- ThePlus Audio
التوصيات المهمة في شهر رمضان المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
التوصيات المهمة في شهر رمضان المبارك
إن طبيعة الإنسان طبيعة استصحابية سرعان ما تتعود على نمط معين وتركن إليه. فمن اعتاد على نمط معين من العبادة: من كيفية الصيام، والصلاة، والحج؛ فإنه يميل إلى المألوف الذي اعتاده، فإذا لم يُحدث بنفسه انقلابا جوهرياً وتغييراً ماهوياً، فسيبقى على ما هو عليه. والكثير منا منذ أن كُلف فإن عباداته في شهر رمضان هي عبادة ثابتة: فله طريقة معينة في تلاوة القرآن، وفي إحياء الليل، وفي عملية الإفطار وما شابه ذلك.
ولا بد لنا من الإشارة إلى بعض التوصيات المهمة التي من شأنها أن ترقى بمستوى عبادتنا وسلوكنا في شهر رمضان المبارك، وحتى نجعل من شهر رمضان في كل عام خير شهر رمضان مر علينا. ومن هذه التوصيات:
الالتزام بالتلاوة القرآنية الهادفة
نحن ندعو دائماً بأن تكون التلاوة في شهر رمضان على قسمين: تلاوة مجردة، وتلاوة تدبرية؛ ليجمع الإنسان بين أن يقرأ أكبر كم ممكن من الأجزاء تحصيلاً للثواب، مع الالتفات إلى شيء من المعاني. ولا نعني بالتلاوة بقصد الثواب؛ التلاوة الخالية من أي تفكر، بل التلاوة ولو بأدنى درجات التدبر. ويا حبذا لو قرأنا ذلك من خلال تفسير بسيط كهذه التفاسير المحشاة هذه الأيام في زوايا صفحات المصحف، لنحاول أن نلم إلمامة سريعة بالألفاظ المشكلة، وبالكلمات الغامضة، كقوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا)[١]، و(تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى)[٢]. وأما التلاوة التدبرية لتكن ختمة واحدة، يقرأها الإنسان بتدبر وتفكير، وقد لا يكثر من الأجزاء في اليوم الواحد التماسا للمعاني.
وقد اعتبر سبحانه شهر رمضان ربيع القرآن فقال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)[٣]، وذلك قد يمنّ سبحانه عليك ببعض الفتوحات القرآنية في هذا – لو جلست على مائدته – ما لا يتفضل عليك في غيره من الشهور. فإن الجامعة القرآنية تقام في شهر رمضان والتلميذ الأول لهذه الجامعة هو من أنزل عليه القرآن وهو النبي المصطفى (ص)، ونحن أيضاً ندخل هذه الجامعة مع الصائمين، فلنحاول أن نسأل الله عز وجل في دعواتنا أن يفتح علينا شيئاً من أسرار القرآن الكريم. فهناك من المؤمنين من يمنح من أسرار القرآن ما لا يمر بخاطر مفسر؛ لأن الله عز وجل هو الملهم. ولهذا يستحب أن نقرأ عند المطالعة هذا الدعاء: (اللّٰهُمَّ أَخْرِجْنِي مِنْ ظُلُماتِ الْوَهْمِ، وَأَكرِمْنِي بِنُورِ الْفَهْمِ، اللّٰهُمَّ افْتَحْ عَلَيْنا أَبْوابَ رَحْمَتِكَ، وَانْشُرْ عَلَيْنا خَزائِنَ عُلُومِكَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ)[٤].
حلية المأكل والمشرب
إن الطعام الذي يأكله الإنسان ينمو به جسمه، ويتحول إلى طاقة. والجسم الذي ينمو على السحت، لا يرجى منه خيراً، وكذلك هذه الطاقة المنبعثة من الطعام الحرام، لا يتوقع أن تتحول إلى ما يرضي الله عزوجل، أو أن تتحول إلى دعاء ومناجاة وصلاة وتلاوة للقرآن الكريم. فقد قال تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا)[٥]؛ فالذي يأكل طعاماً محرماً، ثم يقوم بين يدي الله عزوجل، هو بمثابة إنسان يحمل أداة الجريمة، ومثله كمثل الذي قتل إنساناً، وبيده سكينة ملطخة بالدماء، ويذهب لمقابلة عظيم، فمن الطبيعي أن هذا الإنسان لا يُلتفت إليه؛ بل قد يكون الأمر وبالا عليه.
