– إن البعض قد يسأل عن مناسبة ارتباط موضوع الصلاة الخاشعة بأيام محرم وعزاء الحسين (ع) فنقول:
إن الحسين (ع) -كما هو مأثور- استمهل القوم ليلة للصلاة بين يدي الله عزوجل.. والصلاة هي قرة عين الرسول الأكرم (ص) -كما ورد في الحديث- ثم إن الإنسان المؤمن إذا أتقن صلاته، فإنه يستفيد من ذلك في مجال حياته الشخصية والجهادية كالأئمة (ع)، حيث كان إذا أهمهم أمر يفزعون إلى الصلاة، وخاصة في المساجد وفي وقت الخلوات.. فالإنسان بإمكانه عند زيارته لبيت من بيوت ربه، أن يصلي ركعتين بين يدي الله عزوجل، ويطلب منه ما يريد..
أنقل لكم هذه القصة -وقد كنت أحد أطرافها- لبعث الأمل في النفوس اليائسة، وبيان دور الصلاة في حياة المؤمن:
كنا في القاهرة قبل سنوات عديدة والتقيت بأحدهم، وكان عنده أطروحة جامعية حول أسلوب السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان، وقد طلب مني أن أحضر له السيرة الذاتية للسيد صاحب الميزان.. ولما رجعنا إلى قم نقلت له هذا الخبر المفرح، وطلبت منه سيرته الذاتية.. فقال: بأن سيرته في الكتب موجودة، ولكنه يحب أن ينقل لنا هذه القصة من حياته، وهي:
أنه كان يتيم الأبوين، ولما كان صغيراً كان له أستاذ يعلمه اللغة العربية، وكان السيد لا يستوعب حتى أبسط دروس النحو، حتى جاء ذلك اليوم الذي ضاق منه الأستاذ ذرعاً، فكانت منه كلمات قاسية أثرت في السيد، مما جعلته يعيش حالة الحزن الشديد واليأس.. ومن المعلوم أن اليتيم رقيق القلب يبكي بأقل كلام، والعرش يهتز لبكاء اليتيم.. فقام وصلى ركعتين لله عزوجل، وسأله أحد أمرين: إما أن يرزقه الذكاء وقوة الفهم ليستوعب الكتاب، أو يقطع لسان الأستاذ عنه.. ثم بعد هذه الصلاة تغير حاله، وأصبح يفهم الكتب من دون مراجعة الأستاذ.. وإذا بهذا الذي لا يفهم النحو واللغة العربية، يؤلف هذا الكتاب الخالد، ويصبح فيلسوف الشرق والغرب.
الدرس الذي يمكن أن نأخذه من هذه القصة: أن الإنسان بإمكانه أن يغير مجرى حياته، ويحقق مراده بتوجه صادق لله عزوجل، فهو الذي بيده خزائن كل شيء، ولكن الأمر يحتاج إلى صدق واستحقاق..
– ذكرنا بأن من يريد الخشوع في الصلاة، فإن عليه الاعتناء بمقدمات الصلاة، وقد بدأنا بالطهور وقلنا: أنه من الممكن أن يبدأ الإنسان تفاعله من حين الوضوء.. ومن المناسب أن يحاول الإنسان قدر الإمكان أن يكون على طهور، لأن الحدث الذي يصيب الإنسان -بنوعيه الأصغر والأكبر- يوجب ظلمة باطنية، أضف إلى أن المحدث ممنوع من بعض الأمور التعبدية.. ومن المعلوم أن هذه الظلمة ترتفع بالوضوء والغسل، ومن هنا فإن أولياء الله والعباد الصالحون، عندما يحدثون فإنهم يبادرون إلى الوضوء وإلى الغسل..
وهنا إشارة للأخوات المؤمنات:
البعض يظن بأن المرأة معفية عن العبادة في أيام شهرها، والحال بأنها معفية من الصلاة لا من العبادة.. فالقرآن الكريم، والدعاء، والجلوس على المصلى، والمناجاة مع رب العالمين كلها عبادة.. والبعض كأنه يريد أن يتحلل من كل القيود!.. فالتي تترك كل صور العبادة في أيام إلى عشرة، فإن ذلك سيعود عليها بقساوة القلب وموته.. فإذن -كما هو المطلوب شرعاً-: على المرأة أن تجلس في أوقات الصلوات في مصلاها، وتذكر الله تعالى.. ومن المعلوم أن ذكر الله -تعالى- في بعض الأوقات، قد يكون أبلغ، لأن المرأة متحرقة على حرمانها لصلاتها..
