– (اَللّـهُمَّ أَذِنْتَ لي في دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ فَاسْمَعْ يا سَميعُ مِدْحَتي ، وَأجِبْ يا رَحيمُ دَعْوَتي ، وَأَقِلْ يا غَفُورُ عَثْرَتي ..)..
إن بعض آيات القرآن الكريم الداعية إلى رجوع العبيد إلى ربهم ، من أرق الآيات الكريمة ، كقوله تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.. إن رب العزة والجلال المستغرق في جلاله وكماله ، الذي بيده مقاليد السماوات والأرض ؛ وإذا به يطلب من عبده أن يتحدث معه ، وأن يتودد إليه !.. وهذه من روائع أخبار أهل البيت (ع) ، عن رسول الله (ص) : (إنّ العبد ليدعو الله وهو يحبّه فيقول : يا جبرائيل !.. اقض لعبدي هذا حاجته وأخّرها ، فإنّي أحب أن لا أزال اسمع صوته).. يا لهذه العلاقة الحميمة بين العبد وربه !.. العبد يدعو ربه ، والرب يقضي حاجته ، ولكن يؤخر عنه الإجابة ، لأنه يحب أن يسمع صوته.. ولكن المؤسف أنه طبيعة المؤمنين أنهم يدعون ، ما داموا يعيشون حالة المسكنة والاحتياج.. ومن هنا فإن الإنسان الذي يدعو ربه وهو ليس في شدة ، وليست له حاجة من الحوائج المتعارفة ، وإنما يناجي ربه حباً وعشقاً ورغبة ، وتلذذاً بمناجاة الله عزوجل ، فإن هذا الإنسان على مستوى راقٍ ، من فهم فلسفة الوجود ، وموقع الإنسان من ربه.
وعليه، فإن الإنسان الصائم – وهذه الأيام قد يكون الصوم للبعض ، صوم شاق ومحرج ، في بعض الظروف ، حيث حرارة الجو ، وغلبة العطش في بعض البلاد مثلاً – عندما يعلم أنه في حال الامتثال لأمر المولى جل وعلا ، فإن لذة الخطاب الإلهي تذهب بعناء التعب الذي يعيشه.. فهو عندما يعلم بأن الله عزوجل خاطبه بهذه الآية : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} ، ويصوم امتثالاً لهذا الأمر الإلهي ، ويعيش حالة الامتثال لأمر الله عزوجل ، وأن الله عزوجل شرفه بالتكليف والخطاب ؛ فإن هذا الإحساس يوجب له حالة اللذة.
– (فَكَمْ يا إِلهي مِنْ كُرْبَة قَدْ فَرَّجْتَها وَهُمُوم قَدْ كَشَفْتَها ، وَعَثْرَة قَدْ أَقَلْتَها ، وَرَحْمَة قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاء قَدْ فَكَكْتَها..)..
ثم يشكر العبد ربه ، كيف أنه فك عنه حلقات البلاء.. فكم من البلاءات التي يصرفها رب العالمين عن عبده وهو لا يعلم.. حقيقة يوم القيامة سوف نخجل من ربنا كثيراً ، أنه دفع عنا صنوفاً من البلاء ، ونحن لم نعلم بذلك.. فنحن نشكر النعم الإيجابية ، والنعم الوجودية ، ولكن البلاءات التي دفعت عنا ، هل شكرنا ربنا على ذلك ؟.. لا أدري ماذا أشكر ؟!.. أجميل ما تنشر ، أم قبيح ما تستر !..
إذن، رب العالمين في هذه الليالي المباركة يدفع عنا صنوف البلاء ، الذي قدر علينا في طوال السنة.. ومن هنا المؤمن في ليالي القدر ، يطلب من ربه عزوجل أن لا يبتليه في أيام سنته ببلاء في دينه : اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا !.. ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا !..
نسأل الله عزوجل بحرمة هذه الليالي المباركة ، أن يفتح علينا أنواع رحمته ، وأن يقينا غضبه وسخطه !.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.