- ThePlus Audio
الحذر من الطاعة التي تنسجم مع إختيار النفس
بسم الله الرحمن الرحيم
الإنسان عليه أنْ ينتبه غاية الإنتباه إن أراد ان يتقرب الى الله عز وجل بطاعة ما وبشكل سوي، فعليه أنْ يختار الطريق الذي يطمئن الى أنَّه هو الموصل الى الله (عزّ وجلّ)؛ لأنَّ الانسان عندما يريد اختيار عمل مستحب أو واجب، غالباً ما يرجح جهة اليسر في القضية أي ما تميل إليه النفس وفي الغالب طبيعة هذه النفس وخاصةً التي تقنع بشيء من التكامل تحاول أنْ تتحايل عندما تريد أنْ يقوم الإنسان بطاعة، فعند اختيار أفراد الطاعة تحاول أن تدفعه إلى إختيار الطاعة المحببة واليسرة إليها، فمثلا؛ عندما يريد أن يقوم بطاعة معينة كصلة المؤمنين وزيارتهم، ربما تأتي إلى ذهنه شخصيتان، أحدهما تكون زيارته محببة الى نفسه ويميل اليها؛ لأنَّه يحبه أو تربطه معه صلة أخرى، وآخر زيارته غير محببة اليه؛ لعدم وجود التوافق النفسي بينهما أو لشيء آخر، ولكن احتمال حصول الخير في الثانية وارد جداً، كأنْ يأمره بمعروف وينهاه عن منكر، أو يدله على خير أو يقضي له حاجة، لكن في الغالب تميل النفس إلى جهة من اليسر فتدفع الإنسان لزيارة الأول دون الثاني.
أو مثلاً يدور الأمر عند شخص بين قراءة القرآن أو أحدى الصلوات المستحبة، فكلاهما أمر عبادي مستحب يستحق عليه الثواب، لكن نجده يميل عادة إلى المستحب الذي ينسجم مع نفسه ومزاجه، وهنا يجب أن يكون يقضاً ويختار ما هو الأقرب لله (تعالى) وما فيه الثواب الأكثر.
المؤمن لا يقترح العبادة على الله (تعالى)
مما تقدم عرفنا أنَّ البعض ربما في مقام الترجيح قد لا ينظر إلى رضا المولى في ساعة معينة من ساعات الطاعة، فقد يكون عدم الذهاب الى المسجد والحرمان من صلاة الجماعة في اول الوقت هو المطلوب لله (عزّ وجلّ)؛ ذلك لأنَّه يريد مقام آخر للعبد أفضل له في طريق التكامل، كأنْ يكون مقام قضاء حاجة المؤمن، نعم ربما قد تكون قضاء هذه الحاجة مكلفة مالياً و نفسياً، لكن على المؤمن المنتبه اليقظ، أنْ يوجه نفسه بأنْ تتعلق بالطاعة التي يريدها المولى لا ما تميل إليها نفسه؛ كي يرتقي بها إلى مقامات تكاملية عالية؛ ولهذا فإنَّ الشيطان اقترح العبادة الطويلة مقابل السجود لآدم، فهو لم يجعل الطرف الثاني في الترجيح معصية في ذاتها، لكن ما فعله كان موجباً لطرده من ساحة القدس الإلهي؛ لأنَّه رجّح ما مالت له نفسه ورغباته وإنانيته، وهذه النقطة وهي ترجيح ما تريده النفس، لا شك أنَّ للشيطان دوراً في التزيين لها بشكل خفي قال (تعالى): (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)[١]، إذن هو يحسب أنّه يحسن صنعاً، والكلام ليس مع إنسان متورط في الباطل بل مع إنسان يرى نفسه أنَّه على الطريق، ولهذا تجده لا يسمع النصيحة باعتبار أنَّ طريقته هي الطريقة الصحيحة، وأنَّ سلوكه هو السلوك الحسن، ولهذا هناك بعض المقاييس في هذا المجال لابدَّ أنْ نلتفت اليها:
ما كان أكثر مشقة على النفس
ينقل عن مولانا وإمامنا أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) عندما كانت تعترضه عبادتان أو فعلان كان يختار أشقهما على النفس، فمخالفة النفس في الواقع في أنها تأبى هذه العبادة أو هذا العمل؛ علامة من علامات المقبولية عند الله (عزّ وجلّ)؛ لذلك نلاحظ أنَّ النفس في القرآن الكريم وفي الروايات متهمة قال (تعالى): (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي)[٢]، (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)[٣]، هذه طبيعة النفس ولهذا يمكن ان نتخذ مخالفة هوى النفس من مقاييس قبول الله (عزّ وجلّ).
