مزية شهادة سيد الشهداء..
إن الموالي يعيش في أيام محرم وصفر أجواءَ إقامةِ عَزاءِ سِبط النَبي الأكرم (صلی الله عليه) سَيد الشهداء (عليه السلام) ذلكَ الذي لَهُ عِندَ اللهِ عز وجل منزلة يغبطهُ عليها جَميعُ الخَلق؛ لأن شهادته لها مزيتان لم تقعا في التأريخ، وهذهِ الحادثة حسب الظاهر لن تتكرر؛ ألا وهما:
أولاً: المنعطف التأريخي.. إن أول تلك المزايا هو المنعطف التاريخي الذي وقعت فيهِ هذهٍ الشهادة، فواقعة عاشوراء يمكن أن تُشبّه بضربة علي (عليه السلام) يَومَ الخَندَق التي قال عنها رسول الله (صلی الله عليه): (ضربة علي يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين)؛ وذلك لأنَّ تلك الحَرب كانت مصيريّة، فلولا هذهِ الضَربة القاضية لما امتدَ الإسلام كما امتدَ بَعدَ ذلك.. لذا، فإن لعلي (عليهِ السلام) حَقا عَظيما على الأُمّة، يمكن أن يُعبر عنه بـ”حق الحياة”!.. حيث إن هناك فرقاً بين من يُنقذ إنساناً من الفقر من خلال إعطائه المال الوفير في كُل يَوم، وبين من ينقذ غَريقاً؛ فهذا الإنسان المنقذ لَهُ حَقٌ أبدي على الإنسان.. وقضية يَومِ عاشوراء أيضاً هي كضربةِ عَلي (عليه السلام) يَومَ الخَندَق، إذ:
١. لولا الدَم الحُسيني، ولولا هذه الحركة؛ لا أحد يعلم إلا الله عز وجل إلى أينَ كانت تصيرُ أمور الأُمّة بعد أن ابتليت بواليٍّ مِثلَ يزيد، ألا يقول الإمام الحسين (عليه السلام): (فَعَلى الإسلامُ السَّلام، إذا بُلِيَت الأمَّة بِراعٍ مِثل يَزيد)!..
٢. لولا حركة الإمام الحسين (عليه السلام) لمُنيت الديانة الإسلامية بما مُنيت بهِ الديانتان: النصرانيّة، واليهوديّة، هاتان الديانتان المنتسبتان إلى نبيين من أنبياءِ أولي العَزم: نَبي اللهِ عيسى ونَبيُ اللهِ موسى (عليهما السلام)، ولكن أنظروا هذهِ الأيام ماذا فَعلَ الناس بهاتين الديانتين!.. فليلة ميلاد المَسيح (عليه السلام) هذا النَبي العَظيم رُوحُ الله، تُرتكب فيها الفواحش، بل إن أكبر منسوبٍ لـ: الفسادِ، والفحشاءِ، وشُرب الخَمرِ، والعُنفِ، وغَيرِ ذلك؛ يُمارس في هذه الليلة العظيمة، حَسب الإحصائيات العالمية؛ هكذا وصلَ حال أتباع المسيح (عليه السلام)!..
فإذن، إن الشهادة الحُسينية؛ هي منعطَف كمنعطفِ معركةِ خَيبر.
ثانياً: طريقة الاستشهاد.. إن ما جرى على سَيد الشهداء (عليه السلام) -على ما نعلم- لم يجرِ على أحدٍ من المؤمنين الكِبار طِوال التأريخ!.. فأشبهُ الأنبياءِ بالحُسينِ (عليهِ السلام) هو نَبي اللهِ يحيى (عليه السلام)، هذا النَبيُ أيضاً قُطِع رأسه كما قُطِعَ رأس الحُسين (عليهِ السلام) وأُهديَ إلى بَغية من بغايا بني إسرائيل، حيث أن تِلكَ المرأة اشترطت على الملك أن يَقتُل يحيى؛ لأنّهُ كانَ ناهياً عَن المُنكَر!.. روي عن الإمام السجاد علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قال: (خرجنا مع الحسين (عليه السلام) فما نزل منزلا، ولا رحل منه؛ إلا ذكر يحيى بن زكريا وقتله، وقال: “ومن هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغاة بني إسرائيل”).. ولكن يحيى (عليه السلام) كانَ سَيداً وحَصوراً، يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾، فنَبيُ اللهِ يحيى (عليه السلام) لم يتزوج، ولم تكن لَهُ عائلة أو أُسرَة، وبالتالي لم يكن لَهُ سبايا.. أما سَيد الشُهداء (عليه السلام) فقد قَدمَ النِساءَ سبايا في طريق اللهِ عز وجل، وعندما نقول: “قَدمَ السبايا” أي أنه قامَ بعمل هو يعلم عاقبتهُ، فيوم عاشوراء عندما قُتلَ الجميع، ولم يبق أحد منهم، من الطبيعي أن يهجم قتلة الحُسين (عليه السلام) على الخِيام، ومن ثم يأسرون النساء!.. وبالتالي، فإن الإمام الحسين (عليه السلام) قَدمَ: الرضع، والشباب، والكهولُ من أصحابه كحبيب بن مظاهر، حتى الخاتم: فالخاتم الذي كانَ بيد أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) تَصدَقَ به وهو يصلي، أما خاتم الحُسين (عليه السلام) فقد سُلِبَ منه بَعدَ استشهاده.
