س١/ ما هي فلسفة التنازع؟..
إن طبيعة موارد الحياة الدنيا أنها محدودة وضيقة، لا تحقق مآرب الإنسان وتشبع رغباته.. وبالتالي، فإن تكالب الناس على هذه المواد، يكوّن التنازع على بعض الأمور.. و كما نعلم، كان أول من تنازع هابيل مع أخيه قابيل، حيث تُقبّل من الأول ولم يتقبل من الآخر.. فإذن، من الطبيعي أن تكون هذه الحالة من الخصومة في حياة البشرية.. لكن المشكلة في أن الإنسان المتخاصم أو المتنازع، عندما يعيش حالة الكره والبغضاء والحقد؛ ينسى الحدود الشرعية في هذا المجال.. ولهذا نلاحظ أن آيات الخلاف في القرآن الكريم، تطالب بتقوى الله، والصفح عن الغير، وتذكر الحدود الإلهية؛ لأن طبيعة التخاصم مما يمكن أن تجر الإنسان إلى مآسٍ وويلات.
س٢/ ما هو دور الخصومة والتنازع في إلهاء العبد عن مسيرته التكاملية؟..
إن الإنسان المؤمن إذا أراد أن يكون متوجهاً إلى ربه، فلا بد أن ينفي كل المشغلات والمزاحمات.. حيث أنه يكفيه ما في جعبة الشيطان من المشكلات، يأتي هو ويزيد على نفسه أموراً أخرى!.. فيعيش حالة الخصومة، والغليان الباطني مع الآخرين، أضف إلى أن التنازع والخصومة هي البيئة المناسبة لنمو جراثيم المعاصي، كما أن الجراثيم تختار البيئ الفاسدة، فكذلك الحال عند الشيطان، يبحث عن الإنسان الذي تورط في أجواء الخصومة؛ ليجره إلى الغيبة، والنميمة، والبهتان، وما شابه ذلك من صور المخالفات الشرعية في هذا المجال.
س٣/ البعض لا يفرق بين أخذ الحق وبين المنازعة، فكيف نفرق بينهما؟..
إن المؤمن لا يَظلم ولا يُظلم حتى إنا نرى في الرسائل العملية، أن الفقيه يجيز للإنسان المؤمن أن يحتكم إلى الظالم، فيما لو توقف أخذ حقه في مراجعة المحاكم الظالمة أو غير الشرعية.. أيضاً الإنسان المؤمن إذا أراد أن يأخذ حقه، عليه أن يكون موضوعياً ومنصفاً، حيث أن الغرض هو أن يأخذ حقه كاملاً لا زيادة ولا نقصان.. وليحذر أن يتحول الأمر إلى جو من أجواء المهاترة، والمخاصمة، والمنازعة.. ومع الأسف فإن هذا ما يحدث هذه الأيام، فبمجرد أن يختلف الزوجان في حياتهما، وإذا بنا نسمع الخصومة والهتك وتعدي الأسرار إلى الآخرين، مما -قطعاً- لا يرضى الشارع المقدس بمثل هذه الحالات.
س٤/ ما هو دور المراقبة الشديدة في سلوك التعامل الواعي مع الآخرين؟..
أتذكر في مقابلة تلفزيونية نادرة للعلامة الطباطبائي في أخريات حياته، كان يُسأل عن آخر توصياته، وإذا به يكرر كلمة المراقبة والمحاسبة عدة مرات.. وكأنه أراد أن يقول: بأن مجموع ما استفاده في الحياة، أنه من دون مراقبة ومحاسبة دقيقة للقول والفعل، لا يمكن التخلص من الآفات والزلات في هذا المجال.
س٥/ هل هناك أيضاً مواقف بين المتنازعين في الآخرة؟..