قال النبيّ (ص): يقول الله تعالى: (مَن أحدث ولم يتوضّأ فقد جفاني، ومَن أحدث وتوضّأ ولم يصلّ ركعتين فقد جفاني، ومَن أحدث وتوضّأ وصلّى ركعتين ودعاني ولم أُجبه فيما سألني من أمور دينه ودنياه فقد جفوته، ولست بربٍّ جاف).
من الواضح أن العمل بهذا الحديث يحتاج إلى همة عالية، ولكن الميسور لا يترك بالمعسور، فالإنسان بإمكانه أن يمشي في هذا الوادي -وادي عدم الجفاء- مع حذف الصلاة.. أي أنه كلما أحدث يتوضأ، وكلما توضأ يدعو الله عزوجل، ويكفي أدعية الوضوء..
وهذه الأيام المياه متوفرة بسهولة، بعكس الأيام الماضية -أيام شح المياه- حيث كان جلب الماء من البئر يحتاج إلى جهد، وفي عز الشتاء كان يحتاج إلى تسخين، فالوضوء كان معاملة من المعاملات، فكيف بالغسل؟!.. فقد كان يحتاج إلى برمجة مسبقة، وخاصة بالنسبة للنساء!..
أما هذه الأيام فالماء في متناول اليد، والإنسان الذي يذهب إلى الحمام، كيف يجتاز هذا المكان، ولا يكلف نفسه الوضوء بين يدي الله تعالى؟!.. إلا أن مشكلة الوسواسي، أن الوضوء مكلف ومتعب بالنسبة له، وبالتالي فإنه يحرم نفسه من بركات الوضوء، لأنه أصيب بالوسواس في العبادات..
ومن بركات الإنسان المؤمن الذي يتعود الوضوء الدائم، أنه إذا أحدث يرى ملكوت الحدث، أي يرى نفسه في حالة من حالات عدم الطهر.
– ذكرنا أيضاً أن تخصيص مكان للصلاة من موجبات تحقيق الصلاة الخاشعة، وأن ذلك فيه نوع من التأدب والاعتناء بمكان اللقاء الإلهي، أضف إلى أن الأمر فيه ارتباط نفسي.. من المعلوم تجربة ذلك العالم الروسي، حيث أنه كان يقدم الطعام لحيوان ويقرن ذلك بصوت الجرس، وبعد فترة صارت هنالك حالة من التلازم عند الحيوان بين الطعام وبين هذا الصوت، ولما منع عنه الطعام وضرب الجرس، رأوا أن شهيته فتحت للطعام، لأنه تذكر الطعام المقترن بالجرس.. وتطبيقا لهذه القاعدة نقول: إن الإنسان من الممكن أن تمر عليه فترات في حياته ويرق فيها في الصلاة، فتختزن تلك الحالة في ذهنه، وكلما نظر إلى ذلك المكان، فانه يعيش ذلك الجو من الخشوع والإقبال.. وهذا مجرب حتى في الالتزام بمصحف ثابت، إذ أنه يزيد من سرعة الحفظ، ويوجد حالة من الأنس بهذا المصحف.
– إن التأمل في جمل الأذان والإقامة من موجبات الخشوع في الصلاة.. ومن المعلوم أن هذه الجمل من الوحي، فرب العالمين هو الذي صاغها.. ولو تأمل الإنسان في ملكوت الأذان والإقامة، لكان من المستحيل أن لا يصلي في أول الوقت، فالخجل يمنعه من التأخير، والوجل يدفعه للتقديم..
إحدى المؤمنات اتصلت بي وقالت: إنك قلت كلمة غيرت وأثرت فيّ أيما تأثير، وهي هذه الآية: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}.. وصرت كلما أردت أن أصلي أتذكرها، وتوجب لي الإقبال في الصلاة.. فالإنسان عندما يصلي وذهنه في غير الصلاة، فان هذا يعد خلاف التوقير..
