إن البعض منا عندما يتشرف بزيارة المشاهد المشرفة، وعلى رأس المشاهد الحرمين الشريفين؛ فإنه يعيش حالة من حالات رقة القلب وإقبال القلب..بحيث عندما يرجع إلى وطنه، وهو بين أهله وأولاده؛ يعيش حالة الغربة، وذلك لأن قلبه متعلق في المكان الذي كان فيه.. هذه حالة إيجابية جميلة، ولكن:
أولاً: إن المؤمن لا ينخدع بهذه الحالات، فهذه حالات موسمية.. لأن ما هو فيه من الإقبال القلبي عند الكعبة؛ هو من شرافة الكعبة.. فهو لم يتغير، ومازال كما كان قبل مجيئه إلى هذه المشاهد المشرفة، من قسوة القلب..وعليه، فإن هذه من شؤون الضيافة، ضيافة رب العالمين في هذه الأماكن المباركة..حيث أن لكل قادم كرامة، والإنسان عندما يزور ملكا من ملوك الدنيا، فإن غاية إكرامه أن يعطيه طعاما شهيا، أو مالا وفيرا.. أما رب العالمين، فإنه لا يعطي الزائر لا الطعام ولا المال، بل يعطيه إقبالا، ويعطيه رقة، ويعطيه دمعة.. حتى أن أقل الناس إيمانا، لا يستبدل هذه الحالة الروحية بشيء.. مثلا: لو قيل له أثناء طوافه، وهو مقبل: اخرج خارج المسجد، وتناول طعاما شهيا!.. فإن هذا الإنسان يضحك على هذا العرض.. إذن حالة الإقبال هذه منحة إلهية، ولطف إلهي.
ثانياً: الفخر كل الفخر أن نستصحب هذه الحالة ونحن في أوطاننا، بعض العلماء يقول: فرق بين الحال، وبين المقام.. ما نحن فيه في المشاهد المشرفة؛ حالات إيجابية.. ولكن عندما تزول هذه الحالة، نعرف أننا لم نصل إلى رتبة ثابتة، وإلى مقام منيع.. المهم أن يكون الإنسان في هذه الحالة، وهو خارج المشاهد.
ثالثاً: إن الزيارة المتميزة هي: الأولى، والأخيرة.. الأولى يغلب عليها الشوق والفرح الشديد، والأخيرة فيها ألم الفراق والبعد.. هذا شوق مقدس، وهذا حزن مقدس.. لذا، فإنه من المناسب في ساعة الفراق، أن نخاطب رب العالمين إن كنا في الكعبة المشرفة، أو أن نخاطب النبي (ص) إن كنا في حرمه الشريف، أو نخاطب ذرية النبي (ص) إن كنا في أحد مشاهدهم المشرفة، أنه: يا مولاي!.. أنا استمتعت بجواركم هذه الليالي والأيام، فلا تسلب مني صالح ما أعطيتني أبدا!.. أي أذقتني حلاوة الأنس، وحلاوة الذكر.. فليس من موجبات الإكرام الكامل، أن تقرن حلاوة الأنس، بمرارة الهجران والبعد.. والكريم لا يتبع إحسانه بهذا الأمر!..
وعليه، فإننا في ساعة الوداع نطلب من رب العالمين، ونقسم عليه بجاه من زرناه، أن لا يسلب منا هذه الحالة.. إذا زرتم هذه المواطن الشريفة، قولوا ما أمرنا به في زيارة الوداع: (بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي!.. اجعلوني في همكم، وصيروني في حزبكم، وأدخلوني في شفاعتكم، واذكروني عند ربكم).. إذ أن هناك فرقا بين إنسان يرجع إلى وطنه، ورب العالمين لا يلتفت إليه بعد ذلك.. وبين إنسان يُتبنى ويُتكفل، وهو في وطنه.. فالنبي الذي زاره، أو الإمام الذي زاره؛ ينظر إليه بعين اللطف والكرامة.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.