ثم إن القرآن الكريم يحذرنا من تجاوز الحدود، قال سبحانه: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا)[٦]، والحلال والحرام حدود الله عز وجل، ولا فرق في تجاوز الحد بين صغيرة وكبيرة؛ سواءً كان الحد الزنا، أو أكل الحرام، أو نظرة محرمة. فالذي يقتحم بلدا متسللا؛ فهو متجاوز سواء تسلل من نقطة حدودية مهمة، أو من نقطة حدودية غير مهمة. والذي يدخل بلداً متسللاً من خلال ثكنة عسكرية، أو من عبر صحراء قاحلة؛ فإنه يحاكم محاكمة المتسللين، لأنه تجاوز الحدود.
والمقصود بالحلية؛ مراعاة الحلية الفقهية أولا، ومراعاة الحلية التكاملية الأخلاقية السلوكية ثانيا. لقد قال النبي (ص): (مَنْ خَافَ اَللَّهَ سَخَتْ نَفْسُهُ عَنِ اَلدُّنْيَا وَقَالَ دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يُرِيبُكَ فَإِنَّكَ لَنْ تَجِدَ فَقْدَ شَيْءٍ تَرَكْتَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[٧]، فإذا كان هناك نوعان من الطعام وكلاهما محلل بحسب سوق المسلمين، ولكن أحدهما أقرب للحرام بحسب الاحتمالات، فمثلاً: هذا لحم مذكى في بلاد المسلمين، وهذا لحم يقال بأنه مذكى في بلاد الكفر، فمن الطبيعي أن الإنسان يرتاح إلى القسم الأول، أكثر من الثاني، أو طعام معلوم التركيب، وآخر مجهوله، فلماذا تقدم المجهول على المعلوم؟ وهذه الحالة من الوقاية من المشتبهات، هي حالة من حالات الورع، ومن موجبات التوفيق قطعاً.
الزيارات الهادفة
إن من الظواهر الجميلة في بلاد المسلمين، هي كثرة الزيارات في شهر رمضان، وهو من أكثر الشهور زيارة وصلة للأرحام وتفقداً لشؤون الأهل والأصدقاء. ولكن هذه الزيارات تستقطع ساعات هي من أغلى ساعات العمر، فإن شهر رمضان ساعاته ولحظاته لا تقدر بثمن، فالأنفاس فيه تسبيح، والنوم فيه عبادة، والآية القرآنية بمثابة ختمة، فعليك أن تتعامل مع الوقت في شهر رمضان بحرص شديد.
فعندما تزور أحدهم ساعة، فقد أخذت من وقت تلاوة القرآن بمقدار جزءين على الأقل، والجزء مكون من مئات الآيات، يعني مئات الختمات. فحاول أن لا تظهر المنة على الآخرين ولكن ضن بوقتك عليهم، فعندما تزور أخاك أو رحمك أو صديقك، فإنك تعطيهم أغلى ساعات عمرك في شهر رمضان، وخاصة إذا كان يصادف في ساعة السحر، في ما بعد منتصف الليل، وفي ليلة الجمعة؛ فإن هذه ساعة لا تقدر بثمن.
ولهذا لتكن الزيارة هادفة، وحدد الأولويات في الزيارات. لك صديق مهتدٍ وصديق منحرف، وعندما تزور المنحرف من الممكن أن تهديه للهدى، فهذه زيارة مقدمة على تلك، أو هناك رحم مبغض وهناك رحم محب، والرحم المبغض يزار قبل المحب لما روي عن النبي (ص): (صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاُعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ)[٨]. فهناك من ترتاح إلى زيارته، ومن لا ترتاح إلى زيارته، ولكن في زيارته قربة إلى الله عزوجل، أو قضاءً لحاجة مؤمن، أو تفريجاً لكربة مكروب، فليكن المعيار هو رضا الله عزوجل، بل زر دائماً من يقربك إلى الله عزوجل. فهذا علي (ع) كان ما يُخيّر بين أمرين إلا واختار أبعدهما عن الهوى، وأصعبهما على النفس.
