- ThePlus Audio
الأنس بالقرآن الكريم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
الرجوع إلى القرآن الكريم
حديثي اليوم سيكون حول القرآن الكريم، وفي الحقيقة هناك جفاء شديد تجاه القرآن الكريم من قبل جميع المسلمين والكل يراجع نفسه: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ)[١]، وفي الحقيقة لا يوجد أنس بكتاب الله سبحانه وتعالى، وفي واقع الأمر، نحن نتوجه إلى القرآن الكريم في شهر رمضان إجمالاُ ولكن طوال العام؛ ليسأل كل واحد نفسه كم آية يقرأ من القرآن الكريم؟ كم مرة يختم القرآن الكريم؟ وكم يختم من تفاسير القرآن الكريم؟ هل يراجع المعاني المشكلة التي اكتشفها خلال قرائته التفسير؟ وأنا أقترح أن يعيد الإنسان في شهر رمضان علاقته بالقرآن الكريم ويعود إليه معتذرا نادما منكسرا مستقيلا وكأنه يريد في كثرة ختماته في هذا الشهر الكريم أن يعتذر إلى كتاب الله عز وجل، طبعا القرآن الكريم والعترة الطاهرة هما الثقلان وصحيح أننا نذرف الدموع في ذكر أهل البيت (ع) في بعض المناسبات إلا أنه يجب العلم أن اتّباع العترة هو أساس من أساسيات اتباع القرآن الكريم.
ولهذا حديثي سيتركز على هذه النقطة، عسى أن نعيد الارتباط بالقرآن الكريم مرة أخرى.
استمع إلى الله عز وجل متى ما شئت..!
وعلينا أن نعلم أن القرآن الكريم هو كلام الله مع العبد؛ كما أن الصلاة هي كلام العبد مع الله عز وجل، فإذا أراد أحدنا أن يتكلم مع الله عز وجل بادر إلى الصلاة وإذا أراد أن يستمع كلام الله عز وجل بادر إلى القرآن الكريم.
هل بكيت عند قرائة سورة التوحيد؟!
وفي الحقيقة تنتاب الإنسان الدهشة عند قراءة سورة التوحيد – التفت إلى هذه النقطة وقس عليها سائر الأمور – فماذا يقول في هذه السورة؟ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[٢]، ولو أن إنسان بكى من هذه السورة لكان به جديرا، وقد تسألني عن وجه البكاء في هذه السورة التي ليس فيها ذكر لجهنم ولا للزقوم ولا للضريع ولا الحميم ولا ما شابه ذلك، فأقول: إن رب العالمين وهو رب العزة والجلال وهو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، العلي المتعال والغني عريض الكبرياء والمتكبر المهيمن الجبار؛ ينفي عن نفسه صفة الوالدية وصفة المولودية، وهكذا نزل القرآن الكريم على مستوى الحديث مع البشر وهنا ينفي سبحانه التهم السخيفة عن نفسه وينفي أن يكون والد أو ولد، وهذا كمال اللطف ببني آدم أن يتكلم الله سبحانه بمستواهم.
وصحيح أن في القرآن الكريم معاني معقدة وفيه بطون وعلينا أن لا نكتفي بالمعاني الظاهرية؛ إلا أن الله عز وجل تنزل في خطابه مع المخلوقين فنى شبهة الشرك ونفى أن تكون الملائكة إناثا ونفى أن تكون له صاحبة.
من لطف الله سبحانه أن يخاطبنا في كتابه
والمهم أن القرآن الكريم هو الواقع كمال اللطف الإلهي بالبشر وحتى بالذين لا يعقلون منهم، والقرآن الكريم خاطب المشركين واليهود وقد قرأنا في سورة الجمعة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا)[٣]، وهؤلاء الذين يخاطبهم القرآن هم في الواقع من خالفوا الأنبياء وكفروا بأنعم الله ولكن القرآن الكريم يخاطبهم بكل لطف ويخاطبهم بالحجة والمنطق، أليس هذا منتهى اللطف من الله عز وجل في خطاب عباده؟
ويبلغ به العطف على عباده والتقرب منهم حتى يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي)[٤] وكأن ملكه يتوقف على كثرة العابدين وهو الذي لا يحتاج إلى سؤالنا وهو الذي لو عصاه من في السماوات والأرض لما نقص من ملكه شيء وهو الغني عن عباده.
