* صلاة أول الوقت:
احرص على صلاة أول الوقت-وخاصة في الحرم- فإن الانشغال بالزيارة وقت الفريضة قد لا يرضى الرب المتعال، حيث جعل الصلاة على المؤمنين كتابا موقوتا.. وحالة إمامنا الشهيد في يوم عاشوراء خير برهان على ذلك.
الالتزام بصلاة أول الوقت:
إن المؤمن ملتزم بصلاة أول الوقت في كل تقلباته وأحواله، وليس هذا أمرا خاصا بمشاهد المعصومين (ع).. ولكن لأن المؤمن-كما قلنا- لابد أن يشدد المراقبة على نفسه عند زيارة المعصومين (ع)، ليرفع عنها موانع تلقي الفيض، وقطعا إن من هذه الموانع: التهاون في الصلاة.. وخاصة إن الإنسان عادة ما يكون فارغا في أيام الزيارة، ومتحررا من أي ارتباط، فهو في وطنه قد يتعذر بانشغالاته عملا أو دراسة، ولكن في زيارة المعصومين (ع) الذي يؤخر صلاته عن أول الوقت بغير علة، فهذا حقيقة من موجبات صدق التهاون بالصلاة.
وينبغي للمؤمن أن يحرص على أن يجعل صلاته أفضل صلاة ممكنة.. لأن الإنسان لو لم يحسن الصلاة في منزله، فقد يعذر بأنه ليس هنالك موجبا من موجبات تلقي الفيض وإعطاء قوة للعبد في هذا المجال.. ولكنه إذا كان أمام البيت الحرام، أو تحت الميزاب، أو في حجر إسماعيل، أو تحت الحائر الحسيني؛ وهو غير مقبل في صلاته، فهذا حقيقة يعد نوع من أنواع الوهن، أو من تكاسل العبد في إلزام نفسه باستحضار المعاني الربوبية في صلاته.
التأسي بالحسين (ع) في المحافظة على الصلاة:
كثيرا ما يتفق أن البعض في يوم عاشوراء لا يصلي صلاة الظهر في أول الوقت، بعذر الانشغال بالعزاء في الموكب، أو ببعض الأمور.. والحال بأن المعزى في هذا اليوم، قد صلى في أول الوقت صلاة الحرب جماعة بشق الأنفس، حتى أن بعض أصحاب الإمام (ع) أصيبوا في أثناء الصلاة، لأنهم كانوا مصطفين لمنع سهام القوم.
فعليه، إنه ينبغي للمؤمن-خصوصا في كربلاء وحرم الإمام (ع)- أن يعيش حالة الخجل من نفسه، بأن الإمام (ع) قد صلى في أول الوقت مع أنه في حرب، بينما هو آمن في منزله وفي مكان مريح، ويؤخر الصلاة عمدا بلا وجه!.
*********************
* الشكوى من قسوة القلب:
إذا وجدت قساوة في القلب طوال فترة الزيارة، فارفع أمرك إلى المعصوم ، فلعل هناك ما أوجب جفاء بينك وبين المعصوم، وهو خير الأطباء لشر المرضى.. ومرض القلب الباطني لا يقاس بمرض القلب الصنوبري!.. وليعلم أنه في مثل هذا المورد وغيره فإنه لا استقلالية للمعصوم في قبال الله تعالى، فهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول.. ولطالما دعوناهم من خلال وجاهتهم عند الله تعالى في الشفاعة لديه.
الشكوى للمعصوم من قسوة القلب:
أولا نحب أن نؤكد على هذه الحقيقة: نحن عندما نقول رفع الشكوى إلى المعصوم، فنعني بذلك رفع الشكوى إلى الله تعالى.. لأن الله تعالى جعلهم الآذان السامعة في هذه الأمة، ولطالما ذكرنا آية: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ..} الدالة على أن استغفار النبي (ص) للعبد، طريق لمرضاة الله تعالى.
