– إن الشباب هو سن اشتعال الشهوات والميل إلى الخطايا، ولكن الشاب الذي يأتي إلى مجالس الذكر، فإنه يجاهد نفسه، ويقدم ذكر الله تعالى على ذكر الشيطان.. فرب العالمين يباهي بهؤلاء الشباب، ويقول: هؤلاء حجة على من في عصرهم.. ففي البلاد البعيدة، لا يتوقع الإنسان أن يرى مؤمناً فيها، وإذا بأهل قيام الليل، وأهل التهجد في مختلف بلاد العالم.. وبالتالي، فإنه ليس هناك عذر لمن يقوم بالمنكر، ويدعي أن أُجبر عليه.. لأنه عندئذ سيقال له: هذا أيضاً كان في هذه البيئة، وقاوم المنكر.
– فإن الذين هم في سن ما بعد سن المراهقة والبلوغ، وبحمد الله لم يتلوثوا بالمعاصي الكبيرة.. أما بالنسبة إلى المعاصي الصغيرة، فإن رب العالمين يتجاوز عنها.. وبما أنه إلى الآن لا زال نظيفاً نقياً ورعاً تقياً، فليحاول أنيبقي هذه النقاوة؛ لأن الشاب الذي نشأ في طاعة الله -عز وجل- له وزنه وقيمته يوم القيامة.. ورد في الحديث الشريف: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل.. ورجل قلبه معلّق بالمساجد.. ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه.. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله.. ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.. ورجل ذكر الله خاليًا، ففاضت عيناه).
– إن بعض الشباب -بحمد الله- صمموا على أن لا يكونوا من عباد الشيطان، ولا من عباد البطن، ولا من عباد الهوى، بل من عباد الرحمن.. فالإنسان العاقل لا المتدين، عليه أن يرتبط بالله -عز وجل- ارتباطاً وثيقاً، ارتباط المتهم بالقاضي.. فلو كان الإنسان متهماً، ويعلم أن هنالك موعدا للمحاكمة بعد خمس سنوات، فهو من الآن يبحث عن القنوات التي تعرفه بالقاضي.. فيبعث له بالهدايا، ويرضيه بما يشاء، ويتودد إليه؛ كي يأخذ بجانبه يوم المحكمة.. ألا نقرأ في سورة الفاتحة {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}؛ أي مالك يوم الجزاء.. والإنسان الذي يعتقد بالمبدأ والمعاد، لا بد وأن ينسجم مع رب ذلك اليوم.
– إن الولد الصالح، منوط بالتربية الصالحة.. ولا شك أن الأب الصالح والأم الصالحة، يربيان الذرية الطيبة.. ولكن الولد في هذا العصر، عندما يدخل سن العاشرة والحادية عشرة، وتنفتح عينه على القنوات وسبل الاتصال المتعارفة هذه الأيام الإنترنت وغير ذلك، فإنه يصبح بمثابة جسد في عنقه خيوط، وهذه الخيوط هي عبارة عن أجهزة الفساد تسحبه يميناً وشمالاً.. فالإنسان مهما بالغ في المراقبة لا يمكنه السيطرة على أولاده.. ومن هنا، فإن التدخل الإلهي طريق من طرق السيطرة في هذا المقام.. لذا على المؤمن أن يواظب على هذا الدعاء الذي في آخر آية من سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.. فكلمة {هب} أي أعطنا هبة، وأعطنا هدية، فنحن لا نستحق، ولكن الأمر من باب التفضل.
– ومن مصاديق هذه الهبة مريم عليها السلام.. فأم مريم عليها السلام قامت بعمل بسيط عندما قالت: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}؛ أي أن هذا الوليد سيكون وقفا على بيت المقدس، ولكن لما وضعتها أنثى قالت: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.. هنا أم مريم قامت بنذر، ولكن رب العالمين بارك في هذا الحمل {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}.. وإذا بمريم تصبح حاملاً لروح الله عيسى بن مريم، المولود الثاني على وجه الأرض الذي ولد من غير أب: آدم، وعيسى عليهم السلام.
– وهنالك مزية في عيسى عليه السلام ، غير موجودة في أي نبي من أنبياء أولي العزم، وهي أنه شريك الإمام الحجة -عليه السلام- في إقامة الحكومة الإسلامية، حيث أن الله -عز وجل- رفعه إليه {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ}.. ليرجعه ويصلي خلف الإمام صلوات الله عليه.. فهذه أسرار الله -عز وجل- لأن البشرية الآن يغلب عليها المسيحية من بعد الإسلام، وإذا رأوا نبي الله عيسى (عليه السلام) يُصلي خلف الإمام، فإن نفس هذه الصلاة هي من موجبات انضمام المسيحيين في العالم إلى ركبه -صلوات الله عليه- بالإضافة إلى المعجزات السماوية المعهودة.
– إن رب العالمين إذا كرّه إلى الإنسان الفسوق والعصيان، فإن المشكلة تنتهي.. {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}؛ عندها يصل المؤمن إلى درجة من الدرجات، يرى الفحشاء والمنكر كأكل الحشرات وما شابه ذلك.. فسر خلود يوسف نتلمسه في الآية الكريمة: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}، أي أنا أحب هذا السجن؛ لأن في السجن رضا الله -عز وجل- ومع زليخة سخط الله.
– إن على الآباء أن يراعوا تربية الأولاد: في طعامهم، وشرابهم، ومعشرهم، ولكن أيضاً عليهم بالدعاء في جوف الليل.. فالأم التي ترى بوادر الانحراف في ولدها، من الجميل أن تصعد إلى السطح تحت السماء في جوف الليل، وتكشف عن شعرها وتقول: يا رب أنا بين يديك، أقسم عليك –مثلاً- بحرقة قلب عمة إمامنا زين العابدين زينب الكبرى -عليها السلام- خذ بيد ولدي فلان.. فإن هذه الدعوة إذا استجيبت،فإن رب العالمين يتدخل، ويحبب إلى ولدها الإيمان بعد أن كان الإيمان بغيضاً له.
– ومن المناسب ذكر هذه الآية في القنوت، وهذا مفيد لغير المتزوجين أيضاً، إذ لا بأس أن يطلب من الله -عز وجل- زوجة صالحة وذرية صالحة.. (ما استفاد مؤمن بعد تقوى الله -عز وجل- خيراً له من زوجة صالحة).. وإذا أراد الشاب الزواج، فعليه أن يسأل أهل الاختصاص، ولا يغرنه الجمال الزائف، الذي ذكره النبي (صلى الله عليه وآله) بتعبيرٍ بليغ: (إياكم وخضراء الدِمن)!.. أي الحسناء في منبت السوء.. والإنسان يألف كل جميل، فكل جمال بشري يعتاده النظر.. ولكن الذي يبقى، هو البواطن الجميلة.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.