- ThePlus Audio
البكاء على الحسين (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
البكاء على الحسين (عليه السلام)
قد يتشابه شهر محرم الحرام بشهر رمضان من حيث الدعاء والبكاء والعمل والانقطاع إلى الله سبحانه، وهو لا يختص بالبكاء فقط وإن كان للبكاء فيه خصوصية، وكما يتوجه العبد إلى الله عز وجل في شهر رمضان، ينبغي أن يتوجه إليه في شهر محرم، ويعتبر بعض العلماء أن هذه الأيام العشرة كليالي القدر حيث يخرج الإنسان من ذنوبه فيها.
لقد ذكرت الرويات الشريفة ثواب البكاء على الحسين (ع)، فعن الرضا (ع): (إِنَّ يَوْمَ اَلْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا وَأَسْبَلَ دُمُوعَنَا وَأَذَلَّ عَزِيزَنَا أَرْضُ كَرْبٍ وَبَلاَءٍ أَوْرَثَتْنَا اَلْكَرْبَ وَاَلْبَلاَءَ إِلَى يَوْمِ اَلاِنْقِضَاءِ فَعَلَى مِثْلِ اَلْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ اَلْبَاكُونَ فَإِنَّ اَلْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ اَلذُّنُوبَ اَلْعِظَامَ)[١]، وقد لا ينظر البعض إلى البكاء على الحسين (ع) من زاويته الصحيحة؛ فيعتبر البكاء على الحسين (ع) كبكائه على الدرهم يضيع منه والوظيفة يفصل عنها قسرا أو العزيز يفقده، ولا يدري أن البكاء على الحسين (ع) من سنة النبيين، ولقد كان النبي آدم أول باك على الحسين (ع) فقد روي: (أَنَّ آدَمَ لَمَّا هَبَطَ إِلَى اَلْأَرْضِ لَمْ يَرَ حَوَّاءَ فَصَارَ يَطُوفُ اَلْأَرْضَ فِي طَلَبِهَا فَمَرَّ بِكَرْبَلاَءَ فَاغْتَمَّ وَضَاقَ صَدْرُهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَعَثَرَ فِي اَلْمَوْضِعِ اَلَّذِي قُتِلَ فِيهِ اَلْحُسَيْنُ حَتَّى سَالَ اَلدَّمُ مِنْ رِجْلِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ وَقَالَ إِلَهِي هَلْ حَدَثَ مِنِّي ذَنْبٌ آخَرُ فَعَاقَبْتَنِي بِهِ فَإِنِّي طُفْتُ جَمِيعَ اَلْأَرْضِ وَمَا أَصَابَنِي سُوءٌ مِثْلُ مَا أَصَابَنِي فِي هَذِهِ اَلْأَرْضِ فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهِ يَا آدَمُ مَا حَدَثَ مِنْكَ ذَنْبٌ وَلَكِنْ يُقْتَلُ فِي هَذِهِ اَلْأَرْضِ وَلَدُكَ اَلْحُسَيْنُ ظُلْماً فَسَالَ دَمُكَ مُوَافَقَةً لِدَمِهِ)[٢].
بكاء الأنبياء والأوصياء على الحسين (عليه السلام)
وروي كذلك: (أَنَّ نُوحاً لَمَّا رَكِبَ فِي اَلسَّفِينَةِ طَافَتْ بِهِ جَمِيعَ اَلدُّنْيَا فَلَمَّا مَرَّتْ بِكَرْبَلاَءَ أَخَذَتْهُ اَلْأَرْضُ وَخَافَ نُوحٌ اَلْغَرَقَ فَدَعَا رَبَّهُ وَقَالَ إِلَهِي طُفْتُ جَمِيعَ اَلدُّنْيَا وَمَا أَصَابَنِي فَزَعٌ مِثْلُ مَا أَصَابَنِي فِي هَذِهِ اَلْأَرْضِ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ وَقَالَ يَا نُوحُ فِي هَذَا اَلْمَوْضِعِ يُقْتَلُ اَلْحُسَيْنُ سِبْطُ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَاِبْنِ خَاتَمِ اَلْأَوْصِيَاءِ)[٣]، وروي أيضا: (أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَرَّ فِي أَرْضِ كَرْبَلاَءَ وَهُوَ رَاكِبٌ فَرَساً فَعَثَرَتْ بِهِ وَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ وَشُجَّ رَأْسُهُ وَسَالَ دَمُهُ فَأَخَذَ فِي اَلاِسْتِغْفَارِ وَقَالَ إِلَهِي أَيُّ شَيْءٍ حَدَثَ مِنِّي فَنَزَلَ إِلَيْهِ جَبْرَئِيلُ وَقَالَ يَا إِبْرَاهِيمُ مَا حَدَثَ مِنْكَ ذَنْبٌ وَلَكِنْ هُنَا يُقْتَلُ سِبْطُ خَاتَمِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَاِبْنُ خَاتَمِ اَلْأَوْصِيَاءِ فَسَالَ دَمُكَ مُوَافَقَةً لِدَمِهِ)[٤].