الأذان والإقامة فيها ثلاث جمل تبدأ بكلمة (حي): (حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على خير العمل)!.. ومعنى هذه الكلمة في اللغة العربية: عجِّل!.. وكل جملة مكررة مرتين، فيكون المجموع اثنا عشرة مرة، ورب العالمين ينادي عبده أقبل عليَّ بعجل!.. أنا أريدك أن تأتيني مستعجلاً!.. وعادةً هذه الحالة من الإلحاح والاستعجال تكون: إما لشدة الشوق، أو لشدة الحاجة.. وإذا كان الداعي المصر في دعوته هو أمير البلاد، فإذن ينتفي الأمر الثاني، ويبقى الشوق وقد يحب أن يعطيك شيئاً.. رب الأرباب في الأذان والإقامة كم مرة يقول عجِّل؟!.. اثنا عشرة مرة: ستة في الأذان، وستة في الإقامة..
لو أن إنسانا زاره مرجع تقليده في منزله، وفي منتصف الليل طرق عليه الباب، وقال: عجل إلي بالماء، أنا عطشان!.. ايتيني بالماء!.. ايتيني بالماء!.. اثنا عشرة مرة.. فقال له: مولاي!.. أنا لست متفرغاً لك الآن، رجاءً اذهب إلى فراشك ونم، وثم آتيك به في وقت آخر!.. وبعد ساعة أو ساعتين أحضر له عصير فاكهة.. فهذا المرجع قطعاً سيرده قائلاً: بأني كنت أصيح قائلا اثني عشر مرة: حي على الماء!.. حي على الماء!.. وأنت لا تستجيب، الآن تأتيني بالعصير!.. خذ عصيرك معك، أنا لا أريده، وأنت لا تستحق أن تكون مضيفاً لي!.. وحتى الذي يسمع القصة تراه يذم فعل هذا الإنسان، ويقول بأنه إنسان في منتهى سوء الأدب.. رب العالمين عندما يدعونا فإنه هو الغني -سبحانه- وهو لا يحتاجنا: (إلهي!.. هذه صلاتي صليتها لا لحاجة منك إليها، ولا لرغبة منك فيها، إلا تعظيماً وطاعة وإجابة لك إلى ما أمرتني به..).. فلم هذا الإعراض عن رب العالمين؟..
قد يكون العبد لم يقل شيئاً يوجب التوهين، ولكن الإهانة تحققت في مقام العمل.. فالذي يسمع الأذان ويستمر في شغله ولهوه، فهو لم يوقر الأذان -وإن لم يقل ذلك بلسانه عمله أو هذا أهم عندي- فكيف إذا كان مشتغلاً بالحرام وقت الأذان؟!.. كان عندنا أستاذ فى المدرسة النظامية، إذا سمع الأذان أثناء الدرس كان يقطع الدرس، ويتمشى في الفصل إلى أن ينتهي الآذان، توقيراً لنداء رب العالمين..
– ان الإنسان الذي لا يوقر نداء الله -عزوجل- ولا يسارع إلى تلبية ندائه، فلا ينبغي له أن يتوقع الاستجابة السريعة من رب العالمين.. ومن الطريف أن الانسان لما يكون في غرفة الإنعاش، ويعيش بين الحياة والموت أيضاً يقول: حي على الشفاء!.. حي على الشفاء!.. ولكن رب العالمين يردها عليه، فيؤخر عليه الاستجابة، وقد لا يستجيب له معاملة له بالمثل!..
يقال: كان هنالك حمَّال في بلدة يقال لها تبريز، رأى طفلاً يسقط من السطح فمد يد اليه، فسقط هذا الطفل على الأرض سليماً.. فاجتمع الناس حوله متعجبين: أنت من؟.. أنت ولي!.. أنت كذا!.. فقال لهم: لماذا هذا التعجب؟!..أنا أطعت ربي عمراً فأطاعني!.. أي سألته أن ينقذ هذا الطفل فأجابني، وهذا ليس بأمر غريب..
– إن الله تعالى عندما يصل إلى ذكر طبيعة بني آدم، فإنه يظهر تحسره وتأسفه قائلاً: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}!.. أي الموت لبني آدم!.. إن الله -سبحانه وتعالى- بين للإنسان طريق الخير والشر: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}.. ولكن الإنسان بطبعه ظلوم جهول، يميل إلى اتباع الهوى والشياطين، فيردي نفسه ويهلكها.. ومن هنا فالذي لا يعمل جهده وجهاده ليرتقي بنفسه، فإن مآله إلى السقوط، كما قال -تعالى- مشيراً إلى هذا التسافل: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}.. ومن المعلوم أن الأجسام تميل بطبيعتها -لو تركت- إلى أسفل نظراً للجاذبية الأرضية، وأنها تبقى ساكنة ما لم يؤثر عليها مؤثر خارجي، يعمل على التغيير في شكلها أو اتجاهها أو محلها أو غيره.. فالذي يريد أن يغير من نفسه لابد له أن يتحرك، وإلا فإنه سيبقى على حاله وإن عملت فيه الليالي والأيام.. وهذه حجارة مكة من لدن أبونا آدم إلى اليوم، وهي على حالها، وفي محلها!..