كيف نأنس بالقرآن الكريم؟
وجدير بالإنسان أن يحتضن القرآن الكريم ويستأنس به كما يستأنس الوالد بولده ويحتضنه من شدة الشوق، وإن كان للأسف الشديد نلاحظ البعض عند تلاوته القرآن الكريم يقلب الصفحات اللاحقة ليرى متى يصل إلى نهاية الجزء، ولا ينبغي في هذه الحالة أن يقرأ القرآن، إذا كنت ضجرا متعباُ متكاسلاً مدبراً أو تشعر بالنعاس فما الداعي إلى قراءة القرآن الكريم؟ عليك أن تختار الأوقات المناسبة من أوقات نشاطك وإقبالك، وألا تصرف أفضل أوقاتك على الجرائد والمسلسلات وعلى الحديث النافع وغيره، فإذا جاء وقت النوم تفتح القرآن الكريم لتقرأ صفحة منه، أليس هذا وهن بعينه أن تعطي أفضل ساعاتك لغير كتاب الله ولكل ما هب ودب وعندما تأتي إلى القرآن الكريم تقرأ وأنت تقلب الصفحات الأخيرة.
ضرورة احترام المصحف وعدم هجره
وقد يضع أحدنا القرآن في موضع غير لائق به؛ كأن يضعه أمام رجليه أو يمد رجليه تجاهه أو يجعله في السيارة تضربه الشمس حتى تتمزق أوراقه ويبلى، أو بعلقه في السيارة على المرآة فيذهب يمينا وشمالا، فإن كان القصد من ذلك التبرك بالقرآن فهل هذه الطريقة تناسب القرآن الكريم وهل هذا اهتمام بكتاب الله سبحانه؟ وفي بعض البيوت تجد مصاحف لم تفتح إلى يومنا هذا! وقد يأتي الشخص من الحج فيهدى قرآنا في المطار لا يقرأ منه آية وأنا أحبذ أن ينوع في القراءة في المصاحف فلا داعي لأن ينفرد الإنسان بمصحف واحد بل يعدد المصاحف حتى لا تكون سائر المصاحف معطلة.
ولابد أن يأنس الإنسان بالقرآن الكريم، وقد لاحظت بعض المؤمنين يجلسون أمام التلفزيون ويشاهدون مسلسلا ولا يعلمون سير الأحداث ولكن الأطفال يعلمون سيرها لأنهم أنسوا بها وأصبحت بينهم سنخية وتجاذب فيفهمون الأحداث من نظرة واحدة، وكذلك الأمر في الرياضة وفي الفن.
فالأنس بالقرآن الكريم يحتاج إلى سنخية، وإلا فما معنى أن يقرأ الإنسان جريدة لساعتين من الغلاف إلى الغلاف فإذا فتح القرآن الكريم يجده سواد في سواد وكأنه يصعد جبلا شاهقا، لأنه لا توجد بينه وبين الكتاب سنخية، والقرآن الكريم كتاب عزيز، فإذا لم تتسانخ معه لا يتسانخ معك.
قصة عجيبة لأطفال أتقنوا حفظ القرآن الكريم..!
في الواقع هناك سبيلان عموميان في حل جميع المشاكل: سبيل علمي وسبيل روحي، أما السبيل العلمي فهو يتمثل في فهم كنوز القرآن، وقد قلنا في خطبة سابقة، على قارئ القرآن أن يراجع التفاسير على هامش المصاحف لبعض الكلمات الغامضة ولا بأس عند التلاوة أن يراجع التفاسير الميسورة وقد جيء بالأمس ببعض الأطفال الذين يحفظون القرآن الكريم هنا في المسجد وكانت من بينهم بنت صغيرة كنت أسر في أذن معلمها أن تقرأ لي آية عن الصيام وإذا به تبدأ قراءة الآية.