تقدم الاثر الغيري على الاثر الشخصي
من المقاييس التي يمكن أنْ نرجح بها بعض افراد المستحب أو بعض افراد الواجب عند التزاحم في الآثار الخارجية، هو ما تلاحظه وتحث عليه الشريعة دائما وهو تقدم الأثر الغيري على الأثر الشخصي، فعند مزاحمة عمل مستحب ينفع شخص على نحو الخصوص مع مستحب آخر ينفع الآخرين، فمثلاً لو دار الأمر بين ركعتين في صلاة خاشعة يصليها إنسان وبين حديث ينفع الآخرين ويخرجهم من الظلمات الى النور، بلا شك أنَّ أثر العبادة يعود الى نفس الشخص دون غيره بخلاف العمل الثاني، لكن نكاد نقطع بأنَّ الله (تعالى) يريد الثاني الذي أثره يعود إلى الآخرين؛ ولهذا في روايات أهل البيت (عليهم السلام) دائماً تتم المقارنة بين العالم وبين العابد وترجيح العالم على العابد لهذه الخصوصية؛ ذلك أنّه أثر وجود العالم عام أما العابد فأثر وجوده خاص.
قلب المؤمن
أيضاً من النقاط التي نتخذها مقياساً في هذا المجال، وإن كان هذا المقياس ليس دقيقًا جداً، النفحات الرحمانية التي ترد على قلب المؤمن فربما يكون دليله، فالانسان مثلا كلما زار مريضاً أحس بوجود نفحة إلهية، أو كلما اقرض قرضاً أحس بهذه النفحة، لكن ربما هذه النفحات تغب بعد أعمال معينة، فينبغي أنْ يكون فطناً ويستقرئ مجموعة هذه النفحات ويرى بأن هذه النفحات تأتي عند أي عمل فيحاول أن يركز على تلك الاعمال، وإنَّما قلت بأنَّها ليست مقياساً دقيقاً لأنَّ النفحة قد تكون نفحة الهية محضه لا ترتبط بالعمل، إذن هذا أيضاً من المقاييس في هذا المجال.
خلاصة المحاضرة
- الانسان عليه أن ينتبه غاية الإنتباه إن أراد ان يتقرب الى الله عز وجل بطاعة ما، فعليه أن يختار الطريق الذي يطمئن إنَّه هو الموصل الى الله عز وجل؛ لأنَّ الانسان غالباً ما تدفعه نفسه إلى إختيار الطاعة المحببة إليها، فمثلاً عندما يدور الامر بين قراءة القرآن أوأحدى الصلوات المستحبة نجده يميل عادة الى المستحب الذي ينسجم مع نفسه ومزاجه.
- فربما في مقام الترجيح قد لاينظر الى رضا المولى؛ لأنَّه ممكن أن يكون مثلاً الحرمان من صلاة الجماعة في اول الوقت هوالمطلوب؛ ذلك لأنَّه يريد مقام آخر للعبد افضل كأن يكون مقام قضاء حاجة المؤمن، وعلى المؤمن المنتبه أن يوجه نفسه بأن تتعلق بالطاعة التي يريدها المولى لا ما تميل إليها نفسه؛ ولذلك نجد الشيطان رجّح ما مالت له إنانيته دون أمر الله تعالى، فلابدَّ من أن نلتفت لمقاييس في هذا المجال منها:
- إختيار ماكان أكثر مشقة على النفس.
- تقدم الاثر الغيري على الاثر الشخصي.
- قلب المؤمن.