– قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}.. هناك حقيقة في هذه الآية، وهي: أن على الإنسان الجمع بين عالم التشريع وعالم التكوين.. فعندما يريد الإنسان أن يصلي لله -عز وجل- عليه أن يعلم أن الذي أمر بهذه الصلاة، هو الخالق لهذا الوجود.. ومن هنا ورد في الرواية المعروفة (سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل.. وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل.. ورجل قلبه معلّق بالمساجد.. ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه.. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله.. ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.. ورجل ذكر الله خاليًا، ففاضت عيناه). فالمرأة ذات المنصب والجمال؛ أي التي تجمع بين الاقتدار والجمال، فهذا الجمع هو الذي يوجب التعلق، وهاتان الصفتان موجودتان في رب العالمين: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا}.. ولكن الملكوت يحتاج إلى جهاز تصوير، ينتقل من القشرة إلى الجرم، ومن الظاهر إلى الباطن.
– قال تعالى {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}.. ولو أراد خلقها في لحظة لفعل؛ إذ هو القادر على أن يقول للشيء: كن فيكون!.. (فهي بمشئتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون نهيك منزجرة).. ولكنه أراد أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور، وفي الآية دلالة على نظام التدريج.. ومن ألطاف الله -عز وجل- بعبده المؤمن في الجنة، أن يعطيه صفتين من صفات الألوهية.
– الصفة الأولى: الخلود، وقد ورد في الروايات: (أن المؤمن تأتيه التحف من الله: من الحي الذي لا يموت، إلى الحي الذي لا يموت).. هو حي لا يموت بقدرته، والمؤمن حي لا يموت بإفاضته.
– والصفة الثانية: يصبح كرب العالمين، يقول للشيء: كن فيكون، {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولا}.. فالمؤمن في الجنة، بمجرد أن يتمنى شيئا يجده أمامه.. وهذه صفة إلهية، بل أن البعض يصل في دار الدنيا لهذه المرتبة، وهذا الحديث المروي في كتب الأخلاق والعرفان يؤكد ذلك: (عبدي!.. أطعني تكن مثلي، أقول للشيء: كن!.. فيكون.. وتقول للشيء: كن!.. فيكون).. لأن الذين جعلوا جوارحهم رهن أمر الله -عز وجل- فإن هذه الجوارح لا تخالف أمر الله -عز وجل- وتصبح جوارحهم كجوارح الملائكة، والقرآن الكريم يصف الملائكة بأنهم {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}.. وعندما يصل المؤمن إلى درجة الملائكة، يكون لا أمر له ولا إرادة له في قبال الله عز وجل.. إن الجوارح إذا أصبحت مجرى لامتثال الشريعة، فإن القلب أيضاً يصبح مجرى للفيوضات الإلهية.. فإلهية الجوارح منوطة بالإنسان وبمجاهدته، ولكن إلهية القلب هبة من الله عز وجل.. والجائزة العظمى للمتقين، أن تتحول نفسه إلى نفس إلهية من الله عز وجل.. والله -عز وجل- يقول: (من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب.. وما تقرب إلى عبدي بشيء، أحب إلي مما افترضت عليه.. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها.. وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه.. وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن نفس عبدي المؤمن: يكره الموت، وأنا أكره مساءته).
– إن النفس من الممكن أن تصبح نفساً إلهية، فالخضر (عليه السلام) أمره متحد مع أمر الله (عز وجل)، وقال لموسى (عليه السلام) عندما طلب منه مرافقته: {.. إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}. فالشريعة تقول: إياك أن تتلف مال الغير، ومن أتلف مال الغير فهو له ضامن، ولا يجوز التصرف في ملك الآخرين، فكيف خرق الخضر السفينة؟.. {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا}!.. لأن موسى (عليه السلام) يأخذ علمه من الشريعة، ولكن هذا العبد آتاه رب العالمين من لدنه علما، فكان يأخذ الأوامر من العرش، ولهذا تخالفت الشريعة في هذا المجال مع أوامر العرش.. وكذلك عندما قتل الصبي البريء {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} قال: نعم، إنه أمر إلهي أن أقتل هذا الطفل؛ لأن مستقبله سيء.. وهكذا في مسألة إقامة الجدار.. إن موسى (عليه السلام) من أولي العزم، فهو كليم الله، نبي مدلل يقترح على الله -عز وجل- عندما يقول الله -عز وجل- له: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} يقول موسى (عليه السلام): {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ}.. ولكن رب العالمين أراد أن يقول لموسى عليه السلام: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }.. أي يا موسى!.. أنا لي عباد على وجه الأرض، هؤلاء ربيتهم بيدي لا من خلال وحي الأنبياء.