نعم، المصيبة الكبرى أنه في الدنيا بإمكانه أن يرضي خصمه بدريهمات، أو بكلمة طيبة.. ولكن في الآخرة فإن الحساب يكون دقيقا وعسيرا، وليس هناك دينار ولا درهم، حيث يؤخذ من حسناته؛ فإن لم تكن له حسنات، أُخذ من سيئات صاحبه، فزيدت على سيئاته!.. يروى عن الرسول الأعظم (ص) هذا الموقف الساخن يوم القيامة:
بينا رسول الله (ص) جالس إذا رأيناه ضاحكاً حتى بدت ثناياه، فقلنا: يا رسول الله!.. ممّ ضحكت؟.. فقال: رجلان من أُمّتي جيئا بين يدي ربّي، فقال أحدهما: يا ربِّ!.. خذ لي بمظلمتي من آخر، فقال الله تعالى: أعطِ أخاك مظلمته، فقال: يا ربِّ!.. لم يبقَ من حسناتي شيء، فقال: يا ربِّ!.. فليحمل من أوزاري، ثم فاضت عينا رسول الله (ص) وقال: إنّ ذلك اليوم ليوم تحتاج الناس فيه إلى مَن يحمل عنهم أوزارهم، ثم قال الله تعالى للطّالب بحقه: ارفع بصرك إلى الجنّة فانظر ماذا ترى؟.. فرفع رأسه فرأى ما أعجبه من الخير والنعمة، فقال: يا ربِّ لِمَن هذا؟!.. فقال: لِمَن أعطاني ثمنه، فقال: يا ربِّ ومَن يملك ثمن ذلك؟.. فقال: أن ، فقال: كيف بذلك؟.. فقال: بعفوك عن أخيك، فقال: قد عفوت، فقال الله تعالى: فخذ بيد أخيك فادخلا الجنّة.. فقال رسول الله (ص): {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ}.
والحال بأنه ما أسهل الأمر في الحياة الدنيا!.. فينبغي التخلص من ظلامات العباد، فإن كان أمراً مادياً، عليه بإرجاعه لصاحبه، ولا يجب إعلامه بذلك، وإن كان مجهول الأثر، يراجع وكيل مجتهده بما يسمى بمجهول المالك ورد مظالم العباد.. أما إذا كان الأمر على نحو الغيبة، فعلماؤنا أيضاً لا يجيزون الاستحلال، إذا كان الأمر سيؤدي إلى الخصومة أو سوء الظن، بل عليه فقط بالاستغفار له في جوف الليل، والله خير الساترين.
س٦/ هل تعتقدون بضرورة الإلمام بما يسمى بفقه المخاصمة، وما هي معالم هذا الفقه؟..
نحن مع الأسف حصرنا المباحث في أمور الجمادات غير العاقلة، والحال بأن عالم الأشخاص أرقى من عالم الأشياء.. وعليه، فإنه ينبغي أن نعرف كيفية التعامل مع الآخرين، ومنها:
* شجاعة الاعتراف بما يصدر من الأخطاء: إن المؤمن شجاع؛ عظم الخالق في نفسه، فصغر ما دونه في عينه.. لا يبالي ماذا سيحصل في نفوس الآخرين، المهم أن يبرئ ذمته مع رب العالمين.. والقرآن الكريم يصف البعض وصفاً قاسياً من حيث النتيجة والعاقبة، حيث يقول تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
* احترام يقينيات الآخرين: إذا أراد الإنسان أن يدافع عن فكرة ما، فعليه أن يعلم أن هذا اليقين محجوب عنه؛ وهو من باب القطع والحجة الذاتية الظاهرية، والطرف الآخر أيضاً كذلك له يقينه.. فليس من الصحيح، أو الإنصاف الدخول في منازعة تنديد بانتهاك يقينيات الآخرين.. نعم، إذا أردت أن ترفع الشخص عن شبهته، بإمكانك أن تحاول زحزحة مقدمات اليقين عنده، بأسلوب لبق ومؤدب؛ بعيداً عن الدوافع الشخصية.
س٧/ ما هو موقع هذه الآية الكريمة -{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}- في عالم الإصلاح الاجتماعي؟..
إن الآيات الأنفسية في القرآن الكريم، هي كالآيات الآفاقية في عدم التخلف؛ أي أن رب العالمين عندما يصف عناصر هذا الوجود المختلفة: من الرياح، والأمطار، وغير ذلك؛ نلاحظ أن هذه القوانين ثابتة لا تتغير.. أيضاً في عالم الأنفس، الله عز وجل يتعهد بأنه في مقام التوفيق بين الزوجين، في قوله تعالى: {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}، أو في هذه الآية التي تبشر بصيرورة العدو إلى ولي حميم: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.. فإذن، إن رب العالمين هو مقلّب القلوب، وله دوره في إيجاد الألفة والمحبة بين الناس.
