- ThePlus Audio
الحسد؛ آثاره وعلاجه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
(رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي*وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي*وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي*يَفْقَهُوا قَوْلِي)[١].
تأثير الكلام على القلوب
إن موضوع الحديث في هذه الجلسة المباركة وأسأل الله عز وجل أن يبارك فيما نقول لئن الله عز وجل لو ارتضى مجلسا من المجالس فإن ذلك المجلس بالإضافة إلى الأجر سيكون ذا تأثير على القلوب، ذلك المجلس الذي يراد به رب العالمين، وارتضاه سبحانه من جهة الإخلاص وغير ذلك، ونرجوا من الله أن يكون الأمر بالنسبة لمجلسنا كذلك، فإن الكلمة ستنفذ في القلوب؛ لأن الله عز وجل بيده القلوب وبيده الأسماع، ومن الملفت والجميل أن بعض العلماء جاء في وصفهم أنهم رزقوا القبول؛ أي إن رب العالمين جعل البركة في قولهم.
بلاغة النبي (صلى الله عليه وآله) وأثرها في النفوس
والنبي الأكرم (ص) كان متميزا بهذه الصفة، وكان يتكلم بالكلمة فتنفذ في القلوب إلى درجة اتهمه الجاهليون بالسحر، ومن دلائل اتهام النبي (ص) بالسحر؛ أنه كان يفتح مغاليق القلوب بكلمات قصيرة، ومن نعم الله عز وجل على عبده المؤمن أن يعطيه هذه الخاصية، وقد لا تكون هذه الخاصية عالمية ولكن قد تكون أسرية، فالمؤمن يريد أن يكون مسموع الكلمة في أسرته، وشتان بين ولي أمر مطاع وبين ولي أمر لا هم له إلا جلب القوت للعيال، ولهذا من المناسب بين فترة وأخرى أن نفكر في موجبات القبول في نفوس الخلق، ونطلب من الله عز وجل أن يهبنا السحر في البيان أو التأثير في القول، فإن ما يخرج من القلب سقع في القلب، وما خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان، لأن الحديث إخواني وأخواتي عبارة عن عملية تلاقح في عالم الأفكار، لأن المتكلم يريد أن يوصل فكرة إلى قلوب وعقول الآخرين وليست القضية إذاً قضية أمواج صوتية وذبذبات في الطبلة.
الحديث الصادق والحديث التكلفي
ومن هنا نلاحظ أن البعض – حتى المنحرفين – يستقل هذه الخاصية في تهييج المشاعر، ورأينا في سيرة السائرين من الأمم المختلفة وحتى غير المسلمة؛ أن الخطيب البارع المتفاعل مع فكره، يأثر في القلوب ويتثيرها وذلك من خلال تفاعله هو مع الفكرة، والناس بطبيعتهم وفطرتهم يميزون بين النوعين من الحديث، الحديث المتكلف الذي همه السجع والقافية وترتيب الجمل الجميلة وبين إنسان صادق في مقولته الذي تبدوا آثار الصدق من سيماء وجهه ومن حركاته، فالقضية إذاً مركبة من قول وحركة ونية وغير ذلك.
التكبر والحسد، أول ما عصي به الرحمان
بعد هذه المقدمة نرجوا من الله عز وجل أن يجعل حديثنا في هذه الجلسة المباركة من مصاديق ذلك، بتفضله ومنه وكرمه، ونحن اليوم نتناول داء أو مرضاً من الأمراض التي في الواقع شاعت على وجه الأرض، وأول ذنب عصي الله عز وجل به في الأرض وهو مرض تاريخي وجد في هذه الأرض مع وجود بني آدم، فبعض الجراثيم يقال بأنها في الواقع وجدت في الأجيال المتأخرة ولكن هذه الجرثومة وجدت في الطبيعة البشرية منذ خلق الله عز وجل آدم، وهنالك معصيتان: معصية التكبر ومعصية الحسد، طبعا التكبر ظهر على إبليس حيث استكبر على الوجود واستنكف عن السجود بقياسات وهمية باطلة، وأما بني آدم، فأول ما ظهر عليه من الذنب كما يعلم الجميع هي مسألة الحسد.