إن الذي يأتي لزيارة المشاهد ويرى في نفسه حالة من حالات الإدبار، وحاول أن يقبل بقلبه ولم يجد ذلك الإقبال المنشود، فمن المناسب أن يبث شكواه للمعصوم، فليقل: يا مولاي، أنا جئتك زائرا، وكنت أتوقع أن تكون زيارتي هذه بإقبال متميز، وإذا قد منيت بهذه الحالة من الإدبار القلبي!..
حتى إن بعض الصالحين من أشق الأمور على نفسه أنه يصاب بحالة الإدبار في مواطن الطاعة، فلا يتحمل أنه يكون بهذه الحالة وهو في ليلة القدر، أو في مشاهد أهل البيت (ع)؛ حيث يتوقع من نفسه الإقبال؛ فيعيش حالة التألم، وقد ينفجر بالبكاء بين يدي الله تعالى في ذلك المشهد، ويدعو ربه أن يصلح أمره.. ولا شك إن تقديم الشكوى، من موجبات إصلاح الأمر إن شاء الله تعالى.
موجبات حالة الجفاء بين الزائر والمعصوم:
لا يخفى أن هذا الجفاء يأتي من خلال ممارسة بعض الأمور السلبية، فإذا كان الإنسان وهو في طريقه للزيارة يرتكب بعض المعاصي، فكيف يتوقع أنه يمنح حالة الإقبال المتميز؟!.. وعندما نقول بأن المعاصي هي السبب، فلا يتبادر إلى الذهن المعاصي الأخلاقية الكبيرة، حتى يقول إنه إنسان كبير السن، أو إنسان يعيش في أجواء إيمانية، وآمن من هذه الذنوب والانحرافات.. وقد لا يتوقع البعض أن يكون هذا الذنب-الذي لا يكاد يسلم منه أحد- بهذه الدرجة من الخطورة، وكما ورد في حديث عن الرسول الأكرم (ص): يا أبا ذر!.. إياك والغيبة؛ فإن الغيبة أشد من الزنا.. قلت: يا رسول الله!.. ولمَ ذاك بأبي أنت وأمي؟.. قال: لأن الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، والغيبة لا تُغفر حتى يغفرها صاحبها.
إن البعض حتى وهو في حرم المعصومين (ع) يرتكب ذلك الحرام الذي هو أشد من الزنا!.. وكم هذه المخالفة ثقيلة ومن العظائم على المعصوم!.. ولقد رأينا في الحرم المكي بالخصوص-باعتبار أن هناك مساحة كبيرة للجلوس في حلقات هنا وهناك- أن البعض لا يتورعون عن هذا الحرام حتى وهم يجلسون حول البيت، فتراهم يغتابون زميلا لهم في السفر، أو عالما من علماء الأمة!..
فلا شك إن هذه الأخطاء والهفوات في مشاهد أهل البيت (ع)، من موجبات نقص الفيض.. والشاهد على ذلك أن الإنسان عندما يزور المشاهد وهو خال من المعاصي والذنوب في ذلك السفر، حيث كان مراقبا لقوله وفعله ونظرته، يلاحظ بأن هنالك مجال للتفاعل مع ذلك المعصوم في مشهده.
اللجوء لأطباء الروح:
والملاحظ أن أحدنا حينما يبتلى بمرض من الأمراض البدنية، فإنه يسارع في مراجعة الطبيب، وقد يكشف له عما لا يجوز كشفه للضرورة، وقد يقصده في البلاد البعيدة، ويبذل الأموال المكلفة.. ولكن لماذا لا نعيش هذه الحالة بالنسبة لأمراض القلوب؟!.. فالمؤمن لما يأتي إلى المشاهد وهو مشوب بالشوائب والأمراض الكثيرة، لماذا لا ينظر إلى هذه الأمراض، ويطلب من صاحب المقام أن يكون له دور في شفائه منها؟..
روي عن النبي (ص) أنه كان يدعو: (اللهم طهرني من الذنوب والخطايا، اللهم نقني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد)..
ومن المعلوم أن الأمراض الباطنية، لا تقاس بالأمراض الظاهرية.. إذ مهما كان لأمراض البدن من أثر، ومهما عاش الإنسان من أذى، فإنما هي لفترة محددة في هذه الدنيا، وعلى أسوأ التقادير يستمر أثرها إلى الممات.. ولكن أمراض القلوب آثارها في إهلاك العبد تتعدى إلى عالم البرزخ وعالم القيامة، وتمنعه من الأبدية في جنات الخلد.. فحقيقة إن الأمر يحتاج إلى اهتمام ومتابعة أكثر.
