نستقبل في هذه الليالي ليالي القدر المباركة ، هذه الليالي التي هي من أهم لحظات السنة ، حيث أنها خير من ألف شهر.. كلنا مقصرون في طاعة الله عزوجل ، ومن هنا رأفة بنا ؛ فإن رب العالمين في ليلة واحدة جعل خاصية ألف شهر – أي أكثر من ثمانين سنة- ؛ في ليلة واحدة الإنسان يعطى خاصية سنوات طويلة..
– (وَصَلِّ عَلَى الصِّدّيقَةِ الطّاهِرَةِ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ..)..
ووصلنا في حديثنا عن دعاء الافتتاح ، إلى الصلاة على المعصومين واحداً واحداً.. ومن المناسبة التي تجعل الإنسان يتفأل بذلك خيراً ، بأن ذكر فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) في من نسلم عليهم ، أصبح مقارنًا لليالي القدر المباركة.. ومن المعلوم أن ليلة القدر من مصاديق الكوثر ، والزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) من مصاديق الكوثر أيضًا..
هذه المرأة الجليلة التي يكفي في حقها أن النبي الأكرم (ص) -وهو الذي لا ينطق عن الهوى- ، يقول عنها : (فداها أبوها) ، و(فاطمة أم أبيها).. فإن هذه التعابير من النبي المصطفى (ص) لم تنطلق من منطلق الأبوة المحضة ، بل هذه التعابير من موقع الرسالية.. النبي (ص) عندما يقول : (فداها أبوها) ، فهو يعني ما يقول.. ولو لم تكن فاطمة بهذا المستوى ، لما عبر النبي (ص) عنها بهذه التعابير ، التي لم نجد لها نظيراً في كلام النبي (ص) ، بالنسبة إلى أي بشر ذكرًا كان أم أنثى.. فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) بعبارة واحدة مركزة ، هي أمة الله.. فالنبي (ص) شرفه وكرامته وامتيازه ، أنه عبد الله ، كما نقول في التشهد : أشهد أن محمد عبده ورسوله ، وكذلك الزهراء (ص) شرفها وكرامتها ، أنها أمة الله عزوجل..
فاطمة لها أبعاد ثلاثة : من حيث النفس ، ومن حيث العمل ، ومن حيث الحديث والمنطق ؛ وهي كانت متميزة على الأبعاد الثلاثة..
فأما منطقها فيتجلى من خلال خطبتها الفدكية ، عندما وقفت أمام المسلمين لتفلسف لهم الدين ، وتبين أحكام الرسالة ، مع خلفياتها التي خفيت عن باقي المسلمين ، يوم وقفت للدفاع عن إمام زمانها ، وعن ولي أمرها ، علي (ص)..
وأما من حيث العمل : فقد عبدت رب العالمين حتى تورمت قدماها ، حيث كانت تقف في محراب العبادة ، وتسيح في عالمها الذي لا نحيط بذلك كنهاً..
وأما من حيث النفس : يكفي هذا القول لرسول الله (ص) : (رضا الله من رضا فاطمة ، وغضبه من غضبها).. إن رب العالمين يرضى لرضا فاطمة ، ويغضب لغضب فاطمة ؛ ومن هنا استدل العلماء على عصمتها بالإضافة إلى آية التطهير..
جعلنا الله تعالى وإياكم من السائرين على دربها ، ودرب بعلها وأبيها وبنيها ، بحق محمد وآل محمد !.. والحمد لله رب العالمين.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.