Search
Close this search box.
  • التقرب إلى الله بين زيارة عاشوراء ودعاء كميل
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

التقرب إلى الله بين زيارة عاشوراء ودعاء كميل

بسم الله الرحمن الرحيم

التأمل في أدعية زيارة عاشوراء

كثيرة هي المضامين العالية التي وردت في زيارة عاشوراء؛ الزيارة التي يحرص عليها كل مؤمن خصوصا في أيام محرم الحرام وفي يوم عاشوراء. وهي وإن كانت تصنف في الزيارات إلا أنها تحتوي على مناجاة ودعاء، يُمكن وصفها بأنها من أرقى الأدعية المأثورة كهذا الدعاء: (اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ)[١]. ولو تأملنا في هذا الدعاء وأمثاله لرأينا أن لكل كلمة دلالة. أما قولنا: اجعلني، فنعني به أننا قاصرون على أن نصل بجهدنا وإنما ينبغي أن نستعين بالله سبحانه للوصول إلى هذه الوجاهة. ترى الرجل يريد أن يبني منزلا فلا يستطيع في تسعة أشهر أن ينجزه ولكن الله سبحانه يخلق جنينا في بطن أمه في ظلمات ثلاث ليصبح بشرا سويا في أحسن تقويم في تسعة أشهر، وهذا هو الجعل الإلهي، واليد الإلهية التي توجب الكمال.

التغيير في الأرواح المشوهة

إن الرجل يضع الحويمن في رحم الأم؛ فتتخصب البويضة وهي لا ترى إلا بالمجهر، فتبدأ بالنمو ويشق الله سبحانه لهذا المخلوق البصر والسمع ويخرج في نهاية المطاف كفلقة القمر بعد أن كان في بدايته أشبه بالضفدع منه بالإنسان. وبإمكاننا مشاهدة مراحل نمو الجنين في بعض المتاحف لنرى بأعيننا كيف يتحول هذا الجنين القبيح ذو الرأس الكبير والجسد الصغير الذي يُشبه الذيل في الشهور الأولى إلى طفل يذهب بالأبصار من شدة جماله، وهو قوله سبحانه: (ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَٰمࣰا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَٰمَ لَحۡمࣰا ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ)[٢]. فالذي يستطيع أن يحول هذا الجنين المشوه إلى جمال آسر؛ ألا يستطيع أن يتصرف في الروح التي لم تتكامل والتي تشوهت بالذنوب إلى روح راقية آسرة؟

فلو كشف الغطاء لبعضنا، لهرب من نفسه. إن الباطن قد يتلوث إلى درجة لا يتحمل البعض باطنه فيُعدم نفسه بنفسه وذلك بالانتحار. قد ترى الجميلات من النساء؛ ولكن لا يتعدى هذا الجمال الجلد واللحم ولو كُشف لك الباطن لرأيت أقبح القبيحات. فما أجدر بالمؤمن أن يخاطب ربه قائلا: يا رب، حلني بحلية الإيمان وأخرجني من الظلمات إلى النور؛ فلو تركت الأمر إلي فلن أتقدم خطوة من دون عونك وتسديدك.

عميلة جراحية على شبح…!

إن العمل على استصلاح هذه الروح أشبه شيء بطبيب جراح يقوم بعملية في غرفة العمليات لمريض لا يُرى وبأدوات لا تُرى…! إننا نقوم بعملية جراحية في أنفسنا لنستأصل منها غدة الحسد، وغدة الحقد، وغدة التكبر؛ ولكننا لا نرى شيئا منها وهنا تكمن الصعوبة في تزكية النفس.

ثم نطلب من الله سبحانه في الدعاء الذي ورد في زيارة عاشوراء؛ أن يجعلنا وجيها عنده. قد ينشر البعض عنك أخبارا كاذبا أو يحاولون تشويه سمعتك أمام الناس من خلال الذكاء الاصطناعي مثلا أو ما شابه من هذه الوسائل الحديثة، فتتألم لذلك والحال أنه لا ينبغي لك ذلك ما دمت تعلم أنك بريء من ذلك وأن الله سبحانه راض عنك. فإذا كنت وجيها عند الله، فلا تخشى ألا تكون وجيها عند غيره.