وينبغي للإنسان أن لا يغتر بمجرد الأداء الظاهري للعبادة في الصلاة، والحج، والعمرة، والزيارة.. فالحركات الشكلية ما هي إلا حركات بدنية، لا شأن لها في تغيير جوهر الإنسان وباطنه.. ولو كان الأمر كذلك، لرأينا التغيير فيمن هم أمضوا بجوار قبر المعصوم عقوداً من أعمارهم.. فالقضية ليست بالزيارة ولا بالعمرة ولا بشد الرحال مجردة عن الحركة الباطنية المتمثلة بالتوبة والإنابة..
– لو حركنا هذا الحجر الذي في مكانه قليلاً، سنكتشف هنالك آبار جوفية مهملة، وآبار بترول مقفلة.. نفس الإنسان كلها معادن نفيسة تحتاج إلى استكشاف وتوظيف، وإنما حاله كما يقول الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ *** والماء فوق ظهورها محمول
إن معجزة النبي الأكرم (ص) أنه عمل في هذه الأمة وغير فيها أيما تغيير، هذه الأمة التي كانت من أسوأ الأمم، والذين كانوا يصنعون إلهاً من تمر يعبدونه في النهار، وإذا ما أجن عليهم الليل وجاعوا أكلوه!.. وإذا بالنبي الأكرم (ص) يبعثهم من جديد، وينقلهم من حضيض الجاهلية إلى نور الإسلام.. وإذا ببعض صحابة رسول الله (ص) يصل الى درجة يذهل الإنسان!.. كان أحدهم يقول: كنا رعاة الإبل، واليوم صرنا رعاة الشمس!.. أي عيوننا على الشمس متى تصبح في كبد السماء، لنصلي صلاة الزوال.. وأويس القرني هذا الذي لم يرَ رسول الله (ص)، إلا أن الرسول (ص) قد ذكر عنه ما لم يذكره في حق أحد من الصحابة.. نعم، هذا الإنسان لم يلتقِ بالنبي (ص)، ولكنه اكتشف كنوز نفسه، وأصبح من خيار أصحاب أمير المؤمنين (ع) بعد النبي الأكرم (ص).
– قد يصل الإنسان بعد فترة من الإدمان على صلاة أول الوقت إلى مرحلة، لا يتمالك نفسه حتى يصلي.. وقد سمعت عن أحدهم عندما يسمع الأذان يصاب بتوتر عصبي، وإذا لم يصل في أقرب مكان ممكن، فإنه يصاب بحالة انهيار!.. فهو لا يتحمل نداء رب العالمين له بالتعجيل، وهو جالس مشتغل في الأباطيل!..
قد يكون هنالك عذر قاهر يحول دون صلاة أول الوقت، كمن هو مرتبط بوظيفة أو دوام حكومي، أو كان صاحب العمل لا يسمح له أن يصلي، فالأولى هنا له أن يعمل بالفتوى التي تنص على احترام والتزام القوانين..
ولكن إذا لم يوجد هناك مانع، وخاصة بالنسبة للأخوات المؤمنات -وكما رأينا في كل البلاد المؤمنة، أن شهيتهم مفتوحة لعوالم القرب والسير والسلوك- فمن العجيب أن إحداهن تسمع صوت الأذان، وهي في المنزل ملتهية بالأباطيل.. ثم تتصل بنا وبغيرنا: ما هو الطريق إلى الله؟!.. الطريق إلى الله أن تصلي أول الوقت!.. لماذا هذا اللف والدوران؟!.. لماذا تعقيد الأمور؟!..
