س١/ هل من سبيل لإضفاء الجمال في الباطن؟..
إن كلمة الجمال مما تستهوي عامة الناس، وخصوصا الجانب النسائي، لأن المرأة بطبيعتها الأنثوية وفطرتها ترى بأن الجمال هو رأس مالها، ويشجعها على ذلك تكالب الرجال على الجمال الظاهري.
ومن المعلوم بأن الجمال له بعدان:
الأول: الجمال الظاهري المرتبط بعالم الأبدان:
والذي هو عبارة عن تناسق الأعضاء، وخصوصا الوجه، لأن جمال المرأة في وجهها وشعرها، وإلا فما دون الرقبة فالأمور متشابهة.. ومن المعلوم أن هذا الجمال أمر نسبي، بمعنى أنه مختلف من شخص لآخر، فقد يرى إنسانا هذا الوجه جميلا، وإنسانا آخر لا يراه جميلا.. ومن الطريف ما ينقل عن أحد العشاق، أنه لما قيل له أن هذه التي أنت مغرم بها، ليست على مستوى متميز من الجمال، فلم أنت هائم بها هذا الهيام؟!.. فكان جوابه: أنت ما نظرت لها بعيني، أنا الذي أرى هذا الجمال!.
والثاني: الجمال الباطني المرتبط بعالم الأرواح:
إن هذا الجمال يعطى للمؤمن، وخصوصا للذي يلتزم بصلاة الليل.. فالزوجان إذا التزما بصلاة الليل، فيما التزما به، في الليلة الأولى من الزفاف، وصار بناؤهما على الاستمرار بذلك، ولو بالحد المختصر الأدنى، فلا شك أن ذلك يوجب لهما كسب هذا الجمال.. ومما يفهم من روايات أهل البيت (ع) أنه الجمال الحقيقي، ولا يقاس به جمال الوجه، ولون البشرة، ونعومة الشعر وما شابه ذلك، وذلك لأمور:
أولا: أنه جمال ثابت: فما يعطى للعبد من الجمال الروحي والنور، لإقامته لصلاة الليل، يبقى معه في الدنيا، وعند الاحتضار، وفي البرزخ، وفي القيامة.. وروي أنه سئل الإمام زين العابدين (ع): ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها؟.. فقال: (لأنهم خلوا بربهم فكساهم الله من نوره).
وثانيا: أنه جمال لا يمل منه: بخلاف الجمال الظاهري الذي مع مرور الأيام والتكرار، يصبح مملولا منه، فكل نعيم دون الجنة مملول منه.
وثالثا: أنه جمال كسبي: إن الجمال الظاهري، جمال يرسم في عالم الأجنة والأرحام، فمن ولد قبيحا لا يصبح فيما بعد جميلا.. ولكن الجمال المعنوي، أعمق وأدوم، واختياري، وهو الصفة الجاذبة.. فقد يكون الإنسان من أقبح الناس روحا، ولكنه في ليلة من الليالي، يصبح من أجمل الناس روحا.. وأقرب مثال على ذلك: هو الحر بن يزيد، فما اكتسبه في يوم عاشوراء، ما اكتسبه في ليلة التاسع، ولا قبل ذلك، بل كانت لحظات وإذا هو كسب النعيم والخلود الأبدي، بما اكتسبه من جمال روحي في تلك اللحظات.
إن الإنسان من الممكن في لحظات أن ينزع منه رب العالمين بشرته الروحية القاتمة القبيحة، ويستبدلها ببشرة من أجمل أنواع الجمال البشري الروحي، المرتبط بالجمال الإلهي.
س٢/ إن الزهد في الدنيا من الأمور اللازمة التي لا تنفك عن المؤمن.. فكيف يمكن الجمع بين الزهد في الدنيا، والتلذذ بما أحله الله تعالى لنا؟..
لا بأس بالتلذذ بعناصر الدنيا، عملا بقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}.. إن هناك فرقا بين التلذذ الطبيعي والبشري والأنس والارتياح الباطني، وبين أن يكون الإنسان أسيرا للذائذ.. فالإنسان عندما يأكل الفاكهة، فمن الطبيعي أن يعيش حالة من حالات الارتياح، ولكن لا ينبغي أن يجعله ذلك، أسيرا لهذه اللذة..