إن نصف مشاكلنا من كلام الناس

إن نصف مشاكلنا من كلام الناس؛ خاصة ممن يعنينا أمرهم، ولم يسلم منه حتى الأنبياء. إن قوم موسى (ع) آذوه كثيرا حتى أنهم دفعوا مالا لزانية لكي تتهم النبي بالفاحشة ولذلك شكى الأمر إلى ربه، فبين له سبحانه: أنه أمر لم يسلم منه هو عز وجل. والكلام هو هواء يخرج من الفم لا قيمة له؛ فقد قيل لأحد المراجع: إن من الناس من يتكلم عليك، فقال: وما يضرني ما يقولون وهو هواء في هواء لا ضرر فيه علي، وإنما خشيتي ألا يتحول ذلك إلى الضرب المؤلم…!. لو تعاملت مع كلام الناس كما تتعامل مع الرائحة الكريهة التي تخرج من فم أحدهم لسددت على نفسك باب كبير من أبواب التألم والتأثر.

ولابد أن تكون الوجاهة التي يبحث عنها الإنسان مما تنفعه في أخراه؛ فما الفائدة من أن يكون الرجل محبوب الملايين ولا أحد من هؤلاء يدخل معه في قبره وينفعه في آخرته؟ فلابد من أن تكون وجيها عند الله سبحانه ولكن لا تتم هذه الوجاهة إلا من خلال شفيع أو وسيط. من الذي يعطينا هذه الوجاهة؟ هنا بيت القصيد: (وجيها بالحسين (ع)). إنني لا أملك وجاهة ولكن للحسين (ع) وجاهة وأي وجاهة، ولذلك أوصي كل من يعمل في المواكب أو للشعراء والرواديد ومن ينتسب بطريقة أو أخرى إلى الحسين (ع) أن يقول: يا أبا عبدالله، إنني منسوب إليك ولو تركتني ونفسي لكنت شينا عليك وأنت لا تريدني إلا زينا وخاصة إنني أنتسب إليك ويعرفني الناس بهذا الانتساب وينعتونني بالحسيني، فإن سقطت قالوا: سقط الحسيني وإن وُفقت قالوا: وُفق الحسيني. فلا أكن يا سيدي كما قال الشاعر:

وكل يدعي وصلاً بليلى
وليلى لا تقر لهم بذاكا

ولا ينبغي أن نغفل عن أن السمعة الطيبة مطلوبة في الدنيا ولذلك نقول: وجيها بالحسين (ع) في الدنيا وهو يُشبه ما ورد في زيارة أمين الله: (مَحْبُوبَةً فِي أَرْضِكَ وَسَمَائِكَ)[٣]. فلو حظي الإنسان بمحبة الزوجة والأولاد استقرت حياته ولم يُعقه أولاده مثلا.

صلوات ورحمة ومغفرة تنالها بهذه الزيارة

ومن الأدعية التي وردت في هذه الزيارة: (اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هَذَا مِمَّنْ تَنَالُهُ مِنْكَ صَلَوَاتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ)، وهو دعاء ينبغي أن يتوقف عنده المؤمن ويكررها عدة مرات. إن الله سبحانه – وهو الذي لا تأخذه سنة ولا نوم – يصلي في كل يوم على النبي (ص)، وصلاته رفع درجاته. فكم ارتفعت درجاته منذ ما يقارب الخمسة عشر قرنا؟ ويقول سبحانه في كتابه: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا)[٤]، وينبغي أن يتخلق المؤمن بأخلاق الله وأن يصلي على نبيه كما يصلي الله عليه.

كيف يصلي الله عليك؟

ومن الممكن أن يصلي الله عليك ولكن صلاة دون صلاته على النبي (ص) وذلك عند صبرك على المصيبة وهو قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةࣱ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ * أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ)[٥]. فالمصيبة قد تكون صداع ليلة أو آلام ولادة والصلوات الإلهية تكون بمقدار هذا الألم، وقد تكون المصيبة فقد عزيز وهذه مصيبة لا تنتهي بيوم ولا يومين؛ بل تبقى حزازتها وألمها إلى آخر العمر، كما نرى ذلك جليا عند أمهات الشهداء مثلا، وقد تلحق الأم ولدها كمدا، فتموت غصة واكتئاباً.

فالأخ الذي يصبر على فقد أخيه الشهيد يرفع الله درجته كذلك وكذلك الأمر في ابن الشهيد وجميع ذويه. إن رب العالمين يصلي عليك في زيارة عاشوراء لا أثناء تلك الزيارة وإنما له صلواتٌ مستمرة؛ فهو أجل من أن يصلي عليك ثم يقطع صلواته، كيف يكون ذلك وأمير المؤمنين (ع) يصفه لنا قائلا: أنت أكرم من أن تضيع من ربيته.