س٨/ حينما نعفو عن الآخرين، نشعر بحلاوة خاصة ورضا داخلي.. فهل تعتبر هذه الحالة مدعاة للعفو عن الآخرين؟..
إن الإنسان بتعاليه عن سفاسف الأمور، يفتح على نفسه باباً إلى عالم الترقي والتكامل، وسبحان الله!.. فإن هذا الإنسان الممتلئ غيظاً، والذي يشتعل ناراً في موقف من المواقف، بمجرد أن يكظم غيظه؛ وإذا به يعيش حالة من الحلاوة الإيمانية!.. كما هو المستفاد من بعض الروايات، أن رب العالمين يملأ جوفه نوراً.. هذا فضلاً عن الصحة النفسية، التي يعيشها الحليم.
س٩/ مشكلتي أني كثير الغضب، فما هي نصيحتكم لنا أثناء الغضب؟..
إن الخطوة الأولى لعلاج مجمل الأمراض الأخلاقية، هو الاعتراف بها.. نحن نلاحظ هذه الأيام أن الإنسان إذا ألمّ به مرض من الأمراض المتعارفة، فإنه يراجع طبيباً في هذا المجال.. والحال بأن الأمراض الروحية، هي أشد فتكاً، وأدوم تأثيراً؛ لأن الأمراض الروحية، يستصحب الإنسان آثارها إلى أبد الآبدين.
فمن الوصايا العملية بالنسبة للغضب:
* أن يجعل الإنسان غضبه لله وفي الله.. لا على حساباته الشخصية، وإشباع غريزته السبعية.. ويتذكر طمعه في عفو الله عز وجل، بل يتذكر أن أجره على الله تعالى إذا عفا {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.
* من المناسب تغيير الحالة التي عليها الغاضب والمكان.. وذلك بالابتعاد عن الأجواء المسببة له هذه الحالة، والتي قد تثيره أكثر.. ومن الطبيعي كما أنه ما اختلى رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما، كذلك أيضاً بالنسبة للمتخاصَمين.
* أن ينظر الإنسان إلى وجهه في المرآة؛ ليرَ شكله الذي لا يطاق، من حيث تجسم الشيطان من خلال قسمات وجهه.
س١٠/ ألا تعتقدون أن العفو الدائم عن الآخرين، يشجعهم على التمادي في الخطأ؟.. أي متى ينبغي أن نعفو، ومتى ينبغي أن نغضب؟..
إن الأمر يحتاج إلى بصيرة إلهية، فالإنسان عليه أن يشخّص، هل هذا العفو من موجبات التمادي أو الردع!.. وغالباً في حياتنا الأسرية ومع الأرحام، نحن نقول ونميل إلى أن الأصل هو الصفح.. إذ أن من أقبح صور الغضب والتنازع، ما كان بين الوالدين والأرحام.. ومن الضروري الموازنة بين الأرباح والخسائر، فمثلا: هو قد يختلف مع والديه في حق مالي بسيط، ولكن ماذا في المقابل؟!.. فإنه سينال سخط وغضب أبويه!.. والحال بأن القرآن الكريم يصف المؤمنين: بأنهم رحماء فيما بينهم، أشداء على الكفار.
س١١/ بحكم الرتابة اليومية في الأسرة، قد يغفل الإنسان عن مراعاة شعور الطرف الآخر.. فكيف ترون الحل لهذه المسألة؟..
