• ThePlus Audio
Layer-5-1.png

الاستجارة بالحجة (عجل الله فرجه) في يوم الجمعة

بسم الله الرحمن الرحيم

أيام الأسبوع واختصاصها بأئمة أهل البيت (عليهم السلام)

إن كل يوم من أيام الأسبوع مختص بمعصوم أو بعدة معصومين، يستجير المؤمن بهم في ذلك اليوم من الأسبوع ويحل ضيفا عليهم، وإن كانت عقولنا لا تستوعب العلاقة بين الأيام وبين هذه الذوات الطاهرة. فيوم السبت مثلا هو يوم رسول الله (ص). إننا نزور رسول الله (ص) في المدينة المنورة وفي كل سبت من خلال هذه الزيارة ونقول له: (أُصِبْنَا بِكَ يَا حَبِيبَ قُلُوبِنَا فَمَا أَعْظَمَ اَلْمُصِيبَةَ بِكَ حَيْثُ اِنْقَطَعَ عَنَّا اَلْوَحْيُ وَحَيْثُ فَقَدْنَاكَ فَ‍ إِنّٰا لِلّٰهِ وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ)[١]. إننا لا نبكي على رسول الله (ص) إلا في الثامن والعشرين من شهر صفر، والحال أن هذه الزيارة في كل سبت تنعى لنا رسول الله (ص) وتُبين لنا عظيم المصيبة بفقد خاتم الأنبياء.

ماذا يعني أصبنا بك؟

إن الإجابة في الجملة التالية: (حَيْثُ اِنْقَطَعَ عَنَّا اَلْوَحْيُ وَحَيْثُ فَقَدْنَاكَ)، ولهذا نقول في دعاء الافتتاح: (اَللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنَا صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ)[٢]، فليس فقد النبي (ص) بالأمر الهين. ولابد أن تكون صادقا في هذه الزيارة وأن يكون النبي (ص) أحب إليك من أهلك وعيالك؛ بل من نفسك. فهل يُهملك رسول الله (ص) وأنت كنت ممن يسترجع ويندبه في كل سبت طيلة حياته؟ لو بكيت عليه كل سبت لكان الأمر في محله ولأصبحت لك مكانة ومنزلة كبيرة في قلب النبي (ص).

كيف أزور أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الأحد وفي مشهده؟

ويوم الأحد هو يوم أمير المؤمنين (ع) وهو الذي قد ظُلم بعدد الحجر والمدر وهو القائل: (فَصَبَرْتُ وَفِي اَلْعَيْنِ قَذًى وَفِي اَلْحَلْقِ شَجًى أَرَى تُرَاثِي نَهْباً)[٣]، فابك في ذلك اليوم على ظلامته وأنت تزوره وتستجير به. إنني عندما أزور أمير المؤمنين (ع) بزيارة أمين الله التي هي من أفضل الزيارات، أضع فمي على الضريح وأبكي على ظلامته وعلى ما جرى عليه بعد رحيل النبي الأكرم (ص). لقد تمنت الزهراء (س) الموت بعد النبي (ص)؛ فلم تتحمل أن ترى حق أمير المؤمنين (ع) مغصوبا وهو جالس في المنزل لا شأن له بما يجري في أمة أبيها (ص)، فآثرت من أجل ذلك يُتم الحسنين (ع) وأن يكون أمير المؤمنين (ع) وحيدا فريدا لتلحق بأبيها (ص).

استجر برسول الله (صلى الله عليه وآله)

وعندما تستيقظ صباحا وتبدأ يومك من دون مشكلة وتقول: يا رسول الله هذا يومك وأنا فيه ضيفك وجارك؛ فلن يتركك النبي (ص) وقد استجرت به إن عرضت لك في ذلك اليوم مشكلة. عندما تذهب إلى وجيه المنطقة أو القبيلة وتقول له: إنك لم تدعني إلى منزلك ولست أهلا منك لذاك ولكنني أرجو أن تقبلني ضيفا، ثم تقع لك مشكلة وأنت في ضيافته، أو تُصاب بنزيف أو يُغمى عليك، أترى يُهملك؟ فهل يُهملك رسول الله (ص) إذا وقعت في أزمة في زوال ذلك اليوم الذي بدأته بزيارته والاستجارة به؟

استجر واختم الجمعة بذكره (عجل الله فرجه)

وكذلك استجر في كل يوم بصاحب ذلك اليوم. ومن هذه الأيام يوم الجمعة الذي ينتظره المؤمن المنتظر الصادق، ليفتتح يوم الجمعة بهذه العبارة: أنا فيه ضيفك. وتصور أن تكون في ذلك اليوم عند الحسين (ع) وتلهج بهذه الفقرات من دعاء الندبة عنده: (بعد أن قرأ بعض الفقرات من دعاء الندبة وقال: (أَيْنَ اَلطَّالِبُ بِذُحُولِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَأَبْنَاءِ اَلْأَنْبِيَاءِ، أَيْنَ اَلطَّالِبُ بِدَمِ اَلْمَقْتُولِ بِكَرْبَلاَءَ)[٤]، فكيف تُرى سيرعاك إمامك (عج) في ذلك اليوم؟