*********************
* زيارة أهل القبور:
حاول أن تزور الذين دفنوا بجوار المعصوم، فإن زيارتهم إكراما لجوارهم للإمام المعصوم من موجبات التفاتة الإمام قطعا، وخاصة من ذوى المعرفة الخاصة.. ولا شك أن زيارة أهل القبور دائما من موجبات نزول البركات الإلهية، وخاصة عند القيام بالمأثور عند زيارة أهل القبور.
زيارة قبور المجاورين للمعصوم:
إن زيارة القبور في حد نفسها من موجبات ترقيق القلب، فالإنسان إذا غلب عليه حب الدنيا وانشغل بأباطيلها، فمن المعلوم أن من موجبات رقة القلوب، زيارة القبور والاعتبار والالتفات إلى نهايات هذه الحياة الدنيا.. ومن المعلوم أن الإنسان لا يرى عالم البرزخ في الحياة الدنيا، ولكنه عندما يرى قبور ذويه من الموتى، فمن الممكن أن توجد عنده حالة من الهزة الباطنية.
وفي النجف الأشرف مثلا هناك مقبرة السلام، أكبر مقبرة على وجه الأرض.. ومن المناسب للمؤمن عندما يزور هذه المقابر المجاورة للمعصوم-بالإضافة إلى هدف الاعتبار والإيقاظ وإهداء بعض الصالحات- أن ينوي أنه يزورهم لقربهم من الإمام وإكراما له، ولا شك أنها حركة رمزية مشكورة من قبل ذلك الإمام.
المراد بالقبور المندرسة:
كما ورد في الحديث القدسي: (أنا عند القلوب المنكسرة، والقبور المندرسة).. القبور المندرسة كناية عن بعض المؤمنين الذين كانوا في أعلى درجات الالتزام والمراقبة الشديدة، وما عرف قدرهم في هذه الدنيا، ولا يزور قبورهم أحد، لمجهوليتهم عند العباد.. بخلاف بعض الكبار من العلماء والمراجع الذين اشتهروا في الدنيا، وكان لهم الإكرام والتقدير بعد موتهم.. ولكن رب العالمين يباهي بهذه الوجودات الطاهرة -التي لم يعرف قدرها في الدنيا- يوم القيامة.
ذوي المعرفة الخاصة:
ذوي المعرفة الخاصة الذين لهم سر ووقفة مع رب العالمين في خلوات الليل.. فهناك قسم من الناس-وهؤلاء الأقلون عددا-يستيقظون من فرشهم-حيث الكل يغط في نومه- لمناجاة رب العالمين، ولسان الحال والمقال: (نامت العيون، وعلت النجوم، وأنت الملك الحي القيوم، غلقت الملوك أبوابها، وأقامت عليها حراسها، وبابك مفتوح للسائلين، جئتك لتنظر إلي برحمتك يا أرحم الراحمين)..
إن هؤلاء حقيقة خواص الخلق، وإن رب العالمين ينظر إليهم نظرة كريمة.. وإن الزائر إذا كان من المتميزين في جوف الليل، وله علاقة خاصة ومتميزة مع رب العالمين، فإنه عندما يزور المعصوم، قطعا سيحظى بشيء من الترحيب والاستقبال، غير ما يحظى به الغافلون في الليل مثلا، ويزداد تألقا واستبشارا بما يعطى من الفيوضات والهبات في تلك الزيارة.
القيام بالمأثور عند زيارة القبور:
هناك بعض الأوامر المأثورة في زيارة أهل القبور، ومنها هذا الدعاء الذي كثيرا ما ينتقش في مقابر المؤمنين: (بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على أهل لا إله إلا الله، من أهل لا إله إلا الله..).