ولا أدري كيف كانت تلتقط ما أقوله سراً وكان المسجد غاصا بأهله وقد شهدوا ذلك بأنفسهم، وفي الحقيقة أنا لم أجد تفسيراً مادياً لذلك؛ أن أقرأ في أذن المعلم وتقرأ لي هذه البنت الصغيرة آية في الصيام من بعيد وقد نوى آخرٌ في منتصف المسجد آية في الخمس وإذا تفهم ما نوى ولا أظن أنها قضية طبيعية بل لهؤلاء ارتباطهم بعالم الملكوت، وقد حبس غلام في داخل غرفة وأخذ يقرأ ما كنا نضمر من آيات القرآن الكريم وما وصل هؤلاء إلا بالأنس بالقرآن الكريم وبالمجاهدة في سبيله.
وقد رأيت مصحفهم الذي كان بأيديهم ممزقاً؛ فمن أجل كثرة التلاوة لهذا القرآن الكريم وكثرة الممارسة والقراءة أعطوا هذه الخاصية، ومن اللطيف أن هذه البنت الصغيرة كانت معجما موضوعباُ للقرآن الكريم – وهذا هو المهم – فكانت تأتي بالآيات بحسب موضوعها القرآني؛ كآيات الحج والحجاب والجهاد وغيرها، وفي المقابل قد يبلغ أحدنا من العمر ما يبلغ وهو لا يتقن قراءة القرآن أو لا يتقن حفظ بعض السور البسيطة.
القلب العاصي لا يعطى نور القرآن..!
فتبين لنا أن المقدمة العلمية ضرورية للمسانخة مع القرآن الكريم وكذلك المقدمة الروحية؛ إذ أن الإنسان العاصي المذنب يحرم من نور القرآن – وأرجوا أن تقبلوا كلامي على علاته – وجربوا ذلك أنتم في مقام العمل، والدليل على ذلك أن هذا النور يحرم منه بعض أصحاب التفاسير حتى، فبعض كبار المفسرين الذين انحرفوا عن منهج أهل البيت (ع) لا يقصرون في تفسير آية القربى وآية المودة وآية التبليغ وهم موجودون إلى اليوم وفي الإذاعات والتلفزيونات يفسرون القرآن ولا يخطئون بميم ولا لام ؛ حتى وكأنهم كانوا مع النبي (ص) أثناء نزول الوحي وإذا بهم يغفلون عن أبسط مفاهيم الشريعة الواضحة، ويغفلون عن موضع أهل البيت (ع) في القرآن الكريم، وبإمكان هذا المفسر أن يراجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني والذي كان من عامة المسلمين ومع ذلك ألف كتابا في ما نزل من القرآن الكريم في أهل البيت (ع) وليست فقط الآيات المعروفة بل وحتى غيرها من الآيات التي نزلت في شأنهم (ع).
أهل البيت (عليهم السلام) وموقعهم في القرآن الكريم
وطبعا قد يستغرب البعض من تفسير الآيات بأهل البيت (ع) ويرى أنها مضامين غريبة بالنسبة إليه لا تتناسب بشكل واضح مع أهل البيت (ع)، ولكن كما هو المعلوم أن الآيات المفسرة بأهل البيت (ع) هي من باب انطباق أجلى الأفراد مع الآية، فقد تكون الآية عامة ولكن النبي (ص) أو الإمام (ع) يقول: أن على رأس هذه الآية أهل البيت (ع)، كقوله سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)[٥]، وهذه الآية قد تنطبق على بيت عالم أو على مؤسسة من المؤسسات؛ ولكن البيت الأعظم الذي فيه رجال بهذه الصفة هي بيوت أهل البيت (ع)، وكذلك آيات التقوى، فعلى رأسها هم أهل البيت (ع)، وسائر الآيات الشريفة في هذا المجال.