خصوصيات النبي آدم (عليه السلام)، والمرض الذي فتك بأولاده
والغريب أن الحسد القابيلي – إن صح التعبير- حسد متميز ومضحك عند التأمل، فإن مناشئ الحسد هذه الأيام تزاحم الحياة وتضارب المصالح ووجود منافسة شديدة على مساحة محدودة من الأرض، أو على مالٍ أو على قطعة زراعية أو على منصب من المناصب، ولكن في تلك الحقبة من تاريخ بني آدم مع وجود النبي آدم وأم البشرية حواء، والآن لا نعلم بوجود إخوة لهابيل وقابيل وقد يكونا الفردان الوحيدان ورغم سعة الأرض وسعة الخيرات وعمران الأرض بالأنهار والسهول والأشجار – ورب العالمين قد خلق الأرض في الواقع لما أهبط آدم عليها – نلاحظ أن هذا المرض الذي عادةً يصيب المرء في البيئة الضيقة جاء إلى قلب هذا الرجل ومن موجبات الغرابة أن قابيل كان من صلب نبي من أنبياء الله تعالى على الرغم من هبوط آدم من الجنة بسبب ما صدر منه من الهفوات أو من المخالفة لرب العالمين، ولكنه كان بكّاءً وقد علمه الله عز وجل الأسماء كلها، ومن افتخارات هذا النبي؛ أن الله عز وجل أودع في صلبه هذه الذرية العظيمة على وجه الأرض، والذي منهم النبي المصطفى (ص) والنبي إبراهيم وأنبياء أولي العزم (ع)، وكلهم في الواقع تناسلوا من هذا الجد الأكبر ومن امتيازاته أنه محرم على جميع نساء البشر، الصالحات وغير الصالحات ويعتبر الجد الأعلى إذ يأتي يوم القيامة وهو محرم على مولاتنا فاطمة الزهراء (س)، وعلى مريم وآسية وعلى كل من هو على وجه الأرض من الجنس الأنثوي.
هل قصر الأنبياء في تربية أبنائهم؟
أقول بأن قابيل على الرغم من أنه تربى في حضن نبي، ونحن نعتقد إخواني وأخواتي أن البعض بالمناسبة يستشكل بالنسبة إلى ما جرى لابن نوح (ع) ويعتبرون ذلك من موجبات الوهن في النبي نوح (ع)، وأنه كيف لم يفلح أو يوفق لتربية ولد صالح، بل يتحدى والده وهو في حال الغرق؛ أي أن ما صدر من ابن نوح (ع) كان كمال التحدي والسفاهة حيث آثر أن يموت غرقا ولا يصعد في سفينة أبيه، وطبعا نحن نعتقد أن الأنبياء (ع) لم يقصروا في هذا المجال، هل النبي يعقوب (ع) لم يربي أولاده أو أعانهم على العقوق وعلى الحسد؟ ليس الأمر كذلك، إنما هذه الدار هي دار تكليف ودار حرية واختيار، وأقول إن هذه الجريمة صدرت من شخص لا يتوقع منه ذلك لأنه ابن نبي، وفي ظرف لا يتوقع لأن البشرية كانت محدودة والخيرات عامة للجميع، وكذلك منشأ الحسد لم يكن منشأ مادياً ولم يكن النزاع على رئاسة قبيلة أو اقتطاع أرض أو امتلاك شجرة وإنما كان المنشأ بحسب الظاهر منشأً معنوياً: (قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ)[٢]، حينئذ هدده وقال لأقتلنك وهابيل في الواقع دافع عن نفسه وقال: ما ذنبي أنا، رب العالمين هو الذي يتقبل من المتقين.
الخطوط العامة للبحث
أقول بأن هذا الداء في الواقع غريب من نوعه، ولا يعرف ضيقا ولا سعة جغرافية وحتى لا يعرف مادة ولا معنى، ومن هنا عندما يصنف العلماء المعاصي المتداولة بين كل فئة من فئات المجتمع، يذكرون أن داء الأمراء الظلم وداء التجار الغش وتطفیف المكيال وما شابه ذلك، وداء العلماء والمرض الأكثر شيوعا بين العلماء هو داء الحسد، ويبدو أن القضية عامة من هذه الناحية ومن هنا لابد أن نسلط الضوء على تعريف الحسد وموجبات الحسد وعلاج الحسد والفرق بين الحسد وبين ما يشابهه من الغبطة، وأخيرا ما الذي يقابل الحسد في السلوك وفي الحسد الباطني والخارجي وهل أن العقوبة هي على الحسد الخارجي فقط أو أنها تكون على الحسد الباطني كذلك، وهي مجموعة أبحاث نحاول أن نجيب عليها بإذن الله عز وجل في هذه الفرصة بإذن الله تعالى.
تعريف الحسد والغبطة والفرق بينهما
أولا: إن الحسد حالة قلبية، وينبغي أن نعلم أن هذه المرض يدب في القلب وهنا الأمر خطير، وعندما نقول القلب نعلم أن هنالك خفية في الأمر، فتارة يصاب المرء بطفح جلدي فيسارع إلى علاجه ولكن المشكلة في الأمراض القلبية أنها تبرز من دون إشعار مسبق هذا أولا، وثانيا: هو أن العلاج في غاية الصعوبة لعدم وجود أدوات وآليات توصلك إلى القلب، فإذاً الحسد عارض من أعراض القلب، وقد عرف بأنه تمني زوال النعم الله عز وجل عن أخيك، سواءً أردتها أن تنتقل إليك أو لا تنتقل إليك، وهذا أمر آخر، فإذاً قوام الحسد هو ما ذكرناه، ويشترك هذا التعريف مع تعريف الغبطة إذ هو تمني انتقال نعمة المسلم وليس زالها، وإنما وجود مثل نعمته عندك، وهذا هو تعريف الحسد بكلمة أولية.