ومن المناسب قبل أن نزور هذه القبور، أن نقرأ ما ورد من أهل البيت (ع) من الآداب والسنن.. وينبغي الحذر من الالتزامات التي لم يرد فيها أمر من الشارع المقدس.. فالملاحظ أن البعض يجتهد في اختراعات ويكتب مؤلفات، ومع الأسف هذه الأيام كثرت في الأسواق كتب الختوم والأذكار التي لا يذكر لها مصدر حتى من صاحب التأليف!.. فإذا كان الأمر أمرا شرعيا مأثورا، فلماذا تهمل المصدر؟!.. وإذا لم يكن له مصدرا، فلماذا تذكره في هذا الكتاب؟!.. فلابد أن ننقي ممارساتنا عموما، من كل ما ليس شرعي في هذا المجال.
وإن من أفضل الأعمال في زيارة القبور، أن يراجع الإنسان سيرته في أيامه الماضية.. فبعض الناس عندما يجلس على قبر حبيب عليه، مثلا: زوجة تجلس على قبر زوجها، أو زوج يجلس على قبر زوجته؛ فهذه الهزة تجعله يعيد الكثير من حساباته ومن تعلقه بالدنيا.. وقد اتفق أن بعض من زار القبور زيارة بليغة، أنه رجع من هذه الزيارة بنظرة أخرى لحياته.
*********************
* الاحتراز من الأسواق:
اقلل من الذهاب إلى الأسواق، فإنها من مظان قسوة القلب، وتشتت البال، وفي مظان الوقوع في النظر المحرم.. وحتى مع الذهاب لا بد من قصد القربة لشراء الهدية المأمورة بها شرعا، فإن أبغض البلاد إلى الله تعالى هي الأسواق، كما إن أحب البلاد إلى الله تعالى هي المساجد.
آفات الأسواق:
لا يخفى ما للأسواق من سلبيات، وقد ورد في الحديث: (أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها).. ومن سلبيات الأسواق أمران:
أولا: التشتت الفكري:
لا خلاف بأن الأسواق من الأماكن المذكرة بالدنيا، والمليئة بالمغريات المادية، والذي يذهب إلى الأسواق المكتظة بالبضائع وبالسلع المغرية، فمن الطبيعي أنه لا يقصر نظره إلى ما يلزمه شراءه، بل إنه يحاول أن ينظر إلى كل ما هو معروض.. وإن هذه الحالة من فضول النظر، لمن موجبات التشتت الفكري.. ولهذا يقال إن من أسباب ضبط طائر الخيال، عدم إدخال الصور المتكثرة في البال، أو ما يسمى بتجنب عالم الكثرات.
ثانيا: التورط بالنظر المحرم:
أضف إلى أن هذه الأماكن لا يؤمن فيها من الوقوع في الحرام، فترى البعض وهو في طريقه للزيارة، يذهب إلى الأسواق، ولا يتحرز عن النظر المحرم.. فلا يذهب لزيارة المعصوم إلا وهو قد ابتلي بمرضين: بحالة التشتت الفكري، وبالنظر إلى الحرام.. فيزور ويصلي وهو يفكر فيما رآه وفي السلعة التي أعجبته، ومن الطبيعي أن يكون ذلك، من موجبات تضيق الفيض الإلهي في مشاهد المعصومين (ع).
آداب العامل في الأسواق:
أما الذي يعمل في الأسواق، فعليه أن يحاول أن لا يطيل المدة قدر الإمكان، بأن يكون آخر القوم فتحا لحانوته وأولهم خروجا منه، كما يقول الشارع المقدس: (لا تكن أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها؛ فبها باض الشيطان وفرخ).. إلا أن البعض وكأنه يجعل حياته في الأسواق، وقد يلتهي عن أهله وعياله.
أضف أنه بإمكانه أن يعيش حالة الذكر ولو في هذه الأماكن، وقد رد في الحديث الشريف: (ذاكر الله في الغافلين، كالمقاتل بين الفارين).. أنت عندما تعمل في السوق وتعيش حالة الذكر الإلهي المعمق، فرب العالمين يعطيك من الهبات، ما لا يعطيك وأنت تذكره في المسجد.. لأن جو المسجد جو مؤات، وكما يقال سباحة مع التيار، بخلاف الذكر في الأسواق، فهذا سباحة ضد التيار.. وكلما زادت المعاناة في القرب الكمالي، فإن رب العالمين يعطيك من المزايا ما يعطيك.
