والجلال أجلّ من أن يستجيب للطرفين، ويترك الوسط.. والإستجابة بمعناها العام أن يستجيب معجلا، أو يستجيب مؤجلا، أو يعوض الحاجة التي لا تعطى بالدنيا، بما لا يخطر على البال.. فيوم القيامة يتمنى العبد عندما يرى التعويض، أنه لو لم تستجب له دعوة واحدة في هذه الحياة الدنيا.
وعندما نصلي على النبي وآله، علينا أن نراجع السنّة.. فالبعض من المسلمين -مع الأسف- عندما تنقل لهم مقولة، يريد أن يكون الجواب حصرا من القرآن الكريم.. إن هذه الصلاة بآلاف التفاصيل، مذكورة في كتب الفقهاء قديما وحديثا، من مختلف فئات المسلمين.. أين تفاصيل الصلاة في القرآن الكريم؟.. وتفاصيل الطهارة؟.. والوضوء؟.. والغسل؟.. والحج؟.. معنى ذلك أن الأساس يؤخذ من القرآن الكريم، ومن ثم يذهب إلى مصادر الوحي، وعلى رأس هذه المصادر النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، الذي نهى على أن يصلي عليه المسلمون الصلاة البتراء.. والقرآن الكريم كما أنه دعا لمودة ذوي القربى، فالنبي (ص) كمصداق لهذه المودة، أمرنا أن نعطف الآل على اسمه الشريف.. ولا عجب في ذلك!.. بعد أن صرح في مناسبات أخرى سجلتها كتب الحديث، أنه ترك الثقلين: القرآن، والعترة.
فإذن، العترة بعنوان التركة، والعترة بعنوان دائرة المودة.. فمن المناسب جدا أن تكون هذه المجموعة أيضا في دائرة الصلوات عليهم، عندما نصلي على النبي وآله.. والصلاة على النبي وآله في كل عصر، إعلان للولاء والإرتباط، والعمل بآية المودة، وإعلان صريح على أننا سنتمسك بهذا الثقل الذي جعل عدلا للقرآن الكريم.. فليس من الوفاء أبدا أن نفصل الآل عن اسم المصطفى صل الله عليه وآله وسلم، عند ذكراإسمه الشريف.. إن الصلوات صيغة من صيغ الإنشاء، وليس الإخبار.. فالإنسان تارة عن طريق الأمر، وعن طريق الطلب، ينشئ ويطلب من الله تعالى طلبا، بخلاف الإخبار.. ولهذا عندما يقوم المؤمن بمخاطبة الله عز وجل، عليه أن يمتلك أدنى درجات الإقبال عندما يسمع قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}؛ لأنه معني بهذا الخطاب، فعليه أن يكون على مستوى تلقي الخطاب الإلهي، فيقول: لبيك!.. وهكذا عندما يقول: اللهم!.. سواء في دعواته الخاصة أو في الصلوات على النبي وآله، عليه أن يستشعر معنى الخطاب.. ولهذا بعض علمائنا الأبرار عندما ينذرون نذرا، أو يطلبون حاجة، يكتفون بالصلاة على النبي وآله.. ولكن بإقبال.
إن الأذكار اللفظية بشكل عام إذا خليت من المعاني؛ فإنه لا يعد من الذكر في شيء.. فهناك فرق بين جريان الذكر على اللسان، وبين حقيقة الذكر.. فالإنسان الساهي، واللاهي، والمغمى عليه، والنائم، ومن يعيش في حالة الغيبوبة.. هؤلاء كلهم يجري الذكر على ألسنتهم، ولكن أنهم ذكروا، فهذا المعنى لا ينطبق عليهم {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} لا بمعنى تلفظ بألفاظ الذكر، وإنما إذكره!.. والذكر من معاني القلب، فالذي يذكر هو القلب.. فإذا كان القلب لاهيا مشغولا، فمفهوم الذكر لم يتحقق.. ولهذا فإن بعض علمائنا الأبرار يشككون في الحصول حتى على الأجر، هذا الأجر المذكور في الروايات عن الأذكار.. يقولون: بأنها منصرفة وبعيدة كل البعد عن الذين يذكرون الله عز وجل، وهم في حالة من السهو وعدم الإقبال {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى}.. فمن معاني السكر: الغفلة عن المعاني الإلهية، سواء في الصلاة أو عند الذكر.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.