إن الناس صنفان: صنف يعيش الهواجس المعنوية، ويهتم بمسألة الإقبال والإدبار.. وصنف لا تهمه هذه المسألة؛ إنما كل همه ينحصر في الأكل والشرب واللبس، وما إلى ذلك من متع الحياة الدنيا؛ وهذا الصنف أقرب ما يكون إلى عالم البهائم، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم: {إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا}.
فإذن، إن هناك قسما من الناس يعيش الهواجس المعنوية، ويحمل همّ الروح التي بين جنبيه.. هذه الروح الخالدة بخلود الله -عز وجل- وبإذن الله عز وجل؛ فيعطي لهذه الروح الاهتمام الذي يتناسب مع خلود الأرواح.. وعليه، فإن مسألة الإقبال والإدبار من العوارض المهمة للروح الإنسانية، ولطالما شغلت بال الذين هم في طريق التكامل، وفي طريق القرب إلى رب العزة والجلال.
من أهم القواعد في هذا المجال:
– استشعار حالة الألم والمرارة، من البعد عن الله عز وجل.. فالإنسان الذي لا يعيش الهواجس المعنوية: إن أقبل يشكر الله على هذه النعمة، وإن أدبر لا يعيش المرارة أبدا ولا يتألم لذلك.. إن استيقظ لصلاة الفجر صلى صلاته، وإن لم يستيقظ فإن الأمر لا يحرك فيه ساكنا؛ فهذا الإنسان بعيد كل البعد عن هذه الدائرة المقدسة!.. إنما المؤمنون المرهفون، الذين يحملون هذا الهم، عندما تنتابهم حالة الإدبار، وخصوصا في الصلاة الواجبة، يعيشون حالة الألم العميق.
إن الإدبار عدة أنواع:
إدبار طبيعي: مثلا: إنسان مريض، أو له هواجس دنيوية مشغلة؛ فهذا يكون من الصنف الذي يعذر في إدباره.
إدبار عقوبة: حيث أن هناك إدبارا يستشم منه العقوبة الإلهية، بمثابة إنسان له موعد مع السلطان، وعندما يفتح الباب ويقترب، يأمر السلطان أعوانه بطرد ذلك الإنسان.. هذا إدبار مؤلم، ويثير الحزن الشديد.
إدبار لطف.. بعض أنواع الإدبار قد يكون من باب اللطف؛ فرب العالمين قد لا يعطي بعض المزايا الروحية والمعنوية للعبد؛ لئلا يعيش حالة العجب والغرور.. ورد في الحديث: (سيئة تسوء ك خير من حسنة تعجبك).
وعليه، فإن المؤمن عندما يصاب بحالة الإدبار، إن رأى سببا ظاهريا: إرهاقاً بدنياً، أو تعب نفسياً؛ قد لا يقلق هذا الإدبار كثيرا.. ولكن إن تكررت هذه الحالة: كأن يصلي أياما صلاة غير خاشعة، أو مر أسبوع كامل وهو يصلي الفجر قضاء، أو وهو في المشاهد المشرفة، يذهب كل يوم إلى زيارة بيت الله الحرام وقبر النبي (ص)، ولا يتفاعل في هذه الزيارة؛ فمن الممكن أن تكون هذه إشارة إلى أن هناك خللا في تركيبته الباطنية.. عندئذ عليه بسبر غور النفس، وعمل استقراء لواقعه ولحاله.
فإذن، إن الخطوة الأولى هي البحث الدقيق عن الذنوب التي أوجبت له هذا الإدبار.. وإن اكتشف ذنبا، فلابد هنا من التعويض:
أولا: بإصلاح الأمر فيما بينه وبين الله عز وجل؛ بمعنى الاستغفار العميق، والتوبة النصوح.
ثانيا: البحث عما يوجب له الكفارة، إذا كان هناك خطأ في البين: مثلا: آذى إنسانا، أو كسر خاطر إنسان، فعن الرسول (ص): (من كسر مؤمناً، فعليه جبره).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.