وروي: (أَنَّ إِسْمَاعِيلَ كَانَتْ أَغْنَامُهُ تَرْعَى بِشَطِّ اَلْفُرَاتِ فَأَخْبَرَهُ اَلرَّاعِي أَنَّهَا لاَ تَشْرَبُ اَلْمَاءَ مِنْ هَذِهِ اَلْمَشْرَعَةِ مُنْذُ كَذَا يَوْماً فَسَأَلَ رَبَّهُ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ وَقَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ سَلْ غَنَمَكَ فَإِنَّهَا تُجِيبُكَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا لِمَ لاَ تَشْرَبِينَ مِنْ هَذَا اَلْمَاءِ فَقَالَتْ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ وَلَدَكَ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سِبْطَ مُحَمَّدٍ يُقْتَلُ هُنَا عَطْشَاناً فَنَحْنُ لاَ نَشْرَبُ مِنْ هَذِهِ اَلْمَشْرَعَةِ حَزَناً عَلَيْهِ)[٥].
إن تاريخ البكاء على الحسين (ع) تاريخ عريق بدأ من آدم أبو البشر واستمر إلى حياة النبي الأكرم (ص)، وسنذكر بعض النصوص في بكاء النبي (ص) على الحسين (ع) حين ولادته وبكاء أمير المؤمنين (ع) عليه وبكاء صاحب الأمر (ع) عليه إلى يومنا هذا كما هو مذكور في زيارة الناحية المقدسة.
وروي: (أَنَّ مُوسَى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ سَائِراً وَمَعَهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ فَلَمَّا جَاءَ إِلَى أَرْضِ كَرْبَلاَءَ اِنْخَرَقَ نَعْلُهُ وَاِنْقَطَعَ شِرَاكُهُ وَدَخَلَ اَلْخَسَكُ فِي رِجْلَيْهِ وَسَالَ دَمُهُ فَقَالَ إِلَهِي أَيُّ شَيْءٍ حَدَثَ مِنِّي فَأَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّ هُنَا يُقْتَلُ اَلْحُسَيْنُ وَهُنَا يُسْفَكُ دَمُهُ فَسَالَ دَمُكَ مُوَافَقَةً لِدَمِهِ)[٦]
من أهداف البكاء على الحسين (عليه السلام)
ولا قيمة للبكاء على الحسين (ع) ما لم يكن الباكي واعيا لأهداف من يبكي عليه. إن للبكاء على الحسين (ع) أهداف شتى: منها إعلان الموقف واستنكار الجريمة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، ونحن نرى الدول تقدم مذكرات احتجاج لدول أخرى أو يخرج الناس بمظاهرات أو يرفعون بعض اللافتات اعتراض على بعض الأعمال والتصرفات، أو يحرقون علم الدولة أو ما شابه ذلك، وقد تشب الحروب بين الدول لموقف من المواقف، وحتى على مستوى البشر قد ترى من يعادي إنسانا لأجل كلمة قالها أو موقف اتخذه، والدول الكبرى تجتمع لإدانة دولة من الدول فيثقل الأمر على تلك الدولة المدانة، ويتبين من ذلك أهمية اتخاذ الموقف الصريح من هذه الجريمة النكراء.
