- ThePlus Audio
الأعمال التي تلحق الإنسان بعد موته
بسم الله الرحمن الرحيم
زيارة القبور
ينبغي للمؤمن أن يزور الموتى بين فترة وأخرى. إننا نزور المقابر للأسف الشديد في كثير من الأحيان لكي لا يعتب علينا صاحب المصيبة. فإذا مات الجار أو الوزير أو رجل ثري سارعنا إلى تشييعه خوفا من العتاب وخوفا من أن لا يراه ذووه حاضرا في التشييع. والحال أنه يجدر بالمؤمن أن يختار وقتا كالصباح حيث تكون المقبرة فارغة ويزور الموتى لأجل العظة والاعتبار. إن هناك الكثير من المؤمنين ممن لم يزر قبر والديه وأرحامه منذ سنة؛ فهل هذا يعتبر بارا بوالديه؟
والميت في ذلك العالم ينتظر كلمة كلا إله إلا الله. إن قراءة الفاتحة على قبر الميت تختلف عن قراءتها وأنت مستلق على فراشك. اذهب إلى قبر والديك واقرأ لهما سورة ياسين وسورة الملك وسورة الواقعة واقرأ لهما المأثور من الأدعية. إن هذا الميت سينتعش من دون شك؛ خصوصا الوالدين. وإن كانت للإنسان حاجة بإمكانه بدل الذهاب إلى كربلاء أن يذهب إلى قبر أبيه أو أمه ويخاطبهما بما كان يخاطبهما به في أيام حياتهما؛ كأن يقول يا أماه، علي دين أو إنني مريض ويطلب منهما الدعاء له بعد يقرأ الفاتحة لهما؛ فلا بأس أن يطالبهما بالعوض.
أمير المؤمنين (عليه السلام) يخاطب أهل القبور ويستنطقهم
لقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه مر على أهل القبور ذات يوم فقال: (اَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ اَلْقُبُورِ أَنْتُمْ لَنَا سَلَفٌ وَنَحْنُ لَكُمْ خَلَفٌ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اَللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ)[١]؛ فقد يلحق الإنسان بأهل المقابر بعد أسبوع من زيارته لهم، وقد يصبح المشيع هو المدفون في صباح اليوم التالي. وهنا أتمنى أن ينظر كل واحد منا إلى مشاعره بكل برائة عند استماعه لهذه الكلمات، يقول الإمام (ع): (أَمَّا اَلْمَسَاكِنُ فَسُكِنَتْ)؛ إن بيتك هذا تقاسمه الورثة، وبعض الآباء يسكنون في منزل لوحدهم؛ وعندما يموت؛ يهجم على بيته الورثة يتقاسمونه فيما بينهم.
ثم يقول: (وَأَمَّا اَلْأَزْوَاجُ فَنُكِحَتْ)؛ فالأرملة ترى بعد فترة زوجا أفضل من زوجها الأول فتتزوجه وتنساه. وهناك رواية طريفة أن المرأة التي تزوجت رجلين أو أكثر في هذه الدنيا؛ قد يقع نزاع بين أزواجها في الجنة؛ فيقول الأول: أنا زوجها الأول والثاني يقول: أنا أولى بها، والرواية تقول: أنها تعطى لأحسنهما خلقا لا لأكثرهما مالا وجمالا؛ فيأخذ أحدهما الزوجة ويتحسر الآخر.
ثم يقول: (وَأَمَّا اَلْأَمْوَالُ فَقُسِمَتْ)؛ لم يبقى لك شيء في دار الدنيا، ثم قال: (هَذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا فَلَيْتَ شِعْرِي مَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ)؛ وكم هذه العبارات هي عبارات بليغة ومؤثرة، والإمام (ع) متخصص في أمر الموتى ولك أن تتصور كم دفن في وادي السلام من البشر منذ زمن أمير المؤمنين (ع) حتى يومنا هذا؛ فقد يتجاوز أعدادهم الملايين. يقول الإمام (ع): (أَمَا إِنَّهُمْ إِنْ نَطَقُوا لَقَالُوا وَجَدْنَا اَلتَّقْوَى خَيْرُ زَادٍ).