الإهداء سنة محمودة:
من الأوامر الشرعية أن يتحف المؤمن أهله ولو بحجر، أي ولو بأرخص الأشياء.. لأن الهدية ليس بثمنها بل بما تحمله من معنى، ونفس أخذ الهدية فيه معنى الالتفاتة للمهدى إليه.. فالزوج عندما يأخذ هدية لزوجته في هذه السفرة، كم تفرح بذلك لأنه ذكرها.
وإن من أفضل أنواع الهدايا لذوي الفكر والمطالعة، ما ينفع الإنسان لأخرته ودنياه، فهناك بعض الأمور التي تؤكل وتنتهي، بخلاف الكتاب النافع أو الدورة النافعة، فهذه الهدايا التي فيها بعد معنوي، قطعا أرجح من الهدايا التي تفنى وتزول.
ومن المعلوم أن الإهداء سنة محمودة سواء بمناسبة أو بغير مناسبة.. فبعض الأزواج لا يهدون هدايا للزوجة إلا في مناسبة عيد ميلادها مثلا، والحال بأن إتحاف المؤمن والمؤمنة أمر مطلوب على كل حال، وقد ورد عن الرسول الأكرم (ص): (من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج).. فإدخال السرور على العائلة بشيء من الطرف، مما يستحسن ويعد في حكم الصدقة.. إلا أن الاعتقاد عندنا أن الصدقة تعطى للفقير الأجنبي، ولا يأتي في بال الكثيرين هذا المعنى، بأن من يقدم شيئا للزوجة يكون له ثواب الصدقة.. فالإهداء سنة محمودة، وخاصة في هذه الأسفار المباركة.
*********************
* الهم الأوحد:
لا يكن الهم الأوحد هو قضاء الحاجة، بحيث إذا رجعت من عند المعصوم من دون قضاء الحاجة تعيش حالة من الإحباط والحرمان، فإن هذا جهل بما ادخره الله تعالى من الأجر الجزيل، والذي لا يقاس ببعض صور المتاع العاجل.. ولو كشف الغطاء، لتمنى العبد أن لو لم تستجب له دعوة واحدة، لما يرى من التعويض الذي لا يقاس بقضاء الحاجة الفانية.
الزيارة الخالصة:
إن بعض الناس عندما يقصد زيارة المعصوم، يجعل هدفه الأساسي من الزيارة قضاء الحوائج، فيأتي للزيارة وهو يحمل في قلبه قائمة بما يهمه من المشاكل والأمراض وغيرها، ولما يرجع وهو لم يعط ما طلبه، فإنه يرجع خائبا، وكأن هذه الزيارة فقدت مصداقيتها وأهدافها!..
والحال بأن الهدف الأصلي من زيارة الأئمة (ع)، ذكر الله تعالى في مشاهدهم، فذكر الله تعالى في الحائر الحسيني، أو تحت القبة الشريفة، ذكر متألق، ولهذا فإن من مغريات الخواص في الزيارات، هو ما يجدونه من هذا التميز في الذكر الإلهي.
أضف إلى أنه ينبغي أن يكون المحرك والدافع للزيارة، هو الحب للمعصوم.. وهذا أمر وجداني، فإن كل محب يحركه شوقه للحبيب لزيارته، وهو لا يريد إلا أن يروي غليل قلبه برؤيته فقط، لا أنه يقصده لحاجة.. أنت عندما ينقدح في قلبك حب الأم، فإنك تزورها بلا أن تطلب منها شيئا.. ومن الغريب أن هذا أمرا متعارف في زيارة الأرحام، فنحن لا نزورهم لطلب حاجة.. ولو أن أحدنا زار أمه، وكلما زارها طلب منها أمرا، لقيل له: إنك ولد غير بار بأمك!..
فكما أننا نزور الأبوين بلا توقع مالي أو قضاء لحوائج، فلماذا لا نجعل زيارتنا للأئمة المعصومين (ع)، كزيارتنا لآبائنا وأمهاتنا، وإنهم بمثابة الآباء للأمة، كما ورد عن الرسول الأكرم (ص): (أنا وعلي أبوا هذه الأمة).