هل شهد التاريخ جريمة كتلك التي حدث في كربلاء؟
ونحن في يوم عاشوراء نسجل موقف من القضية الحسينية والمعاملة الشنيعة التي عومل بها الحسين (ع) وقتله مظلوما وهو سبط النبي (ص) وإمام زمانه وحجة الله في الأرضين وخليفة الله في العالمين وصاحب المعرفة الكبرى برب العالمين، وصاحب دعاء يوم عرفة، ووارث الأنبياء والمرسلين.
لم يشهد التاريخ جريمة كتلك التي وقعت في كربلاء، لقد قتل النبي يحيى (ع) وقتل الأنبياء وأصحاب الأخدود ولقد أوذي النبي (ص) وكسرت رباعيته، واستشهد أمير المؤمنين في محراب الكوفة، وقضى الحسن (ع) مسموما على فراشه وماتت الزهراء (س) كمدا وأسفا، ولكن هل هناك نبي أو وصي أو صالح في التاريخ تعرض إلى الحصار والعطش والخوف وقتل الأولاد حتى الرضيع وقتل الأصحاب حتى لم يسلم منه اليفن[٧] الكبير كأمثال حبيب بن مظاهر الأسدي.
ولهذا تعاطف مع القضية الحسينية مختلف الشرائح والملل من المسلمين وغيرهم، يحتفلون بذكر الحسين (ع) ويقيمون له المآتم، وعندما سئل أحد المسيحيين – وهو صاحب تأليفات كثيرة عن أهل البيت (ع) – عن سر ذكره لأهل البيت (ع) وهو لم يسلم حتى قال: إننى لا أذكر أهل البيت (ع) أو أدافع عنهم من المنطلق العقائدي أو الديني، وإنما من منطلق الظلامة التي تعرضوا لها وباعتبارهم جماعة ظلمت في التاريخ وأنا أدافع عن المظلوم بغض النظر عن دينه ومعتقده.
ولا عجب أن ينبري مسيحي للدفاع عن أهل بيت ضحوا من أجل البشرية جمعاء، كيف لا وأمير المؤمنين (ع) يتأوه لخلخال نزع من رجل امرأة يهودية أو مسيحية ويرى أن الذي يموت من هول هذه المصيبة جدير بذلك، وولده صاحب الأمر (ع) يظهر ليملئ الأرض قسطا وعدلا لا مكة والمدينة فحسب، فأهل البيت (ع) دعاة العدل والسلام على وجه الأرض جميعا. وكلما ازاداد النحيب واشتد البكاء على الحسين (ع) كان الموقف المسجل أقوى وأنصع.
تزاوج العاطفة والفكر
إن العمل هو وليد التفاعل غير المرئي والمحسوس بين الفكر والعاطفة، فلا يكفي الاعتقاد بالإسلام وبمذهب أهل البيت (ع) من دون التفاعل في ذكراهم والفرح لفرحهم والحزن لحزنهم، ولا تكون هذه العقيدة دافعا للإنسان في الحياة إلا إذا اتحدت وانسجمت مع العاطفة الجياشة.
لا تنسى التأسي بالحسين (عليه السلام) عند البكاء وإقامة العزاء عليه
ومن الأمور التي لابد أن نستحضرها في التأسي بالحسين (ع) عند انشغالنا بصورة من صور العزاء واللطم، هي الصلاة في أول الوقت، ولقد وقف الحسين (ع) في ظهيرة يوم العاشر ليصلي صلاة الحرب جماعة مع أصحابه الذين استشهد البعض منهم في أثناء هذه الصلاة، وقد دعا الإمام (ع) للذي ذكره بالصلاة، بالإضافة إلى أنه (ع) قد استسفر العباس (ع) ليستمهل له الأعداء ليلة يصلي فيها لربه، فآخر أمنية الإمام أن يبيت لربه راكعا وساجدا وقائما، وقد روي عن الذين مروا بخيم الإمام في ليلة العاشر من محرم؛ أنهم قد سمعوا لأصحاب الحسين (ع) دويا كدوي النحل.
