إن الإنسان لا يتعامل مع الخارج، إلا على أساس صور مختزنة في داخل النفس، والتي كثيرا ما تكون مخالفة للواقع، أو معاكسة لها تماماً.. وهذا هو منشأ الزلل التعاملي، وذلك للانخداع بتلك الصور التي على أساسها يتم التعامل.
إن الوهم بروافده العديدة، من موجبات شحن الباطن بكم كبير من الصور الباطنية، التي لا تلامس اليقين أبداً.. ومن هنا أمرنا القرآن بعدم اتباع الظن، وما ليس لنا به علم.. وإننا مسؤولون عما نحققه، نتيجة لتصديق الأوهام، والظنون الباطلة.
من روافد الوهم في حياتنا: تصديق دعاوى تحقق السحر في الحياة -وخاصة بين الزوجين- والمطلوب قبل الاعتقاد بدعاوى الذين يتاجرون بهذا العمل المحرم (بابتزاز الضحية بعد التلقين) هو البحث عن مناشئ الخلاف، لئلا نلقي اللوم على الخارج الموهوم، بدلا من البحث عن الواقع المعلوم.. فإن ما يرسم درب الحياة هو: .. وهذه سنة الله تعالى في خلقه.
إن الروايات الشريفة تحذرنا من الركون إلى الذين يحاولون التصرف في عالم الوهم والخيال -وهو أساس السحر– إذ لا واقع له حقيقة، وإلا كان كالمعجز.. وعن علي (ع): من تعلم شيئا من السحر، كان آخر عهده بربه.
إن من روافد الوهم: الاعتقاد بالأبراج والنجوم، وكذلك الاعتقاد بالنحوسة والشؤم فيما لم يرد فيه نص قاطع.. فلماذا يتداولها المثقفون الذين يؤمنون بضرورة ثبوت كل شيء، من خلال أسس الاثبات المعروفة حسا أو تعبداً؟!..
من روافد الوهم: ما تعارف عليه العوام من قراءة الفنجان والكف، وهي أمور أشبه إلى التسلية والنوادر منه إلى الكشف عن الواقع.. إن الأخبار عما وراء الطبيعة من الأحداث المستقبلية، من الأمور التي استأثر بها الله تعالى، ولا يطلع على غيبه إلا من ارتضى من الرسول، أو المنصوب من قبله، في حدود ما أذن به عالم الغيب المتعال.
من روافد الوهم: التأثر بالمنامات بحقها وباطلها، والحال أن المنام بعضه حق، وبعضه انعكاس لا شعوري للصور المختزنة من عالم الشعور في اليقظة.. فعملا بقاعدة: ينبغي عدم التأثر بما لا يكشف عن الواقع.. فإذا كان كلام المعصوم (ع) في المنام لا يعد حجة على المكلفين، فكيف بما وراءه؟!.. ومما ينبغي الالتفات إليه، إن تعبير المنام من العلوم الخفية، فلا يركن إلى من يتخرص التأويل، بقراءة كتاب او كتابين في تعبير الأحلام.
من روافد الوهم: الاعتقاد بتأثير الأشباح والجن عند كل حركة مشكوكة!.. والحال أن الجن طائفة من الخلق، خلقهم الله تعالى -كالأنس- من أجل تحقيق عبوديته، ولم يؤذن لهم بالتصرف في حياة الأنس جزافاً.. وعلى الذين يسعون لما يسمى بالتسخيرات، الالتفات إلى أننا لم نخلق لمثل هذه الأمور، وهي محاولة للتصرف في عناصر الوجود، بما ليس في طريق العبودية بشيء.
ان الاستغلال التجاري للشفاء بالقرآن والتعويذات، عمل قد يسيء إلى القرآن، ويحوله من كتاب هداية، إلى كتاب يراد به صرف الناس عن وسائل التداوي المتعارفة، التي أمر الله تعالى بها، من جهة الاخذ بعالم الأسباب.. إلا أن ذلك ليس من باب العلة التامة، بل أنه من المقتضيات التي لا بد وأن يقترن معها مقتضيات أخرى، بالإضافة إلى ارتفاع الموانع التي لا نحيط بها علما.. أضف إلى أن القطع بالتأثير، وفي أيام معينة، وبطريقة خاصة -من قبل المتاجرين بها- ليس من الأمور التي تستند إلى دليل، لا من كتاب ولا من سنة.
إن خير وسيلة لدفع الأضرار المحتملة هي: الاستعاذة القلبية، والالتجاء إلى ولي الأمر، الذي يصرف شؤون عباده (رب الناس) والملك الذي لا يعجزه شيء (ملك الناس) والمعبود الذي ينبغي الاستعانه به (إله الناس).. إن من كان واجداً لتلك الأمور، هو الجدير بأن يلتجأ اليه عند كل مخوف وملمة.. ومما يعزز هذه الحالة القلبية، هو الإكثار من قراءة المعوذتين اللتين انزلتا على النبي (ص) حماية له، ولأهل بيته، ولأمته من بعده، وذلك من الأخطار المادية المتمثلة.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.