– (مِنْ أَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ يَا رَبِّ، وَلاَ يُوجَدُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِكَ، وَمِنْ أَيْنَ لِيَ النَّجَاةُ، وَلاَ تُسْتَطَاعُ إلاَّ بِكَ، لاَ الَّذِي أَحْسَنَ اسْتَغْنَى عَنْ عَوْنِكَ وَرَحْمَتِكَ، وَلاَ الَّذِي أَسَاءَ وَاجْتَرَأَ عَلَيْكَ وَلَمْ يُرْضِكَ خَرَجَ عَنْ قُدْرَتِكَ..).. أي يا رب أنا مديون لك في استقامتي ، وفي بقائي على خط الشريعة ، والثبات على الطريق المستقيم ؛ لأنك أنت هيأتني وهيأت الأسباب التي جعلتني أقف على رجلي في هذا الطريق.. فلولا دلالة الأنبياء ، ولولا نور الفطرة ، ولولا الكتاب الإلهي المنزل ؛ لما كنت على طريق الاستقامة والنجاة.. لقد كان بإمكان رب العالمين أن يستغني بحديث الأنبياء ، وبوحي الأنبياء ، وبما أنزل من الكتب السماوية ، وبنور الفطرة ؛ ولكن الله تعالى أنزل علينا كتاباً ، المعنى واللفظ منه ، تحنناً وتفضلاً على عباده..
أضف إلى ذلك أنه من موجبات الثبات على طريق الطاعة ، هو ما تشير إليه هذه الآية الكريمة : {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}.. إذ أن تحبيب الإيمان في الصدور والقلوب من النعم الإلهية ، التي هي نعم العون على مسير الطاعة والعبادة ، ومع الأسف فالكثيرون لا يعلمون قدر هذه النعمة..
إن العبد إذا رأى بواطن الأمور – سواء الإيجابية أو السلبية- ، أي إذا رأى ملكوت الحرام ، ورأى ملكوت الطاعة ؛ فإنه سيتحرك بشكل رتيب وتلقائي ، من دون كثير حث في هذا المجال ؛ لأنه يرى النور الإلهي متمثلاً في الطاعة ، ويرى الظلمة والضيق متمثلاً في البعد عن طريق الله تعالى.
– ثم إمامنا (ع) يناجي ربه بلفظ الربوبية ، حيث يقول : ( يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ .. ) ويستمر في ذلك حتى ينقطع النفس.. وفي ذلك إشارة – والله العالم- إلى أن المؤمن وكأنه يختم حياته ، ويكون انقطاع نفسه ، بذكر ربه جل وعلا.. فطوبى لمن ختم حياته بالشهادة بوحدانية الله ، والشهادة لنبيه المصطفى (ص) !.. فالإنسان الذي تصعد روحه إلى الله عزوجل ، وهو يتمتم بلفظ الألوهية ، أو بلفظ الربوبية ، فقد ختم حياته بأفضل ما يمكن.. إن الذين في أسحارهم كانوا يتمتعون بترديد لفظ ( يا رب ) ، أو ( يا الله ) ؛ فإنهم مرشحون لأن يختموا حياتهم بهذا اللفظة المباركة.
– ( بِكَ عَرَفْتُكَ وَأَنْتَ دَلَلْتَنِي عَلَيْكَ، وَدَعَوْتَنِي إِلَيْكَ، وَلَوْ لاَ أَنْتَ لَمْ أَدْرِ مَا أَنْتَ..).. وهنا الإمام (ع) يشير إلى مضمون هذا الحديث القدسي : (كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف).. فإذن، إن رب العالمين هو الذي أراد أن يتعرف علينا ، من خلال ما جعل في نفوسنا من حب الوصول إليه تعالى.. وكلما اشتد نور الفطرة في وجود الإنسان ، فإنه لا يسكن حتى يصل إلى معين اللقاء الإلهي ، إلى معين الرضوان الإلهي.. ومن أفضل مصاديق الدعاء : أن يطلب الإنسان من ربه أن يعرفه نفسه ، كما نقرأ في تعقيبات صلواتنا في بعض الأيام : اللهم عرفني نفسك !.. إن غاية المنى في هذا الوجود ، أن يعرف الإنسان ربه كما هو أهله ؛ لأنه هنالك فرق بين المعرفة الإجمالية ، وبين الطاعة مع المعرفة الوجدانية.
رزقنا الله هذه المعرفة بمنه وكرمه إنه سميع مجيب !.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.