قصة القروي الذي حفظ القرآن الكريم دفعة واحدة
وليس بعيد عنا ذلك الرجل القروي العامي الذي حفظ القرآن دفعة واحدة – وقد أدركنا من أدرك هذا الرجل – من خلال المجاهدة النفسية، فدهل مزار تلك البلدة في يوم من الأيام وإذا به يرى القرآن الكريم قد نقش في صدره، وكانت تعطى له الكتب العربية وفيها شواهد قرآنية ويقال له هذا قرآنٌ، فكان يقول: هذا ليس قرآناً إذ ليس فيه نور القرآن، فللقرآن نور وأنا لا أرى هذا النور في الآيات، وبقي الرجل على أميته ولا زال أميا وكان يفتح له الكتاب النحوي فيضع يده على السطر الذي فيه آية قرآنية؛ فيقال له من أين علمت ذلك؟ فيقول: رأيت فيه نوراً، والكتاب النحوي فيه ما فيه من الأشعار الغرامية وغيرها، إلا أنه كان يميز الآية من خلال نورها، ونحن نقرأ في دعاء زمن الغيبة: (أَرِنَا نُورَهُ سَرْمَدا لا لَيْلَ فِيهِ)[٦].
القرآن الكريم في زمان ظهور الحجة (عجل الله فرجه الشريف)
ونحن أتباع أهل البيت (ع) – مع التساهل في استخدام هذا التعبير – ننتظر الدولة الكريمة والتي من أهدافنا وآمالنا وأمنياتنا، أن نرى نور القرآن؛ فالإمام (عج) لا يأتي بالقسط وبالعدل فقط بل وستخرج الأرض كنوزها وسينعم الجميع بوجوده ويأخذ منصبا قياديا في زمانه (عج) ومن بركات زمان الظهور أن ننفتح على كتاب الله عز وجل، وأن نكشف كنوزه.
تقوية العلاقة بالقرآن الكريم قبل شهر رمضان المبارك
ومن موجبات التسانخ مع القرآن الكريم وفي شهر رمضان خصوصا؛ العلاقة بالقرآن الكريم ما قبل شهر رمضان، فالذي له علاقة متميزة بالقرآن الكريم طوال السنة؛ يتلهف لقراءته في شهر رمضان، وقد رأيت البعض يقرأ القرآن وهو في طريقه إلى المنزل ماشياً وبيده المصحف، فكلما سنحت له الفرصة قرأ من كتاب الله آية وآيتين، وقد اقترحت على بعض المؤمنين أن يقرأوا القرآن في أثناء جلوسهم في الجمعيات أو في طريقهم إليها وفي فترة انتظارهم الخطيب أن يرتقي المنبر، فلماذا يسكت الإنسان وبإمكانه أن يختم القرآن الكريم بقراءته التوحيد ثلاثاً؟ وهذا الثواب لسائر الشهور؛ أما شهر رمضان فثواب قراءة الآية فيه تعدل ختمة في ما عداه من الشهور، فكيف بقراءة التوحيد ثلاثا في شهر رمضان، فكم تعدل من الختمات في غيرها؟
خصوصية سورتي التوحيد والقدر
فليلهج أحدنا بسورة التوحيد إن لم يكن حافظاً للقرآن وعلمائنا الأبرار الذين سمعنا عنهم أو رأينا بعضهم كانوا يلهجون بسورتي التوحيد والقدر، فالتوحيد والتأمل في مضامينها يقال بأنها تقوي جهة الولاية في الإنسان وسورة القدر ترتبط بالولاية وبأهل البيت (ع) وسنفصل ذلك في حديثنا السنوي قبل إحياء ليالي القدر المباركة.