الحوائج المادية والمعنوية:
ينبغي للمؤمن أن تكون عينه على الفتوحات المعنوية والحوائج الباطنية، أكثر من حرصه على الحوائج المادية.. فإن الإنسان عندما يرجع من الزيارة وهو بمعرفة جديدة، وبفهم جديد للدين والحياة، وتتجلى له بعض الآفاق الإلهية، ويرجع بصلاة خاشعة؛ أليس هذا خير له من شفاء بعض الأمراض الظاهرية؟.. لو أن إنسانا مبتلى بمرض باطني-كالعجب أو الحسد أو الحقد- وهو يعاني أيضا من طفح جلدي على بدنه، فإن أذى هذا المرض الظاهري وسلبيته، لا يقاس بمرض الباطن.
ونعتقد أن أئمتنا (ع) يستقبلون بصدر رحب، أصحاب الحوائج المعنوية، ويقدرون الضيف الذي يحمل هم نفسه، ويطلب منهم أن يعينوه على إصلاحها، وأن يصلي صلاة خاشعة.. إن أئمتنا (ع) يقدرون هذا الضيف، أكثر من ضيف جاء لشفاء مرضه مثلا، لأن هؤلاء أصحاب المعنى، ولهم سنخية مضاعفة مع من له حاجات معنوية في هذا المجال.
نحن محكومون بعالم المادة، ولهذا نظرتنا دائما مادية، والحال بأن في دنيانا عوالم غيبية، فمثلا في ليلة القدر كم من الملائكة تتنزل على الأرض من كل أمر، ولكن نحن لا نرى شيئا في ليلة القدر.. فمن المناسب أن يطلب المؤمن من هذه الذوات الطاهرة-لأنهم كشف لهم الغطاء- شيئا من العوالم الغيبية، وليس كل الكشف فهذا خاص بهم، وإنما أن يفهم ما وراء الطبيعة، وأن يعلم شيئا من أسرار عالم البرزخ.. فالذي تفتح له فتحة بسيطة لعالم البرزخ، ولما يجري في هذا العالم، فإنه من الطبيعي سيكون حذرا جدا في حياته الدنيا، فمن يعلم انعكاس الأعمال، أو بعبارة أخرى فمن يطلع على ملكوت الأعمال، فهذا الاطلاع يجنبه من الوقوع في السلبيات.
المراد بالملكوت:
الملكوت هو الصورة المعادية أو البرزخية للمخالفات الدنيوية.. وقد ذكر القرآن الكريم أمثلة على ملكوت بعض الأمور، فقال تعالى في ملكوت الغيبة: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}.. وفي ملكوت الذين يأكلون أموال اليتامى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}.. وفي ملكوت الإنسان المرابي: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}.
المنهجية والبرمجة الدقيقة في السير:
إن الذي يريد أن ينمي روحه، ويرتقي بها في مدارج الكمال، لا شك أنه يحتاج إلى منهجية، وبرمجة دقيقة، ومعرفة بقواعد الطريق.. فإذا كان الذي يريد أن ينمي عضلاته، لابد له من دورات ونواد ومدربين، فإذا كان هذا حال البدن المادي، فكيف بالروح الغائبة عن الحواس!.. فلابد للسالك أن يكون مطلعا على قواعد السير، وإلا كان متخبطا، وقد يفسد أكثر مما يصلح، وكما ورد في هذا الحديث: (إن السائر على غير هدى لا تزيده كثرة السير إلا بعدا).
فمن اللازم الاطلاع على بعض الكتب النافعة، وخاصة كتب القدماء، أمثال الشيخ النراقي، والسيد بحر العلوم.. أضف إلى أنه إذا وجد إنسان اكتوى بنار هذا الطريق، وتحسس بعض ما أذاقه الله تعالى لأوليائه الصالحين، وكان صادقا في طيه لمراحل سيره إلى الله تعالى، إذا وجد هكذا إنسان متق وورع، فإنه من موجبات التحفيز وسرعة السير.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.