الحاسد يتحدى رب العالمين بلسان حاله
هنا لدينا عدة ملاحظات، أولا: إن النعم الإلهية كثيرة على العباد، وقد وزعها رب العالمين بحكمته على جماعة دون أخرى، فهذا صبيح في وجهه وهذا ثري في ممتلاكته وهذا غزير في علمه وهذا عزيز في قومه، وهكذا، والذي ينظر إلى النعم التي حظي بها الآخرون من دون إصلاح نفسه قد يجر إلى عالم الحسد، فهو يرى النعم الإلهية مبثوثة في العباد من دون أن يتمتع هو بشيء منها، ومن هنا ما يذكره العلماء من المؤاخذات على هذا الإنسان هو؛ أن هنالك حالة من حالات التحدي لقضاء الله وقدره، فالإنسان الحاسد يقول بلسان الحال وليس بلسان المقال وهناك فرق بينهما، عندما يضربك إنسان على وجهك بعله ثم يأتي ليمدحك في وجهك بأيهما تأخذ؟ تأخذ بفعله وبظاهر الحال لا بما يمدحك به، وهةلاء الذين يحشدون الناس يصفهم القرآن الكريم بأنهم يقفون أمام مشيئة الله عز وجل: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)[٣]، ولاحظوا هنا أولا: أن الفاعل هو رب العاليمن وهو الذي يؤتي من يشاء، وثانيا: هو سبحانه صاحب الفضل فما شأنك أنت يا أيها الإنسان لتقف أمام الله عز وجل وتحدد له تكليفه؟ يعني يارب اقطع عن فلان هذا الفضل الذي خصصته به، وفي الواقع هذا الأمر هو من مصاديق التحدي ولو أظهر هذا الإنسان التحدي بقوله لأصبح كافرا فلو ظهر أمام الآخرين وقال أمام الناس أنا لي رأيي وموقفي، فيقول له الناس ما موقفك يا فلان؟ فيقول: أنا معترض على هذا التقسيم الإلهي وأطلب من ربي أن ينصرف عن هذا الأمر وأن يحقق البداء في فعله ومن الواضح أن الإنسان بهذا يصبح على حافة الشرك والكفر.
الحسود على لسان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)
ومن هنا عندما يصف النبي الأكرم (ص) الحسد بلسان الأحاديث القدسية – ونحن نعلم أن الأحاديث القدسية مصدرها النبي الأكرم وأهل بيته (ع) لأنها أحاديث رب العاليمن التي لم تنزل في القرآن الكريم ومعانيها إلهية وألفاظها بشرية – يقول: في ما أوحى الله عز وجل إلى نبيه موسى (ع) بن عمران وهو كليم الله كما نعلم: (لاَ تَحْسُدَنَّ اَلنَّاسَ عَلَى مَا آتَيْتُهُمْ مِنْ فَضْلِي وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى ذَلِكَ وَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ فَإِنَّ اَلْحَاسِدَ سَاخِطٌ لِنِعْمَتِي صَادٌّ لِقَسْمِيَ اَلَّذِي قَسَمْتُ بَيْنَ عِبَادِي وَمَنْ يَكُ كَذَلِكَ فَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ مِنِّي)[٤]، وفي هذا الحديث الشريف إشارة إلى أن الحسود يقف أمام إرادة رب العالمين.
نقطة مهمة في علاج الحسد قرآنيا
وبالمناسبة، هناك كلمة مذكورة في القرآن الكريم وهي عدم مد العينين، وقد يمر أحدنا على بيت فاره أو سيارة فارهة فيطيل النظر بهما ومن بذور التحاسد والميل إلى الدنيا أن يحدق الإنسان إلى هذه المتع التي جعلها الله عز وجل بين عباده وبتعبير آخر دقيق؛ إن المؤمن ينظر إلى كل ما يصده عن الله عز وجل نظرته للمرأة الأجنبية، فتارة المنظور إليه امرأة سافرة لا يجوز النظر إليها، فهي نظرة محرمة من جهة وتصد عن ذكر الله عز وجل من جهة أخرى، وهناك النظر إلى غير النساء؛ كالنظر إلى القصور مثلا وقد يصل المؤمن إلى درجة ينظر إلى هذه القصور كما ينظر إلى المرأة الأجنبية وإن لم يكن النظر إليها حراماً إلا أنه من موجبات الاشتغال والالتهاء وتمني ذلك، ومن هنا أمرنا بأن نسلك الطريق الذي تقل فيه القصور وما شابه لو أردنا أن نأتي بيت من بيوت الله، حتى لا ينشغل بما يعرف عند علماء الأخلاق بعالم الكثرات، وهذه نقطة مهمة في تجنب الحسد.
