كما ذكرنا في أول الحلقات: إن قيمة هذه الحلقات، هو في الجانب التطبيقي.. وإلا فليس الهدف من هذه الحلقات، الجانب التثقيفي المجرد؛ فنحن نتعلم الخطة، لنمشي عليها؛ ونتعلم الخارطة، لنسلك فيها.
س١/ ما هو دور التفاعل الشعوري مع ذكر أهل البيت (ع)، في عملية التكامل الأنفسي؟..
أولا لا اثنينية بين التفاعل مع أهل البيت (ع)، وبين التفاعل مع رب العالمين.. لأن هؤلاء من شؤون المولى، هؤلاء العبيد المتميزون للمولى تعالى، فمن أراد أن يتقرب إلى الله تعالى، فهؤلاء هم الوسيلة، كما نقرأ في الزيارة الجامعة: (من أراد الله بدأ بكم، ومن وحّده قبل عنكم، ومن قصده توجه بكم)..
إن رب العالمين هو أمرنا بمودتهم، فكل مظهر من مظاهر المودة والتحبب إليهم، يعود إليه تعالى.. وإذا نحن بالغنا في إظهار المودة، فليس هذا على حساب رب العالمين، بل يعود إليه تعالى.. أنت عندما تأمر أحدا بإكرام ولدك، فإذا هو بالغ في الإكرام فإنك-ما دامت المبالغة في ضمن الإطار الشرعي- لا تذمه على هذه المبالغة، بل إنك كم تسعد وتفرح بهذا الإكرام!..
وأي تعظيم أعظم من السجود!.. إن رب العالمين أمر الملائكة بالسجود لآدم، لا في جهة آدم، ولا على جسم آدم، إذ قال تعالى: {إِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ}.. ومن المعلوم أن هذه العملية لا نقوم بها حتى لأئمة أهل البيت (ع)، حتى النبي المصطفى (ص)، لأن هذا أمرا من الله تعالى كان خاصا لآدم (ع)، مع أن آدم (ع) دون النبي (ص)، في الفضل والرتبة..
فالقضية قضية مترابطة، ومن هنا من مستثنيات البكاء المبطل للصلاة-كما في الرسالة العملية- البكاء من خشية الله تعالى، والبكاء على مصيبة الحسين (ع).. بشرط أن يكون البكاء يعود إلى الله تعالى، فإن كان البكاء على الإمام الحسين (ع)، كإنسان قتل مظلوما، فلم يعد إلى الله تعالى.
أضف إلى أنه من يتمرن على التفاعل، أو من له عاطفة جياشة تجاه أهل البيت (ع)، فهذا الإنسان متفنن أكثر في إبداء العواطف لرب العالمين.. فإن القلب العاطفي الذي يحمل شحنة عاطفية، أقدر من باقي القلوب، على أن يتفاعل مع رب العالمين.. ولهذا نلاحظ أن بعض محبي أهل البيت (ع)، في المشاهد الشريفة، لما ينتهي من الزيارة، ويقرأ دعاء كميل، فإنه يتفاعل بما لا يتفاعله منكرو مقامات أهل البيت (ع).. فبعض صور المناجاة والتفاعل الإلهي، في مشاهد أهل البيت (ع)، قد لا نراها حتى في المسجد الحرام..
وهذه دلالة على أن الذي يأنس بأهل البيت (ع)، ويتفاعل بذكرهم، ويحمل مودتهم، هذا أقدر من غيره على حمل المودة الإلهية.. لأن القلب هو القلب، فأنت عندما أحببت النبي وآل النبي (ص)، فهذا القلب صار قلبا عاطفيا؛ وما عليك إلا أن توجه هذا القلب العاطفي إلى الله تعالى، فأنت أقدر من غيرك على ذلك.
ولهذا من المناسب أن نستغل الفرصة في ختام مجالس إحياء ذكر أهل البيت (ع) عزاء وبكاء، لمناجاة رب العالمين، فهي أفضل فرصة، إذ العاطفة تحركت، وجرت الدمعة على مصيبة الإمام (ع).. فهذه الدمعة الولائية، حولها إلى دمعة توحيدية، فهذه الدمعة كانت في مصيبة الإمام (ع)، فحاول أن تجعلها في مصيبة نفسك، بأن تعيش حالة التقصير، وأنت العاصي المقصر، وأدم هذه الحالة البكائية في هذا الوادي الآخر.
س٢/ ما هي العوامل الأساسية، لإيجاد هذا القلب العاطفي المتفاعل والمتأثر شعوريا لأهل البيت (ع)؟..