إن هذه المشكلة تحتاج إلى مداولة عميقة، حتى من قبل مختلف التخصصات: سواء علماء النفس، أو علماء الاجتماع.. فالمشكلة في الحياة الزوجية أن الإنسان عندما يرى شكلاً ثابتاً: صباحاً، ومساءً، ولمدة زمنية قد تتجاوز في بعض الأوقات نصف قرن، مع هذه الرتابة في التعامل؛ من الممكن أن تجر الإنسان إلى حالة من حالات الاحتقار، أو عدم إعطاء المرأة وزنها في المنزل، حيث أنها بعد فترة تتحول إلى قطعة أثاث في المنزل!.. والحال بأنا قلنا في أكثر من مناسبة: أن الأدلة الدالة على لزوم إكرام المؤمن، وأنه بنيان الله في الأرض، تنطبق على الزوج والزوجة أيضاً.. وهنا إشارة جميلة من الرسول الأعظم (ص)، بأن الذي يُدخل على أهله السرور، بحمل زاد أو غيره، كأنه حمل زاداً إلى قوم محاويج، يؤجر على ذلك الأجر الجزيل: (من دخل السوق فاشترى تحفةً فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قومٍ محاويج.. وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنّ من فرّح ابنةً؛ فكأنما أعتق رقبةً من ولد إسماعيل.. ومن أقرّ بعين ابنٍ؛ فكأنما بكى من خشية الله عزّ وجلّ.. ومن بكى من خشية الله عزّ وجلّ، أُدخل جنات النعيم).
س١٢/ يقول الله في كتابه الكريم {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ}.. هناك من ينكر أحقية أهل البيت (ع) في الولاية، لدوافع شخصية لا اعتقادية، فما تعليقكم على هذا الأمر؟..
نعم، إن من مصاديق التنازع، هو ما جرى في تاريخ الإسلام، من هذه المفارقة والتمحور حول محورين: المحور الذي يقول بضرورة وجود النص، وأن رب العالمين أعلم حيث يجعل رسالته، وبنفس الملاك أعلم حيث يجعل وصايته.. وبين ذلك المحور الذي لا يرى تدخلاً سماوياً في هذا المجال.. ولكن مع ذلك نقول: نحن عندما نريد أن نبحث هذه المسألة الحساسة والمهمة، لا بد أن نجردها من كل جو مثير، لا يقودنا إلى جو علمي هادف.. حيث أن -مع الأسف- الملاحظ هذه الأيام في مواقع الإنترنت، والفضائيات، والصحف، والمجلات، عندما تتناول هذه المسألة، بأن الانفعال هو سيد الموقف والسمة الغالبة، والحال بأن هذا بحث علمي.
رحم الله السيد الشهيد المفكر محمد باقر الصدر، في كتابه القيم (بحث حول الولاية)، نلاحظ أنه يبحث موضوع الإمامة بنفس هادئ، بنفس النفس العلمي الذي ألّف به كتابيه: اقتصادنا، وفلسفتنا.. وكذلك العلامة الطباطبائي، المعروف بمزجه للعرفان والفلسفة والفقه والأصول، في كتابه (التشيع)، وما جرى بينه وبين المستشرق هنري كوربن.
ومن المؤكد أن الإنسان الذي يملك دليلاً قوياً، ويستند إلى جبل راسخ من البراهين والأدلة، من الطبيعي أن لا يثار.. وعليه، متى ما رأى أن الجو ليس جواً علمياً،و الطرف المقابل يريد أن يستفز، ويدخل في جدال عقيم، ينسحب ولو ظن الشخص بأنه قد انتصر في هذا المجال.. وهذه القصة سمعتها من أحد مراجعنا في النجف الأشرف، وهو عبد الهادي الشيرازي، أحد العلماء الأجلاء، والذي كان قد ابتلي في آواخر حياته بالعمى، يقول: بأن أحد تلاميذه تجاسر على مجادلته، واستشكل معه إشكالاً علمياً، والسيد لم يدخل معه في جدال، فتركه هو وظنه؛ معللاً بأنه رآه يعيش نشوة الانتصار عليه، فلماذا يشغل نفسه بهذا العالم!.. فإذن، على الإنسان إذا رأى بأن الطرف المقابل، لا يبحث عن الحقيقة، ولديه قناعة أخذها من موروث، أو من جهة ما، ولا يريد أن يصل إلى حقيقة علمية راهنة.. فلماذا يضيّع الوقت، ويبذل الجهد من باب إفحامه، أو ما شابه ذلك!.. إلا اللهم في بعض الأمور، فإن المؤمن مطالب أن يتكلم كلمة الحق الصريحة، من باب سد الفتنة في هذا المجال.. وإلا فالقاعدة العامة هي ما ذكره القرآن الكريم: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.. ثم أن البناء ليس مبنياً على المدد دائماً، بل علينا أن نعيش هذه الحالة من الوحدة والاتحاد، وخاصة نحن نمر في وقت أحوج ما نكون فيه إلى التكاتف، ولدينا من المشتركات ما يغنينا من الدخول في أجواء التهاتر والتخاصم والتكفير وما شابه ذلك.