– إن رب العالمين كان بإمكانه أن يبني السماوات والأرض دفعة واحدة، ولكنه خلقها في ستة أيام.. وذلك ليعلم الإنسان، أن الوجود مبني على التدرج.. فالإنسان له الحق أن يطلب من الله حوائج كثيرة، ولكن عليه أن لا يستعجل، ويفوض الأمر إليه، ليقضي له الحاجة في الساعة المناسبة.. يقول المعصوم (عليه السلام): (يتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا، مما يرى من حسن الثواب).. فإذاً على الإنسان الدعاء، والله -عز وجل- إما: أن يعطيه الحاجة معجلة، أو يعطيه الحاجة مؤجلة، أو يعوضه الحاجة في عرصات القيامة. فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إن العبد ليدعو، فيقول الله –عز وجل- للملكين: قد استجيبت له، ولكن احبسوه بحاجته، فإني أحب أن أسمع صوته…).. إذ أن الإنسان عندما يقع في الأزمات لا يترك صلاة الليل، ولكن عندما تقضى الحاجة ينتهي كل شيء.
– من منا ليست له أزمة في حياته؟.. لذا على العبد أن يتخذ الله -عز وجل- أنيساً له في ساعات الرخاء، كي تقول الملائكة عندما يناديه في الأزمات: (هذا صوتٌ كنا نسمعه).. فالشاب الذي يصلي ركعتين في ليلة الزفاف، فعندما يُبتلى هذا الشاب يقول: يا رب!.. أنا لست بزبون جديد، أنا زبونك دائماً؛ فليلة الزفاف ذكرتك بركعتين، وعلى سرير المستشفى أيضاً ذكرتك بركعتين.. من يوفق للعمرة أو للحج، فليقف قبل الأذان بساعة ونصف على باب جبرائيل على هيئة المستجدي، وإذا فتح الباب فليقل: السلام عليك يا رسول الله!.. اشهد بأنني أول المسلّمين عليك!.. ووقت إقفال الروضة والحرم النبوي الشريف، أيضا فليذهب وليقل: السلام عليك يا رسول الله، أنا آخر المسلّمين عليك!.. حتى يأخذ بعض العطايا الخاصة من رسول الله (صلى الله عليه وآله).. حيث أن هنالك ضيافة عامة للجميع، وضيافة خاصة.. فالمؤمن الحريص لا يقنع بالضيافة العامة، بل يطمع بالضيافة الخاصة.
– إن أحد العلماء كان ملتزماً أن يقف وراء الباب في الحرم الرضوي الشريف، وبمجرد أن يفتح يدخل على الإمام مسلماً، فيكون أول المسّلمين.. وفي أحد الأيام وقع على فراش المرض، فأخذ يناجي الإمام (عليه السلام): يا أبا الحسن!.. مضى وقت طويل، وأنا آتيك أول زائر خلف الأبواب المغلقة في الثلج، وفي المطر.. وأنا الآن على فراش المرض، فزرني.. فرأى هذا العالم الإمام (عليه السلام) في المنام، وقدم له باقة ورد، أو ربما وردة واحدة.. فعندما استيقظ من النوم، وإذا به يرى خاصية الشفاء في يده.. نعم، وردة لامست يد الإمام الرضا (عليه السلام) هذه الوردة وردة رضوية، واليد التي تلامس هذه الوردة، تصبح يد رضوية، وكان يشفي الناس بالمسح عليهم.. بعد فترة رأى أن الخاصية خفت، وجعل السبب في ذلك مصافحة الفسقة.. فكما أن الوردة تعطي البركة، فإن مصافحة الفسقة أيضاً تذهب بالبركة.. ولا استغراب في ذلك، إذ أن قبر النبي (صلى الله عليه وآله) أو المعصومين (عليه السلام) ليس كباقي القبور، وأجسادهم ليست كباقي الأجساد.. وهناك ثلاثة أمثلة قرآنية تدل على ذلك:
– المثال الأول: قميص يوسف، إنه قميص لامس بدن يوسف (عليه السلام) فترة من الزمن، فصار قميصاً إعجازياً، وعندما ألقوه على وجه أبيه، بعد أن {..ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}، ارتد بصيرا.