إن الإنسان الذي يريد أن يكون عاطفيا، مع من يحب، فأول خطوة لابد أن يكون مطيعا، لهذا الذي أحبه، قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
هناك نظرية تقول: إن الذي يعاني في حب الحبيب، يترسخ حبه.. إن الإنسان عندما يحب الله تعالى، ثم يعذب في سجون الظالمين لطاعته لله تعالى، ولدعوته إلى الله تعالى، فإنه عندما يخرج من السجن، يرى في قلبه حبا جما مضاعفا.. إن الإنسان الذي يتجشم العناء في طاعة الله تعالى ورسوله (ص)، كما كان في أيام قديمة لما كانوا يذهبون لزيارة الحسين (ع)، كانت تقطع الأيدي والأرجل في سبيل الزيارة، أو يتحملون الأذى، حتى هذه الأيام هناك أذى في الزيارة.. فعندما يمشي إلى مقام الإمام (ع) مسافات، ويتحمل ما يتحمل، فإنه عندما يصل لا يجد حلاوة فقط، وإنما يجد حبا مضاعفا في قلبه.. لأن تحمل المشاق في سبيل الوصول إلى المحبوب، لمن موجبات ترسيخ محبة ذلك المحبوب.
س٣/ كيف يمكن استصحاب حالة التفاعل والتأثر العاطفي المتميزة، التي تكون في الأماكن والمشاهد المقدسة، خارج هذه الأماكن؟..
إن هذا الأمر ممكن، ولكنه يحتاج إلى جهد مضاعف.. وينبغي أن لا ننسى أن ما نراه من التفاعل والبركات المعنوية، حول البيت، وفي الحائر، وفي المشاهد، وفي الروضة؛ فهذا من موجبات الضيافة.. لو أن إنسانا جائعا، وذهب إلى أحد المطاعم، فلأن المطعم هو مكان للإطعام، فيعطى طعاما.. فهو إذا خرج من المشهد، فقد انتهت الضيافة، ولابد أن يبحث عن معاملة ثانية..
وإن الفخر كل الفخر، أن يصل الإنسان إلى درجة يستجلب هذه الضيافة، وهذه العناية، خارج الموسم، وخارج المكان.. هو خارج الحج، وخارج محرم وصفر، وخارج مكة والمدينة والمشاهد، وهو في بيته، فكيف يستنزل هذه الرحمة أو هذه النظرة؟..
إن هذا يحتاج إلى عمل دؤوب على النفس.. هو عندما زار المعصوم، أو زار البيت الحرام، فزيارته هذه أوجدت أرضية لتلقي الفيض، فهو بإمكانه أن يقوم بتهيئة هذه الأرضية من دون زيارة، عن طريق المناجاة القلبية، وعن طريق إبداء الحب الباطني..
ولهذا نحن نلاحظ في زيارات النبي (ص)، هناك زيارة من قرب، داخل الروضة.. وزيارة من بعد، وأنت على جبال الهملايا مثلا.. فما دام هناك زيارة من بعد، بمعنى التفاعل الشعوري، والالتفات إلى المزور، فإن العناية التي تعطاها في الروضة، تعطاها وأنت في القطب الشمالي مثلا، ما دمت أنت متوجها إلى رسول الله (ص).. فإن المؤمن له قدرة على تجاوز المكان والزمان، وهذا نتيجة المجاهدة لسنوات طويلة.
س٤/ هل للتفاعل مع مصيبة سيد الشهداء (ع) بالخصوص، تأثير على الحركة الروحية؟..
بلا شك!.. لأن قضية سيد الشهداء خرقت القوانين.. فكل الطاعات الجزاء عليها له عداد، إلا إذا كانت هذه الطاعات مرتبطة بسيد الشهداء (ع).. فكما أنه هو قدم كل ما عنده، فكذلك كأن قضية الجزاء لما يرتبط به تخرج عن الموازين.. ولكن كل شيء له حساب، وله موجب، ولا نريد أن نكسر القواعد العامة..
الإمام الحسين (ع) في يوم عاشوراء، قدم كل ما عنده، من النساء، من الطفل الرضيع، والشاب والكبير، حتى الخاتم الذي كان بيده سلب يوم عاشوراء، أوذي حيا وسلب شهيدا.. هو وهب كل ما عنده، فلو أن الله تعالى أباح جنته للإمام، وأعطاه ما أعطاه من الملك، لكان الأمر في محله.. فلو أعطي كل ما فيه نعيم الله تعالى، وقيل للإمام أنت قسيم الجنة والنار كأبيك المرتضى، لما كان الأمر غريبا.
فعليه، إن الذي يريد القرب من رب العالمين، فإن سيد الشهداء من الأبواب الكبرى: (كلهم سفينة النجاة، وسفينة الحسين أسرع.. وكلهم أبواب الهدى، وباب الحسين أوسع).. فالذي يريد اختصار المسافات القريبة، عليه أن يقوي علاقته بالإمام (ع).. وبعبارة أخرى، بإمكانك أن تقول للإمام (ع): يا مولاي!.. أفض علي، مما أفاض الله تعالى عليك من المقامات.. فالذي وصل المقامات من خلال الصيام في الصيف، والقيام في الشتاء، فإنه بنظرة حسينية وولائية، من الممكن أن يعطى هذا المقامات بعينها، تفضلا وتكرما.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.