الحسد في روايات أهل البيت (عليهم السلام)
وهناك تعبير جميل في روايات أهل البيت عليهم السلام حول الحسد، فعن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (لِلَّهِ دَرُّ اَلْحَسَدِ مَا أَعْدَلَهُ بَدَأَ بِصَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ)[٥]، ومشكلة الإنسان الحسود هو أنه يعيش حالة من حالات الغليان الباطني والقلق والأذى وحالة من حالات الاكتئاب وما شابه ذلك، من دون أن يكون ذلك مقدمة للفرج في الخارج، فتارة الإنسان يحمل هم الرزق ويعيش حالة من الاكتئاب لانغلاق أبواب التوفيق عليه فهذه في الواقع حالة مقدسة، هنا يعيش الإنسان حالة من القلق المنتج والبناء، بخلاف الإنسان الحسود الذي يعيش في داخله غلياناً باطنيا ورب العالمين في أكثر الحالات يبقي النعمة على هذه العبد وينفذ قضائه وقدره واليعش الحسود ما يعيش من القلق والغليان.
اختلاف العلماء في إثم من يعيش الحسد الباطني
وهنا بما أننا ذكرنا الغليان الباطني لا بأس بأن نذكر ما البحث الذي أشرنا إليه في صدر حديثنا وهو ما حكم هذا الغليان الداخلي؟ وهل الذي يعيش هذه الحالة الباطنية هو إنسان آثم؟ بمعنى أنه عندما توضع الموازين يوم القيامة وتعرض على العبد السيئات فهل سيذكرون هذه الحالة الباطنية في ضمن السيئات وإن لم تكن ترجمت إلى عمل؟ ونحن أن هذه الحالة الباطنية تغلي وتغلي لتنفجر بالإنسان على شكل تهمة ونميمة أو سب أو قتل في بعض الحالات ومنشأ كل ذلك الحسد، وهنا في الواقع، وقع بحث ظريف ودقيق بين علماؤنا الأعلام في هذا الفن؛ وفي أن الإنسان يؤاخذ بمثل هذه الحالة التي تعتريه أم لا؟ وفي الواقع هذا بحث مهم، إذ أنه يعيش الإنسان بعض الحالات من الحسد الباطني من دون أن يعالج هذه الحالة تعويلا على من يقول بأن هذه الحالة لا إثم فيها.
رأي من يعتقد من العلماء بإثم الحاسد وإن لم يظهر حسده
هناك رأي يقول: بأن هذه الحالة من الأمور المحرمة، لأنها حركة ولأنها فعل قلبي كالإنسان الذي يظهر الإسلام ويستبطن الكفر، فهو في مقام العمل يعامل المسلمين معاملة الإسلام، فيحضر صلاتهم ويحضر جنائزهم ويحضر حجهم ولعله يجاهد معهم إلا أنه يعيش في قلبه الإنكار، إنكار الربوبية والجحود والشرك وغير ذلك، وهذا بلا شك بإجماع الفقهاء إنسان يعتبر من أكبر مصاديق النفاق وهذه في الواقع مشكلة، فالمنافقين قد وصفهم الله عز وجل بأنهم في الدرك الأسف في النار وفي درجة لعلها أكثر وأشد بعدا وسحقا من الكافر المتظاهر، ويقولون بأن مثل الأمور الباطنية من قبيل الحسد والتكبر والحقد كمثل الشرك، والشرك حركة في القلب ولو أضاف إلى ذلك العمل لضاعف الله عليه العذاب بظاهره وباطنه، كامنافق الذي يظهر كفره من خلال حركاته وهذا رأي من الآراء وهؤلاء يستشهدون بالآية الشريفة: (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)[٦]، إن القرآن الكريم يقول عن هؤلاء بأنهم أصحاب نفوس خالية من حالة الحسد، وفي آية أخرى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)[٧]، والود حركة في قلب الإنسان وقد لا يظهر هذا الود، وكذلك قوله عز وجل: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ)[٨]، والاستياء أمر قلبي، والمنافقين كانوا حريصين على عدم كشف أوراقهم، فإذا انتصر المؤمنون عاشوا هذه الحالة الباطنية وهذا الفريق من العلماء يستدل بهذا الاستدلال.