ومن موجبات السنخية مع القرآن الكريم؛ الصعود إلى مستوى الخطاب، فالله عز وجل يتكلم مع أولي الألباب مع قوم يعقلون، فالإنسان الذي لا لب له ولا فهم لا يستوعب القرآن، ولهذا لاحظنا أن الأكاديمين وخريجي الجامعات وأهل المطالعة والبحث والمتخصصين في المجالات المختلفة، لهم قدرة أكبر على فهم القرآن الكريم من الإنسان القروي أو المزارع والفلاح، لأنهم يمتلكون القدرة على استيعاب المفاهيم وسرعة في الإدراك.
وقد ناقشت يوم أمس متخصصا في الفيزياء والذهن الفيزيائي والرياضي وخاصة الرياضيات البحتة؛ ذهن مستعد للأخذ والرد ويفهم الكلام من خلال الإشارة بغض النظر عن كون الكلام مقنعا أو لا، والفرق كبير بين هذا والذي لا يفهم ويهز لك رأسه وهو لا يعقل شيئا.
ما هو معنى الحروف المقطعة في القرآن؟
ولذلك قد يسأل البعض، هل القرآن الكريم قابل لأن يستفيد منه الجميع؟ وأقول: أولا، القرآن هو عبارة عن ثلاث حقول؛ الحقل الأول في رموز القرآن الكريم والتي منها أوائل السور كـ ألف لام ميم أو ياسين وهذه خطابات نحن لا نعلم مغزاها، وقد اختلف المفسرون فيها فمنهم من قال: أنها تعني يا أيها الناس، إن القرآن مركب من هذه الحروف وأنا لا أرى أن هذا الكلام يتناسب مع عظمة القرآن، فهل القرآن يمثل تمثيلاً حتى يفهمنا هذا المعنى؟ وعلى كل حال كما يقال في تفسير الجلالين والسيوطي وغيرهم أن الله أعلم بمراده وأنا أعتقد أن في هذه الخطاب تفحيم للنبي (ص) وأهل بيته (ع) الذين يعلمون بواطن هذه الأمور.
دور أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن الكريم
وهناك شيء معروف أنا لم أجربه بنفسي وهو أن تجمع الحروف المقطعة كـ كاف هاء ياء عين صاد وألف لام ميم وسين قاف وغيرها وتقوم بحذف المكررات فسيصبح عندك جملة واحدة لها معنى وهي: (صراط علي حق نمسكه)، وأنا لا أقول أن هذه رواية حتى نحتج بها على القوم؛ فأحدنا في مقام الاحتجاج يحتج بالأدلة والبراهين وإنما قلت ذلك من باب تطييب الخواطر وإدخال السرور على المؤمنين الذين في الواقع يأنسون بهذا النمط من الكلام.
المهم أن القرآن الكريم يحتوي على هذه الرموز ويحتوي أيضا على الآيات المتشابهة وهي آيات غير واضحة تحتاج إلى تفسير؛ كـ قوله سبحانه: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)[٧] و(الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ)[٨] و(يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)[٩]، وعلى رأس المفسرين؛ بل المفسرون الحقيقيون هم أهل البيت (ع).
وقد تعمد القرآن الكريم الإبهعام في بعض حالاته؛ إذ يقول البعض لماذا تأتي الآية بشكل مشتبه يوقعنا في الاشتباه من قبيل الآية: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)[١٠]والتي جعلت جماعة من المسلمين يقولوا بالتجسيم ويحتجون بها؟ ولماذا جاء سبحانه بهذه الآيات المتشابهة والمبهمة؟ أنا أعتقد أن القرآن الكريم تعمد ذلك حتى ترجع الناس إلى الثقل الآخر.