ولابد أن يتفنن المؤمن في علاقته بالمعصومين (ع)، فإن بعض هذه الأعمال تُنزل عليه من النعم عظيمها. وما أجدرنا أن نختم يوم الجمعة بدعاء زمن الغيبة الذي كان السيد ابن طاووس يحذر من إهماله في يوم الجمعة. فحتى لو كنت مشغولا لا تُهمل هذا الدعاء واجعل له وقتا تلهج به في عصر ذلك اليوم وتذكر من خلاله إمام زمانك (عج). لتكن الدقائق الأخيرة من يوم الجمعة وقفا على إمام زمانك (عج)؛ فاترك العمل والأهل وخذ زاوية واختم بهذا الدعاء نهارك، لعلك بذلك تستجلب النظرة المهدوية.

حياة الرفاهية والابتعاد عن المعصومين (عليهم السلام)

ولا ينبغي أن تشغلنا عن الارتباط بالأئمة (ع) طبيعة حياة الرفاهية التي تُشتت البال وتشغل المؤمن بالأخبار والمسائل التي لا تنفعه في الدنيا ولا الآخرة. ومثال ذلك هذا الجهاز الذي يحمله كل واحد منا معه أينما ذهب وحل والذي ينشغل به المؤمن في متابعة الأخبار الكاذبة والصادقة والأمور التوافه التي لا خير فيها. إنه سلاح ذو حدين ومع ذلك يطغى الجانب السلبي على الإيجابي منه؛ حتى يصل الأمر بالبعض أن تزوه في منزله فلا يُكلمك ولا يُقبل عليك انشغالا بهذا الجهاز. وليته كان مشغولا بأمر مهم، وإنما تجده يقرأ فيه الأباطيل أو يلعب بلعبة ما ويُضيع أثمن الأوقات على كل ما هب ودب.

إيماننا يخلو من الجهاد

إننا نستطيع القول: أن المجاهدة الإيمانية لا مصداق لها في هذا الزمان. ما الذي يُكلفه إيماننا اليوم؟ هل نتعرض للتعذيب مثلا كما تعرض أصحاب النبي (ص) في بداية البعثة الشريفة؟ هل عانينا ما عاناه عمار بن ياسر وهو يرى أبويه يُقتلان أمام عينينه لمجرد إيمانه بالله وبالرسول؟ يكفي أن يكون في سجل هذا الرجل العظيم أن يرى قتل أبويه بعينيه لا في المدينة المفعمة بأجواء الجهاد والتضحية؛ بل في مكة الكرمة إبان البعثة الشريفة، فكانت سمية أول شهيدة وياسر أول شهيد في الإسلام. فكيف وقد قال له النبي (ص): (تَقْتُلُكَ اَلْفِئَةُ اَلْبَاغِيَةُ)[٥]، ولذا ختم الله له بالشهادة نصرة لأمير المؤمنين (ع).

خذ المدد في زمان الغيبة من إمام زمانك (عجل الله فرجه)

فخذ المدد في زمان الغيبة من إمام زمانك (عج) صاحب أضخم رصيد عبادي. فكم قد حج لله واعتمر منذ غيبته الشريفة سنة مائتين وستين إلى يومنا هذا، وكم صام وصلى وأحيى ليالي القدر وبكى في عاشوراء والأربعين؟ فاذهب إلى قبر أبويه في سامراء وابك على ظلامتهما وعلى شهادتهما بالسم في ريعان الشباب، وقل مخاطبا إمام زمانك (عج) مخاطبة إخوة يوسف (ع) له: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةࣲ مُّزۡجَىٰةࣲ فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَيۡلَ وَتَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجۡزِي ٱلۡمُتَصَدِّقِينَ)[٦]. لقد ألقوا أخيهم في البئر بنية التخلص منه وقتله وقد استنقذه الله من البئر وأتوه معتذرين فقال لهم: (لَا تَثۡرِيبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَۖ يَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡ)[٧]. وقل له: يا مولاي، أنت أكرم من يوسف (ع)، فعاملني معاملته إخوته.

توسل به (عجل الله فرجه) ليرتضيك

وتوجه إلى الحجة (عج) من خلال الزيارة الجامعة الصغيرة أو الكبيرة أو زيارة أمين الله؛ ولكن اعلم أن الشرط التوجه إليه من خلال هذه الزيارت، فحذار من أن تزورها بها لقلقة. بل ينبغي أن تقول له ما قال إخوة يوسف (ع) ودموعك جارية على خديك؛ فهذا البكاء حلقة الوصل بينك وبينه (عج).

