– إن الإمام (ع) عندما يناجي ربه ويتذكر ذنوبه وخطاياه السابقة يقول : (لاَ لأَنَّكَ أَهْوَنُ النَّاظِرِينَ إِلَيَّ، وَأَخَفُّ الْمُطَّلِعِينَ عَلَيَّ، بَلْ لأَنَّكَ يَا رَبِّ خَيْرُ السَّاتِرِينَ، وَأَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَأَكْرَمُ الأَكْرَمِينَ..).. وكأنه (ع) يقول : أنا يا رب عندما عصيتك ، لا لأنك أهون الناظرين ، وأخف المطلعين علي ، بل لأنك يا رب خير الساترين ، وأحكم الحاكمين ، وأكرم الأكرمين.. يا رب، أنا عندما عصيتك لم أكن في موقف المواجهة ، ولست في موقف المحادة ، والوقوف أمامك ، فمن أنا لأقف أمام رب العالمين ؟!.. وإنما جرأني على المعصية ، سترك المرخى علي ، لا اعتقادي بأنك لا تراني ، فلا تجعل هذه المعصية بمثابة موقف اعتقادي.. لو أن الإنسان وصل إلى درجة عالية من اليقين ، بأن الله عزوجل مطلع عليه في كل الأحوال ؛ لكفاه ذلك رادعاً عن أي معصية.. ولو أن أي زوجين استحضرا هذه الآية ، في قوله تعالى : {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ، فهل يمكن أن تحدث أي مشادة بينهما في جوف الليل ، حيث لا رقيب ولا عتيد ولا أقارب ولا حاكم شرعي ؟!..
ومن هنا فإن الإنسان يلزمه أن يعمق حالة المراقبة لديه ؛ حتى لا يتورط في المعصية.. وتحسن هذه المقولة لعلمائنا الأجلاء : (بأن ترك الحرام بشكل مطلق لا يكون إلا بالمراقبة المتصلة).. إذ أن دعامة الأخلاق ، ودعامة السير إلى الله ، هي المراقبة المتصلة ؛ لا مراقبة الجوارح فحسب ، وإنما مراقبة الجوانح الباطنية.
ويقسم العلماء المراقبة إلى شقين :
شق مع الرب : وهي النظر إلى مقام الربوبية في النفس ، وتوقيره الله تعالى في حركة الحياة.. فبقدر ما لله في النفس ، ينظر الله عزوجل لها بعين اللطف والرحمة.
وشق مع النفس : وهي النظر إلى الهواجس والأفكار.. فمن المعلوم بأن عالم الأوهام مقدمة للتصديقات ، والتصديقات مقدمة للحركة الخارجية نحو المعصية.. فإذن ، الذي يراقب الخلجانات الباطنية ، ويراقب الأوهام والخواطر ، فقد اجتاز مرحلة عالية من حركة المراقبة والدقة ، في سير النفس وحركتها التكاملية إلى الله.
ويا ليت أحدنا يتأسى بالله عزوجل في صفة الستر والغفارية !.. فلا يتباطأ في قبول عذر من أساء إليه – كما يفعل بعض الناس- ، وخاصة إذا كانت الإساءة بغير قصد ، أو سهو ، أو جهالة.. فإن الله تعالى كم يحلم عن عباده !.. وإذا به تعالى بجلسة واحدة في جوف الليل يتجاوز عن تاريخ من المعاصي والذنوب !..
ومن هنا فإن العلماء يوصون بأن من يريد أن يفتح صفحة جديدة مع ربه : أن يغتسل غسل التوبة ، ويصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه ، ثم يستغفر سبعين مرة في السجود ؛ ليجد الله تعالى بعدها تواباً رحيما.. ومن أراد أن يعلم علامة الاستجابة في التوبة ، فلينظر إلى سلوكه بعد ذلك ، فإن رأى في نفسه عزوفاً عن المنكر ، وزهداً في المعاصي ؛ فليعلم أنه على خير ، وقد قبل الله تعالى توبته.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.