ما يلحق المؤمن من الأعمال بعد موته
وإن هذه الرواية بحق رواية تحفيزية ينبغي أن تحثنا على العمل وقد قال سبحانه: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[٢]. والنبي الأكرم (ص) يفصل لنا ذلك فيقول: (اِنَّ مِمّا يَلْحَقُ المُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَناتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْما عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ)[٣]؛ فقد تساهم في نشر كتاب كتبه عالم وتحوز بذلك أنت على الأجر كذلك ولكن لا تصر على أن تجعل اسمك في أول الكتاب – بل قد يكون اسم المؤلف أصغر من اسم المتبرع حتى ليملأ اسمه الغلاف – ولا يخدعنك الشيطان بأن وجود اسمك ضروري حتى تذكر بخير؛ فإن أخلصت العمل فرب العالمين سيذكرك.
ثم يقول: (وَوَلَدا صالِحا تَرَكَهُ)؛ فلا تجعل عينك على الكم فتفتخر بأن يمشي ورائك عشرة من الشبان ولكن لا يصلي نصفهم، فما هو وزنهم عند الله؟ إن النبي (ص) قد ترك الزهراء (س) فقط والإمام الرضا (ع) لم يترك إلا الجواد (ع) والعسكري (ع) لم يكن له غير صاحب الأمر ولكن ماذا قدموا وماذا سيقدمون؟
ثم يقول (ص): (أوْ مُصْحَفا وَرَّثَهُ). إن المصاحف في هذه الأيام أصبحت متداولة ومتوفرة ولكن كان في تلك الأيام كان يستغرق استنساخ المصحف سنة كاملة. ثم يقول: (اَوْ مَسْجِدا بَناهُ، اَوْ بَيْتا لاِبْنِ السَّبيلِ بَناهُ)؛ ومن أفضل القربات بعد بناء المسجد أن تبني منزلا لفقير. قد يعطينا البعض مبلغا من المال لا بأس به، فأقول له: هذا المبلغ الذي تريد أن تقسمه على عشرين فقير؛ فتعطي مثلا لكل فقير مائة دينار، حاول أن تبني به مسكنا لفقير يدعو لك إلى آخر العمر، فبذلك أن أرحته من جهة المسكن.
ثم يقول: (اَوْ نَهْرا اَجْراهُ)؛ ففي الأزمنة القديمة كان النهر إذا جف مات أهل القرية عطشا. (اَوْ صَدَقَةً اَخْرَجَها مِنْ مالِهِ فى صِحَّتِهِ وَحَياتِهِ تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ)؛ وما المانع من أين يخرج الإنسان الثلث في أيام حياته؟ فإذا كانت له عمارات ثلاث أنفق إحداها وأبقى اثنين لأهله وعياله. أو لماذا لا توصي بالثلث أصلا؟
إنني عندما أذهب إلى فاتحة أحدهم أسأل المعنيين: هل أوصى بالثلث؟ فإن قالوا: ما أوصى؛ فإني أتألم لهذا المسكين خصوصا إن كانت بيني وبينه علاقة، وأقول: أما كان يكفي أهله الثلثان حتى ضم إليهما الثلث؟ ولذلك لا بأس أن تشهد زوجتك وأولادك – فلا داعي أن تذهب للمحكمة وتتخذ شهودا – قل وأنت على مائدة الطعاك: إنني أخاف من موت الفجأة وأخاف أن اذهب من الدنيا بلا خبر؛ فاشهدوا علي أن ثلث مالي في سبيل الله. اشتر بهاتين الكلمتين سعادة الأبد، قل: ثلثي سبيل وانتهى الأمر.
خلاصة المحاضرة
- إنني عندما أذهب إلى فاتحة أحدهم أسأل المعنيين: هل أوصى بالثلث؟ فإن قالوا: ما أوصى؛ فإني أتألم لهذا المسكين خصوصا إن كانت بيني وبينه علاقة، وأقول: أما كان يكفي أهله الثلثان حتى ضم إليهما الثلث؟ ولذلك لا بأس أن تشهد زوجتك وأولادك فتقول كلمتين فقط: ثلثي سبيل وانتهى الأمر.