إن هنالك مالا مسرفا فيه، ومالا مبذرا به.. فالإنسان تارة يسرف: بمعنى أن أصل العملية صحيح، حيث أن له الحق في أن يشتري طعاما مثلا، ولكن يشتري زيادة عن حاجته.. وتارة يبذر: أي أنه يشتري ما لا يحتاج إليه، ويجعل ماله في غير موضعه؛ فهؤلاء عبر عنهم القرآن الكريم بأنهم أخوان الشياطين، حيث قال تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}.. إذا كان صرف المال الفاني في غير محله يعد تبذيرا، ويجعل الإنسان من أخوان الشياطين؛ فكيف بما هو أرقى من المال، عندما يصرف في غير محله، ألا وهو العمر والوقت؟!..
إن القسم الجاد في حياتنا، يكاد ينحصر في الحضور إلى المسجد، والوقوف للصلاة بين يدي الله عز وجل.. وإلا فإن الأعمار في تلف مستمر، {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}.. بعض الناس يمضي يومياً ثلاث أو أربع ساعات في سيارته، والبعض الآخر قد يمضي ساعات من الانتظار في طوابير الشراء، وهناك من هو مبتلى بالأرق؛ لا هو مستيقظ فيعمل شيئا، ولا نائم فيرتاح بدنه.. فهذه الحالات تكون قصراً دون اختيار من الإنسان.. ولكن أحيانا الإنسان بسوء اختياره، يمضي ساعات من عمره في النظر إلى التلفاز، دون أن يستفيد من ذلك شيئا لدنياه أو لآخرته.
فإذن، ماذا نعمل في معظم ساعات العمر، التي هي عبارة عن هذه الساعات التالفة؟..
إن هناك عدة أبواب للاستثمار، منها:
– القراءة.. قراءة القرآن الكريم، وقراءة كل ما ينفع الإنسان لدنياه وآخرته.. إن المؤمن في أيام حياته، لا بد أن يقرأ الألفاظ المشكلة في القرآن الكريم، على الأقل في المصحف الذي بهامشه تفسير بسيط.. لو أن إنسانا هوى فتاة أجنبية، وأرسلت له رسالة؛ ألا يبحث في القاموس كي يعلم ما الذي تقوله هذه المحبوبة؟!.. فكيف إذن بإنسان يدعي أنه يحب رب العالمين، ولا يعلم ماذا يقول؟!.. من تلك الألفاظ: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}، {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}.. بعض الكلمات نرددها في اليوم كذا مرة، ولا نعرف معناها.. مثلا: في الصلوات اليومية، نردد هذه الجملة: (سمع الله لمن حمده)!.. لماذا سمع لمن، وليس سمع من؟.. وما معنى الصلاة على محمد وآل محمد؟.. وكذلك ما معنى: {اللَّهُ الصَّمَدُ}، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}.. في المعوذتين كلمات لا يعرفها معظم الناس {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}، {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}؟.. {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}.. ما معنى: النفاثات، والعقد، وغاسق، والوقب، والخناس؟.. لو جعل الإنسان في مكتبه القرآن المفسر البسيط، وقرأ كل يوم من كل صفحة آية، من الممكن أن يختم القرآن في سنة، من حيث المعنى.
– الذكر.. إن الذكر قسمان: ذكر لفظي وذكر قلبي.. لا بأس للمؤمن أن يتخذ وردا بين وقت وآخر؛ ويلتزم به.. كل أربعين يوما يختار وردا معينا، ويلتزم به خلال ذهابه وإيابه.. ومن أفضل الأذكار سورة التوحيد، ولو اتخذ المؤمن في شهر رمضان من هذه السورة وردا، لأصبح ثريا.. حيث أن كل ثلاث سور بمثابة ختمة، وفي شهر رمضان كل آية بحكم ختمة.. انظر إلى العدد التصاعدي من الأجر لمن كان له قلب!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.