فإذن، إن الطريقة التي قُتل فيها الحسين (عليه السلام)، والمنعطف الذي قارنَ الاستشهاد؛ هما اللذان جعلَا تميزاً في هذه الشهادة.
منزلة سيد الشهداء..
إن الحُسين (عليهِ السلام) في أعلى درجات الصديقين، يقول تعالى في سورة “الفجر”: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.. أي بمثابةِ إنسان –مع فارق التشبيه- عندهُ ولدٌ عزيزٌ على قلبه من أحبِ أبنائه، يرسله لفَض نزاع بين اثنين -أي أنه يقوم بمُهمة لصالح الغَير- فإنْ تأذى وهو في الطريق إلى تلك المهمة، أو هُتك، أو أُهين؛ يطلب منه الوالدان الرجوع إليهما من ذلك المكان الذي لا يليقُ به؛ لأن أولئك الذين أُرسل إليهم لا يعرفونَ قَدرَه!.. ألا نقرأ في الزيارة الجامعة: «خَلَقَكُمُ اللهُ أَنْوَاراً، فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ، حَتَّى مَنَّ عَلَيْنَا بِكُم»؟!.. فرَب العالمين بَعثَ النَبي (صلی الله عليه) وبَعثَ آل النَبي (عليهم السلام) لإصلاح الأُمّة، وعندما عَمِلوا معهم ما عَمٍلوا، قال تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ﴾؛ أي هؤلاءِ لا يستحقون، يا أبا عبد الله!.. مكانك عندنا ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾، لا على رمضاءِ كربلاء، إرجِع إلى حيث النَبي (صلی الله عليه) جَدُك، والزهراء أُمك، وعليٌ أبوك، دَع هؤلاء القَوم.
مراحل التأسي..
إن الحسين (عليهِ السلام) لَهُ شأنٌ عِندَ رَبه، لذا علينا أن نتأسى به!.. والتأسي يكون من خلال ثلاث مراحل، ولكن الإنسان عادةً عندما يتأثر بشيء له حَركتان، بينما الحركة الثالثة هي المهمة.
المرحلة الأولى: الإعجابُ بالشَيء.. إن الإنسان الذي يرى أمراً مُلفتاً؛ يُعجَبُ به!.. والإعجاب محلهُ الذِهن، فمن يُعجبُ بعالم -مثلاً- ولا يُقدم لَهُ: لا طعاماً، ولا شراباً، ولا يتقدم إليه خطوة؛ يبقى هذا الإعجاب أمراً باطنياً وذهنياً.
المرحلة الثانية: الميل الباطني.. إن هناك مرحلة أرقى من مرحلة الإعجاب؛ آلا وهو الحُب، بعضُ الناس يُعجب بمن لا يستحقُ أن يُعجبَ به: كالفنانين والرياضيين، فيُعلقُ صورهم في المنزل، وعلى صدره، ويَلهَجُ بذكرهم.. فالإعجاب يتحول بعدَ فترة إلى حالة من حالات المَيل والحب القَلبي، وهذا التشبه من قِبل شبابنا -مع الأسف- ببعضِ مناظر المنحرفين والكُفار والفَسَقة؛ هو من لوازم الإعجاب.. ومن لوازم الميل: ذِكرُ المحبوب، وأن يعيش حالة المُحِب؛ مما يؤدي إلى كشف هذهِ العلاقات التي عادةً بناؤها على السِريّة والكتمان، لدرجة أن الإنسان يذهل عن اسمه، كما حدث لإحدى الفتيات عندما كتبت اسم الشاب الذي تحبه على ورقة الامتحان بدل اسمها!..