– والمثال الثاني: تابوت موسى، التابوت أي الصندوق الذي وضع فيه موسى (عليه السلام)، وألقي في اليم، يقول تعالى في كتابه الكريم: {يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}.. فالسكينة أمر معنوي، والتابوت خشب، فما الرابطة بين الخشب وبين السكينة؟.. السر في ذلك البركة التي جعلها رب العالمين في هذا التابوت.
– المثال الثالث: السامري عدو موسى، وهو صاحب إغواء الناس في عبادة العجل {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}.. ما الذي فعله السامري؟.. يقول: {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}، لقد استفاد من بركات التراب الذي كان تحت مركب جبرائيل، مع أنه إنسان منحرف.. وهذا العجل عبارة عن ذهب أخذوه من الفراعنة، فهذه الأموال المسروقة، هي التي تحولت إلى عجل، يعبد من دون الله.. فهذا المال ليس فيه بركة، إذ أن المال المسروق لا بد وأن يظهر أثره في نفوس الناس في يوم من الأيام.
– قال تعالى {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}.. آية مختصرة، ولكنها درس بليغ في أدب الحوار مع الغير.. إن هذه الأيام الحواريات متنوعة عبر المنتديات والمواقع والفضائيات، وهذه الحوارات الساخنة عبر التلفاز وغيره.. فيجتمع اثنان مختلفا المذهب كل واحد متعصب لمذهبه، ويبدأ الصراع كنقر الديوك.. هل هذا أسلوب حواري؟!.. يفترض بالإنسان إذا سئل أن يجيب، وإذا حاوره إنسان منطقي أن يتحاور معه.. أما أن يتعالى عليه بمذهبه، أو يحاول أن يظهر قوة مذهبه في شيء شخصي، فهو يريد أن يثبت أن مذهبه خير المذاهب؛ لأنه هو من أصحاب هذا المذهب.. فإن النية تصبح انتصارا لذاته، لأنه ينتمي لهذه المدرسة، وليس غرضه الحديث الذي يرضي الله عز وجل. فيشتد النزاع، ولا يصلوا إلى نتيجة. وفي روايات أهل البيت (عليه السلام) هنالك ما يؤيد هذا الكلام.. يقول في الحديث: (أنبذ إليه الحديث نبذاً).. فالسيد شرف الدين، والشيخ الأميني يوم القيامة من أقرب الناس من حوض الكوثر عند علي (عليه السلام).. هذا بغديره، وهذا بمراجعاته.. فهذه ثمرة الحوارية الهادفة.
– إن أحد العلماء الأجلاء يقول: (ذهبت للمدينة المنورة في موسم زيارة، دخلت محل تجاري، وإذا بي أقع في صراع، في بحث منهجي مع صاحب المحل، قال: رأيت أن البحث لا يفيد قلت له: يا حاج!.. هذا المحل التجاري ليس محل بحث علمي.. تعال نذهب إلى مكان هادئ، ونتباحث أمر الخلافة والإمامة.. قال: جيد أنا مستعد، قلت له: الآن نذهب، وليس بعد فترة، وأنا أصر على كلمة (الآن) لغرض.. قال لي: لماذا تصر الآن، يا أخي المحل تجاري، كيف أتركه؟.. يجب أن أضع فيه إنسانا ينوب عني، ثم نذهب للنقاش.. عندها قلت له: محل تجاري، لا تتركه من دون خليفة ووصي.. ورسول الله (صلى الله عليه وآله) ترك الأمة من دون وصي)!.. فإذن، إذا أراد الإنسان أن يناقش، فليناقش هكذا، ليوصل الفكرة على أحسن ما يكون .. لأن الجدلية تقسي القلب، الإنسان العاقل يحاول أن يتحاشى الجدل {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}.