صلاة الحسين (عليه السلام) في وسط المعركة
ومن صور التأسي بالإمام (ع) إقامتنا للصلوات في المساجد وإحياءنا للجمعة والجماعة؛ فثمرة البكاء الصادق على سيد الشهداء هو الصلاة في أول الوقت جماعة مع المسلمين، ولقد كان بإمكان الإمام (ع) أن يطلب من أصحابه أن ينفردوا بالصلاة كل في خيمته، ولكنه أصر على إقامة الصلاة في يوم العاشر والسهام تطلق عليه من كل جانب.
بكاء النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) على سيد الشهداء
والبكاء على الحسين (ع) من صور التأسي برسول الله (ص) وقد قال سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[٨]، فقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا لِعَيْنَيْكَ تَفِيضَانِ أَغْضَبَكَ أَحَدٌ قَالَ لاَ بَلْ كَانَ عِنْدِي جَبْرَئِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اَلْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِشَاطِئِ اَلْفُرَاتِ وَقَالَ هَلْ لَكَ أَنْ أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبَتِهِ قُلْتُ نَعَمْ فَمَدَّ يَدَهُ فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأَعْطَانِيهَا فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنِي أَنْ فَاضَتَا)[٩]، وعن ابن عباس قال: (كُنْتُ مَعَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي خَرْجَتِهِ إِلَى صِفِّينَ فَلَمَّا نَزَلَ بِنَيْنَوَى وَهُوَ بِشَطِّ اَلْفُرَاتِ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا اِبْنَ عَبَّاسٍ أَ تَعْرِفُ هَذَا اَلْمَوْضِعَ قُلْتُ لَهُ مَا أَعْرِفُهُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَوْ عَرَفْتَهُ كَمَعْرِفَتِي لَمْ تَكُنْ تَجُوزُهُ حَتَّى تَبْكِيَ كَبُكَائِي قَالَ فَبَكَى طَوِيلاً حَتَّى اِخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وَسَالَتِ اَلدُّمُوعُ عَلَى صَدْرِهِ وَبَكَيْنَا مَعاً وَهُوَ يَقُولُ أَوْهِ أَوْهِ مَا لِي وَلِآلِ أَبِي سُفْيَانَ مَا لِي وَلآِلِ حَرْبٍ حِزْبِ اَلشَّيْطَانِ وَ أَوْلِيَاءِ اَلْكُفْرِ صَبْراً يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ فَقَدْ لَقِيَ أَبُوكَ مِثْلَ اَلَّذِي تَلْقَى مِنْهُمْ)[١٠]، ولقد كان يعيش أمير المؤمنين (ع) بعد رحيل النبي الأكرم (ص) كل يوم حالة عاشوراء. أوليس التأسي بالنبي (ص) في البكاء على الحسين (ع) من أعظم القربات إلى الله عز وجل؟
ولقد كانت مواقف النبي (ص) مع الحسين (ع) عديدة، فقد روي عن أحد أصحاب النبي (ص) أنه قال: (خَرَجَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ بَيْتِ عَائِشَةَ فَمَرَّ عَلَى بَيْتِ فَاطِمَةَ فَسَمِعَ اَلْحُسَيْنَ يَبْكِي فَقَالَ أَ لَمْ تَعْلَمِي أَنَّ بُكَاءَهُ يُؤْذِينِي)[١١]، وعن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِذَا دَخَلَ اَلْحُسَيْنُ اِجْتَذَبَهُ إِلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَمْسِكْهُ ثُمَّ يَقَعُ عَلَيْهِ فَيُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي فَيَقُولُ يَا أَبَهْ لِمَ تَبْكِي فَيَقُولُ يَا بُنَيَّ أُقَبِّلُ مَوْضِعَ اَلسُّيُوفِ مِنْكَ وَأَبْكِي قَالَ يَا أَبَهْ وَأُقْتَلُ قَالَ إِي وَاَللَّهِ وَأَبُوكَ وَأَخُوكَ وَأَنْتَ قَالَ يَا أَبَهْ فَمَصَارِعُنَا شَتَّى قَالَ نَعَمْ يَا بُنَيَّ قَالَ فَمَنْ يَزُورُنَا مِنْ أُمَّتِكَ قَالَ لاَ يَزُورُنِي وَ يَزُورُ أَبَاكَ وَأَخَاكَ وَأَنْتَ إِلاَّ اَلصِّدِّيقُونَ مِنْ أُمَّتِي)[١٢]