س١٣/ نلاحظ أن الله تعالى في كتابه الكريم يحثنا على الامتثال بالكلمة الطيبة، واجتناب الكلمة الخبيثة.. حيث أن الإنسان في حالة الغضب، يتلفظ بألفاظ بذيئة.. فهل للشيطان دور في ذلك؟..
كما نعلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، وهذا الجريان يشتد في ساعات معينة، منها: ساعة التورط في عالم الشهوات، أو ساعة الغضب؛ ولهذا نلاحظ بأن الإنسان عندما يغضب، يعيش حالة من حالات الفلتان الباطني.. حيث أن الشيطان يقلّبه كما يقلّب الصبيان كرتهم!.. أي يلعب به لعباً!.. وعليه، فإنه ينبغي أن يعلم، بل يحذر، أنه في حال الغضب يكون مشحوناً بالبغض تجاه الآخرين؛ مما يجعله يتجاوز، ويسيء الظن إلى أبعد الحدود، كما قال علي (ع): (إذا أقبلت الدنيا على أحد، أعارته محاسن غيره.. وإذا أدبرت عنه، سلبته محاسن نفسه).. ورد في رواية جميلة عن المسيح (ع)، (أن عيسى (ع) مرّ مع الحواريين على جيفة، فقال الحواريون: ما أنتن ريح هذا الكلب!.. فقال عيسى (ع): ما أشدّ بياض أسنانه)!.. أي لماذا تركزون على جانب السلب، وتتركون جانب الإيجاب؟!..
وكما نعلم في علم النفس يقولون: إذا أردت أن تعرف الإنسان المتفائل من المتشائم، قدّم له نصف كأس ماء.. فالشخص المتفائل، ينظر إلى الجزء المملوء.. وأما الشخص المتشائم، فإنه ينظر إلى الجزء الفارغ.
ومن المناسب أن نذكر: بأنه لو عملنا بهذا المبدأ، أي ما دام هنالك وجهان: في السلب والإيجاب، علينا أن نرجح الجانب الإيجابي، (احمل أخاك على سبعين محملاً)، ونبتعد عن عالم الأوهام الباطلة: من سوء الظن، والغيرة، وما شابه ذلك.. والتي لا تستند إلى أساس علمي حكيم، ولا مبرر لها.
س١٤/ ما هو موقف الإنسان الذي يعفو عفواً شكلياً فقط، حيث أنه في باطنه ما زال يعيش حالة التأذي النفسي ممن تسبب له في الأذى؟..
إذا لم يكن العفو من أعماق القلب، حيث الذي يعفو يعفو قربة إلى الله تعالى، وبمجاهدة باطنية، لا عن قناعة نفسية.. أعتقد بأن هذا المقدار من العفو والمسامحة يكفي شرعاً.. ولكن لنحذر جداً دخول الشيطان في عالم الأرحام، فنحن عندما نقرأ سورة يوسف ، نجد أن يوسف (ع) مع أنه كان ضحية إخوته الذين ألقوه في الجب، وحاولوا قتله؛ إلا أنه عندما دخلوا عليه، قال: {مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}.. نلاحظ أنه أشرك نفسه في الأمر، مع أنه نبي معصوم، ولم يكن له دور في القضية!.. ثم أن الشيطان كسب كسباً بليغاً، عندما أوقع الخلاف بين أبناء يعقوب، وشوّه صورة النبي يعقوب عند الآخرين، عندما أُشيع الخبر بأن أبناءه همّوا بقتل أخيهم.. وهنا من المناسب أن نذكر أن بعض المؤمنين، الذين يمثّلون عناوين راقية وعريضة في مقام العمل، عندما يتجاوزون الحدود الشرعية، يعطون صورة سلبية جداً عن الجو الإيماني.. كما هو الحال عند بعض الآباء، إذ تُسلب منهم قوة التأثير في نفوس أبنائهم، من باب أنهم لا يعيشون حالة الاتزان والهدوء الباطني.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.