أحد العلماء نقل لي هذه العبارة عن أحد كبار العرفاء في العصر الحديث، وهو السيد علي القاضي.. يقول: نحن اكتشفنا أو عرفنا أن الطريق إلى الله أسهل مما كنا نظن، فالقضية ليست معقدة، ولا تحتاج إلى خلوات وأوراد ورياضات وترك الحيوانات وما شابه.. القضية سهلة بسيطة، والإنسان بالتفاته وبأدائه للواجبات، وبإتقانه الصلوات اليومية يصل!.. رب العالمين لم يعقد الأمور فلماذا الترهبن؟!..و لماذا التصوف؟!.. ولماذا التعقيد؟!.. لماذا جعل العرفان وكأنه شبح مخيف، لا يقترب منه أحد وإلا تتعقد حياته؟!.. نحن من دعاة هذه النظرية: أن الطريق مفتوح للجميع، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، ليس خطابا خاصا للرسول ولا للأئمة (ع)، بل هو للجميع، والطريق مفتوح، والدليل على ذلك هذه النماذج المتميزة التي تراها في بلاد الغرب، أناس في قمة التقوى وقمة الذكر.. رأيت أحدهم في إحدى العواصم الأوروبية، سألته إن كان يشتكي من فتنة النساء -كما هو المتعارف في تلك الأوساط من حالات التعري والانحطاط– وإذا به وكأنه يستنكر عليَّ هذا السؤال، ويفهم منه بأن هذه مشكلة المراهقين، وهو قد تجاوز هذه المرحلة، وأنه يحمل هما أكبر من هذه الفتنة، همه الإقبال والإدبار وقساوة القلب، أما فتنة النساء فهو لا يرى شيئاً أمامه من النساء!..
متى نترقى؟!.. البعض يمضي عمره وكل همه أن لا يقع في الحرام!.. والمرأة المؤمنة ترى نفسها في قمة التقوى، لو كانت ملتزمة ومحجبة.. والحال أنه حتى بنات التسع سنوات يلبسن أفضل الحجاب!.. البعض لا زال يعيش مقدمات الشريعة!.. إلى متى الإنسان يصل إلى درجة الكمال!..
– ينبغي أن نقول بكل قاطعية: إن الذي لا يوقر نداء رب العالمين، ولا يصلي أول الوقت، هذا الإنسان لا يعطى الهبات المتميزة من رب العالمين، لأن هذا بلسان حاله كأنه يقول: يا رب لا أريد منك عطاء متميزا!..
ومن المناسب التأني قبل الدخول في الصلاة، وقراءة الأذان والإقامة، وبعض أنواع الأدعية المسخنة، التي تصفي ذهن الإنسان، وتجعله في جو الصلاة.. (إن صلاتي ونسكي محياي ومماتي لله رب العالمين..).. (ربي اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي..).. ( ربي أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي أهلها..)..
من موجبات التفاعل في الصلاة، هو تذكر الذنوب السابقة، وكان الحسن بن علي -عليهما السلام- إذا توضأ ارتعدت مفاصله، واصفر لونه، فقيل له في ذلك.. فقال: حق على كل من وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه، وترتعد مفاصله.. وكان -عليه السلام- إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول: إلهي!.. ضيفك ببابك.. يا محسن قد أتاك المسيئ، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك، ياكريم!..
فلو رأى الإنسان نفسه غافلاً وهو في الصلاة، لا بأس أن يذكر نفسه ببعض الهفوات التي ترتعد لها الفرائص، وعندها يلين قلبه، على الأقل يتذكر حدته مع خلق الله وإساءته لهم..
وتذكر الذنوب في بعض الأوقات أمر مستحب، كما لو كان الإنسان عند الملتزم أو المستجار أو الحطيم.. ولكن ينبغي أن لا يتحول إلى حالة يأس، فإن ذلك من الكبائر العظيمة، شأنه شأن الكبائر الأخرى.. والله -سبحانه- وتعالى قرر مغفرته لعباده، بأنه يغفر الذنوب جميعاً إلا أن يشرك به: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.. إن أداة تأكيد، وفي اللغة العربية: الجمع المحلى بأل يفيد العموم.. لم يقل: ذنب، ولا ذنوب، ولا الذنب، بل قال: الذنوب.. أي لا يوجد ذنب لا يغفره الله -تعالى- ما دام ذلك الذنب دون الشرك.
ومن موجبات التفاعل والإقبال أيضاً، تذكر الصلاة الأخيرة التي صلاها الحسين (ع) في يوم عاشوراء، وتذكر حالة المعصومين عند الصلاة.. فالنبي الأكرم (ص) كان إذا اقترب وقت الصلاة يقول: أبرد يا بلال!.. أي بمعنى البريد؛ أي عجل.. أو بمعنى البرد؛ أي أطفئ نار الشوق.. نعم أئمتنا (ع) كلهم كانوا كذلك.. فهل من مستن بسنتهم؟!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.