المرحلة الثالثة: التشبه العَملي.. إن البعض يَقف عِندَ المرحلة الثانية، ولكن ينبغي للمؤمن أن يتجاوز هذا الحَد، فبحمد الله تعالى نحنُ كُلنا مُعجبون بأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فالإعجاب النظري مُحقق، والمحبة القلبية مُحققة لا خِلافَ في ذلك، الموالي بحمد الله لا تنقصه العواطف -فأحد المؤمنين مات ابنه وهو في ريعان شبابه، لذا عندما تُذكر مصيبة علي الأكبر، يخشى أن تكون دمعته فيها نسبة من البُكاء على فقيده، هو يُريد أن يجعل دَمعتهُ على سَيد الشهداء وعلى الشهداء خالصةً حتى من ذِكر أحبته؛ أوَهناك حبٌ أعلى من هذا الحُب؟!.. بعض الناس عندما يصل إلى مُصيبة الحُسين (عليه السلام) لسانُ حالهِ هذا البيت:
أمست رزيتكم رزايانا التي سلفت *** وهوّنت الرزايا الآتية
ولهذا إذا وقعَ أحدُنا في شِدّة، فليتذكر مُصيبة الحُسين (عليهِ السلام)؛ تهونُ عِندَهُ جميعِ مصائبه- ولكن الإعجاب لا يحتاجُ إلى مؤونة؛ لأن الإعجاب يكون في الذهن!.. والمحبة تحتاج إلى مؤونة إجماليّة، فالإنسان الذي يتذكر مُصيبة الحُسين (عليه السلام) ويبكي، هذا إنسانٌ ممدوح، ولكن هذا العمل لم يأخذ منهُ جُهداً!.. إنما الكمال كُل الكمال، والبطولة كُلُ البطولة هي في التشبه بالحُسين (عليهِ السلام) عَمليّاً!..
المعالم الحسينية..
أولاً: العبودية.. إن أوُل مَعلَم وآخر مَعلم في شخصية الحُسين (عليهِ السلام) هي: “العبودية المطلقةُ للهِ عَزَّ وجل”، فرب العالمين ملأ وجوده!.. ولقد كان للحسين (عليه السلام) ألوان مختلفة من النشاط، ولكن -مَعَ الأسَف- التأٍريخ لم يُسلّط الضوء على الحُسينِ (عليهِ السلام) إلا من فترة خروجه من المدينة إلى يَومِ عاشوراء، فما وردنا من الروايات عن هذهِ الفَترَة كَمٌ لا بأسَ به، كـ: حَديثه في المنازل، وفي الطريق، وحالتهُ في مكة، ووداعهُ لجده في المدينة؛ ولكن هُناكَ فترات لم تصل إلينا روايات عنها، منها:
أ- أيام حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)!..
ب- أيام إمامة أخيهِ المُجتبى (عليهِ السلام)!..
ج- من بَعد استشهاد الإمام المُجتبى (عليه السلام) إلى خروجهِ من المدينة!..
إن هذهِ أيضاً من ظُلامة التأريخ للأئمة (عليهم السلام)، حيث إن هناك كتباً مثل: قِصص ألف ليلة وليلة، وكتاب الأغاني للأصفهاني، والكثير من الكتب التي تم فيها ذكر المنحرفين والمنحرفات، ولكن عندما يَصل الأمر إلى ذِكر القادة؛ فإن التُراث قليل مَعَ الأسف؛ لأنَ الأقلام كانت مأجورة، فقد كانت بيد الأعداء؛ لذا هذا ما وصل إلينا من سيرة الحُسين (عليه السلام)؛ وإلا فإن الأمر أعظَم!..
ثانياً: خدمة الناس.. عندما قُتل الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء، كانَ على جِسمه أثران:
١. أثر الجِراح: فالسيدة زينب الكُبرى (عليها السلام) عندما جاءت لتقبل هذا البَدَن، ما رأت موضعاً سَليماً!..
٢. أثر الجراب: تقول الرواية: (وُجد على ظهر الحسين بن علي (عليه السلام) يوم الطف أثرٌ، فسألوا زين العابدين (عليه السلام) عن ذلك، فقال: “هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين”).
فإذن، إن الإمام (عليه السلام) كانَ يعيش الجامعيّة؛ جَمَعَ بينَ اللونين: خِدمة الناس والمجتمع، وفي نفس الوقت كانَ يعيش تِلكَ الحالات القُدسيّة.