رأي من يعتقد من العلماء بأن الحاسد لا يعاقب على ما في قلبه
أما القسم الآخر منهم، فيقولون بأن الله عز وجل جعل الأجر والثواب والعقاب على حركة الجوارح وذلك لأن الحركات الجوانحية هي حركات غير اختيارية، والإنسان بطبيعته الأولية وبفطرته إنسان في خسر وإنسان عجول وظلوم وجهول وكذلك يميل بطبيعته إلى الحسد، لأن من المصاديق الظلم والجهل والظالم والجاهل من الطبيعي أن يعيشان حالة الحسد والله عز وجل لا يؤاخذنا بذلك، ومن هنا استدل هؤلاء بالحديث النبوي الشريف: (ثلاث لا ينفك المؤمن عنهن … الحسد)[٩]، وإذا كان المؤمن لا ينفك عن الحسد فكيف بغيره؟ وهناك مخرج من الحسد في رواية من روايات النبي الأكرم (ص)، ومخرجه من ذلك أن لا يبغي؛ أي لا يظهر هذا الحسد على جوارحه، ويؤكد هؤلاء: أن المؤمن لا يعاقب في الواقع بحركته القلبية، ولكن الآن بنظرة منصفة وعادلة يمكننا أن نقول: هب أنك لا تعاقب على حسدك القلبي ولكن اعلم أن هذه النفس، نفسٌ ممقوتةٌ، ورب العالمين لا يتجلى في هذه النفس، إن تجليات رب العالمين ليست في عالم الطبيعة وحتى ليست في الكعبة المشرفة التي هي من أشرف مظاهر التوحيد، ونقول بأن الله عز وجل لم يتجلى في الكعبة ظاهرا ومن نرى أن الكعبة شأنها شأن سائر الأحجار، نعم هي منتسبة إلى الله انتسايا تشريفيا، وقد تجلى الله عز وجل للجب في فترة محدودة وعندها خر موسى (ع) صعقا، ولكن التجلي الإلهي هو حالة معنوية وتحتاج إلى أرضية قابلة، والأرضية القابلة هي قلب العبد المؤمن: (لَمْ يَسَعْنِي سَمَائِي وَ لاَ أَرْضِي وَ وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي اَلْمُؤْمِنِ)[١٠]، أولا عقوبة القلوب الخبيثة المبتلات بالحسد والحقد والكبر أنها محرومة من التجليات الإلهية، ونحن نعلم أن أغلى وأعلى وأنفس هباة الوجود هو أن ينظر الإنسان إلى قلبه فيرى الله متجليا في ذلك القلب وهنيئا لمن وصل إلى هذه الدرجة أينما ذهب، إن كان في الأرض أو في السماء، في الدنيا أو في البرزخ أو في عرصات القيامة تراه مشغولا بعالمه.
ليكن همك القلب السليم..!
ومن هنا نرى أن المؤمن مشغول وقته وليست عنده ذبذبات ولا صعود فجائي ولا هبوط فجائي، ولا يعيش حالة الوحدة والوحشة؛ لأن لديه ما يؤنسه ليلا ونهاراً، وكلما طال به العمر اشتدت به هذه التجليات الإلهية إلى درجة يصفهم علياُ (ع): (و لَوْلاَ الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ)[١١]، إذا هذه العقوبة، عقوبة كبيرة، إن الإنسان الذي لا ينقي نفسه من هذه المشاعر سيحرم هذه المزايا، والقلب السليم الذي عليه مدار العقاب والثواب يوم القيامة؛ قد عبر عنه بتعبير جميل: وهو القلب الذي ليس فيه شيء سوى الله عز وجل، إن إبراهيم (ع) جاء بهذا القلب السليم في الدنيا وبهذا القلب المنيب فاتخذه الله عز وجل خليلاً، ورشحه ليكون محطم الأصنام ورشحه لأن يكونصاحب هذا الحج الإبراهيمي ورشحه لأن يكون من صلبه النبي المصطفى (ص)، ورشحه لهذه المقامات كلها لأنه حقق مرحلة القلب السليم، إذاُ المشغول بقلبه وبالأمراض الباطنية سيحرم من هذه الهبات الكبرى.
بادر أمر الحسد قبل فوات الفرصة..!
المسألة الثانية في هذا المجال هي أنه، عند امتلاء القلب بمرض من هذه الأمراض يصبح القلب كمثل الدملة؛ فمن الممكن أن يكون في بدن الإنسان غدة معينة فتمتلئ قيحاُ سنة أو سنتين أو فترة من الزمن ومع اشتداد الأمر وضعف البنية فإن هذه الدمل ستنفجر يوما ما بما اجتمع فيها من القيح لسنوات طويلة، والإنسان الذي يعيش حالة من التكبر والحسد وسائر الأمراض الباطنية يصبح من الصعب القول بأنه يمكنه كبت هذه الحالات إلى آخر عمله.
لماذا انقلب إبليس على عقبيه بين ليلة وضحاها؟
إنني أعتقد أن إبليس كان من مصاديق ذلك فإبليس لم ينقلب في اليوم الذي خلق فيه آدم، إن إبليس هو العابد الذي ورد في بعض الروايات، وصل به الكمال إلى درجة أصبح فيها خطيب الملائكة، وكان يعظ الملائكة وكانت مع ذلك في وجوده هذه الدملة الخبيثة وهي دملة التكبر، ولم يكن مر بابتلاء حتى يظهر ما أظهر، كان في مكان ما؛ حول العرش أو في السماوات وكان يعبد ربه في الأثناء ولم يكن قد احتك بالبشر بعد أو لم يكن قد كلف عملا شاقا على نفسه وكان ممن تمرس في الركوع والسجود، والسجود والركوع الإبليسي كان منذ آلاف السنين، ولكن هذه الدملة انفجرت عندما أمر بالسجود لآدم (ع)، والمؤمن إخواني كذلك، إذا لم يعمل على جرد مرتب لقلبه وفؤاده؛ فإنه من الممكن أن يظهر ذلك على جوارحه في يوم من الأيام.