وتوخى في زيارتك التبليغ والإرشاد. فللأسف نلاحظ أن البعض يرى التبليغ وإيصال كلمة الهدى، من شؤون المبلغين ورجال الدين، والحال أن هنالك زوايا في المجتمع لا يصل إليها النور، زوايا مظلمة لا يمكن لأحدنا أن يزور تلك الزوايا، كبيوت الفساد، والعوائل المنحرفة، وأنت باعتبار أنك من عامة الخلق، بإمكانك أن تزور هذه الزوايا المظلمة، فلماذا لا تحمل شعلة الهدى، بكلمة طيبة، أو من خلال المأثور عن النبي (ص) وأئمة أهل البيت (ع)، أو آية من القرآن مذكرة؟
ولا مانع من أن يُعد الإنسان موضوعاً للحديث قبل الذهاب إلى هذه الأماكن، ولا ينبغي أن يكتفي من الضيافة، بطبق من الحلوى وحسوة من شراب أو ما شابه ذلك، ثم يخرج وهو صفر اليدين. وقد ورد في الحديث عن النبي (ص) أنه قال: (مَا مِنْ قَوْمٍ اِجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَيَّ إِلاَّ كَانَ ذَلِكَ اَلْمَجْلِسُ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُمْ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُمْ)[٩]. إن بعض المؤمنين يصطبغ بصبغة القوم بدل أن يصبغهم بصبغة الله ومن أحسن منه صبغة؟ فتراه يذهب إلى مجالس البطالين، فيستمع إلى لغوهم، أو يشاركهم فيها مجاملة لهم، وبالتالي يخرج عن ذلك الهدف الذي طُلب منه تحقيقه.
الإطعام قربة لله تعالى
إن من المظاهر المتعارفة في شهر رمضان هو كثرة الولائم والإطعام، وهو مستحب شرعاً. وقد ورد عن النبي (ص): (اِتَّقُوا اَلنَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ اِتَّقُوا اَلنَّارَ وَلَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ)[١٠]مبالغة في الحث على إطعام الصائمين. وينبغي للمؤمن أن يتوخى الدقة في اختيار المدعوين، مراعيا قضاء حاجة لأخيه المؤمن، بقصد القربة، فإن كان هنالك إنسان منقطع، أو إنسان أعزب، أو إنسان في ضيق ويحتاج إلى من يدخل عليه السرور، فهذا مقدم على من لا يحتاج إلى مثل هذه المجالس، بل يمن عليك بالحضور. فما قيمة الإطعام الذي يراد به المباهاة والتفاخر؟
وقد تتعب المرأة – للأسف الشديد – وتبذل الجهد من الصباح إلى الليل، ونيتها إظهار مهارتها في الطبخ أمام زميلاتها. فما قيمة هذا التعب وقيمة هذا الخيال والوهم، لكي تحرم من ذلك الأجر العظيم؟ وقد ورد في الروايات الشريفة: (أَخْلِصِ اَلْعَمَلَ فَإِنَّ اَلنَّاقِدَ بَصِيرٌ)[١١].
تجنب الإكثار من الطعام
ينبغي للمؤمن عدم التخمة، وخاصة عند الإفطار؛ فإن التخمة في أول الليل من موجبات التثاقل، والحرمان من بركات القيام آخر الليل لصلاة الليل. فما دامت هنالك محطة أخرى متمثلة بالسحور؛ ينبغي توزيع الطعام بينهما، فإن التخمة في أول الليل تحرم الإنسان من ثواب التسحر، وهذا خلاف المصلحة الطبية والروحية. حيث أن الإنسان عندما يأكل قليلاً في أول الليل، فإنه يجوع في آخر الليل، فيستيقظ رغم أنفه ولو طلباً للدنيا، لأن يأكل؛ فيأكل قبيل السحر، وإذا به يرى أن هنالك نصف ساعة لوقت آذان الفجر، فينشغل بصلاة الليل والتسبيح والمناجاة، وهكذا يكون قد جمع بين خير الدنيا وخير الآخرة. والله عز وجل يبارك ويصلي على المتسحرين في شهر رمضان؛ لأنه يتزود لعبادة النهار، فهو أمر يؤجر عليه.
مراعاة حرمة الشهر الكريم
من معالم شهر رمضان اليوم في إعلامنا الإسلامي هو التنافس في الإكثار من المسلسلات الكوميدية، والمسلسلات التي لا تصلح للدنيا ولا للآخرة، والتي تعرض فيها النساء بشكل مثير. فمع الأسف أصبحت تلك الأباطيل من مميزات ومعالم هذا الشهر، غير أن المؤمن من صفاته التي خصه بها القرآن الكريم أنه لا يشتغل باللغو، فقد قال تعالى: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)[١٢] وأي لغو أعظم من هذا اللغو؟ وترى البعض هو بيده يفتح التلفاز، ويعرض زوجته وأولاده للحرام كما يقع بنفسه في ذلك، ثم إذا وقعت الواقعة وخرج الأمر عن يده، يأتي إلى رجل الدين ويشتكي على زوجته وأولاده، والحال أنه كما يقول الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء
فعلينا أن نسيطر على هذا الوضع قبل فوات الأوان، فرب الأسرة مسؤول عن ذلك يوم القيامة، فإنه المالك للجهاز، وهو الذي اشتراه من السوق، وجعله في متناول أفراد أسرته، سواء كان الجهاز التلفاز أو غيره كالإنترنت وما شابه ذلك، فهو مسؤول يوم القيامة عن كل ما يجري في هذا الجهاز من حلال وحرام، فالمستفيد خيراً أو شراً هم الزوجة والأولاد، وهو صاحب الوزر يوم القيامة. فعلينا أن نقي أنفسنا من هذه البرامج التي لا تليق بشهر رمضان، ولا بروح هذا الشهر، وهذه من صنع الاستعمار تدخل في كل زاوية من زوايا حياتنا، لتقلب شهر الرحمة إلى شهر انتهاك الحرمة. وللأسف الشديد فإن بعض الحرمات تمارس في هذا الشهر دون سائر الشهور..!