وللأسف الشديد، نلاحظ بعض المؤمنين يسألون عن مصدر بعض المطالب من القرآن الكريم؛ كـ الأحكام الفقهية الدقيقة، والحال أن آيات الأحكام في القرآن الكريم هي في حدود الخمسمائة آية، ومنهاج الصالحين بجزئيه المعاملات والعبادات يحتوي على فروع فقهية عظيمة جداً ومن أهم الفروع الفقهية هذه الأيام شكل نظام الحكم في الإسلام، وولاية الفقيه والشورى والدمقراطية وغيرها وهذه أبحاث عميقة في الإسلام وغيره ألقت الآيات القرآنية الضوء عليها بشكل مختصر؛ فآية الشورى لا تكفي لوحدها بأن تعطي صورة دقيقة عن الأمر، والآيات إنما تعنى بالكليات وبالأساسيات فكم هي آيات الصيام في القرآن أو آيات السفر أو آيات المريض وغيرها، هي في الحقيقة آيات محدودة، وكذلك أحكام المفطرات والكفارات والقضاء وأحكام المسافر لم ترد في القرآن الكريم وإنما يجب الرجوع فيها إلى العترة الطاهرة (ع).
هل يمكن الاعتماد على كل روايات التي رويت عن أهل البيت (ع)؟
ولا نعني بالعترة كل الروايات وإن كانت ضعيفة، بل نعني بذلك العترة الواقعية والأحاديث الصحيحة، فإن وردت رواية بمضمون معقول وإسناد صحيح أخذنا بها وإن وردت رواية غريبة في ذيل آية في تفسير البرهان أو تفسير نور الثقلين – وهما تفسيران روائيان يذكران الروايات في ذيل الآيات – لا نستعجل في ردها ما لم نستوعبها، فإن كانت مخالفة للقرآن والسنة القطعية والعقل حكم ببطلانها كالروايات الواردة في التشريح وفي خواص الأطعمة والأشربة التي أثبت العلم بطلانها، كموضع القلب وكيفية المعدة وغيرها، فعلينا أن نكون على بينة من الأمر عند مراجعة الروايات.
التفسير بالرأي
ما هو التفسير بالرأي؟ قد يكون لبعض المؤمنين ذوق قرآني، وقد صادفت طبيبا في إحدى البلاد كان قد حشى القرآن الكريم بتعليقات لطيفة، فكانت له تعليقات على الآيات التي فيها بعض الإشارات والرموز والمواضيع العلمية المفيدة وقد سجل هذا المتخصص في عالم الطب معلوماته هذه على هامش القرآن، فهل يحق له ذلك؟ وأقول: لو كان الاستيحاء من القرآن مجرد استيحاء وفهم من الشخص بنحو التشكيك؛ كأن يقول: هذا الذي أفهمه أنا أو قد يكون مراد الآية فلان، لا أرى مانعاً في ذلك، كالإنسان الذي يستفيد قانوناً في الإدارة من قول يوسف (ع): (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)[١١]وهو أن المدير الناجح – وهذه الأيام هناك بحث حول المدير الناجح – هو الذي يجمع بين الكفاءة والأمانة: فالحفيظ بمعنى الأمين والعليم بمعنى المتخصص، ولا أرى بأسا إن استفاد أحدهم من القرآن بهذه الصورة.
التفسير العلمي للقرآن الكريم
إنما التلاعب بالقرآن الكريم يكون عندما نحمل القرآن الكريم معنى لا تستوعبه الآية، أو نجزم بمراد الله عز وجل من خلال بعض الكلمات من دون مراجعة المصادر، ولذلك رأينا قبل سنوات في بداية المد العملي من حاول أن يفسر القرآن تفسيراً علميا ومن هذه المحاولات تفسيرهم لقوله سبحانه: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ)[١٢]وقد دخل المفسر في تركيب الذباب وباطنه وهذا ليس تفسيرا علميا، وحتى عندما عرض صاحب هذا التفسير، تفسيره على أحد علمائنا قال له: هذا في كل شيء ما عدا التفسير! فلا يمكن ربط الأحداث كلها بعالم الطب والفلك من دون تثبت، ليتبين بعد سنوات بطلان تلك النظريات وأنه كان قد حمل القرآن معنى ليس يليق به.
