إنه لمن المناسب في مواليد الأئمة (ع)، أن نزور الإمام صاحب المناسبة، ولو عن بعد.. بعض الأوقات الزيارة عن بعد، تكون أكثر شوقا وأعظم أجرا من الزيارة التي عن قرب، بسبب تلك الحرقة الباطنية التي في قلب ذلك المؤمن.. بعد الصلاة يتوجه المؤمن إلى جهة الإمام بالسلام عليه، ثم يصلي ركعتين بتوجه بعنوان: الالتجاء للرضا (ع)، ويقدمها هدية للإمام.. هذه الحركة ستكون مشكورة عنده (ع).
إن المؤمن في مناسبة كل معصوم، يحاول الخروج بدرس ثابت من حياة ذلك المعصوم.. من حياة الإمام الرضا (ع) نستفيد درسا عمليا؛ ألا وهو التسليم للمشيئة الإلهية، الرضا بالقضاء والقدر.. مصيبة الإمام من أعظم المصائب في حياة الأئمة (ع)؛ فقد كان يرى أن الموت هو الخلاص له مما هو فيه، وكان يدعو بتقريب أجله كلما عاد من صلاة الجمعة.. ولكن ما السبب الذي جعله يتمنى لقاء ربه؟!..
أولاً: أُخذ من أرض المدينة قسرا إلى بلاد بعيدة.. فنحن عندما نسلم على الإمام (ع) نقول: السلام عليك يا غريب الغرباء!.. لا باعتبار الزوار، فالإمام (ع) من أكثر أهل البيت زيارة، إنما غريب الغرباء باعتبار بعده عن أوطان أجداده، وقد شاءت المشيئة الإلهية أن لا يصطحب فلذة كبده، وهو في سن صغيرة.. ولو أن الإمام الجواد (ع) كان معه، كم كان يؤنسه في الطريق!.. كم كان يؤنسه في أرض طوس!.. كم كان يؤنسه عند استشهاده!.. وبذهابه إلى طوس، حرم من أهله، وعاش حياة الغربة.
ثانياً: إمام زمانه ويجلس بين يدي طاغوت من طواغيت عصره، موصوف بأنه عفريت مستكبر، يتظاهر بالولاء للإمام ويسميه ولي عهد؛ أي في درجة ثانية.. (السلام عليك يا إمام الإنس والجان)!.. هذا الإمام يجلس بين يدي المأمون؟!.. هذه الحالة كانت ثقيلة على الإمام (ع).
ولهذا كل من يذهب إلى مشهد الإمام الرضا (ع) تقريبا لا يشعر بالغربة والوحشة، ويوم السفر أغلب الناس يعيشون حالة الفراق.. لعل الله -عز وجل- عوض ضيق الإمام في حياته، بأن جعل شرح الصدر بقلوب زائريه.. عناية الإمام الرضا (ع) ولطفه؛ عناية حسية يحسها كل زائر، ليست قضية اعتقادية.. كل إنسان يعيش هذه الحقيقة؛ حتى البعض من غير المسلمين لهم علاقة وطيدة بالإمام، عند الحوائج وعند الشدائد يذهبون لزيارته (ع).. ولقد صدق الشيخ العاملي في قوله:
وما بـدا من بركات مشهده *** في كل يوم أمسه مثل غده
وكشفاء العمي والمرضى به*** إجابـة الدعاء في أعتابه
روي عن أبي عبد اللّه الحافظ أنه قال: كنت في الروضة الرضوية (صلوات اللّه على مشرفها) ليلة جمعة أحييتها، فغلبني النوم في آخرها، وكنت بين النوم واليقظة، فرأيت في تلك الحالة ملكين نزلا من السماء، وكتبا بخط أخضر على جدار القبة هذين البيتين:
إذا كنت تأمـل أو ترتجي*** من اللّه في حالتيـك الرضـا
فلازم مـودة آل الرسول*** وجاور علي بن موسى الرضا
هذا الإمام الغريب له روايات كثيرة، منها: (من استغفر الله بلسانه، ولم يندم بقلبه؛ فقد استهزأ بنفسه.. ومن سأل الله التوفيق، ولم يجتهد؛ فقد استهزأ بنفسه).. القضية ليست قضية دعاء، بل قضية اجتهاد وعمل وسعي.. الدعاء مرطب، ويهيئ الجو المناسب.. أما الذي لا يعمل، ولا يجتهد؛ هذا دعاؤه لا يستجاب.. قال الصادق (ع): (أربعة لا يُستجاب لهم دعاء: رجلٌ جالسٌ في بيته يقول: يا ربِّ!.. ارزقني، فيقول له: ألم آمُرُك بالطلب؟.. ورجلٌ كانت له امرأة فدعا عليها، فيقول: ألم أجعل أمرها بيدك؟.. ورجلٌ كان له مالٌ فأفسده، فيقول: يا ربِّ!.. ارزقني، فيقول له: ألم آمُرُك بالاقتصاد، ألم آمُرُك بالإصلاح؟.. ثم قرأ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.. ورجلٌ كان له مالٌ فأدَانَه بغير بيّنة، فيقول: ألم آمُرُك بالشهادة)؟..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.