ألا تخشى من العتب الإلهي لو أضمرت حسدا لأخيك..!
ثالثا، هب أن الله عز وجل لا يعاقبك، إنني أريد أن أتخذ طريقا وسطا بين من يقول أن الحركات القلبية لا تضر الإنسان شيئا وبين من يعتقد بأن الله يعاقب الإنسان عليها، وقلنا أولا: أن هذه الملكة الباطنية تمنع الإنسان من التجليات ولا يؤمن عليها من الظهور على الجوارح، وثانيا: هب أنك ذهب إلى يوم القيامة ولم تظهر حسدك الباطني لأحد من عباد الله عز وجل، ولكن ماذا تفعل بالعتاب الإلهي يوم القيامة، ورب العالمين سوف لم يترك الأمر من دون عتاب على أقل التقادير، فيقول لك: لماذا أضمرت سوء لأخيك المؤمن؟ إذاً إخواني وأخواتي، إن مسألة الباطن في الواقع أمر في غاية الخطورة وقد يحرم من التجليات ويظهر على الجوارح ويجلب العتب الإلهي.
علاج الحسد والصفات الباطنية الرذيلة
وهناك نقطة مهمة قبل أن أنتقل إلى نقطة أخرى في هذا الحديث وهي: أن المؤمن قد لا يستطيع أن يقتلع جذور السيئة القلبية من روحه، ولكن بإمكانه أن يمقت نفسه كلما فرعت هذه الشجرة وتورقت، فيقف أمامها ويحاول أن يتعامل مع السيئة تعاملاً عكسياً، وكآلية ذكر علماء الأخلاق أنه لابد من تكلف الحركة المعاكسة فيما لو أراد الإنسان أن يزيل الملكات، فالإنسان الذي فيه ملكة البخل أو يرى بوادر البخل بدأت تظهر عليه – الآن هناك من يقول أن الصفات الباطنية قد تنتقل من خلال الجينات ومن هنا نلاحظ أن بعض الأسر والعوائل والأجيال معروفة بالكرم وممدوحة بها، وقد تتفشى بعض الصفات السلبية في بيئة معينة، وعلى كل حال نحن لا نتبنى هذا الرأي ولكنه مطروح – عليه أن يتكلف تكلفاً محاربا لهذه الصفة فيجبر نفسه على العطاء، ولعل حكم الشريعة في الإنفاق الواجب كالخمس والزكاة وزكاة الفطرة وغيرها مما يريد الله سبحانه أن يجبر عبده على الإنفاق، وأنتم تعلمون أن خمس المال مقدار يعتد به من أموال الإنسان، فأراد الله عز وجل أن تحارب البخل بهذا الإنفاق، وكذلك الحسد، ويذكر علماء الأخلاق أن الذي يجد في نفسه حالة من الحسد عليه أن يحسن إلى المحسود؛ من أجل إزالة الصفة الخبيثة، إذاً نغلق هذا الملف في هذه الفقرة، وإن لم يمكن قلع هذه الصفة اقتلاعاً، فعلى الأقل ليعمل الإنسان بما يخالف تلك الصفة.
مراقبة النفس والبحث عن كوامن الشر في الذات
وفي الفقرات الأخيرة من حديثنا في هذه الجلسة المباركة، نحاول أن نتعلم العلاج، والعلاج طبعا فرع معرفة العلة، فكما في عالم الطب لا يحاربون الجرثومة بالمضادات الحيوية إلا عندما يعرفون ماهية تلك الجرثومة؛ فكذلك الأمر بالنسبة إلى الحسد، فلنلقي نظرة سريعة إلى موجبات الحسد لكي نتمكن من العلاج، يقولون: إن من موجبات الحسد – وهو موجب غريب أسأل الله عز وجل أن يبتلي به مؤمن؛ لأن من ابتلي به يصبح من الصعب جدا علاجه – خبث النفس، ولا ندري هل يأتي ذلك من تراكمات البيئة أو من الممارسات الخاطئة في أيام المراهقة أو كما أشرنا قبل قليل من عالم الجينات الوراثية أو من عالم الذر إن قلنا بوجود هكذا عالم -فنحن كلفنا بالأحكام-فالبعض أطاع والبعض خالف وفي الواقع لا ندري ولا نريد أن نتكلم بكلام يسوقنا إلى الجبر، لأن الكلام في هذه النقطة خطير، وإذا اعتقد الإنسان بأنه خبيث الطينة؛ من المكن ان يقول: أنا الغرق فما خوفي من البلل[١٢]، ولكن أقول بكلمة عابرة: إن الإنسان الذي يرى في نفسه ميلا إلى أكثر من سلبية وسيئة، فينظر إلى نعم الآخرين فيتمنى زوالها، وينظر إلى الآخرين فيرى في نفسه علوا واستكباراُ عليهم أو يشعر في قلبه حقدا عليهم وضغينة في نفسه، يرى في نفسه ميلا وشهوة إلى الحرام، فلو رأى هذه البوادر في نفسه فليحذر، فلعله من هذا الصنف، ولا ضير، على الإنسان أن يتكلف وأن يجأر إلى الله عز وجل، لأن هذه النفس بمثابة إنسان ابتلي بغدة سرطانية وليست في يده أو رجله فتقطع؛ بل هي في قلبه ومخه، وحياة الإنسان بهذين العضوين؛ فإذا أصيب أحدهما بهذا المرض صعب عليه العلاج.