سقوط الأخلاق في الغرب

إنني ذهبت إلى بلاد الغرب فرأيت أن هم الموظف هناك أن تحل عليه عطلة الأسبوع ليحيوا الليالي الحمراء ويتناولوا المسكر ويمرحون ويلعبون وما شابه ذلك، ثم يأتي يوم الاثنين ليعودوا إلى الدوام وقد قد أحدهم ماله وصحته التي أضر بها بالخمر لينتظر نهاية الأسبوع مرة أخرى. في المقابل ينتظر المؤمن ليلة الجمعة ليعيش السكر المعنوي، وهو معنى ورد في القرآن الكريم في قوله: (لَّا يُصَدَّعُونَ عَنۡهَا وَلَا يُنزِفُونَ)[٦]؛ أي لا يصيبهم صداع خمر الدنيا، ولا يُسكرهم. وقال سبحانه عن ساقي هذا الشراب: (وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابࣰا طَهُورًا)[٧]؟

إن هذه الآية مكتوبة فوق ضريح أمير المؤمنين (ع) وهي تستوقفني عند كل زيارة ولكن هل هناك مجال لكي يسقيهم الله في الدنيا؟ ممكن. إنه في جوف الليل يسقي البعض الشراب الطهور، وقد قرأت في تفسير هذه الآية: أن هذا الشراب يطهرهم عن جميع الأكوان، فيذهلون عن كل شيء إلا رب العالمين. إن الخمر نجس ولكن هذا الشراب ليس طاهر فحسب؛ بل هو مطهر أيضا.

هذه المقامات متاحة للجميع

وهذه المقامات متاحة للجميع؛ فلا تقل: أنا جامعي أو كاسب ولا أنال هذه المقامات وإنما هي مقامات ينالها أصحاب العمائم. ألم يكن أصحاب الأئمة (ع) كسبة يعملون في الأسواق؟ ألم يكن ميثم تمارا؟ ألم يكن سدير صيرفيا؟ ألم يكن غيره زياتا وسمانا وجمالا وغير ذلك من الأعمال التي لم تمنعهم من أن يكونوا الخلص بين أصحاب الأئمة (ع).

إن هذه المعاني الأخلاقية ليست حكرا على أمثال بحر العلوم ومقدس الأردبيلي والشيخ الطوسي والشيخ الأنصاري وغيرهم، فهل لهؤلاء رب غير ربنا؟ عندما يقول سبحانه: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكۡرࣰا كَثِيرࣰا)[٨]؛ فهل يعني به المقدس الأردبيلي مثلا؟ من يخاطب سبحانه في قوله: (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبࣰّا لِّلَّهِ)، وغيرها من الآيات؟ لا تنحصر هذه المعاني في المتخصصين إطلاقا، وبإمكان الجميع أن يتخصص أيضا. لقد رأيت بعض الشباب في بلاد الغرب ما رأيت مثلهم في بلداننا الإسلامية وكانوا في قمة النزاهة والصفاء الباطني.

ابحث عن اللذات الباقية

لماذا لا تتخصص ومصيرك إلى برزخ وبعده حياة الأبد؟ ارتفع عن مستوى اللذات الفانية كما يرتفع عنها الكبار في السن قهرا لا اختيارا، وخاصة من ابتلي منهم بمرض السكر الذي يذيب الشهوة ولا يهنأ صاحبه بالطعام أو من ابتلي منهم بالقالون العصبي. إن شهوة الدنيا تُختصر في النساء والطعام، وفي آخر العمر ترى الرجل في غرفة والزوجة في غرفة أخرى وأما الطعام فتمنعهم عنه الأمراض.

إن من لم يستعد لآخرته يصاب في أواخر العمر بالانتكاسة؛ فكم أكل وكم شرب وكم استمتع ليرى في نهاية المطاف أنها كانت كالوهم والخيال. أما الأولياء فيزدادون انتعاشا كلما تقدم بهم العمر، لأنهم يقتربون من اللقاء الإلهي الذي يعدون له العدة وينتظرونه على أحر من الجمر. عندما يكون الرجل شابا تُعيقه الكثير من المشاكل التي يواجهها مع زوجته وأولاده من الخلوة؛ فعندما يزوج أولاده ويتقاعد عن العمل يجد فسحة في الحياة يتفرغ فيها لعبادة ربه إن كان قد أسس من قبل لهذه الفسحة، وإلا فهو في ضلال إلى آخر حياته.