نعم هناك آيات قرآنية كقوله سبحانه: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ)[١٣]، قد تكون واضحة في إشارتها لحركة الأرض التي لم تكتشف إلا في السنوات الأخيرة أو قوله سبحانه: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ)[١٤]قد تكون إشارة لشكل الحيوانات المنوية في أنها تشبه الديدان في المياه، وقوله سبحانه: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)[١٥]، قد يكون المراد منه عدم وجود الأكسيجن في طبقات السماء العلياء وبالتالي الشعور بضيق النفس والاختناق لمن يصعد إلى هناك، وما شابه ذلك من القرآن.
الآداب الظاهرية للقرآن الكريم
الآن بعد ما تبينت لنا الآداب العلمية والباطنية، سنتحدث عن الآداب الظاهرية، والتي منها استقبال القبلة عند القراءة، وفي الحقيقة إن القبلة مظلومة عندنا، ما الضير عندما يريد الإنسان أن يجلس في زاية من البيت أو في غرفة من الغرف أن يستقبل القبلة، تارة يكون المكان عكس القبلة أنسب لك أو يكون عند ضيوف تجلسهم أمام القبلة وذلك لا بأس به ولكن لو كنت وحدك ولك الخيار في الجلوس حيث شئت لماذا لا تستقبل القبلة؟
وفي الأثر عن أئمتنا (ع): (خَيْرُ اَلْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ اَلْقِبْلَةُ)[١٦]، فلماذا لا ترتب غرفة النوم ليكون سريرك أمام القبلة ولماذا تحرم نفسك هذا الأجر المجاني وأنت تنام في اليوم ثماني ساعات؟ وقد رأينا بعض الناس في المسجد يستدبر القبلة أثناء قراءته القرآن الكريم، وهو في المسجد وأمام الكعبة وأمام القبلة، فلا يجب استدبار القبلة قدر الإمكان.
ومن الآداب المستحبة البقاء على الطهارة والوضوء الدائم، وينبغي الاستمرار على ذلك ليس يوماً ويومين ولا اسبوعاً واسبوعين بل إذا أراد الإنسان أن تتأصل عنده العادة؛ عليه أن يستمر لمدة سنة كما في بعض الروايات، والذي يداوم على الوضوء يعيش طهارة باطنية عالية، وهو من موجبات السنخية مع القرآن الكريم والذي يدمن الوضوء، يشعر بأنه على جنابة لو لم يكن متوضئاً، كما يعيش الجنب حالة القذارة في نفسه، وبالطبع فإن الجنابة هي الحدث الأكبر والذي نقض وضوءه يعيش الحدث الأكبر، وعلى الإنسان أن يبقى على الطهارة قدر الإمكان، تخرج من الحمام وأمامك المغسلة والماء الدافئ وكل شيء مهيئ لك، فكم يكلفك الأمر أن تتوضأ وتخرج متطهراً؟ ويصبح بإمكانك أن تقرأ القرآن متى شئت لا كمن يخاف أن يأتي اصبعه على الآية، لماذا يعيش هذا الخوف وبإمكانه أن يتوضأ وكما تعرفون لا يجوز مس الآيات الكريمة من دون وضوء.
ومن الآداب الظاهرية التطيب، وفي الحقيقة استعمال الطيب في المنزل من السنن المحمودة، وليس فقط عند الخروج من منزل أو الصلاة بل وعند قراءة القرآن الكريم، ومنها أيضا متابعة الآيات والتفاعل مع آيات العذاب وآيات النعيم؛ بأن يقول بعد آيات العذاب: (اللهم إني أعوذ بك من عذابك) وبعد آيات النعيم: (اللهم إني أسألك الحور العيين)، أو أن يقول القارئ عند تلاوة: (يا أيها الذين آمنوا) لبيك، وبشكل عام متابعة الآيات من حيث المضامين كما كان ذلك دأب أهل البيت (ع).