المصالحة والتسامح
إن من موانع المغفرة في شهر رمضان، وفي ليلة القدر، وجود الشحناء بين المؤمنين. فلا بأس بأن تهذب إلى أخيك وتعتذر منه وإن كان هو المقصر في حقك وتزيح عن صدرك الشحناء وهو سيقبل منك ذلك. ولا تحمل ذلك على الذل والتراجع. قل: شهر رمضان شهر كريم، شهر التسامح، جئتك لأستميحك عذرا، وأطلب العفو منك، ولنفتح صفحة جديدة وننسى ما مضى. دع عنك من هو الظالم، ومن هو المظلوم. فإن رحمة الله عز وجل تشمل العافين[١٣] في هذا الشهر الكريم.
ثم إن الذهن المشغول بالعداوات والاختلافات العائلية والاجتماعية؛ لا يصلح للتقرب إلى الله عزوجل: (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)[١٤] .عندما تأتي للصلاة وقلبك مع الأهل إما حباً أو بغضاً، إما عشقاً أو غضباً؛ فإنه من الطبيعي أن هذا القلب لا يتوجه إلى رب العالمين، والحال أن المؤمن يدعو في شهر شعبان: (إلهي، هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك)[١٥]. وشهر رمضان شهر قطف ثمار المناجاة الشعبانية، هي مفاهيم غائمة، ومفاهيم في عالم المثل، ولكن في شهر رمضان لنجعل هذه المفاهيم في جزئيات حياتنا اليومية.
الالتزام بحسن الخلق
مما نلاحظه في شهر رمضان هي حالة من سوء الخلق يبتلى بها البعض، وخاصة الموظفون في الدوائر حيث تدخل على الموظف فلا يتكلم معك، وإذا تماديت معه في النقاش يغضب عليك؛ بدعوى أنه صائم، ولعمري هذا بعيد عن روح شهر رمضان. إن شهر رمضان شهر السيطرة على المشاعر، وعلى العضلات، وعلى الأعضاء، وعلى الكلام، وعلى النظر؛ لا الكف عن الطعام والشراب فقط. فكما روي عن أمير المؤمنين (ع): (كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ اَلظَّمَأُ وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ اَلْعَنَاءُ)[١٦].
فلنحاول أن نحسن خلقنا، وخاصة عند الاستفزاز والاستثارة، ولا ريب في أن المؤمن لا يتمنى ساعة الإثارة الغضبية والشهوية، ولكنه إذا وضع على المحك؛ فإنه يفرح إذا نجح في الاختبار. وكما روي عن الرسول (ص): (مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِمْضَائِهِ أَعْقَبَهُ اَللَّهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ أَمْناً وَإِيمَاناً)[١٧]، ولك أن تجرب ذلك في موقف تستفز فيه من قبل الزوجة، أو الصديق، أو الموظف، أو العامل؛ فإذا كظمت غيظك في هذه الساعة وامتصصت الغضب قربة إلى الله عزوجل، ستعيش حالة من حالات القرب إلى الله عزوجل، وعندئذ، اغتنم الفرصة في المناجاة، وقل: يا ربي، عفوت عمن هو دوني، فاعفُ أنت عني كما عفوت عنه؛ تشبه بالإمام السجاد (ع) حينما كان يعتق عبيده ويدعو بهذا الدعاء.
وقفة دعائية
ينبغي للمؤمن في هذا الشهر أن يقف بتمعن عند دعائين مهمين من أدعية هذا الشهر: الدعاء الأول: دعاء أبي حمزة الثمالي، وهو المناجاة التي كان يناجي بها علي بن الحسين (ع)، والذي رواها عنه أبو حمزة الثمالي. فاقرأ في كل ليلة إن أمكنك ذلك فقرات من هذا الدعاء، فليس من الواجب أن تقرأ الدعاء من أوله إلى آخره قراءة الصحيفة، بل اقتطع في صلاة الليل أو في قنوت الوتر أو في قنوت الشفع قطع منه، تناجي بها ربك بإقبال وتوجه.