أين تجد اللذات الباقية؟

تجدها في كلمات أمير المؤمنين (ع): (أَسْأَلُكَ بِجُودِكَ أَنْ تُدْنِيَنِي مِنْ قُرْبِكَ، وَأَنْ تُوزِعَنِي شُكْرَكَ، وَأَنْ تُلْهِمَنِي ذِكْرَكَ)[٩]؛ أي يا رب، لو تركتني ونفسي فإن لذتي لا تتعدى الطعام والشراب والنساء؛ ولكن ألهمني ذكرك وافتح لي باباً إلى ذلك الجمال الأبدي. لماذا يصل الأمر بالإنسان أن يُجن في حب إحداهن؟ أليس هو جمالها؟ عندما تدخل إلى معرض من المعارض وترى اللوحات الجميلة؛ هل تتعلق باللوحة أم بمن رسمها؟ هذا الجمال البشري له رسام قد رسمها في بطن الأم. ابحث عن الذي جمل هذا الوجود. بل يتعلق الإنسان بمن أحسن إليه؛ فقد رأيت شابا يرسل أموالا لرجل كبير في السن، لأنه أحسن إليه في صغره. فمن أعظم إحسانا من رب العالمين؟ ومن أجمل منه؟

ماذا نقرأ في المناجاة الشعبانية؟

(إِلَهِي وَاِجْعَلْنِى مِمَّنْ نَادَيْتَهُ فَأَجَابَكَ وَلاَحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلاَلِكَ فَنَاجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً)[١٠]، فترى الرجل جسمه يعمل في هذه الدنيا ويدرس وترى المرأة مشغولة بأعمالها المنزلية من الطبخ والكنس والغسل ولكن الروح معلقة بالمحل الأعلى، وهو ما روي: (صَحِبُوا اَلدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ اَلْأَعْلَى)[١١].

 

ما هو قديم الذكر الذي نسكن إليه؟

ومما يذكره الأمير (ع) في دعائه: (وَسَكَنْتُ إِلَى قَدِيمِ ذِكْرِكَ لِي)[١٢]؛ فماذا يعني ذلك؟ إنك تبكي في ليلة القدر استغفارا بعد أن كنت في محرم وصفر ممن لطم وخمش وجهه وأصاب الزنجير ظهره وكسبت ما كسبت في هذين الشهرين وما ذلك إلا لأن الشيطان لا يكف عن خداعك. فلا تسكن إلى قديم الذكر، وكل الخبز بسعر اليوم. لا تقل: عملت وعملت؛ فماذا لديك اليوم؟ لا تعول على أيام النور التي مضت فتظن أنك على شيء؛ فأنت اليوم في ظلام، ولابد أن تفكر في رفع هذا الظلام؟ لم تكن فيما مضى في النفق ولكنك الآن قد دخلت فيه، فأين منه المهرب؟

وهناك معنى آخر يذكره العلماء وهو: أي أنني سكنت إلى ذكرك القديم الذي ذكرتني به وأنا في بطن أمي؛ فأخرجتني طفلا سويا ثم جعلت لي ثدي أمي يدر علي ويغذيني وما شابه ذلك من نعم الله التي يذكر بها عباده ويأنس الإنسان عند ذكرها. وما أجدر بك أن تسجد لربك عندما تصل إلى هذا المقطع من الدعاء: (أَ تُسَلِّطُ اَلنَّارَ عَلَى وُجُوهٍ خَرَّتْ لِعَظَمَتِكَ سَاجِدَةً) لتنزل عليك الرحمة الإلهية، وقد قال سبحانه: (قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدࣰاۤ)[١٣].