ومن الآداب الظاهرية أيضا؛ إهداء الأعمال إلى الغير، وقد قلت في مناسبات عدة: في الحج والعمرة وغيرها، أنَّ الإنسان إذا أراد أن يهدي ثواب التلاوة أو الختمة أو الصيام المستحب إلى الميت، فليهدي الثواب المعصوم نيابة عن ميته بأن يقول: أهدي هذه الختمة للمعصومين الأربعة عشر نيابة عن الميت الفلاني، وسم من تشاء من الموتى، وقد سألني أحدهم وماذا أحصل عليه أنا؟ أنت أيضا شريك في الذواب والميت ينتفع والمعصومون (ع) كذلك يسرون بما أهديت لهم، ونقطة مهمة لا بد أن أذكرها في ختام حديثي: وهي أنه لا يمكن استخراج حكم أو موقف شرعي من خلال آية واحدة؛ بل يجب أن نلاحظ جميع الآيات حتى نخرج بمفهوم قرآني كامل في هذا المجال.
[٢] سورة الإخلاص: ١ – ٤.
[٣] سورة الجمعة: ٦.
[٤] سورة البقرة: ١٨٦.
[٥] سورة النور: ٣٦.
[٦] دعاء زمن الغيبة.
[٧] سورة الهود: ٧.
[٨] سورة طه: ٥.
[٩] سورة الفتح: ١٠.
[١٠] سورة الفتح: ١٠.
[١١] سورة يوسف: ٥٥.
[١٢] سورة الحج: ٧٣.
[١٣] سورة النمل: ٨٨.
[١٤] سورة العلق: ٢.
[١٥] سورة الأنعام: ١٢٥.
[١٦] منیة المرید ج١ ص٢٠٦.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن هناك جفاء شديد تجاه القرآن من قبل المسلمين وعلى الجميع مراجعة أنفسهم، نحن نتوجه إلى القرآن الكريم في شهر رمضان إجمالاُ ولكن طوال العام؛ ليسأل كل واحد نفسه كم آية يقرآ من القرآن؟ كم مرة يختم القرآن؟ وكم يختم من تفاسير القرآن؟ هل يراجع المعاني المشكلة التي اكتشفها خلال قرائته؟
- إن القرآن الكريم هو كلام الله مع العبد؛ كما أن الصلاة هي كلام العبد مع الله عز وجل، فإذا أراد أحدنا أن يتكلم مع الله عز وجل بادر إلى الصلاة وإذا أراد أن يستمع كلام الله عز وجل بادر إلى القرآن الكريم.
- إذا كنت ضجرا متعباُ متكاسلاً أو تشعر بالنعاس فما الداعي إلى قراءة القرآن؟ عليك أن تختار الأوقات المناسبة من أوقات نشاطك وإقبالك، وألا تصرف أفضل أوقاتك على الجرائد والمسلسلات وعلى الحديث النافع وغيره، فإذا جاء وقت النوم تفتح القرآن الكريم لتقرأ صفحة منه، أليس هذا وهن بعينه؟
- قد يحرم العاصي من نور القرآن الكريم بسبب ما يقترفه من المعاصي، والدليل على ذلك بعض كبار المفسرين الذين تناولوا آيات القربى والمودة والتبليغ بالتفسير ولكنهم لا يذكرون السبب الحقيقي لنزول هذه الآيات بل يحاولون أن يصرفوا الآيات عن وجهها.
- إن دأب القرآن الكريم هو بيان الخطوط العريضة للأحكام والأخلاق وغيرها من مسائل الدين، ولابد للأمة أن يرجعوا في تفسير القرآن الكريم وتبيين مجمله وكشف غوامضه إلى المعصومين (عليهم السلام) الذين يشكلون الثقل الآخر للقرآن الكريم.
- إن من الآداب الظاهرية لقراءة القرآن الكريم؛ استقبال القبلة، وتلاوته على طهارة، واستعمال الطيب وإهداء الثواب إلى المعصومين (عليهم السلام) وإلى أموات المسلمين عموماً.