أولا لأن هذه التلذذات مؤقتة، ولا توجب الأسر، فالإنسان مادام يأكل يتلذذ، ما دام مع زوجته يتلذذ، ما دام على فراش وثير يتلذذ.. ولكن هذه لذائذ فانية، ومتقطعة، وتسلب حتى في الدنيا.. مثلا لو أنه كان على مائدة شهية، فمدتها نصف ساعة، وبعد الفراغ من المائدة وقيام الكل، ليس هنالك إلا ثقل المعدة والتجشؤ والغازات وما شابه.. وكما ورد: (ليس الزهد أن لا تملك شيئا، بل الزهد أن لا يملكك شيء)، فالمطلوب هو عدم التعلق الزائد بعناصر المتاع الدنيوي، إلى درجة الوقوع في الأسر.
ثم إن المؤمن لا ينظر إلى اللذائذ الدنيوية، بمنظار التلذذ البحت، بل إنه يتزود بها لآخرته، كما ورد: (المؤمن يتزود، والكافر يتمتع).. هناك فرق بين المتعة المجردة، وبين المتعة التي هي مقدمة لأمر آخر.. لا ينكر أن المتزوج يتمتع بزوجته، ولكنه ينوي بذلك إنجاب ذرية صالحة، تكون صدقة جارية له بعد موته، فحتى يصل لهذه الذرية الصالحة، لابد أن يتمتع، فالمتعة مقدمة للتزود للآخرة.. وكذلك الصائم عندما يستيقظ لأكل طعام السحور، فهو يهيئ نفسه لصيام ذلك اليوم. إن هذا هو الفرق بين تلذذ المؤمن، وتلذذ غير المؤمن.
س٣/ إن الجمال الظاهري للبعض من الأمور المهمة، وعنصر جذب وربط، في الحياة الزوجية.. ومن المعلوم أن هذا الجمال مع تقدم العمر مآله إلى الزوال.. فما هي النصيحة لهؤلاء؟..
كما ذكرنا آنفا إنه إذا كانت عين الرجل، منصبة على الجمال المادي والبشري، فهذا الجمال مع الأيام يزول، ومن ليلة الزفاف يبدأ العد التنازلي لبهجة الحياة الزوجية المادية، ففي كل يوم يمر، يتناقص الجمال، وتزداد التجاعيد.. أضف إلى أنه مع التكرار في النظر، يتعود الإنسان على هذا الوجه الجميل، فيصبح أمرا عاديا مألوفا، ويصل إلى درجة أنه لا يرى فيه جمالا.
إن الذي يبقي العلاقة الزوجية، علاقة وطيدة إلى آخر العمر، بل تزداد عمقا وارتباطا، إذا كان الزوجان يعملان بقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}.. والملفت أن الآية لم تذكر إلا المودة والرحمة والسكون، وهذه معان قلبية مجردة، غير متقومة بالمادة.. ومعنى ذلك، أن تقادم الأيام لا يؤثر فيها، فالأيام إنما تؤثر في الجلد والبشرة والشعر واللون، أما المودة والرحمة فلا تؤثر فيها، بل إنها تزيد.. وأقرب مثال يؤكد هذه الحقيقة، ما نلاحظه على الأم حديثة الولادة، إذ عندما تنظر إلى وليدها المولود من يوم أو يومين، فإنها تعيش حالة من التعلق به، وتحمل له المودة والرحمة، وهذه الحالة في ازدياد مع الأيام، وخاصة إذا رأت ما يربطها بالولد، وعندما يصبح الولد في سن الزواج، وهو مؤمن صالح.
فإذن، إن الحل لإبقاء جذوة الحياة الزوجية، مشتعلة ومستعرة، هو التأكيد على البعد المعنوي في الحياة الزوجية، الذي أشارت إليه الآية الكريمة.
وأن يعلم أن هذه العلاقة، علاقة مستمرة إلى أبد الآبدين.. فعلاقة المؤمن بغير المؤمنة الجميلة، علاقة مؤقتة، وتنتهي بالقبر، حيث هي تعذب في النار، وهو ينعم في الجنة، فالعلاقة علاقة افتراق بالموت.. أما المؤمن والمؤمنة، ففي يوم القيامة رب العالمين يجمع بينهما، كما وعد في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}، حتى أن العبد يسأل عن خادمته لتكون معه.
فعليه، إن الذي ينظر إلى الزوجة على أنها صديقة الأبد، لا صديقة الدنيا، وشريكة العمر الخالد، لا شريكة العمر الدنيوي؛ فلا شك أن العلاقة بينهما تصبح أكثر عمقا وجاذبية.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.