حب الدنيا والحسد
من موجبات الحسد أيضا – وهو موجب هينُ طبعاً مع العلاج والمراقبة – حب الدنيا، ونحن لدينا حالة من حالات التنافس في متاع الحياة الدينا، فعلى سبيل المثال: هنالك وزارة خارجية أو داخلية واحدة في كل بلد، والمرشحون لهذه الوزارات هم جماعة محددين، ومن الطبيعي أن يحطم الرؤوس من يريد أن يصل إلى تلك الكراسي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأموال وغيرها، والعلاج في هذا المجال هو أن ننظر إلى سخافة الدنيا أولا، وإلى فنائية هذه الحياة الدنيا وأن نرى الدنيا بملكوتها وأن نرى الدنيا كما ورد في الخبر عن النبي الأكرم (ص) أن صاحب الدنيا بمثابة إنسان استظل بشجرة ساعة ثم رحل عنها، فهل ينظر هذا الإنسان الراحل والمستظل بالشجرة إلى ثمار الشجرة فوق رأسه؟ وهل يهمه أن تكون الشجرة مثمرة أو غير مثمرة؟ أنا أريد ظل الشجرة، ما لي ولثمارها، ولو أن قوماً جاءوا لقطف هذه الثمار وهناك ما يكفي من الثمار الساقطة على الأرض، هل أتنافس معهم وأقاتلهم على هذه الثمار المتدلية مثلا؟ بل يرتاح الإنسان ساعة ثم يرحل، وقد جاء في الخبر عن الإمام الصادق (ع) بأن حب الدنيا يصل بالإنسان إلى درجة يتمنى فيها زوجة الآخرين، إنسان يسمع أو يرى أزواج الآخرين والآن بسبب طبيعة العلاقات والاحتكاكات الأسرية الكثيرة، قد يطلع الإنسان على جمال امرأة أو كمالها فيتمناها، وقد سأل الإمام الصادق (ع) عن قوله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ)[١٣]فقال: (لاَ يَتَمَنَّى اَلرَّجُلُ اِمْرَأَةَ اَلرَّجُلِ وَ لاَ اِبْنَتَهُ وَ لَكِنْ يَتَمَنَّى مِثْلَهُمَا)[١٤]، والإمام الصادق (ع) يطرح هنا حلولاً واقعية، ويقول لك: إن كنت محروما من هكذا زوجة فتمنى من الله عز وجل مثلها، فتبين أن من موجبات الحسد حب الدنيا وحب الدنيا رأس كل خطيئة وحب الدنيا أس كل خطيئة، والمعنى واحد، فهذا من موجبات دفع الحسد في هذا المجال.
من أسباب الحسد، فوت القصد..!
ويقولون: من موجبات الحسد أيضا الخوف من فوت المقصد، فيرى الإنسان أن هذه النعمة إذا لم يصل إليها، فاتته المقاصد، فإذا تغلب على صاحب النعمة، فقد جلس مجلسه وتمتع بامتيازته، ونقول لهذا الصنف: من أين لك أن تقطع بأن هذا المتاع هو متاع يحسد عليه، إن الذين كانوا في زان النبي (ص) ورأوا ثعبة، وثعلبة هو ذلك الذي نمت أغنامه كالديدان فاضطر للخروج من المدينة؛ لأنها لم تحتمل ذلك القطيع الكبير من غنمه، فإذا به يحرم من جوار النبي الأكرم (ص)، فإذاً علينا أن نعلم أن المؤمن يفوض أموره إلى الله عز وجل، ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور)[١٥]وخواتيمها، وعلينا أن نسعى لما يخلدنا في الجنة ونتقاتل عليها، ولا قيمة لما هو خلاف ذلك.
