إن الآيات القرآنية تدعو الإنسان إلى أن يتخذ الشيطان عدوا، {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}.. وهذه المواجهة لأمرين:
أولاً: حالة نفسية.. إن الإنسان بطبعه يعادي من يعاديه، فهذه طبيعة الإنسان أنه يواجه العداوة بعداوة..
ثانياً: دفعاً للضرر.. فالعدو: تارة يكون عدوا مسالما، لا يريد بك كيدا، ولا يريد أن يوصل لك ضررا؛ فهذا عدو مسلوب التأثير.. وتارة العكس!.. أما الشيطان، فإنه من الأعداء الذين لهم موقف باطني، وموقف نفسي من بني آدم.. وذلك لعدة أسباب، منها:
– العداوة التاريخية: إن هناك عداوة موروثة من عداوته لأبينا آدم (ع)؛ لأن الله –عز وجل- فضله عليه، وأمره بالسجود له.. فإبليس حسد آدم (ع)؛ على سجوده لله عز وجل (إنّ العبد إذا سجد، فأطال السجود، نادى إبليس: يا ويله!.. أطاع وعصيتُ، وسجد وأبيتُ).. فإذن، إن هناك عداوة تاريخية.
– العداوة اليومية: هناك أيضا عداوة أخرى وهي إيماننا وطاعتنا نحن؛ أي هناك عداوة يومية لنا جميعا.. والمرء كلما زاد إيمانا وتألقا، وإصرارا على السير في طريق رب العالمين؛ كلما كثف الشيطان جهوده في صده عن السبيل.
إن الشيطان له مكائده لعامة الناس، ولكن للخواص من الناس أيضا له مكائد متناسبة مع درجاتهم.. ومسألة مواجهة كيده من أعقد مسائل المواجهة، وذلك لأن هذا العدو اللدود، يجمع بين (خاءات) ثلاث:
الخبرة: تلك الخبرة العريقة في عملية الإغواء منذ آلاف السنين، والتي شملت محاولات التعرض لمسيرة الأنبياء والمرسلين (ع) وإن باءت بالفشل بالنسبة لهم.. فمن الطبيعي أن الإنسان أمام هذا الموجود الذي عداوته عريقة وعميقة، وأساليب كيده متنوعة؛ أن يصاب للوهلة الأولى باليأس والإحباط، ويقول: أنا أين وقوة هذا العدو أين؟..
الخفاء: فهو يرانا من حيث لا نراه، قال تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}..
الخبث: إنه يعرف المداخل.. فربما نسي الإنسان هفواته ما قبل البلوغ، وما بعد البلوغ.. ولكن الشيطان منذ اللحظة التي ولد فيها الإنسان وهو معه وهو قرينه، ويعرف نقاط ضعفه.. ولهذا -والله العالم- من حكمة الأذان والإقامة في أذن المولود، من باب دفع الشيطان عن هذا الوليد.. فيكفي أن نعرف من بعض الروايات: (الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق).
فإذن، إن المعادلة غير متكافئة، والمعركة خاسرة.. ولكن الذي يقوي جبهة المؤمن: ثقته بالله عز وجل، واستعاذته الدائمة.. {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}، إن كيد الشيطان في حد نفسه قوي جدا، ولكن أيضا القرآن يصفه بالضعف، لأن الذي يدفع شره عن الإنسان، هو الذي خلقه.. لا ننسى أن الشيطان مخلوق لله عز وجل، وناصيته بيد الله عز وجل؛ فيكفي أن ينهاه ويأمره بعدم الاقتراب من هذا الإنسان المؤمن، الذي يكثر الاستعاذة بالله عز وجل.
إن الاستعاذة حركة قلبية قبل أن تكون حركة لسانية: فيها خوف، وفيها أمل، وفيها فرار، وفيها التجاء.. كل هذه المعاني إذا اجتمعت في قلب إنسان، يصدق عليه بأنه إنسان مستعيذ.. والله -عز وجل- في عون عبده الذي يكثر من الالتجاء به، خاصة قبل الأعمال الصالحة، مثلا: قبل أن يقرأ القرآن الكريم {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، وقبل كل عمل ذي بال المؤمن يسمي ويستعيذ بالله عز وجل، ليسلم من كيده، وهمزه، ولمزمه، ووسوسته.. عن الرسول الأكرم (ص): (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله؛ فهو أبتر).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.