إن الملاحظ في دعاء الافتتاح بأن هنالك حمد متكرر ، فالعبد في كل فقرة يبدأ يكرر مناجاته وحديثه مع رب العالمين ، بكلمة الحمد : (اَلْحَمْدُ للهِ) ، ثم يصف ربه بأوصاف تذكره برحمته ، وبكرمه ، وبسعة جوده.
– (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي يُجيبُني حينَ اُناديهِ..)..
إننا نعتقد بكل قاطعية ، أن كل دعاء صادر من العبد ، بشرطه وشروطه ، فإنه مستجاب.. إذ رب العالمين وعد عباده ، حيث قال تعالى : {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ} ، ولا خلف لوعده.. ولو أن العبد استوعب هذه الحقيقة ، بأن الله عزوجل يجيب العبد حين يناديه ، فإنه سوف لن يفتر عن الدعاء والمناجاة بين يدي ربه.
غير أن الدعاء حركة قلبية.. إن علينا أن نعلم بأن الدعاء طلب ، والطلب من صفات القلب ، لا أنه نكتفي فقط بقراءة الدعاء ، فقراءة الدعاء شيء ، والدعاء شيء آخر.. لو أن إنسان تلفظ بالماء فقط فإنه لن يعطى الماء ، لأنه لم يطلب.. بخلاف لو أنه أظهر العطش ، وخاصة لو كان شخصية لها امتيازها الخاص عند القوم ، فإن الكل سيسارع لإحضار الماء له.. فهناك تلفظ بالماء ، ولكن هنا أظهر الحاجة للماء ، وعُلم بأنه يطلب الماء ؛ ومن الواضح جداً أن طلب الماء كلفظ شيء ، وإظهار العطش شيء آخر.. فإذن، الذي يدعو ، بمعنى من يطلب ، ويعيش حياة المولى ، وقادرية المولى -الذي يرى هذه الحقيقة ، ويعيش هذه الحقيقة- ، فإن الله عزوجل سوف يستجيب دعاءه.
ومن المعلوم أن الاستجابة لها فروع ثلاث :
إما أن يستجيب رب العالمين دعاء عبده عاجلاً.. فالعبد لا يكاد ينتهي من السؤال ، إلا وبوادر الإجابة أمام عينيه.
وإما أن يستجيب له ولكن يؤجله.. لما أمر الله عزوجل نبيه موسى وهارون (ع) ليتحركا لتأييد دينه ، ولهزيمة فرعون ، نبي موسى (ع) دعا عليهم ، إذ قال : {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} ، ورب العالمين وعدهما الإجابة ، إذ قال تعالى : {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا} ؛ ولكن يقال بين هذا الدعاء وبين الإجابة ، أربعون سنة.. إن رب العالمين هو العليم الحكيم ، وقد تقتضي حكمته تعالى بتأخير الاستجابة.
والشق الثالث هو الدعاء الذي لا يستجاب لا عاجلاً ولا آجلاً ، ولكن رب العالمين يعوضه بما لا يخطر بباله يوم القيامة.. وقد ورد في خبر طريف جداً ، عن الصادق (ع) : إنّ الربّ ليلي حساب المؤمن فيقول : تعرف هذا الحساب ؟.. فيقول : لا يا رب !.. فيقول : دعوتني في ليلة كذا وكذا في كذا وكذا ، فذخرتها لك ، قال : فممّا يرى من عظمة ثواب الله يقول : يا ربّ !.. ليت أنّك لم تكن عجّلت لي شيئاً وادّخرته لي.. العبد يدعو ربه ولا يستجاب له ، ولكن في يوم القيامة عندما يعوض ذلك التعويض المذهل ، فإنه يتمنى من الله عزوجل ، أن لو لم تستجب له دعوة واحدة !.. هو في الدنيا طلب من الله تعالى شفاء صداع مثلاً ، ولم يستجب له ، واستمر به الصداع يوم ، أو نصف يوم ، وإذا بيوم القيامة يعطي قصراً أبدياً.. فهذا القصر الذي ينعم فيه أبد الآبدين ، مقابل صداع نصف يوم ، أو مقابل دين أشهر أو سنة !.. يا لها من صفقة مربحة !..
إذن، الإنسان المؤمن عندما يدعو ربه ، فإنه يدعو وهو متيقن بهذه العناصر الثلاث : إما أن يعطى الحاجة معجلة ، أو مؤجلة ، أو يعوض في يوم القيامة.
– (وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَورَة وَأَنَا اَعْصيهِ..)..
إن ستارية الحق تعالى ، من النعم الكبرى.. وهذه حقيقة لا خلاف فيها ، وهي أن ظواهر العباد خير من بواطنهم.. ولكن رب العالمين نشر الثناء الجميل ، وستر القبيح ؛ فعلينا أن نشكره على هذه النعمة..
اللهم لا تهتك أستارنا ، بحق محمد وآل محمد ، إنك سميع مجيب !.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.