ثمرة البكاء على سيد الشهداء (عليه السلام)
وقد روي عن الأئمة (ع) الكثير من الأحاديث في البكاء على الحسين (ع) وعلى مصائب أهل البيت (ع) جميعا، وأحاديثهم هي مصدر للتشريع سواء في الفقه أو العقائد أو مكارم الأخلاق أو في سلوكنا اليومي، فعن الرضا (ع) أنه قال: (مَنْ ذُكِّرَ بِمُصَابِنَا فَبَكَى وَ أَبْكَى لَمْ تَبْكِ عَيْنُهُ يَوْمَ تَبْكِي اَلْعُيُونُ وَ مَنْ جَلَسَ مَجْلِساً يُحْيَا فِيهِ أَمْرُنَا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ اَلْقُلُوبُ)[١٣]، وهذه الثمرة من أعظم الثمار التي يستحصلها المؤمن في بكاءه على سيد الشهداء، وهو أن يصبح القلب الذي هو عرش الرحمن ومصدر الفكر والعاطفة والالتزام والسلوك حيا يوم تموت القلوب.
القتيل المكروب وقتيل العبرات
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (قَالَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَنَا قَتِيلُ اَلْعَبْرَةِ لاَ يَذْكُرُنِي مُؤْمِنٌ إِلاَّ اِسْتَعْبَرَ)[١٤]، وتكفيك شهادة الحسين (ع) لتكون في زمرة المؤمنين يوم الفقر والفاقة إلى الله عز وجل. وقد وروي عن الإمام الصادق (ع) أيضا أنه قال: (قَالَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَنَا قَتِيلُ اَلْعَبْرَةِ قُتِلْتُ مَكْرُوباً وَحَقِيقٌ عَلَيَّ أَنْ لاَ يَأْتِيَنِي مَكْرُوبٌ قَطُّ إِلاَّ رَدَّهُ اَللَّهُ وَأَقْلَبَهُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً)[١٥].
هل تريد أن يغفر الله لك جميع ذنوبك؟
وقد روي عن الإمام الرضا (ع) أنه قال يخاطب أحد أصحابه وهو ابن شبيب: (يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ اَلْكَبْشُ وَقُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلاً مَا لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ شَبِيهُونَ وَلَقَدْ بَكَتِ اَلسَّمَاوَاتُ اَلسَّبْعُ وَاَلْأَرَضُونَ لِقَتْلِهِ وَلَقَدْ نَزَلَ إِلَى اَلْأَرْضِ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ لِنَصْرِهِ فَوَجَدُوهُ قَدْ قُتِلَ فَهُمْ عِنْدَ قَبْرِهِ شُعْثٌ غُبْرٌ إِلَى أَنْ يَقُومَ اَلْقَائِمُ فَيَكُونُونَ مِنْ أَنْصَارِهِ وَشِعَارُهُمْ يَا لَثَارَاتِ اَلْحُسَيْنِ.. يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَلْقَى اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَلاَ ذَنْبَ عَلَيْكَ فَزُرِ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَسْكُنَ اَلْغُرَفَ اَلْمَبْنِيَّةَ فِي اَلْجَنَّةِ مَعَ اَلنَّبِيِّ وَآلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَالْعَنْ قَتَلَةَ اَلْحُسَيْنِ.. يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا فِي اَلدَّرَجَاتِ اَلْعُلَى مِنَ اَلْجِنَانِ فَاحْزَنْ لِحُزْنِنَا وَاِفْرَحْ لِفَرَحِنَا وَ عَلَيْكَ بِوَلاَيَتِنَا)[١٦].