– إن الإنسان في بعض الأوقات قد يتورط مع من هو ليس بجاهل، ولكن في تلك الساعة يكون من الجاهلين، مثلا: زوجة مؤمنة، وتقية، وأستاذة محاضرة، لها منصب في الحوزة.. ولكن عندما عادت إلى البيت، فهي تعبة منهارة عصبياً؛ تتحدث بخشونة، فهي في هذه الساعة من الجاهلات.. لذا لا ينظر إلى شهاداتها الجامعية، وإلى مداركها الحوزوية في هذا الوقت.. ليس المراد بالجاهل طوال الوقت، بل في بعض اللحظات أيضا. إن الذين يشتكون من الغضب والعصبية، علاجه كلمة واحدة: لا تواجه إنسانا في جو عصبية، سواء: هو أو أنت أو كليكما، مادام الجو متوترا، والجو جو اشتعال الباطن.. يقول العلماء: (ملكوت الغضب ملكوت ناري)؛ لأنه يحرق الإنسان بكل أبعاده.. إذا أخذت صورة لأحد أثناء غضبه، ربما يدفع الأموال الطائلة حتى تحذف هذه الصورة؛ لأنها صورة شيطانية.
– إن أحد النصارى كان يشتم الإمام محمد الباقر (عليه السلام) قائلاً له: أنت بقر، فيرد (عليه السلام) عليه: «أنا باقر»، فيقول: أنت ابن الطباخة، فيرد (عليه السلام): «ذاك حرفتها»، فيقول: أنت ابن السوداء الزنجية البذية، فيرد (عليه السلام): «إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك». فما كان من النصراني إلا أسلم لما رأى عظيم أخلاق الإمام (عليه السلام).. هذه هي الأخلاق النبوية، إذ كان بإمكان الإمام أن يستعمل الاسم الأعظم ويقلبه إلى بهيمة، ولكن أراد أن يعلمنا درساً في التحمل. ونحن -مع الأسف- بعض الأوقات نسمع كلمة نابية ننقلب رأساً على عقب، بينما عباد الرحمن من صفاتهم أنهم {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}.
– إن الإنسان يعرف قربه من الله -عز وجل- في ساعتين: ساعة اشتداد الشهوة، وفي ساعة الغضب.. إذ من الممكن أن يصادر من الإنسان مكتسبات سنوات عديدة في هاتين الساعتين.. لذا على المؤمن أن يحذر ساعة الشهوة، وساعة الغضب أيضاً!..
– هناك أحد الشباب المهندسين في غاية الورع والتقوى، وذلك بفضل موقف يوسفي مر به عندما كان يدرس في الغرب.. إذ طلبت منه إحدى الفتيات أن يعلمها القرآن، فكان يأتي إلى منزلها بوجود أهلها.. فطلبت منه أن يأتيها في اليوم الثاني في ساعة معينة، وعندما أتى لم يجد أحدا في المنزل، وإذا بها تحاول أن تقوم بحركات غير طبيعية، فخرج هاربا.. إنه موقف قصير، ولكن لحظات من الاستقامة جعلته في غاية التقوى والورع.. فلو زل لحظات، لانتهى الأمر.. فشهوة ساعة، وندامة أبدية.. إن البعض يبحث عن هذه المواقف، حتى يثبت عبوديته بين يدي الله -عز وجل- كلنا نعيش خطورة في هذا المجال، (الناس هلكى، إلا العالمون.. والعالمون هلكى، إلا العاملون.. والعاملون هلكى، إلا المتقون، والمتقون على خطر عظيم).
– أما بالنسبة إلى الغضب: فهذه قصة قابيل وهابيل، عندما قدما قربانا، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فغضب قابيل وقام بقتل أخيه، بينما هابيل قال له: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.. أوَ تعلم أن كل قطرة دم تراق إلى يوم القيامة في عنق قابيل، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة، كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.. ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا)، وقابيل سن القتل على الأرض، {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.