توسل بإمام زمانك (عج) ليرتضيك ويختارك ويخصك بنظرة مهدوية ولائية. لو أن الحر كان قد ذهب إلى الصحراء وناجى ربه إلى الصباح، لعل الله لم يكن ليختم له بالسعادة كما فعلت ذلك به النظرة الحسينية غالتي قلبت كيانه وجعلته حرا كما سمته أمه بذلك.

لا غنى لك عن هذه النظرة مهما كنت ورعا

لابد وأن يكون أحدنا في زمان الغيبة تقيا ورعا ولكن ليعلم أن ذلك ليس كافيا ولابد أن يُعول على هذه النظرة المهدوية. لتكن لك علاقة عاطفية به (عج) في يوم الجمعة على أقل التقادير، فهو يومه المتوقع فيه ظهوره. إياك أن تكون نائما في يوم الجمعة بين الطلوعين. فإن كنت من الغافلين في سائر الليالي، فلا تكن كذلك في أسحار ليالي الجمعة ويومها. فصل لله ركعتين تُهديهما له وتأسى به في الصلاة أول الوقت يوم الجمعة وغيرها.

لماذا لا تتميز إلا في طلب الدنيا؟!

لماذا تبحث عن التميز في الدنيا بالبحث عن أفضل وظيفة وأربح تجارة وأجمل زوجة وأفخم بيت وأبر ذرية ولا تبحث عن التميز في العبادات والأعمال التي تُقربك إلى إمام زمانك (عج)؟ حاول أن تكون مميزا في كل جمعة بأني تصلي صلاة الليل، وتلهج بالدعاء له (عج) بين الطلوعين، وتختم اليوم بدعاء الفرج.

الإمام (عجل الله فرجه) في دعاء الافتتاح

وهذه هي العلاقة التي نُريد أن نوجدها بيننا وبين إمام زماننا (عج) في دعاء الافتتاح حيث نقول: (اَللَّهُمَّ اُلْمُمْ بِهِ شَعْثَنَا وَاِشْعَبْ بِهِ صَدْعَنَا وَاُرْتُقْ بِهِ فَتْقَنَا وَكَثِّرْ بِهِ قِلَّتَنَا وَأَعْزِزْ بِهِ ذِلَّتَنَا وَأَغْنِ بِهِ عَائِلَنَا وَاِقْضِ بِهِ عَنْ مَغْرَمِنَا)[٨]. لقد وصلت البشرية إلى أنه لا يُمكن تحقيق العدالة بقوة الشرق ولا الغرب ولا من خلال الرأس مالية ولا الشيوعية ولا الإلحاد ولا العلمانية الذين لم ينفع أحد منهم البشرية ولا زال الصراع قائما على وجه الأرض ولا زالت الدنيا تشهد المجازر والقتل المروع ونهب الثروات وما شابه ذلك من مصاديق الظلم والجور. إن العدل العالمي لا يُمكن أن يتحقق ويعم العالم إلا على يده الشريفة تحقيقا لقول الله عز وجل: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةࣰ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ)[٩].

ولذا عندما يصل المؤمن إلى هذه الفقرة من دعاء الندبة: (إِلَى مَتَى أَحَارُ فِيكَ يَا مَوْلاَيَ)[١٠] لابد وأن يكون والها كالأم التي فقدت ولدها في الازدحام لا تعقل إلا بعد أن يعود ولدها إلى حضنها. إننا لا نتوقع أن ترى عيوننا العاصية إمام زمانها (عج)، فهي لا تستحق ذلك، ولكننا نُبدي له أشواقنا ونتفاعل عند ذكره ونذرف الدموع السخية في ندبته عله يمن علينا بنظرته الكريمة.

[١] مفاتيح الجنان.
[٢] مفاتيح الجنان.
[٣] علل الشرایع  ج١ ص١٥٠.
[٤] مفاتيح الجنان.
[٥] بحار الأنوار  ج٤١ ص١٨.
[٦] يوسف: ٨٨.
[٧] يوسف: ٩٢.
[٨] مفاتيح الجنان.
[٩] القصص: ٥.
[١٠] مفاتيح الجنان.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • عندما يصل المؤمن إلى هذه الفقرة من دعاء الندبة: (إِلَى مَتَى أَحَارُ فِيكَ يَا مَوْلاَيَ) لابد وأن يكون والها كالأم التي فقدت ولدها في الازدحام لا تعقل إلا بعد أن يعود ولدها إلى حضنها. إننا لا نتوقع أن ترى عيوننا العاصية إمام زمانها (عج)، بل نتمنى أن يمن علينا بنظرته الكريمة.
  • لماذا تبحث عن التميز في الدنيا بالبحث عن أفضل وظيفة وأربح تجارة وأجمل زوجة وأفخم بيت وأبر ذرية ولا تبحث عن التميز في العبادات والأعمال التي تُقربك إلى إمام زمانك (عج)؟ حاول أن تكون مميزا في كل جمعة بأني تصلي صلاة الليل، وتلهج بالدعاء له بين الطلوعين، وتختم اليوم بدعاء الفرج.
Layer-5.png