الإمام الصادق (عليه السلام) يوصي بذكر الحسين (عليه السلام)
ويبارك الإمام الصادق (ع) بكاء أحد أصحابه على الحسين (ع)، فعن مسمع بن عبدالملك قال: (قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي حَدِيثٍ أَ مَا تَذْكُرُ مَا صُنِعَ بِهِ يَعْنِي بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قُلْتُ بَلَى قَالَ أَ تَجْزَعُ قُلْتُ إِي وَاَللَّهِ وَأَسْتَعْبِرُ بِذَلِكَ حَتَّى يَرَى أَهْلِي أَثَرَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَأَمْتَنِعُ مِنَ اَلطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَبِينَ ذَلِكَ فِي وَجْهِي فَقَالَ رَحِمَ اَللَّهُ دَمْعَتَكَ أَمَا إِنَّكَ مِنَ اَلَّذِينَ يُعَدُّونَ مِنْ أَهْلِ اَلْجَزَعِ لَنَا وَاَلَّذِينَ يَفْرَحُونَ لِفَرَحِنَا وَيَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا أَمَا إِنَّكَ سَتَرَى عِنْدَ مَوْتِكَ حُضُورَ آبَائِي لَكَ وَوَصِيَّتَهُمْ مَلَكَ اَلْمَوْتِ بِكَ وَمَا يَلْقَوْنَكَ بِهِ مِنَ اَلْبِشَارَةِ أَفْضَلُ وَلَمَلَكُ اَلْمَوْتِ أَرَقُّ عَلَيْكَ وَأَشَدُّ رَحْمَةً لَكَ مِنَ اَلْأُمِّ اَلشَّفِيقَةِ عَلَى وَلَدِهَا)[١٧].
[٢] بحار الأنوار ج٤٤ ص٢٤٢.
[٣] بحار الأنوار ج٤٤ ص٢٤٣.
[٤] بحار الأنوار ج٤٤ ص٢٤٣.
[٥] بحار الأنوار ج٤٤ ص٢٤٣.
[٦] بحار الأنوار ج٤٤ ص٢٤٤.
[٧] الشَّيخُ الكَبير.
[٨] سورة الأحزاب: ٢١.
[٩] بحار الأنوار ج٤٤ ص٢٤٧.
[١٠] بحار الأنوار ج٤٤ ص٢٥٢.
[١١] بحار الأنوار ج٤٣ ص٢٩٥.
[١٢] بحار الأنوار ج٤٤ ص٢٦١.
[١٣] بحار الأنوار ج٤٤ ص٢٧٨
[١٤] كامل الزيارات ج١ ص١٠٨.
[١٥] كامل الزيارات ج١ ص١٠٩.م
[١٦] الأمالي (للصدوق) ج١ ص١٢٩.
[١٧] وسائل الشیعة ج١٤ ص٥٠٧.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن البكاء على الحسين (ع) بقدم الأنبياء (ع) فقد بكاه آدم ونوح وإبراهيم وموسى وإسماعيل ولقد بكاء خاتم الأنبياء (ص) وبكاه الأئمة (ع) جميعا وهذا ولدهم المهدي (عج) يندبه صبح مساء، والمؤمن إنما يتشبه بالصالحين ويتأسى بالنبيين في بكائه على الحسين.
- إننا في يوم عاشوراء نسجل موقفا من القضية الحسينية والمعاملة الشنيعة التي عومل بها الحسين (ع) وقتله مظلوما وهو سبط النبي (ص) وإمام زمانه وحجة الله في الأرضين وخليفة الله في العالمين وصاحب المعرفة الكبرى برب العالمين، وصاحب دعاء يوم عرفة، ووارث الأنبياء والمرسلين.
- يكفي المؤمن من بكائه على الحسين (ع) ما ذكر في الروايات الشريفة عن أئمة أهل البيت (ع) أن البكاء على الحسين (ع) يحيي القلب ولا يموت قلب الباكي يوم تموت الأبدان.
- من الأمور التي لابد أن نستحضرها في التأسي بالحسين (ع) الصلاة أول الوقت، ولقد وقف الحسين (ع) في ظهيرة يوم العاشر ليصلي صلاة الحرب جماعة مع أصحابه الذين استشهد البعض منهم في أثناء هذه الصلاة، وقد دعا الإمام (ع) للذي ذكره بالصلاة، بالإضافة إلى أنه (ع) قد استسفر العباس (ع) ليستمهل له الأعداء ليلة يصلي فيها لربه، فآخر أمنية الإمام أن يبيت لربه ساجدا وقائما