ثالثاً: الذكر الدائم.. في يومِ عَرَفة وهو يَومُ أمنٍ وأمان، مَعَ أصحابه كانَ يُناجي رَبهُ وعيناهُ تجريان كالميزاب، فِي كِتَابِ مِصْبَاحِ الزَّائِرِ قَالَ: “رَوَى بِشْرٌ وَبَشِيرٌ الْأَسَدِيَّانِ: أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) خَرَجَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَوْمَئِذٍ مِنْ فُسْطَاطِهِ مُتَذَلِّلًا خَاشِعاً، فَجَعَلَ (عليه السلام) يَمْشِي هَوْناً هَوْناً حَتَّى وَقَفَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَوُلْدِهِ وَمَوَالِيهِ فِي مَيْسَرَةِ الْجَبَلِ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ كَاسْتِطْعَامِ الْمِسْكِينِ ثُمَّ قَالَ…)؛ هذهِ الحالة الحُسينية في عَرفة تكررت ليلة عاشوراء، فقد ذكرت أخبارُ كتب السِّير والتاريخ في وصف أصحاب الإمام الحسين (عليه السّلام) “أنّ كلاًّ منهم: كان عابداً ناسكاً، قارئاً للقرآن يختمه في يومٍ وليلة، وكان لهم ليلةَ عاشوراء دَوِيٌّ كدَوِيّ النَّحل في تلاوتهم وصلاتهم، وهم ما بين راكعٍ وساجد، وقائمٍ وقاعد”.. ويَومِ عاشوراء أيضاً ليس في الخيام؛ إنما في مقتله وهو يجودُ بنفسه، توسدَ رمضاءَ كربلاء، والدماءُ تنزل وعينهُ إلى السماء قائلاً: (إلهي!.. رضا بقضائك، وتسليما لأمرك، لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين)!.. فذِكرُ اللهِ عزَ وجل كانَ مستوعباً لكُل حياته!..
فإذن، في يومِ عَرَفة حيثُ الأمن والأمان كانت عيناهُ تجريان، وعلى رمضاءِ كربلاء أيضاً الحالة هِيَّ نفسها لم تتغير؛ مما يدل إلى أن حياته (عليه السلام) كانت لوناً واحداً!.. ومن المؤكد أن الحُسين (عليه السلام) في يَومِ عاشوراء في صلاة ساعة الزوال، حيث همهمة الخِيول، ونداء النسوة: واحسيناه!.. وبُكاء الأطفال: واعطشاه!.. كان الحُسينُ في عالمٍ آخر، لم يكن يُفكر في شيء إلا في اللهِ عَزَّ وجل، فصلى صلاة الحَرب وكُلهُ توجه إلى رب العالمين، كما كانَ يُصلي في الخلوات، ولو أن الحُسين في ذلك اليوم صلى وفكرهُ في الحَرب، وفي سبي النساء؛ لما كانَ الحُسينُ حُسيناً!..
رابعاً: الأبديّة والخِلود.. إن البعض يكتبُ اسمهُ على شجرة داخلَ كَهفٍ أو مغارة، ليبقى مئات القرون؛ ولكن لا قيمة لهذا العمل؛ فهذا ليسَ بخلود!.. الذي يُريدُ الأبديّة والخلود، فليتأسَ -مَثلاً- بنبي الله إبراهيم (عليه السلام) حيث إن كل معلم من معالم الحج يُذكرنا بهِ، كـ: مقام إبراهيم، وحِجر إسماعيل، والجمرات، والخِيف، ومِنى، ومُزدلِفة؛ هذه هي الأبديّة، وهذا هو الخلود!.. فرَب العالمين أمرهُ أن يؤذن في الناس في الحَج: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾، فقال إبراهيم (عليه السلام): (ومن يسمع صوتي يا رب؟.. فقال الله عز وجل له: يا إبراهيم، عليك النداء، وعلينا البلاغ…).. وفي رواية أخرى: (ولما فرغ إبراهيم من بناء البيت أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج، فقال: يا رب، وما يبلغ صوتي؟.. فقال الله: أذّن!.. عليك الأذان، وعلي البلاغ، وارتفع إلى المقام، وهو يومئذ يلصق بالبيت، فارتفع به المقام حتى كان أطول من الجبال، فنادى وأدخل إصبعه في أذنيه وأقبل بوجهه شرقا وغربا يقول: أيها الناس!.. كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فأجيبوا ربكم!.. فأجابوه من تحت البحور السبع، ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أطرافها، أي الأرض كلها، ومن أصلاب الرجال، وأرحام النساء بالتلبية: لبيك الله لبيك!.. أو لا ترونهم يأتون يلبون؟.. فمن حج من يومئذ إلى يوم القيامة، فهم ممن استجاب الله).. وإلى يومنا هذا ونَحنُ نَسمَعُ كلامَ إبراهيم الخَليل.
فإذن، من يكن مَعَ اللهِ عَزَّ وجل؛ يكتسب الأبديّة والخِلود!.. فالحُسين (عليهِ السلام) كجَدهِ إبراهيم الخَليل (عليه السلام) في تعامله مَعَ اللهِ عَزَّ وجل، لذا فإن ذكر الحسين (عليه السلام) إلى يومنا هذا يملأ الدنيا: في أعالي الجبال، وفي الوديان، وفي الأدغال، وفي العواصم الكُبرى، حتى غير المسلمين يأخذونَ درس الحُريّة من الحُسين (عليهِ السلام)؛ هذهِ هِيَّ الأبديّة والخِلود، ونحنُ نعتقد أن ذِكرَ الحُسين (عليه السلام) يبقى إلى يوم القيامة!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.