الاستعاذة بالله سبحانه بعد الصلوات

بسم الله الرحمن الرحيم

دور النوافل في إكمال الفرائض

لقد ورد في بعض الروايات أن النافلة مكملة للفرائض. فالذي يقصر في الفريضة وقتاً وكيفية وخشوعاً، بإمكانه تدارك ذلك بالنافلة، وبالتعقيبات اليومية. إن الإنسان يصلي – وخاصة هذه الأيام، فإن الأذهان مشوشة – وهو يعيش همّ الشارع، وهمّ نفسه، وهمّ العالم، وإن كان المفروض أن يجعل للصلاة وقتاً خاصا بها؛ لأنه هو في غير وقت الصلاة لا يفكر في الصلاة، فالمفروض – ولو من باب الإنصاف – أن لا يفكر في غير الصلاة أثناء الصلاة. فهل رأيت أحدا يفكر في صلاته أثناء نشاطه اليومي؟

الاستعاذة بعد الصلوات اليومية

إن الإنسان الذي يصلي، وبعد الفراغ منها، يرى أن صلاته لا تساوي عنده شيئاً، فهو بنفسه يحتقرها؛ فكيف حالها عند الله الغني؟ فينبغي له أن يعوض ذلك بالتعقيبات المأثورة. وهنالك تعقيبات مشتركة في كل الفرائض من الصبح إلى العشاء، وهنالك تعقيبات خاصة. ومن هذه التعقيبات اليومية التي يستحب للمؤمن أن يواظب عليها إجمالاً هي الاستعاذة، وذلك بأن يعيذ الإنسان نفسه مرة، ويعيذ غيره تارة فيقول: يا رب اجعل غيري في حصنك. إن هذه حالة من حالات التكافل الاجتماعي، أن يسأل الإنسان ربه أن يجعل إخوانه في درعه الحصينة وفي حمايته.

الاستعاذة بالله من الشبهات..!

وعندما يقول الإنسان: (أعيذ نفسي) فهو ينظر إلى مصلحته الخاصة، وعندما يقول: (أعيذ ديني)، فهو يستعيذ بالله عز وجل من الشبهات التي تستهدف عقيدته. فهناك من المؤمنين من لا يقبل بالحجة والدليل عند تعرضه للشبهات ويقول: سل الله تعالى أن يشرح لي صدري؛ وكأن شيئا يحوم حول قلبه يمنع القلب من دخول الهدى فيه.

أيهما أخطر؛ الانحراف في العقيدة أو الانحراف في السلوك؟

ولو خير سبحانه الشيطان في أن يكون له سبيل على عقائد المؤمن أو على أفعاله؛ لقدم الانحراف العقائدي على الانحراف في السلوك أيا كان شكله؛ جنسيا أو أخلاقيا أو ما شابه ذلك. لأن المنحرف عقائديا سوف يرتكب ما يرتكب من الذنوب دون رادع يردعه نظرا لبذور الانحراف الكامنة فيه؛ وقد يصل به الأمر إلى إنكار المبدأ والمعاد وذلك جُل ما يبتغيه الشيطان.

كيفية الاستعاذة بعد الصلوات

وفي الاستعاذة بعد الصلاة يخص الإنسان ولده من بين أهله ويجعل إخوانه في الدين بمنزلة أهله: (أعيذ نفسي وديني وأهلي ومالي وولدي، وإخواني في ديني)، ورحم الله شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي، حيث يقول في قصيدته التائية:

أحب قصي الرحم من أجل حبكم                   وأهجر فيكم زوجتي وبناتي[١]

وقصي الرحم هو الإنسان الذي لا صلة لنا به، فنحبه من أجل حبنا لهم (ع) وأهجر فيكم الزوجة والبنات إذا انحرفن عنهم. (وما رزقني ربي، وخواتيم عملي، ومن يعنيني أمره)، وهي عبارة جامعة: أي من يعنيني أمره من المؤمنين والمؤمنات. ولكن أعيذهم بماذا؟ أعيذهم بالله الواحد الأحد، وذلك إشارة إلى سورة التوحيد، وأعيذهم برب الفلق، إشارة إلى سورة الفلق، وأعيذهم برب الناس، إشارة إلى سورة الناس.

إذن فليحاول الإنسان بعد التعقيب، وبعد الصلوات الواجبة، أن لا ينفتل عن صلاته من دون التوجه إلى الله تعالى ولو في أدنى درجاته؛ فلعل الملائكة تبدي أسفها ممن يترك الصلاة من دون دعاء، وكأنه مستغنٍ عن رحمة رب العالمين.