ما هو الفرق بين الحسد وبين الغبطة؟
وأخيرا ما هو الفرق بين الحسد وبين ما قلناه في صدر حديثنا عن الشعور بالغبطة؟ إن الإنسان المؤمن في الواقع، إنسان له أحاسيسه، ولا يعقل أن عالماُ من العلماء يرى مؤلفات الشيخ الأنصار الكبير الذي يقتات العلماء إلى الآن من مائدته وليس من عالم إلا وقد جلس برهة من الزمان على مائدته، ويرى في مواطن العبادة وفي مواسم العبادة؛ الكتاب الذي كتبه المحدث القمي ولا يغبطهما، إن المؤمن إذا رأى مثل هذه النعم؛ عليه أن يدعوا ربه لأن يوفقه لذلك، وهؤلاء الذين وفقوا لمثل هذه المؤلفات ولمثل هذه الإنجازات، لم يرشحوا لها ترشيحا دنيوياً وبحسب سير الأمور الظاهرية، فمن المفروض أنه لم يكن أحدهم ليصل إلى ذلك ولكن الله عز وجل إذا أراد شيئا هيئ له الأسباب، وهذه قاعدة يجب الالتفات إليها، ونحن نقرأ في الدعاء لطلب الرزق: (يَا سَبَبَ مَنْ لَا سَبَبَ لَهُ يَا سَبَبَ كُلِّ ذِي سَبَبٍ يَا مُسَبِّبَ الْأَسْبَابِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ)[١٦] وحتى الذي لا سبب له: (يَا سَبَبَ كُلِّ ذِي سَبَبٍ، سبب لي سببا لن أستطيع له طلبا)[١٧]، إذ أن الغبطة وتمني نعم الغير من دون تمني زوالها من الأمور المندوبة أيضا.
شتان بين حاسد وناصح..!
وحتى نكمل الحديث في نقطة أخيرة، قالوا: إن الذي يقابل الحسد هو النصيحة، ففي مواجهة الإنسان المتومل الذي أعطاه الله عز وجل من الدنيا ما أعطى يمكن القيام بحركتين: حركة خبيثة وحركة سليمة محمودة، فأما الحركة الخبيثة هي تمني زوال نعمته وهذا هو الإنسان الحاسد، وأما المؤمن أولا: لا يتمنى زوال النعمة؛ بل يتمنى من الله عز وجل أن يعطيه هذه النعمة بشرطها وشروطها، وثانيا: النصيحة، فيذهب إلى صاحب المال ويذكره بما عليه من الواجبات المالية في هذا المجال، ويزهده في الدنيا ويذكره في فنائية الدنيا وأن الدنيا مزرعة الآخرة، وشتان بين إنسان يجلس في بيته متمنيا زوال نعمة الغير ويعيش حالة المرض والقلق والاكتئاب قد يقتله، وبين إنسان يذهب إلى أصحاب النعم ويذكرهم بلزوم شكرها، وشكر كل نعمة بحسبها: (و مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)[١٨]، فالعلم شكره إنفاقه بنشره بين العباد وكذلك المال والجاه.
وفقنا الله تعالی وإیاکم لنکون من عباده الصالحین، اللهم أصلح ذوات قلوبنا اللهم هب لنا ما نلقی به یوم القیامه و أنت راضٍ عنا، اللهم صل علی محمد وآل محمد ونعوذ بك من شرور أنفسنا وسیئات أعمالنا وعجل لولیك الفرج العافیة والنصر واجعلنا من خیار أنصاره وأعوانه والمستشهدین بین یدیه وصل الله علی محمد وآله وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمین والفاتحه مع الصلوات.
[٢] سورة المائدة: ٢٧.
[٣] سورة النساء: ٥٤.
[٤] وسائل الشیعة ج١٥ ص٣٦٦.
[٥] إرشاد القلوب ج١ ص١٢٩.
[٦] سورة الحشر: ٩.
[٧] سورة النساء: ٨٩.
[٨] سورة آل عمران.
[٩] جامع السعادات، ج ٢، ص ١٦٣.
[١٠] بحار الأنوار ج٥٥ ص٣٩.
[١١] نهج البلاغة، الخطبة ١٩٣.
[١٢] المتنبي وشطره: وَالهَجرُ أَقتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ.
[١٣] سورة النساء: ٣٢.
[١٤] وسائل الشیعة ج١٢ ص٢٤٢.
[١٥] إقبال الأعمال، ج ١، ٣٠١.
[١٦] المجتنى من دعاء المجتبى ص ١١١.
[١٧] لم أعثر عليه.
[١٨] سورة البقرة: ٣.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- من بلاغة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وفصاحته اتهم بالسحر، فقد كان يسكب المعاني العظيمة في كلمات قصيرة، وكان يأخذ بمجامع القلوب عند بيانه.
- لا ريب في أن المعصية صغيرها وكبيرها توجب المقت والغضب الإلهي ولكن لبعض المعاصي خصوصية تميزها عن أخرياتها، كالكبر والحسد؛ فهما أول ما عصي بهما الرحمن.
- إن الفرق بين الحسد والغبطة هو أن الحاسد يتمنى زوال نعمة الغير، بخلاف اللإنسان المغتبط الذي لا يتمنى ذلك أبدا، بل يتمنى مثل ما أنعم الله عز وجل على ذلك العبد.
- إن الحاسد يتحدى رب العالمين بلسان حاله وكأنه يقول: يا رب أنا غير راض عن تقسيمك هذا الرزق بين العباد، وهو دائم الضجر والقلق والاكتئاب.
- إن من موجبات كبت الشعور بالحسد؛ هو القضاء على ما يوجب الحسد من قبيل الإكثار من النظر إلى متاع الحياة الدنيا من الحور والقصور والسيارات الفارهة وما شابه.