كيف أصبر على فراقك؟

ومن العبارات التي يرق قلبي لأمير المؤمنين (ع) عند قراءتها قوله: (يَا إِلَهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلاَيَ وَرَبِّي – صَبَرْتُ عَلَى عَذَابِكَ، فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلَى فِرَاقِكَ؟!). وهو يُشبه قوله: إن أدخلتني النار أعلمت أهلها أني أحبك؛ أي أن عذابك لا يفرق بيني وبينك. هل رأيت إنساناً يحب معذبه، ويحب من يسلط عليه النار؟ نعم. وقد قال يونس في بطن الحوت: (أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ)[١٤]؛ وكأنه يقول: أنا الذي أوقعت نفسي في بطن الحوت، وأنت أجل من ذلك. وكلنا ندخل أنفسنا في بطون الحيتان، والحل هو: (وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ)[١٥]. يكفي أن تقرأ الذكر اليونسي مرة واحدة بتوجه بعد الصلوات الواجبة لترى آثاره العجيبة.

إن أطباء الأعشاب لهم خلطاتهم التي يخلطون فيها بعض النباتات، وهناك خلطة أسميها خلطة التوبة، وهي مأخوذة من الروايات. لابد وأن تستعمل هذه الخلطة ولا تغتر بأنك ترجع من من مجلس الحسين (ع) فتهم بالمعصية فلا تفعلها، لأن ذلك من بركات محرم وصفر، فماذا تفعل بعدهما؟ إنك بهذه الحالة تكون على خطر عظيم.

عليك بهذه الخلطة إن قصدت التوبة

أولا: اغتسل غسل التوبة، وهو غسل مذكور حتى في العروة الوثقى. إنني سمعت بأحدهم له غسله الخاص؛ فهو يدخل إلى الحمام ويفتح الماء الحار ويدني جسمه من الماء ويقول لنفسه: (ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ)[١٦]. واذهب بعد الغسل إلى مكان فارغ تحت السماء مثلا وإذا ذهبت إلى مشهد من المشاهد فاجمع بين غسل الزيارة والتوبة، ثم صل ركعتين بتوجه وإن حذفت منها التوحيد فلا بأس إن كان حذفها يزيد من تركيزك، فلا مانع من حذف السورة في الصلوات المستحبة، ولا بأس أن تسبح الله ثلاثا في الركوع والسجود، لتنتهي من الصلاة قبل أن يقطع الشيطان عليك الطريق ويشتت أفكارك، فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (رَكْعَتَانِ مُقْتَصَدَتَانِ فِي اَلتَّفَكُّرِ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَاَلْقَلْبُ سَاهٍ)[١٧].

ثم بعد ذلك اسجد سجدة يونسية بمقدار الشهية؛ فإن ذرفت عينك ولو بمقدار جناح بعوضة، قم واذهب فقد غفرالله لك. هذه تركيبة لطيفة لا بأس أن يكررها المؤمن دائما؛ خاصة في حالات الإدبار وهي كما يُقال: جربها مرة، تحبها كل مرة، وسترى خفة في قلبك بعدها.

[١] المصباح (للکفعمی)  ج١ ص٤٨٢.
[٢] المؤمنون: ١٤.
[٣] فرحة الغري  ج١ ص٤٣.
[٤] الأحزاب: ٥٦.
[٥] البقرة: ١٥٦-١٥٧.
[٦] الواقعة: ١٩.
[٧] الإنسان: ٢١.
[٨] الأحزاب: ٤١.
[٩] دعاء كميل.
[١٠] الصحیفة العلویّة ص١٨٥.
[١١] الخصال  ج١ ص١٨٦.
[١٢] دعاء كميل.
[١٣] الإسراء: ١٠٧.
[١٤] الأنبياء: ٨٧.
[١٥] الأنبياء: ٨٨.
[١٦] الدخان: ٤٩.
[١٧] مکارم الأخلاق  ج١ ص٤٥٨.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • أين أنت عن خلطة التوبة عند إدبار القلب؟ وهو أن تغتسل ثم تصلي ركعتين خفيفتين كي لا يقطع فيها أفكارك الشيطان ثم تجد لنفسك خلوة وتسجد لاهجا بالذكر اليونسي ما أسعدك جدك؛ فإن ذرفت عيناك فقد غُفر لك وفرغ قلبك من درن المعصية.
  • إن العمل على استصلاح هذه الروح أشبه شيء بطبيب جراح يقوم بعملية في غرفة العمليات لمريض لا يُرى وبأدوات لا تُرى…! إننا نقوم بعملية جراحية في أنفسنا لنستأصل منها غدة الحسد، وغدة الحقد، وغدة التكبر؛ ولكننا لا نرى شيئا منها وهنا تكمن الصعوبة في تزكية النفس.

 

Layer-5.png