والدعاء الثاني: دعاء الافتتاح، وهو الدعاء الوارد عن بقية الماضين صاحب العصر والزمان (عج)، ولعل كلمة الافتتاح تناسب أن نقرأ هذا الدعاء في أول الليل بعد الإفطار، هي مناجاة يستشم منها رائحة الإمام الحجة (ص)، هذا الدعاء العظيم الذي يجعل الإنسان بحق ومن دون مجاملة، يعيش جواً متميزاً، لا يصل إلى تلك الأجواء بأي دعاء آخر.
التهيؤ للشهر الكريم بالاطلاع على أعماله
حاول أن تقرأ قراءة متدبرة مستطلعا أعمال شهر رمضان من أوله إلى آخره؛ لئلا تمر الأيام، وتبتلى بالغبن. فمثلاً: دعاء أول يوم من شهر رمضان – الذي روي عن الكاظم (ع) – يحفظ الإنسان من الآفات في سنته، وكذلك صلاة اليوم الأول: في الركعة الأولى بعد الحمد إنا فتحنا، وفي الثانية سورة من القرآن؛ لتكون في حفظ الله وأمانه إلى سنة كاملة. فهل يكلفنا ذلك سوى بضع دقائق من مطالعة أعمال اليوم الأول وسائر أعمال هذا الشهر المبارك؟
الدعاء لصاحب الأمر (عج)
علينا أن نكثر من الدعاء لفرج مولانا صاحب الأمر في ساعة الإفطار، وفي ساعة السحر، وفي قنوت صلواتنا؛ لكي يذكرنا الإمام في صلواته، وعند إفطاره؛ وخاصة في ليلة القدر عندما تعرض عليه أعمالنا، فمن كان وفياً له، كان الإمام وفياً له. ولندعو بهذا الدعاء الشريف دائماً: اللهم لا تنسني ذكره، والدعاء له، لنحظى بهذا الشرف العظيم عند ذكره (عج).
هذه بعض التوصيات المهمة التي ينبغي للمؤمنين الالتفات إليها في هذا الشهر المبارك، وعلى المؤمنين أن يبتكروا ما يقربهم للهدف المرجو من صيام هذا الشهر وأن يجعلوا شهر رمضانهم في كل عام خير شهر رمضان مر عليهم.
[٢] سورة النجم: ٢٢.
[٣] سورة البقرة: ١٨٥.
[٤] خلاصة الأذكار.
[٥] سورة الأعراف: ٥٨.
[٦] سورة البقرة: ١٨٧.
[٧] وسائل الشیعة ج٢٧ ص١٧٠.
[٨] مستدرك الوسائل ج١٥ ص٢٥٢.
[٩] مستدرك الوسائل ج٥ ص٢٨٨.
[١٠] فضائل الأشهُر الثلاثة ج١ ص٧٧.
[١١] کلیات حدیث قدسی ج١ ص١٦١.
[١٢] سورة الفرقان: ٧٢.
[١٣] أهل العفو.
[١٤] سورة الأحزاب: ٤.
[١٥] المناجاة الشعبانية.
[١٦] بحار الأنوار ج٩٣ ص٢٩٤.
[١٧] وسائل الشیعة ج١٢ ص١٧٨.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن طبيعة الإنسان طبيعة استصحابية سرعان ما تتعود على نمط معين وتركن إليه. فمن اعتاد على نمط معين من العبادة: من كيفية الصيام، والصلاة، والحج؛ فإنه يميل إلى المألوف الذي اعتاده، فإذا لم يُحدث بنفسه انقلابا جوهرياً وتغييراً ماهوياً، فسيبقى على ما هو عليه.
- إن الطعام الذي يأكله الإنسان ينمو به جسمه، ويتحول إلى طاقة. والجسم الذي ينمو على السحت، لا يرجى منه خيراً، وكذلك هذه الطاقة المنبعثة من الطعام الحرام، لا يتوقع أن تتحول إلى ما يرضي الله عزوجل، أو أن تتحول إلى دعاء ومناجاة وصلاة وتلاوة للقرآن الكريم.
- مما نلاحظه في شهر رمضان هي حالة من سوء الخلق يبتلى بها البعض، وخاصة الموظفون في الدوائر حيث تدخل على الموظف فلا يتكلم معك، وإذا تماديت معه في النقاش يغضب عليك؛ بدعوى أنه صائم، ولعمري هذا بعيد عن روح شهر رمضان. إن شهر رمضان شهر السيطرة على المشاعر والأعصاب.